الريف مدرسة الأحرار: نعتقد أنه لا يمكن فهم الأسباب الحقيقة وراء التوتر الدائم لعلاقة الريف بالمخزن وأزلامه ( مند 1923 إلى اليوم) ، إلا من خلال فهم دور وأهمية التحولات التي عرفها مسار المقاومة إبان انتصارات أنوال أولا، وتأسيس الدولة الريفية ثانيا. التحولات التي ساهمة بشكل كبير جدا في تشكيل وتكوين الوعي السياسي الثوري لدى الريفيين، وهو الوعي الذي سيتم ترجمته لاحقا في إعلان تأسيس الدولة من جهة، وفي طبيعة ونوعية برامجها ومواقفها السياسية من جهة ثانية. ومن الأمور التي لا يمكن التغاضي عنها بسهولة، ونحن بصدد مناقشة التحولات السياسية والفكرية التي عرفتها الحركة الريفية بعد انتصاراتها المتتالية على جيوش الامبريالية بالريف؛ هي مسألة اختيار النظام الجمهوري وليس غيره من الأنظمة السياسية المعروفة آنذاك، فلهذا الاختيار أكثر من مغزى ودلالة لمن له دراية بالعمل السياسي وبالتحولات الفكرية التي عرفها العالم آنذاك، حيث أن هذا الاختيار يعبر، في تقديرنا، عن مدى نضج الفكر السياسي لدى محمد عبد الكريم الخطابي ورفاقه في جهاز الدولة، وهو الشيء الذي سيؤثر في الاختيار الإيديولوجي للدولة التي تم تأسيسها سنة 1923، المتمثل – أساسا – في الشعارات والمبادئ الأساسية للدولة، وهي: الوحدة – الديمقراطية – الحداثة . وهي الشعارات والمبادئ التي ستوثر في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ستباشرها الدولة مباشرة بعد تأسيسها. قلنا، سينعكس هذا التوجه؛ وهو توجه تقدمي بامتياز، بشكل واضح للغاية في المشروع الديمقراطي الحداثي للدولة سواء على مستوى الهيكل السياسي والتنظيمي للدولة ككل، حيث سعت إلى وضع مؤسسات عصرية ( دستور، برلمان، محكمة وجيش نظامي..) ، أو في مشروعها المجتمعي حيث سعت إلى تحديث القطاع الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي/الثقافي، فهكذا، عملت الدولة الريفية الحديثة النشأة، كل ما في وسعها، على إنشاء شبكة من الطرقات والبريد والمواصلات والمدارس وشبكة الهاتف والإصلاح الزراعي، حيث كانت حكومة الريف توزع الأراضي على الناس قصد استغلالها وزراعتها (32)، كما كان محمد بن عبد الكريم الخطابي يقول للناس ” من لا يريد حمل السلاح عليه أن يحرث الأرض”. والريفيون بإقدامهم على تأسيس الدولة، واختيارهم الواعي للنظام الجمهوري برهنوا للعالم كله على قدرتهم على تسيير أنفسهم بأنفسهم، وبالتالي قدرتهم على التنظيم وخدمة أرضهم دون الحاجة إلى الاستعمار. كما برهنوا للعالم أيضا أنهم متواجدون داخل التاريخ وليس خارجه. وربما، من المفيد، التذكير هنا ببعض الأحداث والوقائع التي – ربما – لها تأثير ما على اختيار قادة حركة المقاومة بالريف للنظام الجمهوري بعد تأسيسهم للدولة، هذا بالإضافة إلى العوامل الداخلية التي سنقف عندها أيضا بعد لحظات فقط: انتشار قيم الديمقراطية والعلمانية والحداثة في الغرب، وهي القيم التي افرزنها الثورة الفرنسية ( ما بين سنة 1789 إلى 1799 )؛ إعلان الجمهورية الفرنسية الثانية سنة 1848 بعد سقوط الملك لويس فليب، وصدور أيضا مبادئ حقوق الإنسان ( انظر في هذا