أخذتُ دائماً مسافة مع النقاش حول معاش عبد الإله بنكيران لأنه ليس أول ولا آخر وزير أول أو رئيس حكومة يحصل على معاش و لا حتى على امتياز بأوامر ملكية، و اعتبرت التركيز على "قصة المعاش" توجهاً شعبوياً لتهريب النقاش حول القضايا المهمة للوطن. لكن في المقابل، أعتبر أن قضية جامع المعتصم والتي برزت هذا الإسبوع ذات أهمية قصوى و مختلفة تماماً لأنها تُسائل العمل السياسي ككل وبصفة عامة، ولكن كذلك تحشر حزب العدالة والتنمية في أسوأ زاوية، ولعلها الأسوأ في العشرية الأخيرة مع النتائج الكارثية للإنتخابات الأخيرة. فما معنى أن يكون الرجل الثاني في واحد من أهم أحزاب المعارضة موظفاً بديوان رئيس الحكومة؟ فهل يجهز جامع المعتصم الملفات لرئيسه عزيز أخنوش نهاراً ويُعارضه ليلاً وهو بمقر البيجيدي؟ انتظرنا رداً شافياً كافياً في الموضوع من الحزب وحتى قراراً حازماً من بنكيران فجاء بلاغه أشد وقعاً من الصمت، بل مبرِراً لما لا يُبرر. فما معنى أن يقول بنكيران إن المعتصم ليس مستشاراً لدى أخنوش، وإنما فقط مكلف بمهمة بطلب من أخنوش نفسه؟ وهذا في حد ذاته عذر أقبح من الزلة. وإذا سلمنا أن تقديره للأمر جانب الصواب وهو يُرخص للمعتصم بقبول المنصب، فماذا يُضيره اليوم أن يدفع المعتصم للإستقالة من هذه "الزلة" على الأقل لمحاولة "غسل العار" الذي لقي الحزب؟ هذه القضية يمكن اختزالها في جملة واحدة: "أخنوش خايب لكن فلوسو زوينين". لأن هذه الفضيحة مرتبطة فقط بالأجر أي المال. فهل هناك ريعٌ أكثر من هذا يا من تنددون بالريع صبحاً ومساءً؟ و ي الأخير قناعتي أن تدبير الحزب لهذا الملف غير موفق. أولاً لأنه صور للمغاربة وجود المعتصم في ديوان أخنوش وكأنه إنقاداً للوطن وكأنه الكفاءة الوحيدة بالبلد. ثانياً، قول إن بكيران مد يده لأخنوش لأنه "رئيس حكومة الدولة لما فيه مصلحة الوطن" فهذا يتعارض كلياً مع مفهوم السياسة المتعارف عليه عالمياً، فإجماعنا الوحيد هو حول ملك البلاد أما ما دونه في الهيئات السياسية والحكومية فهو خاضع للنقد والمنافسة السياسية، لأن ذلك هو جوهر الديموقراطية. ثالثاً، أخنوش خصم بنكيران السياسي بشهادة خطابات أخنوش كل أحد، وردود بنكيران النارية عليه تدل على ذلك. لذلك قول إن رئيس الحكومة ليس خصمك، فهذا كلام مجانب للصواب. بالمختصر المفيد، قضية جامع المعتصم هي تجسيد لبؤس السياسة في المغرب ونفاق الطبقة السياسية وتعرية لما يدور في كواليسها بعيداً عن أعين الشعب الذي يعتبرونه مجرد وعاء انتخابي. * صحفي و كاتب