1. الرئيسية 2. المغرب الكبير رئيس أهم حزب موريتاني داعم لجبهة "البوليساريو" الانفصالية يتحدث عن "تهديدات أمنية" تشكلها الجبهة مع تنامي دعم نواكشوط لمغربية الصحراء الصحيفة - خولة اجعيفري السبت 15 فبراير 2025 - 19:59 يتزايد الحديث في الأوساط السياسية الموريتانية عن "دعممٍ موريتاني صامت" للمغرب في قضية الصحرزاء، وهو ما يؤشر عن تحولات جيوسياسية عميقة، دفعت حتى أكثر وأعتى أنصار البوليساريو تعصبًا في البلد للتعبير عن مخاوفهم، في مقدّمتهم محمد ولد مولود رئيس حزب اتحاد قوى التقدم اليساري الذي اعتبر أن قرار التخلي عن موقف الحياد يعرض بلده ل "مشاكل أمنية"، وهو إقرار واضح بأن الجبهة لم تعد تُقدَّم ك"حركة تحررية"، بل باتت تُرى كعامل تهديد دائم للاستقرار، أشبه بورم خبيث ينخر أمن المنطقة، وما كان يُسوَّق على أنه "نضال من أجل تقرير المصير" لم يكن في جوهره سوى غطاء لتبرير كيان مسلح يتغذى على الفوضى، ويزدهر حيث يسود غياب القانون. وفوجئت الأوساط السياسية في موريتانيا، بإطلاق محمد ولد مولود، رئيس حزب اتحاد قوى التقدم اليساري، تحذيرات علنية خلال مؤتمر صحافي عقده الخميس الماضي، بالعاصمة نواكشوط، معبّرًا عن قلقه العميق من احتمال اعتراف بلاده بمغربية الصحراء، وذلك على خلفية التقارب اللافت بين نواكشوطوالرباط، والذي تُرجم بسلسلة من التطورات السياسية والدبلوماسية، كان أبرزها لقاء الرئيس محمد ولد الغزواني بالملك محمد السادس في الرباط، وما تلاه من توقيع اتفاقيات تعاون تعكس تحولًا استراتيجيًا في العلاقات الثنائية، مقابل فتور متزايد في الروابط مع جبهة البوليساريو وداعمتها الجزائر. ولد مولود، الذي يُعد من أبرز الوجوه المدافعة عن الجبهة الانفصالية في موريتانيا، بل ويملك علاقات وثيقة بزعمائها، لم يخفِ في المؤتمر الصحافي أن حكومة بلاده تتعرض لضغوط متزايدة لإنهاء موقف الحياد الذي التزمت به منذ توقيعها على الاعتراف بجبهة البوليساريو في ثمانينيات القرن الماضي، في حقبة شهدت اضطرابات سياسية وانقلابات عسكرية متوالية عقب سقوط أول نظام مدني في 10 يوليوز 1978، واليوم، مع هذا التحول في المواقف، يرى الرجل أن البلاد مقبلة على منعطف حساس، قد يعيد تشكيل المشهد الإقليمي. وتحذيرات ولد مولود، لم تتوقف عند الجانب الدبلوماسي، بل امتدت إلى البعد الأمني، حيث اعتبر أن التخلي عن موقف الحياد في نزاع الصحراء قد يُعرض موريتانيا، ليس فقط لضغوط إقليمية، بل لما هو أخطر من ذلك، أي تهديد استقرارها الداخلي ومسّ سيادتها الوطنية، على حد تعبيره، وفي لهجة تنمّ عن قلق واضح، وصف الاعتراف بمغربية الصحراء وسحب الاعتراف بجبهة البوليساريو ب"الخيانة الوطنية"، محذرًا من أنه قد يجرّ البلاد إلى "مشاكل أمنية" غير محسوبة العواقب. تصريحات محمد ولد مولود، التي تعكس مخاوف تيار طالما ارتبط بجبهة البوليساريو، تكشف عن بعد أعمق من القضية المطروحة، فاليوم، لم تعد البوليساريو مجرد قضية خارجية، بل أصبحت عبئًا سياسيًا وأمنيًا يثير قلق داعميها التقليديين، بمن فيهم بعض التيارات المؤيدة لها في موريتانيا، والتي لعبت طيلة العقود السابقة دورًا مهما في توتير العلاقات مع المغرب، حتى باتت تواجه الآن تحديات جمة في ضوء التغيرات الإقليمية، وفي مقدمتها التزايد الملحوظ في التقارب بين المغرب وموريتانيا، وما كان يُعتقد أنه عائق في الماضي قد يعيد رسم ملامح المنطقة بشكل لم يعد من الممكن تجاهله، خاصة في ظل تراجع تأثير الجبهة وافتقارها للدعم الذي لطالما راهنت عليه. هذا، ومن الواضح أن خطاب الناشط السياسي الموريتاني اليساري، قد تأثر بشكل غير مباشر بالتهديدات المستمرة التي أطلقتها جبهة البوليساريو في الأشهر الأخيرة، إذ لم تقتصر هذه التهديدات على توجيه رسائل إلى المغرب فحسب، بل تطورت إلى تهديدات مباشرة لموريتانيا، في تصعيد غير مسبوق يتزامن مع تقوية العلاقات