الصدد كتاب ” حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس” ترجمة محمد الهلالي/ منشورات اختلاف )؛ صدور البيان الشيوعي على اثر انعقاد مؤتمر عصبة الشيوعيين بلدن سنة 1847 ؛ انعقاد المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي سنة 1902 بعد المؤتمر التأسيسي سنة 1898 ؛ انتصار الثورة البلشفية بروسيا سنة 1917 ، وتأسيسهم لحكومة اشتراكية سنة 1918 ، وفي سنة 1921 ينعقد المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي، والمؤتمر الثاني عشر سنعقد سنة 1923 ؛ بروز حركة الاستقلال في كل من المجر ورومانيا وبولونيا وتشيكوسلوفاكيا سنة 1923 ؛ تأسيس عصبة الأمم سنة 1919 بعد مؤتمر باريس حول السلام؛ سقوط وانهيار الخلافة الإسلامية سنة 1924 . هذه هي بعض الأحداث والعوامل التي نعتقد قد أثرت – ربما- بشكل أو آخر، في اختيار النظام الجمهوري للدولة الريفية. فإلى جانب مقاومة الاستعمار والسعي الحثيث للقضاء على مظاهر الفساد والتخلف والبؤس، الذي كان سائدا في المجتمع الريفي آنذاك، والمستمر مع الأسف الشديد إلى يومنا هذا مع وجود بعض التفاوت والتباين بطبيعة الحال، أسس محمد بن عبد الكريم الخطابي ، بوعي منه أو بدون وعي، مدرسة ثورية لكل أحرار العالم، حيث تأثر بها كبار زعماء الحركات التحرر في العالم، كما أن تأثيراتها مازالت مستمرة وقائمة إلى يومنا الراهن. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية ساهمة التطورات الميدانية للحركة الثورية بالريف التي اشرنا إليها سابقا، وباختصار شديد، في تغيير البنية الفكرية والأخلاقية/ السلوكية للمجتمع الريفي مما ساعد على تأسيس الدولة. فالوضع الاجتماعي والثقافي بالريف إبان ظهور المقاومة الريفية كان يتميز، كما هو معروف، بالفوضى والتخلف والبؤس على كافة المستويات المعيشية، فإلى جانب الانتشار الواسع لظاهرة الثأر والصراعات الداخلية بين القبائل المكونة للجسم الريفي كما أسلفنا الإشارة إلى ذلك سابقا، كان الريف يعاني آنذاك من أمرين أساسيين أولهما انتشار المجاعة والجفاف؛ وهي من الأسباب الرئيسية التي أدت بعدد هائل من الريفيين إلى الهجرة والرحيل من الريف تجاه المدن الداخلية أو إلى الخارج ( إلى الجزائر تحديدا)، وثانيهما هو غياب السلطة المركزية، فالسلطان لم تكون له أية سلطة فعلية مادية على الريف باستثناء الجانب الروحي وجمع الضرائب، وهو الأمر الذي حد ببعض قبائل الريف الشرقي( قبيلة قلعية تحديدا) إلى الهجرة صوب مدينة مليلية هروبا من ارتفاع الضرائب وبطش قواد واعيان السلطان(33)، كما كانت إسبان قد استولت حينذاك على الريف الشرقي إلى حدود قبيلة تمسمان المطلة على قبيلة ايت ورياغل( معقل الزعيم) والريف الغربي أيضا، بالإضافة إلى بروز مجموعة من حركات التمرد، ومنها حركة الريسوني وحركة بوحمارة ، حيث كان هذا الأخير قد اتخذ قلعة سلوان عاصمة له (ما بين 1903 إلى 1908)، وهزمته في الأخير قبائل الريف الأوسط بقيادة القاضي عبد الكريم الخطابي؛ أي أب الزعيم محمد عبد الكريم الخطابي ، هذا بالإضافة إلى فشل ثورة محمد أمزيان. كل هذا الاحداث