1. الرئيسية 2. المغرب جدل وجود مظاهر "طُقوس استعباد" سيدتين موريتانيتين في عرس رئيس المستشارين المغربي يصل إلى البرلمان المغربي والقضاء الموريتاني الصحيفة - خولة اجعيفري الأحد 28 يناير 2024 - 13:02 ما يزال الجدل محموما، بشأن مقطع فيديو لا تتجاوز مدته 18 ثانية، التقط خلال حفل زفاف كريمة رئيس مجلس المستشارين، النعم ميارة، لسيدتين موريتانيتين يحملان الصداق، واعتبر واحدا من أوجه "العبودية"، الأمر الذي نفته المعنيتين شخصيا فيما ينتظر كل من القضاء المغربي ونظيره الموريتاني شكوى منهما إزاء "التشهير" الذي تعرضتا إليه. وتعود تفاصيل الواقعة، إلى العرس الباذخ الذي أقامه رئيس مجلس المستشارين لكريمته بمدينة العيون وحضره عشرات من الأعيان، والشخصيات السياسية والمنتخبة، فضلا عن مدعوين من خارج المغرب، في مقدّمتهم سيدتان من موريتانيا هما امباركة منت أحمد، ولمنية منت أحمد، اللتين لم يكن في أسوأ توقعاتهما أن تتحولا إلى بطلات مقطع فيديو جرى تداوله بشكل واسع منذ أيام في المغرب وبلغ صيته قلب المؤسسة التشريعية. وبدأت خيوط الحكاية تنساب، عندما ظهر فنان شعبي يخاطبُ الحاضرين في حفل زفاف ابنة رئيس مجلس المستشارين بمدينة العيون بالقول: "صداق لأسماء ابنة النعم ابن عبداتي هذو الخظريات أرفعُ اديكم"، فظهرت السيدتان وهن ترددن عبارة "ساويهانَّ ولدن وساوينها أهل ميارة ساويينها لنساب". وهذا المقطع البسيط الذي لا يتجاوز عمره 18 ثانية، فجر أزمة كبيرة بعدما اختلف المدونون المغاربة فى فهم معنى "الخظريات" وفسرها بعضهم بأن مفردها فى القاموس" الحساني" تعني أنثى العبيد، ما دفع النائبة البرلمانية فاطمة التامني، إلى توجيه سؤال كتابي إلى وزير العدل عبد اللطيف وهبي تتساءل فيه عن تقديم هدايا "آدمية"، لما يسمى "عبيدا" لابنة رئيس مجلس المستشارين بمناسبة زفافها، مشدّدة على أن "كل الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب تجرم كل أشكال العبودية والتمييز، نجد مثل هذه الممارسات المشينة والمنتهكة للقيم الإنسانية تصدر في حضرة مسؤولين في الدولة". وتابعت أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يعد صكا في الجانب الحقوقي، ينص في مادته الرابعة على أنه "لا يجوز استرقاق أحد أو استعباده، ويُحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما، وأيضا "البروتوكول الاختياري لإبطال العبودية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، دون إغفال صك أساسي في هذا الجانب وهي الاتفاقية الخاصة بالرق، التي تنص في كل موادها الإثني عشر على مواجهة الاستعباد بكل أشكاله". ولم يتوقّف السجال عند هذا الحد، بل دخلت فدرالية رابطة حقوق النساء، بدورها على الخط، وطالبت السلطات المغربية، بفتح تحقيق نزيه ومستعجل واتخاذ الإجراءات الفورية في حق المتورطين، وفي مقدّمتهم رئيس مجلس المستشارين، النعم ميارة الذي فضّل الصمت والتواري عن الأنظار طيلة الفترة السابقة عوض الخروج بتصريح أو توضيح لما سبق. وخلافا للصمت غير المفهوم لميّارة، خرجت امباركة منت أحمد، ولمنية منت أحمد، المعنيتين بالواقعة لإيضاح ما وصفوها بالآثار النفسية الكبيرة التى سببت لهما فيها الاتهامات "الزائفة" التي وجّهت عبر الفيديو متداول. السيدتان الموريتانيتان، أكدتا في الفيديو المذكور والذي توصلت به "الصحيفة"، أنهما ستلجآن إلى القضاء المحلي في بلدهما موريتانيا والقضاء المغربي أيضا، لإنصافهما ومعاقبة من أساء