أسماء وأسئلة:إعداد وتقديم رضوان بن شيكار تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة. ضيف حلقة الاسبوع الكاتب و الشاعر نور الدين ضرار 1- كيف تعرف نفسك للقراء في سطرين؟ نور الدين ضِرَار، مُواطنٌ غيرُ صالح إلا بقدر صلاحيّة وجوده وجدواه من انشغالاته الإبداعية، واهتمامه بالشعر والترجمة والموسيقى.. فضلا عن انخطافات أخرى من مَسَرّات الحياة وصداقات الأرواح الجميلة.. 2- ماذا تقرأ؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟ من غير المألوف تَوصيفُ القراءة كحرفة.. ذلك أنّ أغلب قراءاتي في الأعوام الأخيرة خارج اختياراتي، إلا ما يَتيّسر لي منها في أوقاتٍ غير معلومة.. لهذا أجِدُني عادة منشغلاً بقراءة الكتب المقترحة علي للترجمة من قبل الناشرين، أو المخطوطات المعروضة علي للمراجعة والنشر من قبل مؤلفيها.. ومنذ فترة مبكرة من عمري، كانَ قد وَصلَ بي شَغَفُ المطالعة لحالة إدمان، مِمّا أهَّلني لقراءة الكثير من الكتب كان أجمَلها وأغناها على الإطلاق كتاب حياتي.. 3- متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتب؟ كانت خربشاتي الطفولية أوَّلَ عهدي بالكتابة، وأنا تلميذ في المرحلة الابتدائية بتشجيع من معلمي الأول الذي كان يغدق علي قصص الأبراشي والمنفلوطي وأعداداً من مجلة العربي.. لكنَّ الانغمارَ الحقيقيَّ في تجربة الكتابة لم يكن إلا في وقتٍ لاحق مع مرحلة الصِّبا والشباب.. ولعلَّ الدافع كان ولا يزال ذاك النزوعُ الخفيّ لتعميق الرؤية للوجود وتلطيف الحياة والتخفيف من ألم الفقدان وأعطاب الذات.. 4- ما هي المدينة التي تسكنك، ويجتاحك الحنبن إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟ ربما بمحض المصادفة، أجدُ الجوابَ ماثلا في صيغة السؤال نفسه بالإحالة على باكورة كتبي الشعرية "تسكعاتٌ في خرائط التيه"، المُقترنِ جغرافيا بالصّويرة، القَلعة الخرافية التي قصدتها ذاتَ تَرَحّلٍ طائش سائحاً عابرا، دون توقع مني أن يَطيبَ لي فيها المقامُ قرابة العقدين من الزمن.. هذا مع الحنين طبعاً لتسكعاتي اليافعة بمسقط رأسي البيضاء، أو خلالَ إقاماتٍ طويلة نسبيا شدتني في فترات متراوحة بين مدن وأماكن أخرى كوجدة والشاوية والرباط ومكناس.. 5- هل أنت راض على إنتاجاتك؟ وما هي أعمالك المقبلة؟ في تواصُلِ صبيب إصداراتي ما يؤكدُ عَدَمَ الرضى على كتاباتي، ففي كل إصدار جديد إصرارٌ ضمنيّ على تجاوز سابقه، وكل صنيع لا يعدو عن كونه مجرّدَ أفق لاجتراح المزيد من الأسئلة واقتراح البديل أملا في الكمال المستحيل.. وعن أعمالي المقبلة، هناك العديد من المشاريع المقترحة لهذا العام، وفي حكم المؤكد منها ترجمتي للكتاب القيم "أفروتوبيا" لفلوين سار الذي سيصدر قريبا جدا عن منشورات ملتقى الطرق ثم ترجمة كتاب الفرس في التشكيل المغربي الحديث عن منشورات مرسم .. 6- متى ستحرق أوراقك الإبداعية بشكل نهائي، وتعتزل الكتابة؟ الكتابة ليست حصرا نمط تفكير أو إشباع حاجة للتعبير كما يعتقد الكثيرون، بل هي بالنسبة لي فوق ذلك أسلوبُ حياة وشكلُ وجود، ومن ثم أعتبرها من أساسيات حياتي اليومية.. إنها أكثرُ من شغف، وأقرَبُ ما تكون لهواء الأرض الذي أتنفسه، كما القراءة ماء الحياة الذي أنهله، والموسيقى روح الشعر الذي أتنسمه، والحلم جنوني الجانح الذي أستلهمه.. 7- ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبه؟ وهل لديك طقوس للكتابة؟ من كل مقروءاتي التي نسيت أغلبَها، لا أزال أحتفظ في الذاكرة وحتى في رفوف مكتبتي بعناوينَ عديدةٍ ممهورة بأسماءَ عالميّةٍ وكونيّة تمنيتُ لو كنتُ كاتبَها، خاصة في الشعر والرواية والفلسفة والتصوف.. أما عن طقوسي في الكتابة الإبداعية تحديدا، فهي بسيطة للغاية، لا أحتاج بالضرورة للجلوس إلى مكتب فاخر أو التمدد على سرير وثير كما هو شائع في عرف بعض الكتاب واعتقاد القراء.. يكفيني فقط مزاجٌ رائق وأعصاب هادئة، مع سماعة موصولة بموسيقى ملهمة، ومائدة مثلا في مقهى شبه مهجور على ساحل متموج أو فسحة معشوشبة مفتوحة، حتى ولو كانت مجرد جدارية مُمَوّهة.. بعيدا عن صخب الحياة وقتامة الفضاءات المغلقة.. 8- هل للمبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها؟ أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟ أكاد أجزمُ ألا دَورَ للمثقف عامة في المنظومة الاجتماعية براهنيتها الكارثية، وذلك راجعٌ للكثير من الأسباب والعواملِ المتفاقمة، لعلَّ أبرزَها تقزيمُ صورة المثقف وتمييعُ دوره بإشاعة ثقافة التفاهة ومَأسَسَة الأميّة الفكرية بشواهد جامعية عالية.. لهذا بكل بساطة أجد الكاتب الحقيقي في الموقع الخطأ لأنه عبثاً يَكتبُ لأمَّةٍ لا تَقرَأ.. 9- ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟ العزلة قدرُ الكاتب لأنها المعادلُ الموضوعي لاغترابه والشكل الأنسب لتصريف اختلافه عن الآخرين، ما عدا أن تكون انعزالا مؤقتا من أجل التفرغ لفعل الكتابة والإبداع.. وفي الظرفية الوبائية المستجدة في العالم، تأكدَ بالملموس أنّ المبدعين والقرّاء كانوا أقلَّ معاناةً من التأثيرات النفسيّة الناجمة عن إكراهات العَزل الصحي، وأكثر قدرة على الاندماج والامتثال العفويّ لتعليمات الحَدِّ من حريّة التنقل التي فرضتها أغلبِ الدول.. 10- شخصية في الماضي ترغب لقاءَها؟ ولماذا؟ أرغبُ لقاءَ الشاعر المِغوار ضرار بن الخطاب لمفاتحته فيما لا يزال عالقا من بعض أمورنا العائلية.. هه.. وشاعرَ العرب الأكبر وحكيمهم الأغرّ أبا الطيب المتنبي، لعله يقبلني تِربا من اترابه في بادية السماوة، وفي إمارة حلب نديما وراوية.. وبعدها لا حَرجَ عليّ إن امتنعت عن مصاحبته عنوة لأرض الكنانة.. 11-ماذا كنت ستغير في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد؟ ولماذا؟ أنا رجلٌ قنوعٌ بما أنا عليه من عفاف، زاهدٌ في الأضواء ولثم الأكتاف، تستهويني الظلال وفجاج الجبال بعيدا عن المؤسسات والانتماءات والولاءات بمقتضى التكتلات المحكومة باشتراطات غير ثقافية بالمرة.. لكن لو عادت بي الأيام إلى الوراء لنهجت مساري الحياتي نفسه، بطموحي الإبداعي ذاته، فقط مع تعديل طفيف، كأن أقلب المعادلة لأبدأ موسيقيا حالما وأنتهي شاعرا مجنونا.. 