توقفت إمدادات الغاز الجزائرية الواصلة إلى إسبانيا، أمس الأحد، بشكل مفاجئ، عبر خط "ميد غاز" وهو الوحيد الذي يربط البلدين منذ أن قررت الجزائر وقف العمل بالخط المغاربي الأوروبي المار من الأراضي المغربية، وأعلنت مؤسسة "سوناطراك" أن الأمر يتعلق بعطب سيجري إصلاحه، في الوقت الذي تعيش فيه العلاقات بين البلدين أزمة دبلوماسية غير مسبوقة. وبعد أشهر من تلويح الجزائر بقطع إمدادات الغاز عن إسبانيا بسبب إعلان رئيس الوزراء بيدرو سانشيز دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، كشف مجمع "سوناطراك" عن وقوع عطب على مستوى أنبوب "ميدغاز"، مصدرا بيانا قال فيه إن العطب وقع في الجهة التابعة لاسبانيا، قبل أن تعلن مدريد في وقت لاحق أمس الأحد عن عودة تدفق الغاز من الأنبوب. وتمثل هذه الواقعة، بغض النظر عما إذا كانت فعلا عطبا في خط الغاز أم رسالة سياسية لإسبانيا في ظل الأزمة المتصاعدة مع الجزائر، لب المشكلة التي دفعت حكومة سانشيز لإبداء مخاوفها مرارا، قبل أشهر، من القرار الجزائري وقف العمل بالخط المغاربي الأوروبي، فالأمر كان يعني حرمان الإسبان من 6 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، من جهة، ومن جهة أخرى وقف الإمدادات بشكل نهائي في حال حدوث أي عطب في الخط الوحيد المتبقي. وفي نهاية أكتوبر من سنة 2021 قرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عدم تمديد عقد العمل بخط الغاز المغاربي الأوروبي الذي يربط الجزائر بإسبانيا عبر التراب المغربي، وذلك على خلفية الأزمة الدبلوماسية مع الرباط على خلفية النقاط التي جنتها هذه الأخيرة ميدانيا وسياسيا في ملف الصحراء، وذلك رغم معارضة إسبانيا التي أضحت مهددة بتقلص وارداتها من الغاز الطبيعي. وأضحت الجزائر تعتمد فقط على الخط المتوسطي المباشر "ميد غاز" الذي دُشن سنة 2011 بقيمة 900 مليون أورو والذي تملك "سوناطراك" الجزائرية 51 في المائة من أسهمه مقابل 49 في المائة لشركة "ناتروجي إينيرجي" الإسبانية، والذي يمكن أن يساهم في نقل 8 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، وهو رقم أقل مما تحتاجه مدريد لضمان أمنها الطاقي وخاصة في فصل الشتاء. وفي مارس الماضي صارت الحكومة الجزائرية تلوح بقطع إمدادات الغاز نهائيا عن إسبانيا بعد موقفها الجديد من قضية الصحراء، متعللة بأن مدريد ستعاود بيع الغاز الجزائري للمغرب، لكن أمام تحذيرات الاتحاد الأوروبي أكد تبون احترام بلاده لالتزاماتها التعاقدية لكن مع البحث عن شريك أول آخر في المجال الطاقي كان هو إيطاليا، في حين لجأت إسبانيا بشكل أكبر للغاز الأمريكي والروسي. ويبرز هذا الوضع الارتباط الصريح للجزائر بجبهة "البوليساريو"، فقصر المرادية يتعامل مع ملف الصحراء وكأنه معني به بشكل مباشر قبل غيره، وللمفارقة، فإن المغرب ظل دائما يعتبر الجزائر الطرف الحقيقي في النزاع لذلك شدد على وجوده على طاولة المفاوضات، في حين كانت الخارجية الجزائرية وممثلوها في الأممالمتحدة يرددون أنهم ليسوا طرفا في النزاع وبالتالي يرفضون العودة إلى الموائد المستديرة ويعارضون أي تحرك أممي يدعوهم للمشاركة في المفاوضات. ونحت الجزائر منحى "انتحاريا" في اللعب بورقة الغاز، فقد سبق للاتحاد الأوروبي، من خلال بيان مشترك لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل ونائب رئيسة المفوضية المسؤول عن التجارة فالديس دومبروفسكيس، أن حذراها من انتهاك أي اتفاقية شراكة تجارية مع إسبانيا، ما دفع بعثتها في بروكسيل إلى التأكيد على الوفاء بالالتزامات التعاقدية في مجال صادرات الغاز الطبيعي. ومع ذلك، فإن الجزائر استمرت في ردود الفعل التي تتمحور حول إبداء غضبها من إسبانيا بعد دعمها للمقترح المغربي لحل قضية الصحراء، فكان أن طرق تبون بنفسه باب إيطاليا ليعرض عليها رفع واردات بلاده من النفط بسعر تفضيلي في ظل أزمة الغاز نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، في سبيل جعل روما الشريك الأول بدل مدريد، ما يعني أنها تُقامر بأموال الغاز وبالعقوبات الأوروبية المهددة بها في حال ما لم تستطع الوفاء بالتزاماتها مع الإسبان، من أجل "البوليساريو".