1. الرئيسية 2. آراء إصلاح مدونة الأسرة مطلب مجتمعي ملحّ(3/4) سعيد الكحل الأثنين 30 أكتوبر 2023 - 11:49 " في مغرب اليوم، لا يمكن أن تُحرَم المرأة من حقوقها" التزام ملكي أعلنه جلالة الملك منذ اعتلائه العرش وحرص على أجرأته منذ سنة 2000 عقب صدور مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية، حيث تم تشكيل اللجنة الملكية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، وهي التي بلورت مشروع مدونة الأسرة وأحالته على عاهل البلاد للنظر فيه بصفته أمير المؤمنين. كما اتخذ جلالته مبادرة الدعوة إلى إصلاح مدونة الأسرة في خطاب العرش 2022 اقتناعا منه بأن " بناء مغرب التقدم والكرامة، الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية"، وفي نفس الوقت استجابة لمطالب الحركة النسائية بمراجعتها. لهذا وضع جلالته أفقا لإصلاح المدونة ويتمثل في "إصلاح الاختلالات التي أظهرها تطبيقها القضائي على مدى حوالي عشرين سنة، وعلى تعديل المقتضيات التي أصبحت متجاوزة بفعل تطور المجتمع المغربي والقوانين الوطنية". وبهذا يقطع جلالته الشك باليقين بكون المدونة نصا قابلا للتعديل والتغيير والإصلاح متى ظهرت اختلالاته أو قصوره عن الاستجابة لحاجيات الأسرة والمجتمع التي تتغير بتطوره وحركيته، وكذا الالتزامات الدولية للمغرب. جدير بالتنبيه إلى أن إصلاح المدونة ليس هدفا في حد ذاته، بل هو إجراء يروم، كما جاء في خطاب العرش 2022 "النهوض بحقوق المرأة، وصون حقوق الأطفال، والحفاظ على كرامة الإنسان، ودعم دولة الحق والقانون، وبناء المجتمع الديمقراطي". ومن ثم فإن مشروع الإصلاح المنتظر بلورته من طرف اللجنة محكوم بالإطار والأهداف التي حددتها الرسالة الملكية إلى السيد رئيس الحكومة. لأجل هذا يتوجب تجاوز الاختلالات التي كشف عنها تطبيق المدونة، من جهة، ومن أخرى مواءمة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية. ويمكن المساهمة في النقاش العام على هامش اشتغال أعضاء اللجنة تنويرا وإغناء كالتالي: 1 المساواة: إن مدونة الأسرة لسنة 2004 جاءت في سياق سياسي ودستوري لم تكن شروط تطبيق مبدأ المساواة على كل بنود المدونة قد نضجت بعدُ وإن اعتمدته في حدود ضيقة تتعلق بإخضاع الأسرة للرعاية المشتركة للزوجين، وكذا اللجوء إلى مسطرة التطليق للشقاق؛ بينما ظلت باقي الجوانب من المدونة قائمة على التمييز ضد النساء الذي تدعمه القراءة التراثية للنصوص الدينية. الأمر الذي أقره جلالة الملك وشدد على تجاوزه في الرسالة التي وجهها للسيد رئيس الحكومة حيث جاء فيها "إن مدونة الأسرة أضحت اليوم في حاجة إلى إعادة النظر بهدف تجاوز بعض العيوب والاختلالات، التي ظهرت عند تطبيقها القضائي، ومواءمة مقتضياتها مع تطور المجتمع المغربي ومتطلبات التنمية المستدامة، وتأمين انسجامها مع التقدم الحاصل في تشريعنا الوطني". ولا سبيل إلى تحقيق الإصلاح المنشود إلا بالاستناد إلى المرجعيات التي حددها جلالته كالتالي "ومن هذا المنطلق، فإن المرجعيات والمرتكزات تظل دون تغيير. ويتعلق الأمر بمبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام، النابعة من ديننا الإسلامي الحنيف، وكذا القيم الكونية المنبثقة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب". وتأتي في مقدمة تلك الاتفاقيات: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1979 وبدأ تنفيذها في 3 سبتمبر 1981، والتي تعرّف التمييز بأنه أي "تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه، إضعاف أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو إضعاف أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل." وإذا كان المغرب قد خطا خطوات مهمة في سبيل القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، فإن بنود المدونة لازالت تكرس التمييز ضد النساء وتشرعنه، خاصة فيما يتعلق بالولاية الشرعية على الأبناء التي يحتكرها الآباء، وكذا منظومة الإرث التي تبيح أكل أموال الإناث بالباطل بتطبيق قاعدة "للذكر مثل حظ الأنثيين" خارج سياقها الاجتماعي والتاريخي الذي اختفت فيه الأسرة الممتدة وباتت الإناث يتحملن نفقات الأسرة بمن فيها الذكور (1.7 مليون أسرة تعيلها النساء وحدهن، تضاف إليها ملايين الأسر المتبقية التي تساهم النساء في تنمية مداخيلها وتحمل نفقاتها). لهذا حثت الرسالة الملكية أعضاء اللجنة المكلفة بمراجعة وإصلاح المدونة أن يراعوا في اجتهاداتهم تطور المجتمع وكذا الدستور والتشريعات الوطنية المستمدة منه " فإن التأهيل المنشود، يجب أن يقتصر على إصلاح الاختلالات التي أظهرها تطبيقها القضائي على مدى حوالي عشرين سنة، وعلى تعديل المقتضيات التي أصبحت متجاوزة بفعل تطور المجتمع المغربي والقوانين الوطنية". في هذا الإطار ينتظر من اللجنة الدفع بالاجتهادات الفقهية إلى أبعد مدى حتى تكون منسجمة مع مقاصد الشريعة ومع المواثيق الدولية. إذ لا يمكن الرجوع القهقرى بالقوانين الوطنية وإخضاعها للأفهام الجامدة. إن دستور 2011 في الفصل 19 ينص على المساواة الكاملة في كل المجالات " يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. ويمكن للمجلس العلمي الأعلى وأعضاء اللجنة المكلفة بإصلاح المدونة الانفتاح على تجربة السنغال بحيث يسمحون للوالدين أو يوصوا بتقسيم التركية مناصفة بين الذكور والإناث من أبنائهم. لا جدال في أن المساواة باتت منصوصا عليها في الدستور وحقا من حقوق الإنسان الذي يعمل المغرب على تطبيقه في كل تشريعاته الوطنية كما جاء في الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في أشغال القمة العالمية الثانية لمبادرة «نساء في افريقيا»، مراكش 27 شتنبر 2018 «لقد كرم الله بني الإنسان، حيث أكد الإسلام على المساواة بين المرأة والرجل، معتبرا أن النساء شقائق الرجال في الأحكام. كما أن القيم الكونية والمواثيق الدولية تنص على هذه المساواة بين الجنسين دون أي تمييز. ومن هذا المنطلق، نعمل على توفير ظروف العيش الحر الكريم لكل المغاربة. كما أننا عملنا، منذ عدة سنوات، على وضع المغرب في مسار المساواة بين الرجل والمرأة، باعتبار ذلك حقا من الحقوق الإنسانية الأساسية، ومطلبا ً قانونيا، وضرورة اجتماعية واقتصادية."