صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الحسيمة : ملتقي المقاولة يناقش الانتقال الرقمي والسياحة المستدامة (الفيديو)    تعيين مدير جديد للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتطوان    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين    السفيرة بنيعيش: المغرب عبأ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني على خلفية الفيضانات    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    لمدة 10 سنوات... المغرب يسعى لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت من قطر    الأرصاد الجوية تحذر من هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    الدرك الملكي بتارجيست يضبط سيارة محملة ب130 كيلوغرامًا من مخدر الشيرا    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه كوت ديفوار وديا في أبيدجان استعدادا للاستحقاقات المقبلة    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    مصرع شخص وإصابة اثنين في حادث انقلاب سيارة بأزيلال    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    بعد ورود اسمه ضمن لائحة المتغيبين عن جلسة للبرلمان .. مضيان يوضح    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين تسلم "بطاقة الملاعب" للصحافيين المهنيين    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة        معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    الدولة الفلسطينية وشلَل المنظومة الدولية    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    عواصف جديدة في إسبانيا تتسبب في إغلاق المدارس وتعليق رحلات القطارات بعد فيضانات مدمرة    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    إسرائيل تقصف مناطق يسيطر عليها حزب الله في بيروت وجنوب لبنان لليوم الثالث    الجيش الملكي يمدد عقد اللاعب أمين زحزوح    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية الأمريكي    غينيا الاستوائية والكوت ديفوار يتأهلان إلى نهائيات "كان المغرب 2025"    غارة جديدة تطال الضاحية الجنوبية لبيروت    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"حكومة الكفاءات".. الرابح والخاسر في التعديل الحكومي المرتقب
نشر في الصحيفة يوم 20 - 08 - 2019

اتخذت العملية التواصلية العلنية بين مكونات الأغلبية الحكومية، منذ الأسبوع المنصرم، ايقاعا متزايدا، وذلك في تفاعل متأخر زمنيا مع تكليف الملك محمد السادس، خلال خطاب العرش ال20، لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني بإعداد قائمة اسمية تهم التعديل الحكومي المرتقب إجراؤه مع الدخول الاجتماعي والسياسي المقبل. وهو التعديل الذي اشترط الجالس على العرش اقترانه بالكفاءة غاية وتجديد النخب وسيلة.
تعديل قد ترى الأغلبية الحكومية الشروط المرتبطة به أنها أقرب إلى المستحيل منه إلى الواقع الممكن، على اعتبار أن تحمل مسؤولية تدبير الشأن العام لم يرتبط بالكفاءة، وكثيرا ما تم القفز عليه وتجاهله خلال مختلف المحطات السياسية والانتدابية، على حساب المحسوبية والولاءات والقرب من مراكز القرار السياسي وحتى السيادي، وهو ما يفسر حالة الارتباك المستمرة في الزمان والمكان التي يعيشها التحالف الحكومي.
وإذا كان من الصعب الحديث عن تقييم سياسي بمنطق الربح والخسارة لكل حزب على حدة، بالنظر إلى الرهانات المعقودة على التعديل الحكومي المرتقب والذي أتى تحت الطلب الملكي، فإن حالة اللا انسجام السائدة بين مكونات التحالف الحكومي، وما تعيشه من تناقضات داخلية انفجرت في كثير من الأوقات على شكل تصريحات تتخذ شكل صراعات بين مكوناتها، كادت أن تفجر الأغلبية الحكومية من الداخل لولا طبيعة وبنية النظامين السياسي والحزبي.
وفي محاولة لقراءة الواقع الحزبي المغربي في أفق التعديل الحكومي المرتقب، يرى الدكتور محمد العمراني بوخبزة، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمارتيل، أن "النظام الحزبي المغربي يتسم بصبغة أساسية وهي أن أمناء الأحزاب السياسية يظلون في هذه المناصب مدى الحياة، وهو ما يؤثر على دورهم ومردوديتهم، وهو ما لن يسمح لأي منهم بالاشتغال وفق تصور ومشروع واضح ومتقدم".
