1. الرئيسية 2. اقتصاد وزارة الفلاحة الروسية تكشف صعود المغرب في سلاسل التوريد الفلاحية.. والأعلاف الحيوانية من بينها الصحيفة - خولة اجعيفري الجمعة 28 مارس 2025 - 9:00 في تحول لافت على مستوى العلاقات التجارية الفلاحية بين موسكووالرباط، كشفت بيانات رسمية روسية أن المغرب أصبح من أبرز زبائن الأعلاف الحيوانية المنتجة في جمهورية باشكورتوستان (باشكيريا)، إحدى الجمهوريات الفيدرالية في روسيا الاتحادية، وذلك في سياق دينامية متنامية تسعى من خلالها الرباط إلى تنويع شركائها التجاريين الفلاحيين، وضمان استمرارية سلاسل التوريد، خصوصاً في ظل الأزمات الدولية المتلاحقة التي أثّرت على الأسواق التقليدية. صادرات "باشكيريا" الروسية تتجه جنوباً والمغرب يتصدر القائمة وفقاً لما أعلنته المصلحة الصحفية للإدارة الفيدرالية للرقابة الزراعية والبيطرية بجمهورية باشكورتوستان، أمس الخميس فقد أقدمت مؤسسة لاستخراج الزيوت في منطقة "مايتشني" على تصدير أكثر من 3.2 ألف طن من كسب دوّار الشمس المحبب (المضغوط) إلى المغرب، كدفعة واحدة ضمن سلسلة من الصادرات التي سجلت منحى تصاعدياً منذ بداية السنة. وتفيد المعطيات الرسمية الروسية، أن الحكومة المغربية استوردت أكثر من 5.5 آلاف طن من هذه المادة الغنية بالبروتين منذ مطلع سنة 2025، ما يضعه ضمن قائمة الزبائن الاستراتيجيين لهذا النوع من الأعلاف في السوق الروسية. وفي تصريح للموقع الرسمي لمشروع "روسيا – المشاريع الوطنية"، أكدت الجهات المسؤولة أن هذه القفزة تعود إلى تراجع واردات دول الاتحاد الأوروبي من الإضافات العلفية عالية البروتين، ما فتح المجال أمام بلدان إفريقية – وعلى رأسها المغرب – لاحتلال موقع مميز ضمن هذه السوق الواعدة. الأعلاف الروسية والمغرب: تقاطع المصالح الفلاحية يشكل كسب دوار الشمس، أحد أبرز المخلفات الصناعية للزيوت النباتية، ويُستخدم على نطاق واسع في تغذية المواشي والدواجن نظراً لغناه بالبروتين، فيما وبالنسبة للمغرب، فإن استيراد هذه المادة يدخل في إطار تدبير استباقي لمخزونات الأعلاف، خصوصاً في ظل توالي سنوات الجفاف وارتفاع تكلفة الأعلاف المركبة في السوق الداخلية. وفي سنة 2022، اضطرت الحكومة المغربية إلى دعم استيراد الأعلاف المركبة عبر إعفاءات جمركية لمواجهة الأزمة في القطاع الحيواني، وهو ما فتح المجال أمام البحث عن شركاء جدد خارج المنظومة الأوروبية الكلاسيكية، وتحديداً روسياوأوكرانيا ودول أوروبا الشرقية. ويشكل التعاون مع روسيا في هذا المجال جزءاً من استراتيجية أوسع لتنويع التوريد وتقوية الأمن الغذائي للمملكة، خصوصاً في ظل ارتباط الإنتاج الحيواني المغربي بشكل كبير بتوافر الأعلاف بأسعار معقولة. وهذا التوجه الجديد يعكس رغبة متبادلة في توسيع نطاق التعاون بين موسكووالرباط في المجال الفلاحي، وهو ما تدعمه أيضاً مضامين المشروع الروسي الوطني "التعاون الدولي والتصدير"، الذي وقعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويهدف إلى رفع صادرات المنتجات غير الطاقية وغير الخام بنسبة 70% بحلول سنة 2030 مقارنة ب2020، في إطار رؤية اقتصادية بديلة لفك الارتباط النسبي عن أسواق أوروبا الغربية. وتضع روسيا ضمن أولوياتها الانفتاح على القارة الإفريقية وبسط نطاق وجودها فيها، ليس فقط في المجال السياسي والدبلوماسي، بل أيضاً في القطاعات الإنتاجية، حيث تعتبر المغرب بوابة محورية لولوج أسواق غرب إفريقيا وشمالها، ما يمنحه موقعاً استراتيجياً في خارطة التصدير الروسية