والوقائع( وغيرها كثيرة) كان لها صدى في نفوس الناس، وهي القضايا والإشكاليات التي ستؤثر على مسار الثورة الريفية، بشكل أو أخر، عند بدايتها وانطلاقها الفعلي سنة 1921. أمام هذه الأوضاع والظروف كان من الصعب على محمد بن عبد الكريم الخطابي أن يقنع القبائل الريفية بجدوى وضرورة التصدي للاستعمار، وصعوبة هذه المهمة لا تكمن فقط في ضعف الإمكانيات الذاتية للريف آنذاك، حيث الفقر/ المجاعة وقلة الأسلحة من جهة، وفي انتشار الثأر و الصراعات القبيلة من جهة أخرى، وإنما تكمن كذلك في الحالة النفسية السائدة لدى الناس، حيث كان اليائس والإحباط قد تغلغل في نفوس الناس، وحالة التدهور النفسي هذه نجدها بشكل بارز في موقف المعارضين للحركة ” الجهادية” التي تزعمها محمد بن عبد الكريم الخطابي (34)، حيث كانوا ينادونه بالاستسلام والخضوع للاستعمار ما مادامت أن معظم قبائل الريف ( الريف الشرقي والريف الغربي) قد خضعت للسيطرة الكاملة للإسبان ، وبالتالي لا جدوى من محاربة الإسبان حسب رأيهم وقناعتهم. لكن، مع تأسيس الدولة الريفية، والبدء الفوري في انجاز مشاريع اقتصادية واجتماعية وثقافية /تعليمية وزراعية وعسكرية، وهنا تكمن قصة وعظمة الثورة الريفية، التي تنفرد عن معظم الحركات التحررية في العالم، وفي ما يسمى بالعالم العربي والإسلامي على وجه الخصوص. نشير هنا أن معظم الحركات التي كانت في هذه البلدان لم تكن تتوفر على مشروع مجتمعي واضح الأهداف، كما كان لدى الحركة الثورية بالريف، بل أن حتى الوفد المغربي المفاوض في إكس ليبان لم يكن لديه مشروع مجتمعي يقدمه للفرنسيين، وبالتالي سيتفاوض من أجله. وهو الوفد الذي كان يصف الثوار ب ” الإرهابيين” حسب الدكتور الخطيب(35). ومن هنا كان الوفد لا يفاوض على استقلال المغرب وإنما كان هدفه الأول والأخير هو التفاوض على إمكانية أعطاء استقلال للمغرب فقط، وبين الأمرين اختلاف شاسع جدا (36). قلنا، في غضون تأسيس الدولة الريفية ستتغير نظرة الريفيين إلى العديد من الأمور والقضايا التي كانت تعرقل مسيرتهم الكفاحية والنضالية قبل انتصارات أنوال. واستنادا إلى هذا المعطى البارز في تاريخ الريف الحديث سيشهد الريف ما بين 1921 إلى سنة 1926 تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وحربية عميقة ومهمة للغاية، كما سيشهد تحولات نفسية عميقة جدا، وفي هذا الصدد يقول الأستاذ محمد اشتاتو في معرض حديثه عن التجربة السياسية لآيث ورياغل في عهد عبد الكريم الخطابي ما يلي (( كان لعملية بناء الطرق هذه تأثيرات نفسية بالغة على القبائل)). (37). الريف وحكاية الانفصال: إن عملية ربط قراءة حاضر الريف بالأحداث التي أفرزتها المقاومة الريفية ما بين سنة 1921 و1926 ، وخاصة بعد انتصارها في معركة أنوال، سواء خلال مرحلة الاستعمار أو خلال مرحلة ظهور ما يسمى بالحركة الوطنية، أو حتى ما بعد مرحلة الاستقلال الشكلي للمغرب سنة 1956، ليست عملية اعتباطية ولا مجازفة لغوية، أو مزايدة سياسية. بقدر ما هو اختيار منهجي واضح ومقصود لفهم واقع الريف في الماضي والحاضر معا، وبالتالي فإن محاولة فهم حاضر وراهن الريف