الدكتور بوخبزة وفي تصريح خص به الموقع الاخباري "الصحيفة"، يرى أن "للهرم التنظيمي للأحزاب السياسية ارتباط وثيق بكرسي الزعامة، إلى درجة أن التغيير في القيادة الحزبية يكون شبه مستحيل، مما يفوت على الجميع فرصة التفاعل الإيجابي مع الموجهات الكبرى التي تضمنها الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش ال20، والمتمثلة في الكفاءات وتجديد النخب، ثم الابداع في آليات وطرق التشخيص المرتبط بالنموذج التنموي الجديد، ومعها ابتكار حلول عملية وذات جدوى".
وهو ما يجعل مسألة توفق الأحزاب السياسية في الانخراط سواء في دينامية التعديل الحكومي على قاعدة الكفاءة وتجديد النخب، أو على مستوى اللجنة التي سيعهد اليها الاشراف على بلورة تصور خاص بالنموذج التنموي الجديد، من الصعب، إن لم نقل من المستحيل، تحقيقه والتوفق فيه.
العدالة والتنمية، "دربلة" الحكومة أكبر من مقاسه
كثيرة هي التوصيفات السياسية التي رافقت حزب العدالة والتنمية منذ توليه مسؤولية رئاسة الحكومة، سواء خلال الولاية الحكومية السابقة أو الحالية التي يرأسها سعد الدين العثماني، ولعل التوصيف الأكثر شيوعا بين مختلف الفاعلين والمهتمين، هي أن الحزب لا يعدو كونه مجرد "واجهة" لحكومة يقودها فعليا حزب التجمع الوطني للأحرار.
الدكتور بوخبزة يرى أن "الوضع الداخلي لحزب العدالة والتنمية يجعله في موقف ضعف في أية مفاوضات مستقبلية، لأمرين أساسيين: أولهما، تنازع الزعامة بين القيادات، خصوصا مع الرغبة الجامحة لعبد الإله بنكيران في العودة بقوة إلى واجهة الأحداث السياسية، وهو ما يستشف من خلال الكثير من خرجاته ومبادراته، وثانيهما، الأداء المتدني إن لم نقل الكارثي لوزراء "المصباح" وهو يقوي فرضية خروج عدد منهم من الحكومة خلال التعديل الحكومي المقبل".
وبالرغم من أن البيجيدي هو الذي يقود الحكومة الحالية بعد التكليف الملكي لسعد الدين العثماني بتاريخ 17 مارس 2017، إلا أن الطريقة التي دبر بها تشكيل الحكومة، حيث اعتمد على إغراقها بكتابات الدولة كآلية لإرضاء خواطر صقور حزبه. صيغة يرجح الدكتور بوخبزة الاستغناء عنها وتجاوزها خلال التعديل الحكومي المرتقب، على اعتبار أنها تتعارض مع التوجيهات الملكية في محدداتها الكبرى، وهو ما سيجد فيه العثماني صعوبات إضافية في تدبير المفاوضات.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي سابقا، وفي ذات تصريحه للموقع، اعتبر أن "طبيعة حزب العدالة والتنمية وتمثيليته الطبقية، حيث انه لا يمثل الطبقة البرجوازية أو الرأسمالية أو رجال الأعمال، وإنما يمثل في الغالب الطبقة المتوسطة، وهي الفئة التي تضررت كثيرا خلال الولايتين الحكوميتين الأخيرتين، مما يفسر تراجع مساهمتها في انتاج النخب، وبالتالي سيكون من الصعوبة بمكان تقديم الحزب لأسماء أكثر كفاءة مما قدمه منذ ولاية بنكيران وإلى الآن".
