1. الرئيسية 2. آراء الغِشُّ يَفضَحُهُ الزّلزَال! أحمد إفزارن الجمعة 22 شتنبر 2023 - 12:48 * الزّلزالُ الأخِيرُ الذي ضربَ بلادَنا، أَظهَرَ وُجودَ سُوءِ فهمٍ وتقيِيمٍ وتقديرٍ لبعضِ الوقائعِ الطبيعية، في مُقارَنَتِها بوَقائعَ أخرى.. إنهُ سوءُ تقديرٍ لاهتزازاتِ الطبيعة.. وهذا من نتائجِ الغِشّ الحاصِلِ في بناياتٍ سَكنية.. خَطرٌ نُعانيهِ بالطُّولِ والعَرض، وقد كَشَفَتهُ الأحداثُ الزّلزاليةُ الأخيرة.. ويجِبُ إعادةُ قراءةِ المُقارناتِ بين الأحداثِ الطبيعية، وعلى رأسِها الزلازل.. وإن اهتزازَ بناياتِنا، يُحدثُ أضرارًا مُتفاوتةً بِجُدرانٍ ومنازلَ وأراض.. زلازلُ قد وقَعت في كلّ مكانٍ من الأرض.. وترجعُ أسبابُها إلى الغشّ الحاصِل في المباني، بالدرجةِ الأولى.. ويتَردّدُ في هذا السياق أنّ بناياتٍ قديمةً في التاريخِ المغربي كانت تُعمّرُ عِدّةَ قُرون، بينَما البناياتُ الحديثةُ لا تُعمّرُ إلا سِنينَ قليلة.. ما السّرُّ في هذا؟ إنهُ الغِشّ.. والغِشُّ في البناء، وفي تَرمِيمِ العِمارات، يَرتبطُ بعُقدةِ الرّبحِ السّريع: إعمالُ المحسُوبية والرّشوة، للإسراعِ في البِناء، من أجلِ استِكمالِ البِنايات، في سباقٍ مع الربحِ السريع.. وهكذا تَكتملُ البناياتُ بسُرعة، وبدُونِ الجَودةِ المَطلوبة.. عماراتُنا تَطْلُع بسُرعة، ودونَ مُراعاةٍ للأساسياتٍ التّقنيةِ المطلوبة.. وتكونُ النتيجةُ هي ما نرى في منازلَ آيِلةٍ للسّقوط، وعماراتٍ لا تُقاومُ الهشاشة.. * بناياتٌ سريعة لا تستهدفُ إلاّ الربحَ السريع.. والنتيجة أيضًا: لا تكادُ تخلُو مدينةٌ مِن مساكِنَ وعماراتٍ مُنهارة.. إنه الغِشُّ مكشوفٌ أمام العيان.. ولهُ تكلُفةٌ مالية، على ميزانية الدولة، وأموالِ مواطنين أكثرُهم من عامة الناس.. فمَن يُراقبُ مَن؟ مَن يُراقِب التّراخيص؟ والمصالحَ الهندسيةَ المُختصّة؟ وما تفسيرُ كَونِ المراقَبة شِبهَ مُنعدٌمة؟ وفي البداية والنهاية، مَن يُراقبُ مَن؟ * بلادُنا جاثمةٌ بين ظالمٍ ومَظلُوم، وغَشّاشٍ ومَغشُوس.. وبين هذا وذاك، يَكمُنُ الغِشُّ وأسبابُه وأنواعُهُ ومُضاعَفاتُه.. وأيُّ خلَلٍ في المسؤولية، لا يخلُو من هذه الآفاتٍ الاجتماعية والإدارية وغيرِها.. وأينَما عَشّشَ الفساد، تَجدُ في أعشاشهِ أخطارٌ لهذه الآفات التي تتَفَشّى في المسؤوليات الحزبية والحكومية والإدارية، وفي التعليم والجامعات والاختِبارات ومُختلفِ المنافسات، وحتى في تزيِيفِ النتائج... * الغشُّ حاضرٌ في كلّ اتّجاه، جاثمٌ على أنواعِه وأسبابِه، ومنهُ يُعشّشُ ويَسكُنُ في العلاقاتِ بين الأفرادِ والجماعات، ويَندَسُّ في خِلافاتٍ ونزاعات، وتكونُ بواعثُها أكبَر، وتدعُو إلى خيانات، وإلى انعِدامِ الرّضَا... والغشُّ في كل الأحوالِ له مُسبّباتٌ فردية وجماعية، كُلُها مُجمٍعةٌ على مُحافَظة اللأخلاق، واللاّقِيّم، مع الجنوحِ إلى الغِش.. والغشُّ يَتمرّدُ حتى على العاملِ الدّيني، والعُنصُر السياسي، ويتلمّسُ مُتّسَعًا من التمدُّد أكثرَ في أوساط الذكُور، اعتبارّا لكونِ العُنصُر الأنثوي أقلَّ اقترافًا للغش، مقارنةً مع الذّكُور، حيثُ تنمُو أزمةُ الضميرِ واللاّعَدل.. وهذه الذكُورية هي أكثرُ احتضانًا للمَساوئ، ولحالاتِ الجَشَع، ومن ثمّةَ تحريضًا على التّزييف، وخطورةً على الرشوة وما فيها من زبائنَ هي حقلٌ شاسعٌ للعبَثٌ بكُلّ ما هو نزاهَةٌ وتقصيرٌ في المسؤولية، وانتشارٌ للادّعاء.. * والادّعاءُ في ذاتِه افتراءٌ على الحقيقة.. وهُنا تجدُ الغشّ مُرتبطًا بادّعاءِ المعرفة، وترامٍي أفرادٍ على إنتاجاتٍ غيرِهِم، عِلميّا أو أدبيّا، ومن ثمّةَ الاستيلاء على كتاباتِ الآخَر، وادّعاءِ أنها مِلكٌ ذاتِي، رغمَ أنّها سرقةٌ أدبية يَنسِبُها المُترامِي لنفسِه.. وما أكثرَ أنواعَ الترامِي على ما للغَير.. وهذا ناتجٌ عن أشكالٍ وأنواعٍ من الغشّ والفسادِ في قطاعاتٍ مُختلفةٍ منَ المسؤوليات الإدارية.. وإداراتُنا لا تخلو من الغشّ هُنا وهناك، وحتى في امتحاناتٍ بين الطلبة، وسُوءِ تقديرٍ لتَراكُم المعلومات.. وعِندَها تحدُثُ فوضى في التزاحُم المعرفي.. وتتمُّ تنشئةُ أجيالٍ على أساسِ اللامسؤ لية واللاّمُبالاة، وعلى ما يواكبُها من تهاوُنٍ في تقديرِ المُراقَبات في قاعاتِ الاختبارات، وفي أوساطِ البعضِ من الطلبة الذين يُصبحون من ضحايا ظاهرة الغشّ في التعليم العمومي، وحتى في التعليمِ الخُصُوصي.. * ويَنتشرُ عِندَنا العزُوفُ عن الحقيقة.. إداراتٌ لا تعبأ بالحقائق، بقَدرِ ما تُتاجرُ في الغِش.. والعزوفُ عِندَنا أشكالٌ وأنواعٌ من الإهمال واللاّمُبالاة، على حسابِ الوقائع.. وتكونُ الضحيةُ هي الحقيقة: حقيقةُ ما قد حصَل.. وعندما تختفي الحقائق، يستولي على المَيدان التزويرُ والغشُّ والخِداع، لدَرجةِ أن الأوهامَ والسطحياتِ تطغى على كثير من الأخبار.. فتجدُ المرءَ لا يُفرّقُ في الأنباء المنشورةِ بين الصحيح والخاطئ.. وينتجُ عن هذا الخلطِ عزوفٌ شاملٌ عن المعرفة، وعن القراءة، وعن الانتخابات، والحياة الديمقراطية، لدرجةِ أن جُلّ الناس عازفون عن الحقيقة والحياةِ اليومية.. وفي الواقع المُعاش حقائقُ أخرى هي أقربُ إلى الخيال.. وتجدُ المرءَ مُتأرجِحًا بين الواقعِ المِخيالي، والواقعِ المُعاش.. ويعاني الكثيرون انفِصامًا في الشخصيةِ الإخبارية: الواقعُ له صُورتُه، والإعلامُ المنشورُ والمبثوثُ له قراءةٌ أخرى، أحيانًا مُناقِضة.. ويصبحُ المرءُ أكثرَ عزوفًا على التحرّي من أجلِ الكشف عن الحقائق الكُبرى، ولا يصلُ إليها، ما الواقعُ المعاشُ يختلفُ عن الواقعِ المُتصوَّر.. ولا مَجهودَ يُبذَلُ من قِبلِ الجهاتِ المُختصّة، للكشفِ عن حقيقةِ الواقع، كما هو معاشٌ نفسيّا وعقليّا وواقِعيّا، وكما يجبُ أن يتعمقَ في أبعاده البشرية والحياتية الخاصةِ والعامة.. والنتيجةُ التي يرصُدُها المُجتمعُ هي ألا وجودَ لحقيقة مشترَكة بين واقعِنا وخيالِنا، أي بين ما نعيشُ في حياتِنا اليومية، وما نَتمنّى أن يكُون.. وعِندَئذٍ نبقى رهينِينَ لِما هو بينَ الواقعِ واللاواقِع، والحاضِر وما نحنُ نتمنّى.. ولا واقعُنا هو الواقعُ المُتمَنَّى، ولا أحلامُنا الجماعيةُ تحملُ إلينا صُورًا اجتماعية يُمكنُ أن تُثلِجَ الصُّدُور.. والنتيجة: شتّانَ بين ما نحنُ فيه، وما نتمنّى أن يكُون.. وعلى العموم، نحنُ سابحون بين الواقعٌ والخيال.. وهذا التّأرجُح يُبقينا في حالة سِباحةٍ لا تنتهي بين الخيال والواقع.. وهذا يُبقِينا على نفسِ الأحوال! فمتى يتغيّرُ الواقع؟! * مسؤولونا في المؤسّساتِ الإدارية والنيابية وغيرِها، مُنشغلون بحياتِها الخاصة، ويمارسُون شؤونَنا، أحيانًا على هواهُ! إنَنا لم نتخلص بعدُ من تبِعاتِ الغِشّ اللاّمُتناهِي! [email protected]