الجديدة. وفي هذا السياق، تم شحن الأعلاف الموجهة إلى المغرب في 46 عربة قطار، ما يؤشر إلى حجم الطلب والتنسيق اللوجستي المتقدم، في وقت تواجه فيه روسيا عزلة اقتصادية نسبية عن الأسواق الغربية، وتُعيد تشكيل شبكاتها التجارية العالمية. المغرب بين الشرق والغرب: البراغماتية الاقتصادية أولاً بروز المغرب كمستورد رئيسي لمادة فلاحية روسية غير تقليدية، مثل كسب دوار الشمس، يعكس براغماتية السياسة التجارية المغربية، التي توازن بين الشراكات الأوروبية التاريخية والانفتاح على الأسواق الشرقية ذات الكلفة التنافسية، كما يعزز هذا التوجه من أمنه الغذائي العلفي، الذي يُعد من الملفات الحساسة في قطاع تربية المواشي والدواجن، ويضمن توازناً استراتيجياً في ظل تقلبات الأسواق العالمية. ويرى خبراء في التجارة الدولية أن هذا التعاون مرشح للتوسع، خصوصاً في ظل تنامي دور روسيا كمصدر بديل للمنتجات الفلاحية، واعتماد المغرب على سياسة تنويع الموردين منذ تداعيات جائحة كورونا، ثم الحرب في أوكرانيا. ولا يمثل استيراد المغرب لأعلاف من باشكيريا مجرد صفقة تجارية، بل هو مؤشر على انخراط تدريجي في سلاسل التوريد الفلاحية الروسية، في سياق دولي يعاد فيه رسم خرائط التبادل والتعاون جنوب-جنوب وشرق-غرب، فوسط هذه التحولات، يبرز المغرب كفاعل متوازن يتحرك بأجندة متعددة الاتجاهات، هدفها الأول تأمين مصالحه الفلاحية والغذائية بمرونة واستباقية. وقد ظل المغرب طوال عقود يعتبر روسيا – وريثة الاتحاد السوفياتي – شريكاً بعيداً لكنه ضروري في معادلات التوازن الدولي، خصوصاً في ظل موقف موسكو التقليدي المائل إلى الحذر بخصوص قضية الصحراء المغربية، وتاريخ من العلاقات الباردة خلال الحرب الباردة، غير أن العقد الأخير شهد تحولاً تدريجياً نحو إعادة بناء الثقة، تجلى في زيارات رفيعة المستوى، وتوقيع اتفاقيات شراكة في مجالات الطاقة والفلاحة والسياحة والتعليم العالي. وكانت الزيارة الملكية لفلاديمير بوتين في مارس 2016، لحظة فاصلة تم فيها التوقيع على اتفاقيات استراتيجية، أبرزها في قطاع الفلاحة والصيد البحري، حيث تم فتح السوق الروسية أمام المنتجات الفلاحية المغربية، مقابل واردات من الحبوب والزيوت والأسمدة. ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، وفرض العقوبات الغربية على روسيا، وجدت موسكو نفسها تبحث عن أسواق بديلة وشركاء جدد في الجنوب العالمي، وفي هذا السياق، يبرز المغرب كشريك براغماتي لا يصطدم مباشرة مع السياسات الغربية، لكنه في الوقت ذاته يحافظ على علاقات منفتحة ومتوازنة مع موسكو، دون أن يورط نفسه في محاور متضادة. ومن هذا المنطلق، فإن التعاون في المجال الفلاحي، بما في ذلك استيراد المغرب لأعلاف حيوانية روسية من باشكيريا، يُعد شكلاً من أشكال الدبلوماسية الاقتصادية الهادئة، التي تعزز الحضور المغربي في سلاسل التوريد العالمية، وتُظهر للمجتمع الدولي قدرة الرباط على التحرك الذكي بين الضغوط الغربية والانفتاح الشرقي. ومن الناحية الجيوسياسية، بات المغرب يُوظف موقعه الاستراتيجي كبوابة بين أوروبا وإفريقيا، وبين المتوسط وأطلس الجنوب، للعب أدوار متقدمة في إعادة رسم خرائط التوريد الزراعي والغذائي، خصوصاً في ظل تنامي الحاجة إلى الأمن الغذائي في ظل الأزمات المناخية والاضطرابات الدولية، فيما الانفتاح على روسيا في هذا السياق لا يعكس فقط رغبة تجارية، بل أيضاً تموقعاً سياسياً محسوباً، يجعل من المغرب لاعباً مرناً في نظام دولي متعدد الأقطاب.