تسليم هبة ملكية للزاوية الرجراجية    ملتقى طلبة المعهد العالي للفن المسرحي يراهن على تنشيط العاصمة الرباط    شوكي: حصيلة الحكومة الحالية تتفوق على اشتغالات السابقين في 30 شهرا    رحيمي يورط إدارة نادي العين    رئيس الحكومة: الحصيلة المرحلية دليل على "صناعة الحلول دون تسويف"    وزارة الأوقاف تعلن عن أول أيام شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    عامل إقليم تطوان يترأس اجتماعا موسعا لتدارس وضعية التعمير بالإقليم    ضربة موجهة يتلقاها نهضة بركان قبل مواجهة الزمالك    كيف أنهت "البوليساريو" حياة الأطفال؟    أخنوش: الفرق بين الحكومات في التقاط الإشارات والانسجام مع توجيهات الملك    "ريال مدريد لا يموت".. الفريق الملكي يقلب الموازين في دقيقتين ويعبر لنهائي "الأبطال"    كأس العرش.. الجيش الملكي يتجاوز نهضة الزمامرة ويتأهل إلى دور ربع النهائي    أخنوش: الحكومة خفضت مديونية المملكة من 72 إلى 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام    الداخلة على موعد مع النسخة ال 14 من الأيام العلمية للسياحة المستدامة    كل مرة بمليون.. الحظ يحالف أمريكية مرتين في أقل من 3 أشهر    مديرية الأرصاد: طقس حار هبات لرياح قوية بهذه المناطق    الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان    الحمل والدور الحاسم للأب    الجيش المغربي يجهض عملية لتهريب طن ونصف من المخدرات على الحدود مع الجزائر    وزارة الأوقاف تعلن الجمعة أول أيام شهر ذي القعدة بالمغرب    أخنوش: محظوظون بالعمل في إطار الرؤية الملكية.. والفرق بين الحكومات في القدرة على الانسجام مع توجيهاته    الريال يقلب الطاولة على بايرن ويلتحق بدورتموند في النهائي    كيف تؤثر سيطرة إسرائيل على معبر رفح على المواطنين وسير مفاوضات وقف إطلاق النار؟    الريال يزيح البايرن من دوري الأبطال    مليون ونصف شاب مغربي لا يدرسون ولا يستفيدون من تكوين في وضعية بطالة    رياض مزور..المغرب نهج استراتيجية استباقية للتحرير الاقتصادي مكنته من استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة هامة    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي    اول مركز نداء لخدمة الزبائن باللغة الأمازيغية بشرع في تقديم خدماته بالحسيمة    العالم يسجل ارتفاعا غير مسبوق في درجات الحرارة خلال أبريل    وهبي.. المغرب على استعداد تام لدعم إحداث الشبكة الدولية للآليات الوطنية للتنفيذ وإعداد التقارير والتتبع في مجال حقوق الإنسان    الأمثال العامية بتطوان... (593)    رئيس مجلس النواب يجري مباحثات بالرباط مع المدير العام لمنظمة العمل الدولية    الفيلم الأمازيغي "قارب الحب" يحصد جائزتين بمهرجان الدراما بمكناس    الزمالك يعترض على حكام مباراتهم أمام نهضة بركان    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    دالاس.. تسليط الضوء على مؤهلات المغرب، القطب الاستراتيجي للاستثمار في إفريقيا    زمن الجراح.. من الريف السامق إلى الحوز الباسق    أسترازينيكا تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة وانتشال 49 جثة من مجمع الشفاء في غزة    المغرب يزيد من طاقة إيواء السجون ب 5212 سريرا في إطار أنسنة ظروف الاعتقال    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    برنامج متنوع للنيابة العامة بمعرض الكتاب    توقيع اتفاق تعاون بين الإيسيسكو وليبيا في المجالات التربوية    الرياض توافق على مذكرة تفاهم مع الرباط    طنجة.. ربيع جاكاراندا للمسرح المتوسطي يحتفي بتنوع الثقافات    السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية    وسط استمرار القلق من الآثار الجانبية للقاح «أسترازينيكا»..    لوحة الجمال والعار    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    ياسمين عبد العزيز تصدم الجميع بحديثها عن طليقها أحمد العوضي (فيديو)    مشاركة البطل الطنجاوي نزار بليل في بطولة العالم للقوة البدنية بهيوستن الأمريكية    بعد ضجة آثاره المميتة.. "أسترازينيكا" تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    "من المهم أن تفهم أن آخر شيء أريد فعله هو وضعك في السجن"    وقفة تضامن في الرباط تحذر من إبادة إسرائيلية جديدة متربصة بمدينة رفح    وفد من حركة "حماس" في "القاهرة"    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لهيب الصحراء - ميلاد الأخ يونس [ 8 ]
نشر في الصحيفة يوم 17 - 11 - 2022


1. الرئيسية
2. لهيب الصحراء
لهيب الصحراء - ميلاد الأخ يونس [ 8 ]
محمد الساحلي
الخميس 30 مارس 2023 - 21:49
رواية لهيب الصحراء هي حكاية عن مقاتل داعشي يراجع أفكاره خلال عملية بين ليبيا والمغرب حين يكتشف فساد أفكار داعش، وتحكم بعض الأنظمة العربية فيها. خلال رحلة أبي حفص عبر صحراء ليبيا، متوقفا في مخيمات تيندوف في الجزائر، يكتشف العلاقات السرية بين أمير داعش في ليبيا والمخابرات الجزائرية. يجد أبو حفص نفسه في مواجهة التناقضات التي يرزح تحتها الفكر الداعشي، وكيف أن القادة يصطادون الشباب مستغلين لحظات ضعفهم الإنسانية لملئ رؤوسهم بأفكار متطرفة وفاسدة. حين يقرر أبو حفص التخلي عن العملية والهروب من سجن أفكار داعش، يجد أمامه ضابطا من المخابرات الجزائرية لهما معا تاريخ مشترك، وعندها تبدأ المواجهة، ويشتعل اللهيب في الصحراء.