"فخزان نخب الحزب محدود بحكم طبيعة تمثيليته الطبقية، وقد تم استنفاذه بشكل من الأشكال، إذ هناك من تم استبعاده في إطار الصراع على المواقع والمناصب والامتيازات، وهناك من اختار الابتعاد بعدما رأى أن الحزب غير جلده وخطابه وقناعاته ومواقفه بعدما أصبح يسير الحكومة وعدد من الجماعات والمدن"، يضيف ذات المتحدث.
التجمع الوطني للأحرار.. قريب من المال، بعيدا عن السياسة
عبر مساره السياسي والانتخابي، الذي انطلق في لحظة التأسيس ذات أكتوبر من سنة 1978 على يد أحمد عصمان صهر الراحل الحسن الثاني، عرف حزب التجمع الوطني للأحرار بكونه الإطار السياسي الذي يلتف حوله أكبر عدد من رجال المال والاعمال من عوالم التجارة والصناعة والخدمات، إلا أنه ومع وصول عزيز اخنوش إلى رئاسته، حاول حزب "الحمامة" إعادة توصيف أدواره وتغيير الصورة النمطية التي ارتبطت به، من حزب موال للقصر يقوم بدور الموازنة السياسية وضبط وتوجيه رؤوس الأموال الوطنية، إلى حزب بمرجعية أيديولوجية ورؤية سياسية وآلة انتخابية.
وهي نفس القناعة التي عبر عنها الدكتور بوخبزة في تصريحه للموقع، حيث أكد على أنه ومباشرة "بعد الاستحقاقات الجماعية والتشريعية لسنتي 2015 و2016، حاول ال RNI أن يغير من جلده وذلك بالبحث عن كفاءات من خارجه خصوصا في صفوف رجال الأعمال تصلح لأن تكون واجهته السياسية والانتخابية، وهو ما نجح فيه في البداية، إلا أن حملة المقاطعة التي كبدت الحزب، في شخص رئيسه عزيز اخنوش ومجموعته الاقتصادية "أكوا"، خسائر مالية وسياسية كبيرة. عرقلت (حملة المقاطعة) الاستراتيجية التنظيمية والتواصلية التي كان قد وضعها الحزب تحضيرا لانتخابات 2021".
وبالرغم من الهالة الإعلامية التي واكبت التحركات التنظيمية والتي سعى الحزب من خلالها إلى الاستثمار في صورته لدى الرأي العام كحزب يشتغل على مدار السنة، مُبدِيا حرصه على تأسيس وهيكلة أذرعه التنظيمية من شبيبة ونساء وطلبة ومهندسين وغيرها، إلا أن حدث المقاطعة، يقول عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمارتيل، أربك حسابات القيادة التجمعية وأدخل هذه الاستراتيجية في نفق مظلم، مما يفسر حالة الفشل في تدبير المرحلة وعدم القدرة على التعامل الاستباقي مع حدث المقاطعة ومخلفاتها، فما بالك بالنجاح في استقطاب نخب وكفاءات في المستوى.
هذه العوامل الداخلية والخارجية، أضاف إليها الدكتور بوخبزة طريقة اشتغال وزراء الحزب داخل الأغلبية الحكومية والتي يرى أنها لم تكن موفقة مائة في المئة. لأن الحزب اشتغل من داخل الحكومة بمنطق المزاوجة بين الأغلبية والمعارضة في نفس الوقت، في تقليد سطحي لسلوكات وممارسات بنكيران حين رئاسته للحكومة، وهو ما جعل أداءه غير مقبول بصفة عامة، وهي نفس النتيجة التي لحقت حزب "الحمامة" وصورته لدى الرأي العام.
«مِحَن اليوسفي » تنقذ "الوردة" من الموت المؤسساتي
عدم قبول حزب العدالة والتنمية ب"الضرورة السياسية" لتواجد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحكومة عقب تشريعيات 2016 كلفته كثيرا. فبالإضافة إلى إعفاء بنكيران من تشكيل الحكومة وبالتالي رئاستها، وجد الحزب نفسه في مواجهة تحالف من داخل التحالف الحكومي مكون من أحزاب: الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري بقيادة التجمع الوطني للأحرار.