انطلاقا من قراءة الماضي تعتبر واحدة من القراءات الممكنة، في تقديرنا الخاص، لفهم واستيعاب علاقة الريف بالمخزن على امتداد فترة ما بعد معركة أنوال إلى يومنا هذا (38)، وذلك لما لهذا الماضي من تأثيرات على الذاكرة الجماعية للريفيين وعلى علاقة الريف بالقصر والأحزاب السياسية كما اشرنا سابقا (39). لقد تناولنا في السطور السابقة، وأكثر من مرة، عنصرين أساسيين في تطور الأحداث بالريف ما بعد معركة أنوال، واختزلنا هذين العنصرين في الانتصارات الحربية للثوار أولا، وخاصة انتصارهم الساحق في معركة أنوال ، وثانيا تأسيس الدولة الريفية. ومما لا شك فيه، هو أن هذين العنصرين قد ساهموا بشكل كبير وقوي جدا في تطور الحرب واتساع رقعته الجغرافية ، سواء من حيث العتاد والقوة المستعملة فيه (40)، أو من حيث الحجم والأطراف المشاركة فيه كذلك، ونشير هنا بالخصوص، إلى دخول فرنسا على خط الحرب بالريف. هذا من جهة ومن جهة أخرى ساهما أيضا( أي العنصرين السابقين) في تطور الوضع السياسي والإعلامي للمقاومة بعد تأسيسها للدولة. ومن الأسئلة المطروحة بقوة في هذا الجانب من تاريخ المقاومة الوطنية بالريف هو: لماذا أسس عبد الكريم الخطابي الدولة؟. هل كان يسعى بالفعل إلى الانفصال والخروج عن السلطان؟.(41) وفي الإجابات المتاحة على هذه الأسئلة، نجد موقفين مختلفين ومتباينين جدا، أولهما يقول بوجود رغبة الانفصال عند محمد بن عبد الكريم الخطابي ورفاقه، وبالتالي كان يسعى بالفعل إلى الانفصال وتأسيس كيان مستقل، وهذا الموقف نجده عند جرمان عياش على سبيل المثال(42)، وبعض الأحزاب السياسية المغربية (43)، وهو الموقف الذي ستتعامل به الدولة المغربية مع الحركات الاجتماعية الاحتجاجية بالريف . فالانتفاضة الديمقراطية بالريف حسب تعبير الدكتور مصطفي أعراب 1958/ 59 (44) ، اعتبرها البعض بمثابة إعلان الجمهورية الريفية الثانية (45)، وانتفاضة ايث بوعياش الأخيرة اعتبرها البعض بمثابة محاولة للانفصال وتأسيس الجمهورية الريفية، حيث كان الأستاذ محمد جلول( الموجود حاليا في السجن) على أهب الاستعداد لكي يعلن نفسه رئيسا لجمهورية الريفية يقول احد ” الصحفيين” (46). أما الموقف الثاني والمتناقض كلية مع الأول، فهو موقف يعتبر بأن تأسيس الجمهورية سنة 1923 من طرف عبد الكريم ورفاقه في درب النضال والكفاح الوطني قد فرضته مجموعة من التطورات الميدانية للمقاومة من جهة، وفرضه أيضا الفراغ السياسي السائد في البلد آنذاك من جهة ثانية. وبالتالي فإن محمد بن عبد الكريم الخطابي لم تكن لدية رغبة الانفصال ومناهضة السلطان(47). وفي هذا المضمار نشير بعجالة إلى ثلاثة عوامل موضوعية وأساسية في موضوع تأسيس الجمهورية: * العامل الأول: هو غياب السلطة المركزية، وبالتالي كان من الضروري على المقاومة أجاد سلطة تتحدث باسمها(= المقاومة) وباسم الشعب أمام العالم والمنظمات الدولية. ففي البيان التأسيسي للجمهورية نقرأ ما يلي ” نحن حكومة جمهورية الريف..” ونفرأ أيضا ” الشعب الريفي “، هذا بالإضافة إلى أن الواقع السياسي قبل عهد الحماية كان منقسما إلى معرب المخزن ومغرب السيبة