بين نواكشوطوالرباط، وعلى رأسها الحديث عن فتح معبر حدودي بين السمارة المغربية وبير أم كرين الموريتانية، تلك الخطوة التي اعتُبرت من قبل البوليساريو انقلابًا على مواقف نواكشوط التقليدية في النزاع الإقليمي. وفي سياق هذه التهديدات، جاء تصريح البشير مصطفى السيد أواخر شهر يناير الماضي، ليزيد من حدة التصعيد حيث حذّر من أن "أبواب النار ستفتح" على موريتانيا إذا تم تنفيذ المشروع المزعوم، وما يجعل الأمر أكثر خطورة هو أن تهديدات البوليساريو لموريتانيا ليست مجرد تصريحات عابرة، بل تمثل جزءًا من سلسلة من التصعيدات التي استهدفت نواكشوط خلال الأشهر الأخيرة، فالجبهة لم تقتصر على التهديدات اللفظية، بل ألمحت أيضًا إلى احتمال تنفيذ عمليات إرهابية ضد المصالح الموريتانية، وهذا التحول في استراتيجيتها يعكس تحولًا نوعيًا في استخدام التهديدات الأمنية كأداة ضغط، ليس ضد المغرب فحسب، بل ضد كل دولة تظهر تقاربًا معه. ومن الناحية القانونية، تضع هذه التهديدات البوليساريو في دائرة التنظيمات التي تلجأ إلى العنف السياسي من أجل فرض أجندتها، وهو ما يُعد انتهاكًا فاضحًا لميثاق الأممالمتحدة وللقوانين الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، فمن منظور القانون الدولي، تُعد أي تهديدات باستخدام القوة ضد دولة ذات سيادة بمثابة تهديد للسلام والاستقرار الإقليمي، ما يفتح أمام موريتانيا الباب لاتخاذ تدابير دبلوماسية وأمنية أكثر صرامة. وفي هذا السياق، تواجه موريتانيا تحديات مزدوجة، من جهة، الضغوط المتزايدة من البوليساريو وداعميها في مقدمتهم الجزائر، ومن جهة أخرى، الحاجة إلى تعزيز التعاون مع المغرب باعتباره خيارًا استراتيجيًا يضمن مصالحها الأمنية والاقتصادية، ومع تصاعد التصعيد من جانب الجبهة الانفصالية، قد تجد نواكشوط نفسها أمام خيار حاسم، قد يؤدي إلى مراجعة موقفها التقليدي من "الحياد الإيجابي"، خاصة في ظل الانفتاح على شراكات جديدة. أما التهديدات التي أطلقتها البوليساريو وماتزال تلوّح بها لموريتانيا، فهي تمثل تحولًا كبيرًا في مسار النزاع، إذ تحاول فرض رؤيتها بالقوة على دول الجوار، وفي ظل التراجع المتسارع في دعمها الإقليمي والدولي، فإنها تصبح عامل تهديد مباشر للاستقرار في الصحراء الكبرى ومنطقة الساحل بشكل عام، وهذا الوضع قد يفرض على المجتمع الدولي إعادة النظر في طريقة تعامله مع البوليساريو، ليدرك أنها لم تعد "حركة تحرر" كما تدعي، بل تنظيمًا يستخدم أساليب الترهيب لتثبيت واقع بات أبعد من أن يتحقق. وكانت مصادر دبلوماسية، قد أفادت لصحيفة "أنباء أنفو" الموريتانية في وقت سابق، أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يقترب من اتخاذ قرار تاريخي يستند إلى مرجعية الأممالمتحدة التي لا تعترف بالجمهورية التي أعلنتها البوليساريو، وكذلك إلى قرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة المتعلقة بالقضية. ويعكس هذا القرار المنتظر توافقًا مع مواقف الدول الكبرى، معظم الدول الإفريقية، وجميع الدول العربية والإسلامية باستثناء دولة واحدة. ويعتمد الرئيس الموريتاني في قراره أيضًا على حقيقة أن الحكومات التي تعاقبت على حكم موريتانيا منذ عهد الرئيس الأسبق محمد خونا ولد هيدالة، الذي كان مواليًا للبوليساريو، كانت ترفض قرار الاعتراف بالجبهة. كما أن هذه الحكومات كانت تخشى من ردود الفعل المحتملة إذا تراجعت عن هذا الاعتراف، خاصة في ظل دعم عسكري محتمل من الجزائر. وما يعزز من إمكانية اتخاذ الرئيس ولد الشيخ الغزواني لهذا القرار السيادي في الوقت الراهن هو أن الجيش الموريتاني أصبح اليوم في وضع يسمح له بالتصدي لأي تهديد لسيادة البلاد. فموريتانيا في عام 2025 ليست كما كانت في عام 1978، فقد تحولت إلى دولة إقليمية قوية، وصنّف جيشها ضمن أقوى الجيوش في القارة، بعد أن كان في تلك الفترة خارج أي تصنيف عسكري.