12- ماذا يبقى حين تفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟ تبقى الأشياء نفسها، وربّما بشكل أقوى تأثيرا وحضورا في حياتنا.. قد نفتقد الكثير من لحظاتنا الدافئة وأواصرنا الحميمة مع توالي الأيام المنفلتة وغياب الوجوه الراحلة، لكنها تظل مترسبة بين شغاف القلب والذاكرة.. ومن ثمّ كل كتابة هي ترويضٌ للذات على التآلف مع الفقدان والفراغ، ونوع من الحنين الاسترجاعي خاصة لما نتركه خلفنا اضطرارا وإكراها.. 13- صياغة الآداب لا تأتي من فراغ، بل لا بد من وجود محركات مكانية وزمانية. حدثنا عن ديوانك "باقات من حدائق باشو" كيف كتب وفي أي ظرف؟ "باقات من حدائق باشو"، هي أضمومة متنوعة من الهايكو الياباني كانت لي مهمة اختيارها ومتعة ترجمتها باقتراح من منشورات الفنك المعروفة بقيمة وأناقة إصداراتها.. ويأتي هذا العمل في سياق تنويع اهتماماتي الشعرية والفكرية، التي أثمرت في وقت سابق ديوان "ومضات من آخر سماء"، و"نفحات من الهايكو الياباني" أول عمل أنطولوجي من نوعه عربيا.. وفي وقت لاحق أثمرت أعمالا في الاتجاه نفسه بموازاة انشغالات أخرى محايثة أو مغايرة إبداعا وترجمة.. 14- ما الذي يريده الناس تحديدا من الكاتب؟ الناس لا يريدون شيئا من الكاتب سوى أن يكون على مقاسهم ومستوى إدراكهم.. ولا يرون فيه غير بشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق مثلهم.. ولا يتوسَّمون فيه شيئاً سوى تخدير جراحهم والإحساس بآلامهم.. وفوق ذلك، يَحصُرون مهمته في أن يَكتبَ عنهم ويقرأ لنفسه ما يَكتبَ عنهم، ويَتَفَهّم أن الكِتَابَ ببساطة لا يَدخلُ في نطاق اهتمامهم.. 15- ما جدوى هذه الكتابات الإبداعية؟ وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الإبداعية ليسكن الأرض؟ الإنسان كائن مبدع، هذه قاعدة تؤكد أن الإبداع خاصية إنسانية بامتياز، حتى لا أقول بشرية دَرءاً لِكلِّ خلط.. والإبداع في علاقته بالواقع رَفعٌ لسقف الوعي في الحياة بضرورة التغيير من شروط وجودنا وفن تجميل قبحنا والارتقاء بإنسانيتنا.. ومن ثمَّ الحاجة إليه كي نساكن أنفسنا على أرض لن تكون بدون فن وإبداع إلا جحيما خانقا أو حياة طافحة بالضجر والتفاهة.. 16- كيف ترى تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعيّ؟ لاعتبار شخصي، لا أنشر عادة إلا ما سبق لي نشره ورقيا في كتب أو منابر أدبية.. وإن كنت لا أمانع الآخرين في حق النشر على هذه المواقع، باعتبارها مسألة محمودة في شقها الإيجابي المقترن بإمكانية التعريف بأسماء مغمورة ذات قيمة إبداعية مضافة، لم تجد طريقها للنشر الورقي. وإن كانت هذه الفئة تبقى في نهاية المطاف قلة، من الصعب تمييزها وسط هذا الحشد الهائل من الرداءات التي يغصّ بها الفضاء الأزرق، مشفوعة بتعليقات التمجيد والتتويجات الوهمية، بل وحتى شواهد (الدكتوراه الفخرية).. 17- أجمل وأسوأ ذكرى في حياتك؟ لدي الكثير من الذكريات الجميلة، منها ثلاث تنبّأ لي فيها الأطباء بنهايتي المحتومة المحسومة.. والقليل من الذكريات السيئة التي لا يتيسر لي استحضارها الآن لضعف ذاكرتي السيئة.. 18- كلمة أخيرة، أو شيء ترغب في الحديث عنه؟ شكرا لك الشاعر رضوان بنشيكار على طيب الالتفاتة، آملا لقراء صفحتك كل المتعة والفائدة.