[ 8 ]
لا أتذكر أشياء كثيرة عن البداية. قيل لي بأنهم بعد انتهاء العويل المفجع وتوقف سلسلة اغماءات أختي المتتالية، وبعد أن غربت الشمس، تذكروا أن يبحثوا عني. وجدوني متكورا في السطح. سأسمع لاحقا الطبيب يقول بأنني دخلت في وضعية الجنين[1] بعد توقف الدماغ لوقت وجيز.
لم أستجب لمحاولات الإيقاظ فتم طلب سيارة الاسعاف. لحسن الحظ استعدت وعيي تلقائيا بمجرد انطلاق السيارة. لكن بقيت في المستشفى بضعة أيام للتحقق من سلامة كامل وظائف الجسم، ثم حولوني لاحقا لمستشفى الأمراض النفسية، حيث بقيت شهرا كاملا لم أنطق خلاله كلمة واحدة.
لم تكن الرعاية في المستشفى الحكومي كما يجب، ولم يكن بإمكان زوج أختي أن يغطي تكاليف طبيب نفسي خاص، فتم اخراجي من مستشفى المجانين، كما يقولون، وعادوا بي إلى المنزل، حيث كان عليّ أن أتعايش بصمت مع حزن أختي المستمر والاتهام المعشش في نظراتها إليّ.
يمكنك أن تتوقع ما حدث بعد ذلك. مشاحنات يومية مع أختي. كانت أختي تفقد أعصابها وينطلق بكاؤها وصراخها عليّ، وكنت أفقد أعصابي، بعد صبر لا بأس به، فأبدأ بإلقاء الوسادات، وأحيانا أقلب الطاولة، ثم أخرج من البيت.
بدأت أتعرف على شلة أصدقاء من العاطلين عن العمل الذين زاد سخطهم بعد أن مرت عليهم ثورة الياسمين[2] دون فائدة كبيرة. تعلمت منهم اجتراع البيرة ثم باقي المسكرات. ثم بدأت أختلس من نقود أختي، ولاحقا ذهبها، لأوفر لي ولأصدقائي ما نشربه وما نتنشقه. صرت أسهر كثيرا خارج البيت وفي النوادي الليلية.
صبرت عليّ أختي كثيرا، رغم ألمها الشديد. لقد خسرت طفلها ولم تكن مستعدة لخسارة أخيها أيضا، رغم الحزن الذي أذكرها به كلما رأت وجهي. لكن للصبر حدود، وقد جاء يوم لم يعد فيه ممكنا لأختي ولا لزوجها الصبر عليّ.
أتذكر أشياء ضبابية عن ذلك المساء. حتما كنت مخمورا حتى النخاع. لا شك أن ما كان يجري في عروقي لم يكن دما، بل خليطا مسموما من أنواع الخمر المختلفة. رأيت مريم قادمة في طريقها إلى بيتها. النسيم الخفيف كان يداعب فستانها الذي بالكاد يصل إلى ركبتيها. استدارة عنق الفستان الواسعة تكشف عنقها الطويل شديد البياض وجيب صدرها. شعرها المسدل على كتفها يتمايل مع مشيتها ويتطاير بخفة مع النسيم.
