استطاع المقاول المصري محمد علي أن يفرض في الأسابيع الأخيرة واقعا جديدا في الشارع المصري، واهتماما عربيا كبيرا، بعد خروجه في مجموعة من الفيديوهات التي أدت لأول مرة، منذ 7 سنوات، إلى خروج المصريين من جديد للاحتجاج على الأوضاع، والمطالبة بإسقاط الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي كان يظن نفسه في الأمس القريب، أنه بعيد عن كل القلاقل، وأن عصر الثورات في أرض الكنانة ولى دون رجعة. خرجات محمد علي "الفيديوهاتية" إن صح التعبير، كشفت الفساد الذي ينخر السلطة في مصر، وكيف يستغل عبد الفتاح السيسي ومعه فئة عريضة من الجيش، خيرات البلاد لبناء القصور والفيلات، فلقيت فيديوهاته متابعة كبيرة جدا من المصريين والعرب، نظرا لكونه أحد الأشخاص الذين كانوا من المقربين من رؤوس السلطة في بلاد الفراعنة. هذه الخرجات التي أصبحت بمثابة "ظاهرة" جديدة في العالم العربي، ليست هي الأولى من نوعها في المنطقة، بل سبق إليها إبن مدينة الحسيمة، المغربي ناصر الزفزافي، الذي قاد بما يُعرف ب"حراك الريف" بين 2016 و 2017 عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفيديوهاته الشهيرة، والتي أدت فيما بعد إلى العصف بالعديد من المسؤولين المغاربة الذين تبين تورطهم في فساد تدبيرهم للعديد من الملفات الاجتماعية والاقتصادية في منطقة الريف المغربي. أوجه التشابه بين محمد علي وناصر الزفزافي عديدة جدا، يكاد المرء يعتقد أن محمد علي وكأنه يستنسخ تجربة ناصر الزفزافي، لكن أيضا هناك اختلافات بين الإثنين في أشياء أخرى، ومن بينها المصير، الذي يبقى مجهولا لمحمد علي ومعلوما لناصر الزفزافي. أوجه التشابه أوجه التشابه بين الزفزافي وعلي، وفق ما يرى العديد من المتتبعين، هي إن الإثنين ذاع صيتهما عبر فيديوهات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دأب ناصر الزفزافي في التواصل مع المحتجين وباقي المواطنين عن طريق فيديوهات مباشرة على ال "فيسبوك"، فيما دأب محمد علي على نشر مقاطع فيديوهاته على ذات الموقع مرة أو مرتين كل أسبوع. ومن أبرز قوة الإثنين والتي يتشابهان فيها إلى حد كبير، هو فصاحة الإثنين في إيصال رسائلهما، حيث استعمل الزفزافي، ويستعمل محمد علي حاليا، أسلوبا مبسطا يفهمه الجميع بلهجة البلد، يصل حتى إلى الشريحة البسيطة من المواطنين الذين عادة لا يفقهون في أمور السياسة شيئا، وبالتالي، فإن هذا الأمر جعل الاهتمام بما يقولانه كبيرا جدا. فصاحة الزفزافي ومحمد علي، جعلتهما بتشابهان في إخراج الناس إلى الاحتجاج في الشوارع، حيث قاد الزفزافي حراك الريف لشهور طويلة، في احتجاجات كبيرة شهدتها مدينة الحسيمة على مدار أزيد من 8 أشهر احتجاجا على الفساد، وهو الأمر الذي نجح فيه محمد علي لأول مرة يوم الجمعة الماضي، عندما خرجت أعداد مهمة من المصريين لأول مرة للاحتجاج على الفساد وعلى الرئيس عبد الفتاح السيسي. خروج الناس للاحتجاجات سواء في المغرب أو مصر، كانا معا نتيجة مباشرة لدعوات الزفزافي ومحمد علي، وهو ما يشير إلى امتلاكهما معا ل"كاريزما" خاصة جلعت الناس تستمع إليهما دون غيرهما، وهذه إحدى نقاط التشابه بين الإثنين. الاختلافات مهما تشابه البشر، فلابدا أن تكون هناك اختلافات، ومن بين نقاط الاختلاف بين ناصر الزفزافي ومحمد علي، أن الأول قاد حراك الريف كرد فعل عن مقتل الشاب "محسن فكري" الذي طحنته شاحنة للنفايات، بعدما صعد إليها لاسترجاع شحنة من السمك تمت مصادرتها منه من طرف المصالح الأمنية، فأدى ذلك إلى إنفجار الأوضاع، فكان الزفزافي في الوقت والمكان المناسب لقيادة الوضع. أما محمد علي، فإن خرجاته التي أدت إلى إنفجار الوضع في مصر، كان سببها المباشر هو استغلاله من طرف السلطة في مصر، وعلى رأسها الجيش، لبناء قصوره وفيلاته على حساب شركة "أملاك" المملوكة لمحمد علي دون تمكينه من مستحقاته، فكان نتيجة ذلك رحيله عن مصر والبدء في فضح أسرار السلطة المصرية. الاختلاف الثاني بين الإثنين، هو أن ناصر الزفزافي دعا وخرج في الاحتجاجات في مسقط رأسه وداخل وطنه، فيما جاءت دعوات محمد علي إلى الاحتجاج في مصر، من خارج أرض الكنانة، وبالضبط من مدينة برشلونة الإسبانية، بعيد عن مسقط رأسه وأهله ووطنه. كما أن ناصر الزفزافي دعا في الاحتجاجات التي قادها إلى إسقاط رموز الفساد في منطقة الريف المغربي ومحاسبتهم، ورفع مطالب اجتماعية محضة، في الوقت الذي يدعو محمد علي حاليا المصريين إلى إسقاط النظام برمته باعتباره نظاما غارقا في الفساد، وهذه النقطة واحدة من أبرز الاختلافات بين الزفزافي وعلي. المصير؟ مصير ناصر الزفزافي يختلف إلى حد الآن عن مصير محمد علي الذي لازال مصيره مجهولا، فالأول جرى اعتقاله في أواخر ماي 2017، بعدما تطورت الأوضاع عندما قام بقطع خطيب الجمعة وحدثت فوضى داخل المسجد بمدينة الحسيمة، فاتخذت السلطات المغربية ذلك ذريعة لاعتقاله. وظلت متابعة الزفزافي تأخذ مجريات عديدة، وأشواط طويلة في المحكمة بالدار البيضاء، إلا أن تم الحكم عليه في يونيو 2018 ب20 سنة سجنا بعدة تهم، منها "التآمر للمس بأمن الدولة"، وتم تثبيت الحكم في محكمة الاستئناف في أبريل من سنة 2019 الجارية. وانتقدت العديد من الهيئات الحقوقية الوطنية والدولية هذا الحكم الذي صدر في حق الزفزافي، باعتباره ناشط سياسي طالب بمطالب اجتماعية واقتصادية محضة، لكن القضاء كان له رأي أخر، وكلّف هذا الرأي اهتزاز سمعة المغرب كثيرا على المستوى الدولي. بالنسبة لمحمد علي، فإن الأخير كشف في إحدى فيديوهاته أن هناك أشخاص سخرتهم السلطات المصرية من أجل اغتياله، وحمّل الحكومة الإسبانية مسؤولية حياته، في الوقت الذي يرتقب المصريون ومعهم شريحة واسعة من الشعوب العربية ما الذي ستفرج عنه الأوضاع يوم غد الجمعة وباقي الأيام المقبلة.