1. الرئيسية 2. لهيب الصحراء لهيب الصحراء - عودة الجزار [ 9 ] محمد الساحلي الجمعة 31 مارس 2023 - 19:19 رواية لهيب الصحراء هي حكاية عن مقاتل داعشي يراجع أفكاره خلال عملية بين ليبيا والمغرب حين يكتشف فساد أفكار داعش، وتحكم بعض الأنظمة العربية فيها. خلال رحلة أبي حفص عبر صحراء ليبيا، متوقفا في مخيمات تيندوف في الجزائر، يكتشف العلاقات السرية بين أمير داعش في ليبيا والمخابرات الجزائرية. يجد أبو حفص نفسه في مواجهة التناقضات التي يرزح تحتها الفكر الداعشي، وكيف أن القادة يصطادون الشباب مستغلين لحظات ضعفهم الإنسانية لملئ رؤوسهم بأفكار متطرفة وفاسدة. حين يقرر أبو حفص التخلي عن العملية والهروب من سجن أفكار داعش، يجد أمامه ضابطا من المخابرات الجزائرية لهما معا تاريخ مشترك، وعندها تبدأ المواجهة، ويشتعل اللهيب في الصحراء. [ 9 ] انتهى الرجال من تناول الفطور بعد صلاة فجر أدركوها متأخرين. كان أبو حفص أول المستيقظين وأدهشه نور الصباح. التفت إلى الأخ يونس على يساره فوجده، كما كل الرجال، ما يزال نائما، وعلى صدره الكتاب مفتوحا. قام بسرعة ودس الكتاب في حقيبة الأخ يونس ثم هزه بحركات قوية. "قم يا فتى. تأخرنا. يكاد وقت الصلاة يفلت منا." قام الرجال وبدأت الحركات السريعة لطرد بقايا النوم ثم الوضوء والصلاة. جاء الفطور بعد انتهائهم من الصلاة مباشرة، ومباشرة بعد انتهائهم من تناول وجبة الفطور جاء الرجل الذي استقبلهم أمس عند نزولهم من المروحية، ومعه مرافقين يلبس بعضهم ملابس البوليساريو العسكرية وآخرون ملابس مدنية خفيفة. "هيا يا رجال. سأعطيكم اليوم ملخصا للعملية وسنحدد برنامجا تدريبيا للتنفيذ، ريثما يلتحق بنا الأخ أبو مصعب." خمن أبو حفص أن هذا المتحدث قاس الملامح هو مساعد لأبي مصعب. فكر كيف ستكون ملامح أبي مصعب إذًا لو أن مساعده بهذه القسوة وهذا الاعتداد بالنفس. انتظم رجال أبي حفص حول الطاولة من جهة واحدة، وانتظم الآخرون في الجهة المقابلة. "بسم الله توكلنا على الله." أغمض مساعد أبي مصعب عينيه وأرخى ملامح وجهه وهو يتلفظ بالعبارة، فرفع أبو حفص حاجبيه وأقسم في داخله بأن هذا الرجل ممثل مدعي ليس إلا. "تعاطُفنا معكم يا رجال كبير. نحييكم على شجاعتكم الشخصية للتطوع لهذه العملية، ونحن مستعدون دوما لتقديم المساعدة كيفما كانت لقادات تنظيم الدولة الاسلامية." اللهجة الجزائرية المثقلة بالفرنسية التي تخرج من فم مساعد أبي مصعب تزعج أبا حفص وتخرجه من تركيزه وتزيده امتعاضا لكمية النفاق والأكاذيب التي يشعر بها تسيل من فم هذا الرجل. لا يعرف أبو حفص لماذا شعر بالنفور من هذا الرجل منذ لقاء الأمس القصير، لكنه يعرف الآن أن شكوكه التي كانت تكبر داخله منذ أيام تضخمت وصارت تضغط عليه من الداخل وهي مستعدة للانفجار في أي لحظة. "أرسل لنا الخليفة شخصيا طلبا متواضعا لنساعدكم يا رجال على اجتياز كل عقبات الطريق حتى تصلوا إلى مدينة الداخلة، وتزويدكم بكل الآليات المطلوبة لتنفيذ عمليتكم المباركة إن شاء الله." توقف الرجل عن الكلام وعلت وجهه ابتسامة خفيفة حين وصلهم صوت سيارة تتوقف بجانب الباب. "يبدو أن أبا مصعب قد وصل يا رجال. هو قائد هذه العملية وسيشرف عليكم منذ الآن." "السلام عليكم." التفت الرجال إلى مصدر التحية فوجدوا رجلا يقف عند الباب، لكن لم تسمح لهم أشعة الشمس القوية القادمة من الباب بالتدقيق في ملامحه. رأى أبو حفص الظل وعرف فورا أن أبا مصعب هذا هو الضيف الذي زارهم في المخيم تلك الليلة، وتأكد الآن أنه من أتى شخصيا بالعملية