يقول الأستاذ علي الإدريسي (48). * العامل الثاني: هو التحاق عدد هائل من القبائل الريفية والثوار المغاربة بحركة المقاومة، مما استدعى ضرورة وجود سلطة تفرض نفسها على الجميع، حيث بإمكانها فرض نوع من التنظيم والأمن والقانون والسير العادي للحياة (فتح الأسواق، المحاكم، المساجد ..). بالإضافة إلى تسيرها اليومي للمقاومة. * العامل الثالث: يتعلق بالانجازات والانتصارات الحربية التي حققها الثوار على ارض الواقع حيث يمكن اعتبار هذا العمل من أبرز العوامل التي أدت إلى تأسيس الدولة، فأمام غياب السلطة المركزية كان من الضروري أجاد سلطة بديلة للتفاوض مع العدو على ضوء الانتصارات التي حققها الثوار في ساحة المواجهة والميدان الحربي، وفي هذا الصدد يقول الدكتور على الإدريسي ((غير أن الحرب تبقى بحاجة إلى كيان سياسي مهيأ للتفاوض والتعبير عن أهداف ومطالب أصحابها لدى الخصم، ولدى الرأي العام الوطني والدولي أيضا..)) (49). علاوة على ما تم ذكره ، تجدر الإشارة أيضا إلى بعض العوامل الموضوعية في انتصار معركة أنوال التي مهدت الطريق إلى تغيير وجه الريف محليا/ وطنيا ودوليا كما سبق الإشارة إلى ذلك أعلاه: أولهما يتعلق بالعامل الثقافي/ الفكري، وثانيهما يتعلق بالعامل النفسي/ السيكولوجي، فبدون استحضار هذين العاملين لا يمكن فهم تطور الأحداث الحربية والسياسية بالريف عقب انتصار أنوال. فعلى مستوى العامل الأول لعب محمد عبد الكريم الخطابي بفعل تكوينه الثقافي والعلمي دورا مهما ورئيسيا في تعبئة وإقناع الجماهير الريفية بضرورة الكفاح والتصدي للاستعمار الاسباني، معتمدا في ذلك على ثلاثة عناصر أساسية في التعبئة للحرب والثورة وهي: اللغة والدين والديمقراطية. لقد استعمل محمد عبد الكريم الخطابي، وبشكل عام، الموروث الأمازيغي في تعبئة الريفيين للثورة، خاصة استعماله للغة الريفية في التواصل ومخاطبة الجماهير التي كان يخاطبها في القرى والمداشر التي كان يزورها من اجل التعبئة وحشد المقاتلين. كما أنه استعمل أيضا الموروث الديني( القرآن، الأحاديث وقصص الأنبياء والصحابة ) في إقناع المواطنين بمشروعه التحرري، هذا بالرغم أن للرجل ميولات علمانية واضحة في مشروعه السياسي، حيث نشر مقالا يوم 9 يونيو 1911، بجريدة ” تليغراف ديل ريف” يؤيد فيه فصل الدين عن الدولة(50). كما نجد هذا التوجه في عدة مواقف وسلوك الزعيم، ومنها على سبيل الذكر فقط ، مناهضته للزوايا، وأيضا طريقة تربية أبناءه(51)، وعدم وضعه وزارة خاصة للشؤون الدينية أثناء تأسيسه للجمهورية (52)، ورفضه كذلك الدعاء له في المساجد بصفته أمير وقائد البلاد. كما أن الأسلوب والمنهج الديمقراطي الذي نهجه محمد عبد الكريم الخطابي في تعامله وحواره مع الجماهير حول ضرورة المقاومة والتصدي للأسبان كان له دورا أساسيا في إنجاح الثورة الريفية حيث أن جميع القرارات الحربية والسياسية كانت تتخذ بشكل ديمقراطي. أما على المستوى العامل الثاني؛ أي العنصر النفسي والسيكولوجي، فلقد أقدم محمد عبد الكريم الخطابي في تقديرنا على انجاز ثورة نفسية وثقافية على مستوى العلاقات الاجتماعية بالريف وقتذاك. وهي