وبالغوص قليلا في "نعمة" اليوسفي على حزب "الوردة"، يؤكد الدكتور بوخبزة أن "لا أحد ينفي عن الاتحاد أنه حزب الكفاءات والخبرات الكبرى، لأن تاريخه تميز دائما بهاته الخصائص، كما ارتبط بأسماء من العيار الثقيل مثل محمد عابد الجابري، عمر بنجلون، محمد جسوس، محمد عزيز لحبابي وغيرهم كثير".
فعبد الرحمان اليوسفي الذي تعرض للتضييق السياسي والاعتقال والنفي، بسط يده إلى الراحل الحسن الثاني حين تصويته بنعم على دستور 1996، ثم قبوله المساهمة في تحقيق الانتقال السلس للعرش من خلال تحمله لمسؤولية الوزارة الأولى سنة 1998، هو نفس اليوسفي الذي انقلبت عليه أعلى سلطة في البلاد وعينت التقنوقراطي ادريس جطو وزيرا أولا بالرغم من أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو الذي حل أولا في انتخابات 2002 ب50 مقعدا. وهو ما اعتبره اليوسفي انقلابا على المنهجية الديمقراطية، فرد عليه بقرار اعتزال السياسة واستقالته من كل المهام الحزبية والانتدابية التي كان يتقلدها.
استحضار مسار اليوسفي مهم لتوضيح التغير الواضح في تعامل المؤسسة الملكية مع هذه الشخصية السياسية التي يصفها المتتبعون بالمتفردة في زمن الزعامات الكبرى. وهنا يصرح الدكتور بوخبزة بالقول إن الحزب "عانى من ممارسات السلطة كما عانى من الانشقاقات وسوء تدبير الاختلاف الداخلي، وذلك بالرغم من المبادرات المهمة والمتعددة، آخرها التي أقدم عليها الأستاذ اليوسفي لرأب الصدع ومطالبة الكثير من أطر ورموز الحزب العودة الى الحزب للاشتغال من داخله".
"شخصيا، وبعد مغادرة أسماء كثيرة وكبيرة لسفينة الاتحاد بشكل أو بآخر، والتي أجد أنه بالصعوبة بمكان عودتها للحزب ولو بعد الاغراءات التي قدمت مؤخرا، أعتقد أن الحزب، في ظل هذه الظروف والمعطيات، سيجد صعوبة في أن يعيد ذلك الوهج والتألق الذي عرفه عبر تاريخه بعدما تأثرت صورته لدى الرأي العام بسبب الصراعات الداخلية. وعليه أرى أن الحزب بوضعه الحالي سيكون من الصعوبة بمكان أن يوفر ذلك الخزان اللازم من الأطر والكفاءات اللازمة للمرحلة المقبلة"، يصرح الدكتور بوخبزة.
التقدم والاشتراكية، هل سيكون نزوله من الحكومة بنفس سرعة صعودها إليها؟
بنى حزب التقدم والاشتراكية الذي يقوده محمد نبيل بنعبد الله، خلال العقد الأخير، موقعه السياسي على قاعدة تحالفه الاستراتيجي مع عبد الإله بنكيران الذي ترأس حكومة 2012. وهو التحالف الذي كان بين شخصي بنكيران وبنعبد الله أكثر من كونه بين حزبين أحدها إسلامي والآخر شيوعي. وهو التحالف الذي ألحق بحزب "الكتاب" هزات سياسية متتالية على امتداد الولايتين الحكوميتين الاخيرتين، كانت أقواها إعفاء أمينه العام من عضوية الحكومة عقب ما عرف آنذاك بالزلزال السياسي الذي تسببت فيه أحداث الحسيمة.