نعم أبا حفص، أدرك شناعة ما نويت فعله من ملامح وجهك المتقلصة الآن. لكن ماذا كنت لتتوقع من سكير مخمور؟
اقتربت من مريم. اقتربت منها أكثر مما يجب، فصرخت في وجهي وابتعدت عني. استفزني صراخها فأمسكت بذراعها وجذبتها إليّ. ارتفع صراخها فصمت رفاقي عن ضحكهم السوقي وفروا هاربين. انفتحت نوافذ بيوت الحي وانفتحت عليّ أبواب الجحيم. خرج الشباب والرجال وحتى النساء. بدأت أتلقى ضربات على كامل جسمي حتى سقطت تماما وسط بركة قيئي ودموعي ودمي.
جاءت أختي أخيرا، أم تراني تخيلت ذلك، وركلتني في جنبي، وسمعت شتيمتها الباكية، "اذهب من هنا يا ابن الكلب. انسَ أن لك أختا."
وذهبت متبوعا بحجارة الصبيان ولعنات الأمهات وانفطار قلب أختي.
ذهبت وهمت بعيدا.
ذهبت وتشردت كثيرا.
تسولت وسرقت. ضربت وضُربت. عطشت وجعت. تألمت وتعذبت. ثم خرجت السموم أخيرا من جسمي، واستيقظت ذات يوم محموما على صوت فتية يستذكرون القرآن. استمرت الحمى بضعة أيام قبل أن أستعيد تركيزي وأعرف بأنني في أحد الاحياء العشوائية في مدينة بن قردان[3]، وبالضبط في بيت يستخدمه صاحبه الشيخ كمدرسة دينية لتحفيظ الأطفال القرآن.
سأكتشف لاحقا أن البيت يستخدم أيضا كمدرسة توعية وتثقيف للشباب الضالين الذين يجهزهم الشيخ لعبور الحدود الليبية لمخيمات تنظيم الدولة.
لا أعرف كيف وصلت من صفاقس إلى بن قردان، كل ما أعرفه هو أن بعض أعضاء جماعة الشيخ وجدوني على حدود المدينة مغميا عليّ متسخا مهلهل الملابس فأخذوني إليه. حسبما علمت كان قد مر شهران منذ غادرت بيت أختي.
بقيت في ضيافة الشيخ ثلاثة أشهر أخرى، قام فيها، مع تلاميذه، بفتح عيني على أحوال الأمة الإسلامية. تعلمت الصلاة لأول مرة في حياتي، ثم حفظت خلال شهر واحد نصف المصحف وبعض الأحاديث المتفرقة.
كان الشيخ مسرورا بي، ومتحمسا لإرسالي لأحد معسكرات التنظيم لإكمال عملية تهيئتي وبدء التدرب العسكري، فجاءت الأوامر لألتحق بمخيم التدريب في فزان. هذه كل الحكاية.
لم يتفوه أبو حفص بكلمة طيلة بوح الأخ يونس. في الختام ربت على كتفه، ثم احتضن كفه برفق وقبل جبينه، ونهض بعد ذلك متوجها نحو أسِّرة النوم. فتح حقيبة الظهر وأخرج كتابا منزوع الغلاف، ثم عاد إلى الأخ يونس ليجده قد انغمس مجددا في تجربة المذياع كأن لا شيء يشغل باله.
"أخي يونس."
نادى أبو حفص بصوت منخفض، ثم جلس على ساقيه.
"هذا كتاب قيم جدا،" أغمض أبو حفص عينيه بحسرة وتابع، "عثرت عليه متأخرا بعد أن فات الوقت."
"ما هذا الكتاب؟" قال الأخ يونس.
وضع أبو حفص الكتاب في حجر الأخ يونس، ربت على كتفيه، ثم احتضنه بقوة وهمس في أذنه: "أرجوك أخي، اقرأه كاملا قبل وصولنا للمغرب."
"ح.. حسنا."
قام أبو حفص وضغط على عينيه بأصابعه. انحنى مجددا وقبل رأس الأخ يونس. "لا تدع أحدا يرى الكتاب لديك. أبدا."
[1] أحيانا عندما يتعرض الشخص لصدمة، جسدية أو نفسية، فإنه يتخذ وضعية مشابهة لوضعية الجنين، قبل الولادة، حيث يحني الظهر إلى الأمام ويشد الساقين بإحكام نحو البطن ويلف الذراعان حول الرأس. توفر هذه الوضعية حماية أفضل للمخ والأعضاء الحيوية.
[2] ثورة شعبية انطلقت يوم 17 ديسمبر 2010 وأدت إلى إشعال حركات الربيع العربي وقبل ذلك الإطاحة بالرئيس التونسي، زين العابدين بن علي الذي حكم لمدة 23 سنة بدأها بانقلاب على الرئيس الحبيب بورقيبة.
[3] مدينة تونسية تقع أقصى الجنوب الشرقي قرب الحدود مع ليبيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.