الثورة التي تشكل المحاور التالية أهم وابرز محاورها: أولا: قضائه على مظاهر الثأر والقتال الداخلي بين القبائل الريفية حيث جعل من اسبانيا العدو المشترك لقبائل الريف. هذا من جهة، ومن جهة أخرى جعل الجميع يخضع للقانون( انظر بنود اتفاقية مؤتمر إمزورن المنعقد يوم 21 فبراير 1924 بين أعيان قبائل الريف، أسد الريف، ص 98 -99 / المرجع مذكور في الهوامش). ثانيا: عمل على نشر ثقافة الوحدة والتآزر، وثقافة التسامح عموما، والتسامح الديني خصوصا، حيث قال في هذا الصدد، بالإضافة إلى موقفه من الأسرى والجالية اليهودية بالريف آنذاك، ما يلي (( ليفن الله هذا المعتقد إن كنا سنحرمه من عصي عملنا وحريتنا..)).(53) ثالثا: استغلاله لمعركة اداهار ابران بشكل ايجابي جدا حيث جعل المواطنين يقتنعوا بإمكانية هزم العدو رغم تفوقه العسكري والعددي: حيث كتبت السيدة زكية داود في هذا الصدد تقول ” وكانت هذه المعركة ( أي معركة اداهار ابران) الأولى التي خاضها 400 ريفي هي البداية الحقيقية لحرب الريف، والمنعطف الكبير لكفاح القبائل مند دخول الإسبان شمال المغرب..)).(54) محمود بلحاج/ لاهاي هولندا ملحوظة: ينشر بالاتفاق مع الموقع الإخباري www.anoual.net الهوامش: 32: المرجع السابق محمد العلمي – ص 36 33: انظر كتاب الدكتور مصطفى الغديري ” الريف قراءة في وثائق” – الطبعة الأولى 2009 – ص 11 -12 - 34: المرجع السابق أسد الريف 35: انظر كتاب ” الدكتور عبد الكريم الخطيب مسار حياة ” إعداد حميد خباش ونجيب كمالي- الطبعة الثانية – منشورات إفريقيا الحرية – ص 77 36:انظر مقال الدكتور محمد اشتاتو ” التجربة السياسية لايت ورياغل في عهد عبد الكريم الخطابي” جريدة بادس – العدد الزدوج 13 -12 – 2001 – ص 14 37: المرجع السابق علي الإدريسي 38: يمكن اعتبار الدكتور علي الإدريسي من بين الباحثين الذين يقرءون حاضر الريف على ضوء أحداث 39:. علي الإدريسي المرجع السابق – ص 275 – 276 – 277 . 40: المرجع السابق/ زكية داود- ص 261 -262 -263 41: من الأمور التي يجب علينا معرفتها هو أن المغرب أبان إعلان عن تأسيس الجمهورية لم تكون هناك الدولة المغربية المعروفة الآن وإنما السلطان 42: جرمان عياش ” أصول حرب الريف ” ترجمة محمد الأمين الزاز وعبد العزيز التمسماني خلوق – مطبعة النجاح الجديدة ص 173 . 43: المرجع السابق علي الإدريسي ص 136 – 137 – 138 44: المرجع السابق مصطفي اعراب 45: المرجع السابق الخطابي في المنفي ص 122 46: أورد هذا الخبر الزائف المدعو منير أبو المعالي في ” تحقيقه” حول أحداث ايث بوعياش الأخيرة / انظر مجلة الآن العدد الرابع (من 27 ابريل إلى 3 ماي 2012). 47: هذه المواقف نجدها مثلا عند الدكتور علي الإدريسي وعبد الرحمان الطيبي والدكتور مصطفى الغديري وغيرهم كثيرون 48: علي الإدريسي المرجع السابق 126 -127 -128 49: علي الإدريسي المرجع السابق 50: زكية داود المرجع السابق ص 73 51: علي الإدريسي المرجع السابق ص 231 -232 -233 52: المرجع السابق محمد الجزنائي ص 42 -44 53: زكية داود المرجع السابق ص 73 54: زكية داود المرجع السابق- ص 89.