وعن طبيعة علاقة محمد نبيل بنعبد الله بسعد الدين العثماني، يرى الدكتور بوخبزة أن "العثماني يمارس السياسة ببرغماتية كبيرة، وأنه يضبط مستوى علاقته بأحزاب التحالف الحكومي على حسب وضعية كل حزب وقوته ومواقفه".
"وقد عبر العثماني عن حالة الفتور التي تمر منها علاقته السياسية بحزب التقدم والاشتراكية من خلال تخليه عن كاتبة الدولة في الماء شرفات أفيلال، وذلك دون الرجوع إلى حليفه في الحكومة ولو من باب الإخبار. وهو ما رد عليه بنعبد الله في أكثر من خرجة إعلامية بأن حزبه مستعد للخروج من الحكومة إذا ما ظلت حالة الفتور في العلاقة بين الحزبين على حالها، يضيف ذات المتحدث. مشيرا إلى أن حزب التقدم والاشتراكية "كان ذكيا، منذ نونبر2011 عندما تمسك بالدخول الى الحكومة، بأي وجه كان. ذكاء ناتج عن وعيه بأن مستقبل الحزب لا يمكن أن يكون في المعارضة، وأن توهجه واستمراريته لا يمكن أن تكون إلا من داخل الحكومة، وهناك أحزاب فقدت حضورها بعدما انتقلت من الأغلبية الى المعارضة".
مضيفا أن "ال PPS يوجد اليوم في مفترق الطرق، فهو من جهة في حاجة إلى دوام تواجده في الحكومة ليضمن لتنظيماته وأطره أكبر قدر من التزود من طاقة "السلطة الرمزية" المستمدة من المواقع الحكومية، ومن جهة ثانية فهو أمام امتحان تقديمه للكفاءات والنخب الجديدة التي ستكون الورقة الضامنة لاستمرار أحزاب التحالف الحكومي في حكومة الكفاءات المرتقبة من عدمه".
هذا دون الحديث عن الكثير من الشنآن الذي دخلت فيه قيادات حزب علي يعته مع مكونات الأغلبية الحكومية، خصوصا مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحالات التلاسن بين الطرفين، وكلها تفاصيل قد تدفع بالعثماني الى أن يزيد من منسوب براغماتيته، ويدفع في اتجاه إخراج التقدم والاشتراكية من الحكومة خلال التعديل المقبل.
الحركة الشعبية، حزب المعادلة السياسية في يد القصر
إذا كان حزب التجمع الوطني للأحرار قد عرف بكونه ذلك الإطار السياسي الذي يلتف حوله أكبر عدد ممكن من رجال المال والأعمال من عوالم التجارة والصناعة والخدمات، فإن حزب الحركة الشعبية قد ارتبط في المخيال العام بكونه حزب البادية والأرياف واعتبارها خزانه الانتخابي الأول.
لذلك لا غرابة أن نجد الدكتور بوخبزة يشدد على أن "القيادة السياسية التي اختارت تأسيس الحزب تعمدت ربطه بالبوادي والقرى، إلا أن أدوار الفاعل السياسي عموما والمنتمي لحزب "السنبلة" تحديدا قد تراجعت خلال العقود الأخيرة في هذه المناطق، وذلك بالنظر إلى متغيرات عدة، أبرزها تغير ملامح التركيبة الديمغرافية للمناطق القروية/الحضرية، بفعل الهجرة نحن المدن أساسا، وعدم استفادة البوادي من التنمية كما هو الشأن بالنسبة للمناطق الحضرية".
وبالرغم من الأدوار التي لعبها الحزب في أوقات سابقة، إلا أنه، وبحسب تصريح نفس المتحدث، "لم يستطع استقطاب كفاءات ونخب جديدة، حتى أن هناك حقائب وزارية محسوبة على الحركة تم تكليف بعض التقنوقراط بها وإضفاء اللون الحزبي عليهم في آخر لحظة، سواء تعلق الأمر مثلا باستوزار محمد حصاد، وبعده سعيد أمزازي، وهو ما يعكس عجز الحزب عن تجديد دمائه".
