أسماء وأسئلة: إعداد وتقديم رضوان بن شيكار تقف هذه السلسلة من الحوارات كل أسبوع مع مبدع أو فنان أو فاعل في إحدى المجالات الحيوية في أسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة. ضيف حلقة الأسبوع الشاعر والكاتب المصري محمد حسني عليوة. 1 كيف تعرفّ نفسك للقراء في سطرين؟ لا أريد أن أقول عن نفسي كاتباً، قدر ما أحبذ أن أكون "إنسانا". فلا يمكن أن تكتب قبل أن تكون "إنسانا" بالمفهوم الشمولي والضمني. في درب السرد صدر لي "تداعيات وجه ضد وجه" مجموعة قصصية، وفي دهاليز الشعر صدر ديوانان، "فاكهة الرغبة التي تصلي في مدفأة الرّب"، و " رقصة أخيرة برفقة ملاك". 2 ماذا تقرأ الآن، وما هو أجمل كتاب قرأته؟ القراءة هي صمام أمان العقل، زيت المحرك الذي من غيره تتوقف التروس عن العمل. ولا أتصور أن يعيش الكاتب دون قراءة يومية. ومقياس الجمال ليس فحسب مقدرة الكاتب الفنية، بل فلسفته الخاصة التي تجعلني مفتوناً بمواصلة ما كتبه. 3 متى بدأت الكتابة ولماذا تكتب؟ الكتابة: قاطرة ذهنية تستهلك مشتقات حياتي الشعورية بلا رحمة! لذا كنتُ على موعد مع الكتابة منذ مراحلي الدراسية في التعليم الثانوي. ولا تسلني لماذا أكتب؛ لكن قل لماذا أتعلق بالحياة؟! فالكتابة بمثابة هشيم الروح التي أكلته الحياة بفعل القسوة والمعاناة وبمعنى الصمود والتضحيات والمفعمة بالمصاعب والمخاطر. 4 ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكّع في أزقّتها وبين دروبها؟ المدينة تلك، والتي ليست طرحًا لاختياراتنا في الحياة، هي في كل لحظة بلون، بتجلٍّ، بإبهار، بجاذبية، بحساسية أنثوية مختلفة ومختلطة، وباستحالة ضبطها وهي قادرة على النهوض والمشي.. عاجزة وناجزة، منقوعة في وحل الشهوات ونكبات الغرائز. المدينة هي القاهرة التي أبصرتُ بها جسدي منقوعاً في أتون معيّتها. 5 هل أنت راضٍ على إنتاجك وما هي أعمالك المقبلة؟ لستُ محقاً لو قلت أنني غير راضٍ بالمرة! شيء مذهل أن ترى نفسك مخلصاً لفن مجحف، فن سلطوي، ولا تحصد من ولائم ألوهيته غير المكابدة، والمكابدة هنا هي سر شقاء العقل. 6 متى ستحرق أوراقك الإبداعية وتعتزل الكتابة بشكلٍ نهائي؟ لا يتوقف الكاتب إلا حين يطعنه الموت بسكين صدئ. في الفترة ما بين النقطتين، البداية والنهاية، يتعذب الكاتب بإحراق نفسه ولا يجرؤ أن يحرق ما خطّته يمينه، ليستريح! 7 ما هو العمل الذي تتمنى أن تكون كاتبه، وهل لك طقوس خاصّة للكتابة؟ ما كتبه دوستويفسكي، من عوالم إبداعية تناولت الجوانب النفسية والوجودية للنفس البشرية، يؤكد على أن كل كاتب أتى من بعده تمنى أن يكون هو ذاته. وليست لي طقوس خاصة للكتابة، كل ما هنالك المثابرة في التلقي والمعافرة في التماهي مع النص باللغة التي أتشبث بها كطوق نجاة وحيد. 8 وهل للمثقّف دور فعليّ ومؤثر في المنظومة الاِجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرّد مغرّد خارج السرب؟ دور النخبة المثقفة لا ينحصر في التغلغل في العقل الجمعي للطبقات الدنيا، بل أكثر من ذلك في أن يرفع من شأنها معرفياً، ثقافياً، وفكرياً، كذلك الارتقاء بذوقها العام. 9 ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حريّة أقلّ بسبب الحجر الصحيّ؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للشاعر؟ العزلة طقس اختياري "يفرضه" الكاتب على نفسه قبل وأثناء عملية الإبداع، حتى لا تكون هناك معوقات تعطله عن مواصلة الكتابة. والعزلة بسبب الحجر الصحي، فهي عزلة استثنائية، تأخذ وقتها وتزول. 10 شخصية من الماضي ترغب في لقائها ولماذا؟ شخصية المهرج، بتبرجها الدنيوي السافر، بأدائها المسرحي الساخر، هي شخصية النسخة الضمنية للمبدع. شخصية المهرج، شخصية فاتنة لرؤية الذهن المتشظي، عبثية في الواقع، فوضوية في الخيال.. تتسق ومعاييرها الخاصة، وتتقن الدرجة القصوى من المخاطرة بتطويع النص في ثوب لُغوي مبهج. 11 ماذا كنت ستغيّر في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟ لو أتيحت لي فرصة البدء من جديد لَما تماديت في التكاسل لفترات طويلة عن فعل الكتابة بثورية متدفقة. 12 ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ! الذكريات بمثابة الصدر/الوعاء المخصص لتنفس الكاتب. وأصعب ما يجعله يعاني بفقده ويشعره ببرودة مقبرة حين يتصور أنه غير قادر على تشبيك الحروف في صورة كلمات ونحتها على الورق، حتى ولو في تشكيل بدائي لطفل مراهق يهوى ممارسة لعبة ما ولكن لا يجيدها. 13 صياغة الآداب لا تأتي من فراغ، بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية.حدثنا عن ديوانك :"فاكهة الرغبة التي تصلي في مدفأة الرّب " كيف كتبته وفي أي ظرف؟ محركات الكتابة لدي هي التجربة، فأنا ابنها البار، كل تجربة هي كمال قصيدة أو تمام قصة. تلك التجربة المفعمة بالتفاصيل الدقيقة، بالحيثيات الحياتية الملتهبة، المفعمة بفلسفة الوجود والمعرفة. وديوان فاكهة الرغبة، أخذ مني وقتاً مضنياً، عِشتُه بكل جوارحي نظراً لتفوق الحالة النفسية التي كنت فيها، ودفعتني للانغماس في تجربة الكتابة الشعرية. 14 ما جدوى الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الأدبية ليسكن الأرض؟ الكتابة هي روح معتقة في الوعي الضمني للإنسان. إذا ما كشف بها عن مكنونه صار خلاقاً يعد تشكيل موجوداته الخاصة. الكتابة فحوى وجوهر البحث عن الذات. وكون الكاتب المبدع ابن مجتمعه فهو يتأثر بالبيئة المحيطة حوله، ولتميزه بصنع أفكاره الخاصة خاض تجربة تقديمها للمجتمع في قالب أدبي غير مألوف يمكن تطبيقها واستعمالها، لما لها من تاثير ناجع على مسلك المجتمع معرفياً وعلمياً واقتصادياً وسياسياً وفنياً. 15 من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءًا؟ قارئي هو ضميري. ذاك الناطور الجهم الذي يقف على عتبة ذاكرة الوعي ويفسد عليّ جموحي المتمرد. يكون الشاعر مقروءاً حين يكون في معيّة الحضرة الشعرية غفير من مريديه. 16 كيف ترى تجربة النشر على مواقع التواصل الاجتماعي؟ في الآونة الأخيرة صارت مواقع التواصل الاجتماعي منبراً للنشر من لا منبر له، باتت مساحة كبيرة لتفريغ الكبت الإبداعي، وأضافت للكاتب تحرراً مقنعاً من قيود النشر الورقي. 17 أجمل وأسوأ ذكرى في حياتك؟ البداية بالحديث عن الأسوأ لأنها لا زالت الأعمق جرحاً في ذاكرتي إلى الآن، فمنذ وفاة أمي صارت الحياة لا معنى لها. والذكرى الأجمل بالتأكيد هي عند صدور أول كتاب لي، ولو كان قد طبع على نفقتي الخاصة بطريقة "الماستر". 18 كلمة أخيرة أو شيء ترغب الحديث عنه؟ الكلمة الأخيرة لك عزيزي الفاضل، تتمثل في امتناني لك على ما تبذله من مجهود في حلقاتك الحوارية الشيقة والممتعة مع كبار الكتاب والأدباء.