إليهما واتهمها ظلما وعدوانا في إشارة إلى وسمهما بالعبودية في مقطع الفيديو المتداول، والذي يوثق فقط حضورهما كمدعوتين لحفل زفاف ابنة رئيس مجلس المستشارين بمدينة العيون، النعم ميارة. وفي وقت، ينتظر القضاء الموريتاني ونظيره المغربي الشكوى المقدمة من السيدتين الموريتانيتين ضد ما تعرّضتا إليه من "تشهير بسمعتهما وإهانة لإنسانيتهما لمجرد أنهما حضرتا حفل زفاف لعائلة صحراوية بالمغرب" وفق تعبيرهما، قال أحمد بديع الخبير في الثقافة الموريتانية إنّ الأمر برُمته هو "سوء فهم وتفسير مغلوط كبير للفيديو، لا يضر فقط بسمعة السيدتين الموريتانيتين ورئيس مجلس المستشارين، لكن أيضا بسمعة البلدين المغرب وموريتانيا اللذين قطعا مع كل أوجه الرق والعبودية". الخبير الموريتاني وفي تصريح ل "الصحيفة"، أكد أن السيدتين لا تنتميان إلى شريحة "الحراطين" ممن كانت تمارس عليهن العبودية في وقف سابق، بل تنتمين إلى أسرة الودادي ولا توجد بها عبودية أساسا ويسعنا القول إنها تاريخيا من النبلاء.. إذن هذا المعطي من المحال". وأوضح المتحدث، أن السيدتان "حضرن للمناسبة الاجتماعية من أجل حمل صداق العروس إلى أهلها، وهنا وقع سو الفهم الأول ذلك أن هذه عادة كانت في الماضي يقوم بها من يمارس عليهن العبودية ويكلفن بها من طرف آل الزوج، لكن هذا لم يعد يحدث وتوجد قطيعة مع هذه المسألة.. بل هما ضيفتان". وجوابا على سؤال "الصحيفة" حول المقصود بعبارة "الخظريات" في الثقافة الموريتانية، يقول بديع إن المقصود بها السمر لتمييزهن عن الأخريات. فمثلا الفنان الشعبي أراد أن ينادي عليهن من أجل أن يميزهن عن باقي الحاضرين من أحباب العريس، وبالتالي هي كلمة ليست قدحية نتداولها بشكل واسع في بلدنا، أما "الحراطون" فهم السمر أيضا لكن ممن مورست عليهم العبودية تاريخيا. ويرى الخبير في الثقافة الموريتانية، أن ما جعل فئة كبيرة من المجتمع المغربي تسيء تفسير الواقعة هو المرجع التاريخي خصوصا وأن النساء اللواتي توكل إليهن مهمة حمل صداق الزوج إلى زوجته في الثقافة الموريتانية دائما "ما يكن من الحراطين أي السمر كحال السيدتين، وهم الفئة التي كانت في الماضي تمارس عليها العبودية وبالتالي منطقيا كل النساء اللواتي تحملن الصداق هن عبدات من طرف آل الزوج، وهو الأمر الذي أسيء تقديره هذه المرة، فعلى الرغم من كونهن سمرا وتحملن الصداق إلا أنهم من أسرة الودادي التي لا تمارس العبودية، وبالتالي أسيء فهم السياق ككل". وكانت موريتانيا قد أصدرت في 2016 قانونا ينص على تجريم الرق واعتباره "جريمة ضد الإنسانية" وأفردت له عقوبات تصل إلى 20 عاما، كما أنشأت محاكم خاصة لمعالجة قضاياه، إلا أن الظاهرة، ورغم كل هذه المحاولات، تبقى مستمرة بأشكالها التقليدية والمعاصرة، بحسب تقارير المنظمات الدولية المختصة. وفي 2023، حلت موريتانيا في المرتبة الثالثة عالميا والأولى عربيا في تقرير "مؤشر الرق العالمي" لمنظمة "ووك فري" الدولية، الذي كشف عن وجود 149 ألف موريتاني يعاني من "عبودية حديثة"، أي ما يمثل 32 شخصا من بين كل ألف مواطن. وبحسب التقرير ذاته، تشمل مظاهر العبودية الحديثة التي تقوم أساسا على أُسس عرقية، حيث يُجبر السكان "الحراطين على العمل في مجتمع "البيضان" في الزراعة والعمل المنزلي وغيرهما"، (تشمل) "العمل القسري، والزواج القسري أو الاستعبادي، وعبودية الدين، والاستغلال الجنسي التجاري القسري، والاتجار بالبشر والممارسات الشبيهة بالرق، وبيع واستغلال الأطفال".