الدكتور بوخبزة يُرجع الأمر إلى البنية الفكرية المحافظة لقيادة الحزب تنظيميا وسياسيا. ذلك أن الزعامات التي تهيمن على الحزب تتحفظ على الانفتاح على الكفاءات والنخب"، معتبرا أن "منسوب تحفظ قيادة الحركة أعلى مقارنة مع الأحزاب الأخرى".
عامل تحفظ قيادة الحزب على الانفتاح على نخب وكفاءات جديدة واستقطابها، تجعل كسب رهان المشاركة في التعديل الحكومي المقبل من باب تقديم كفاءات ونخب حزبية أصيلة، أمر مستبعد، اللهم إذا تم إنزال بعض الأسماء على الحزب، وصبغها باللون الأصفار كما حدث في محطات سابقة، وهو ما لن يكون مدخلا سليما لتدبير المرحلة المقبلة والتي من أساسها إعادة الاعتبار للعمل السياسي من خلال إعطاء الفرصة لنخب الأحزاب والكفاءات التي كثيرا ما تضررت بسبب الإقصاء الممنهج المبني على أساس الولاءات والقرب من قيادات الأحزاب.
هل سيكون حزب الاستقلال الورقة البديلة لرفاق بنعبد الله؟
بعيدا عن كون حزب الاستقلال عُرف بتمكن قيادته وكثير من المنتسبين إليه من تدبير الشأن العام سواء من داخل القطاعات الحكومية أو من خلال تواجدهم من داخل عدد من المؤسسات العمومية وشبه العمومية، وهي خبرة استطاع الحزب تثمينها ومراكمتها. فإن الدكتور بوخبزة وهو يرصد المحطات الذي قطعها حزب "الميزان" خلال السنوات الأخيرة، والتي وصفها ب "المحنة الحقيقية"، حيث انتقل الحزب، بحسب ذات التصريح، من خصوصية مرحلة ما قبل حميد شباط، إلى خصوصية مرحلة شباط بكل ما رافقها من نقاش، ثم العودة مرة أخرى إلى خصوصية الحزب لمرحلة ما بعد شباط.
بوخبزة يرى أنه "يصعب توصيف الفترة التي ترأس فيها شباط الحزب، وأن تجاوز هذه الفترة والعودة بالحزب إلى خصوصيته الأولى يحتاج إلى وقت ومجهود على مستويات عدة. ذلك أنه وإلى حدود الآن لا زالت مرحلة تدبير شباط للحزب تلقي بثقلها عليه".
وللاستدلال على مدى تأثير مرحلة شباط على المسار التنظيمي والسياسي للحزب، يرى نفس المتحدث أنه "لولا المحاولات الحثيثة لإسقاط شباط على الحزب في مرحلة سابقة، لما كان هذا الظهور القوي لآل الرشيد، وما يشكله من ضغوطات سياسية على الأمين العام الحالي للحزب. لأن العلاقة التي أصبحت مترابطة بين آل الرشيد ونزار بركة الأمين العام الحالي للحزب، تذكِّر هذا الأخير في كل وقت وحين بأفضال الأول عليه".
مشيرا إلى أن "تركة شباط لا زالت تشتغل داخل هياكل أجهزة ومؤسسات وتنظيمات الحزب، على اعتبار أن إحدى نقط قوة الأمين العام السابق ل"الميزان" هي تحكمه في الهياكل التنظيمية للحزب والتنظيمات الموالية له، وهي المعيقات التي لم يتخلص بركة منها بعد".