للقائد. تقدم أبو مصعب وأقفل الباب فبدت ملامحه الآن واضحة للرجال، وبصعوبة بالغة قاوم أبو حفص صرخة رعب كادت تفلت منه، فوضع يده على فمه متظاهرا بنوبة سعال مفاجئة ورفع يده الأخرى مستأذنا وجرى نحو الحمام وسط دهشة الرجال التي ارتفعت بعد أن وصلهم صوت تقيؤه من الحمام. ارتكز أبو حفص بيديه على حوض غسل اليدين وتأمل في ملامح الرعب المنعكسة على وجهه في المرآة. "غير معقول. يا الله. هذا غير معقول." عادت إليه نوبة القيء من جديد، وواصل قلبه الانقباض بسرعة كبيرة. جاءت النقرات خفيفة على الباب مصحوبة بصوت الأخ يونس. "أأنت بخير أبا حفص؟" "بخير، بخير. أنا قادم." غسل أبو حفص وجهه وجلس على كرسي الحمام محتضنا رأسه. "لماذا يا الله هذا الكابوس مجددا؟" قاوم دمعات أرادت أن تفر من مقلتيه، فقام وغسل وجهه من جديد، ثم تنفس بعمق وفتح الباب خارجا وهو يجاهد لرسم البسمة على شفتيه. "معذرة. يبدو أنني بالغت في شرب اللبن على الفطور. معدتي غير معتادة على لبن النوق." أطلق الرجال ضحكات خافتة، واقترب أبو مصعب من أبي حفص يصافحه. "ألف سلامة عليك أخي أبا حفص." ثم احتضنه بين ذراعيه القويتين وأحس أبو حفص بقشعريرة باردة تنزل على ظهره وانتفض. ابتعد أبو مصعب إلى الخلف قليلا ولامس جبهة أبي حفص بظهر يديه. "حرارتك مرتفعة. الأفضل أن نتركك ترتاح هذا الصباح، ثم نكمل اجتماعنا مساءً." "لا داع لذلك. إنه أمر بسيط." "سلامتك أهم يا أبا حفص. ما يزال أمامنا متسع من الوقت للاستعداد." ربت أبو مصعب على ظهر أبي حفص. "هيا يا رجل. عد إلى فراشك لترتاح قليلا،" ثم التفت إلى الرجال، "سنكمل حديثنا مساءً. هيا بنا." ثم خرج وتبعه مساعده وباقي الرجال. انتظر الأخ يونس حتى خرج الجميع ثم جرى إلى أبي حفص وأسنده على ذراعه حتى وصلا إلى الفراش خلف الستارة بعيدا عن الكاميرا، وهمس له. "أخبرني يا أبا حفص. ماذا جرى لك؟" "كما قلت، شربت الكثير من اللبن." "أنت لم تشرب قطرةً من اللبن هذا الصباح، أبا حفص." رفع أبو حفص وجهه إلى وجه الأخ يونس المليء بالإصرار المخلوط بالاهتمام وشيء من الخوف. أصابت الرعشة أبا حفص مجددا، وغطى وجهه بيديه. "اسمه الحقيقي حسن الغنام، لكنه مشهور جدا بلقبه الجزار." "من؟" "أبو مصعب، إنه،" رفع أبو حفص قدميه واحتضن ساقيه بين ذراعيه، وتابع بصوت منخفض. "ضابط مخابرات جزائري[1]." ندّت عن الأخ يونس آهة خافتة وعاد قليلا إلى الوراء، في حين تمدد أبو حفص على ظهره وأرسل نظراته إلى السقف. "إنه ضابط مخابرات متخصص في التعذيب. لقبه الجزار يكفي للإفصاح عن وحشيته." انحنى الأخ يونس نحو أبي حفص وهمس: "كيف تعرفه؟" استدار أبو حفص برأسه نحو الأخ يونس الجالس أمامه، ونظر إليه بعينين تلمعان. "إنها قصة طويلة،" وأغمض عينيه، فانفلتت دمعة نزلت ببطء على خده. "دعني الآن من فضلك أخي يونس. سأخبرك لاحقا." "أعانك الله أبا حفص." انحنى الأخ يونس ليقبل جبهة أبا حفص، ثم خرج مغادرا. انتظر أبو حفص حتى تأكد من عدم عودته، ثم اعتدل ببطء وأخرج من حقيبته كراس يومياته، وجلس يتأمل في بياض الصفحات. [1] تعرف المخابرات الجزائرية باسم "دائرة الاستعلام والأمن"، وأيضا "الأمن العسكري". تأسس الجهاز خلال فترة ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، ثم عرف تطورا كبيرا خلال السنوات الموالية وأعيد تهيئته سنة 1965 ليشبه التنظيم الداخلي للمخابرات السوفياتية. يركز حاليا على المهام التالية: مكافحة جميع أشكال التجسس، الحفاظ على الأمن الداخلي للبلاد، وحماية المصالح الحيوية للجزائر في الخارج.