متحدثنا اعتبر أن "تحالف هذين المعطيين: قوة آل الرشيد وعدم قدرة نزار بركة على التخلص من إرث مرحلة شباط، يقفان حجرة عثرة في وجه محولات نزار بركة الرامية إلى الاشتغال على مشروع تجديد الدماء في هياكل الحزب، وذلك بالرغم مما يمكن تسجيله من محاولات لإعادة الروح لأجهزة وهياكل الحزب وتنظيماته، والتي تظل في سياق محتشم، لأنه يتم الاعتماد بشكل كبير على رصيد شخص نزار بركة، سواء حين كان وزيرا للمالية أو حين أصبح رئيسا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وبالتالي كان من المفروض أن يكون الحزب قد قطع أشواطا كبيرة في إعادة تموقعه وتحقيق أعلى نسبة على مستوى جاهزيته للتنافس على المستويين السياسي والانتخابي".
وعليه، يخلص الدكتور بوخبزة إلى "أن يتحول حزب الاستقلال بكل هذا التراكم وهذه الآفاق، إلى مجرد رقم يمكن اختصاره في تعويض التقدم والاشتراكية، في حين كان من المفروض أن ينافس على رئاسة الحكومة في انتخابات 2021، وهو أمر يجعل من الحزب يخسر الشيء الكثير".
الPAM، هل يروي صراع المواقع عطش الطامحين في نفحات السلطة؟
حين طرحنا السؤال على الدكتور بوخبزة حول ما إذا كانت الصراعات الدائرة راحاها منذ مدة بين تياري الشرعية والمستقبل من داخل حزب الأصالة والمعاصرة، تتمحور حول من ستؤول إليه مفاتيح "الجرار" وبالتالي التحكم في العملية التفاوضية للدخول إلى الحكومة، على اعتبار أن مسألة التعديل الحكومي كانت رائجة قبل الخطاب الملكي الأخير.
أكد متحدثنا على أنه "لا يرى أن تياري الشرعية والمستقبل لا يتنافسان على الدخول في حكومة العثماني ولو من باب "حكومة الكفاءات". فالحزب له رهان مهم وكبير وهو المحافظة على وحدة صفه وإعادة بناء أجهزته ومؤسساته، وإعادة تموقعه في المشهد السياسي، بما يتلاءم مع ما حققه من تراكم انتخابي، فهو الحزب الثاني انتخابيا بواقع 102 مقعد في الغرفة الأولى، وباقي الأرقام التي راكمها على مستوى الجهات ومجالس العمالات والاقاليم والجماعات، والتي سيكون من الصعب تحقيقها مستقبلا، خصوصا وأن الواقع الحالي للحزب يعبر عن الاكراهات الكبرى التي يواجهها".
"الحزب ارتبط بمشروع وأشخاص، لكن جاءت الرياح الانتخابية سنة 2016 بما لا تشتهيه قيادته، وبالتالي اعتبر أن المرحلة التي يعيشها الحزب اليوم، هي مرحلة إعادة تعريف هويته وتموقعه المجتمعي، وهو نقاش اعتقد أنه كان من الضروري أن يُفتح في لحظة من اللحظات، على أساس الصراحة والوضوح والتقييم الموضوعي"، يقول الدكتور بوخبزة.
وبخصوص قراءته للطريقة التي يتم بها تدبير الاختلاف بين قيادات التيارين، يرى ذات المتحدث أن "النقاش الداخلي بين قيادات "الجرار" قد تحول إلى صراع أشخاص وصراع زعامات، وليس صراع برامج وأفكار، وعليه، فالطريقة والكيفية التي يشتغل بها زعماء التيارين ليست في مصلحة الحزب، ولنا في تاريخ الأحزاب السياسية المغربية أكثر من نموذج".
"لذلك يجب أن يكون هناك نضج كبير من كلا الطرفين، وتغليب مصلحة الحزب خلال هذه المرحلة، وإلا فإن النتيجة لن تكون مختلفة كثيرا عما عاشته بعض الأحزاب السياسية والتي لم يعد لها اليوم أي ذِكر أو موقع في المشهد السياسي والحزبي المغربي"، يختم الدكتور محمد العمراني بوخبزة، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمارتيل تصريحه للموقع الاخباري "الصحيفة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.