بسم الله الرحمن الرحيم. ما زلت أذكر حين قدمت إلى مدينة الناضور لأستقر فيها ما شاء الله من السنوات، وأنا شاب في ربيعي الخامس والعشرين وابن الحركة الإسلامبة؛ شاء الله تعالى أن أحضر عرسا في إحدى ضواحي المدينة وأن أستمع إلى درس ألقاه رجل وسيم الوجه فصيح اللسان بالعربية كما بالأمازيغية كما بالإسبانية. انبهرت به بشكل كبير، وأعجبت بقدرته على الخطابة التي تشد المستمع إليه شدا، وبنبرات صوته التي تتعالى تارة وتنخفظ تارة أخرى. وأعجبني خاصة سعة إدراكه لحاجيات الناس الوعظية؛ سواء منهم الشباب أو الشياب. وحين سألت عنه مرافقي أخبرني أن اسمه الهواري. وما أن تعرفت عليه حتى زاد إعجابي به وبتفانيه في حمل رسالته وتبليغ دعوته دون ملل أو كلل؛ لا أذكر أنه دعي مرة إلى مناسبة دينية أو اجتماعية سواء كانت فرحا أوترحا واعتذر عن حضورها والمشاركة فيها بما آتاه الله من الحكمة والموعظة الحسنة؛ إلا إذا حال بينه وبين ذلك التزام سابق أو مرض شديد. ولا أنسى له بعض المواقف الطريفة التي تربّي وتهذب أكثر مما تضحك. لا أنسى يوم تغيب خطيب مسجد "بّاسو" في سفر، وارتقى المنبر رجل مسنّ بيده مجموعة معتبرة من الأوراق الصفراء التي مزقها من أحد الكتب وأخذ يتتعتع في قراءتها وهو عليها شاق؛ بلا نقطة ولا فاصلة وتجاوز الثلاثين دقيقة في الخطبة الأولى والجميع في حرج بسبب ضيق الوقت للرجوع إلى الدراسة وإلى العمل؛ وإذا بصوت يصيح من قلب المسجد: وا سيدي الفقيه غا نصليو الظهر ولا العصر اليوم؟؟؟ وإذا بأحد شيوخ الصف الأول يقول له: من لغا فلا جمعة له.فيجيبه الأستاذ الهواري: هذا الذي يفعله الخطيب هو عين اللغو. ثم أخذ حذاءه وانصرف رحمة الله عليه. والطرفة الثانية حين استوقفته مرة نقطة مراقبة للدرك الملكي بسبب تجاوز السرعة المسموح بها، فقال له هل تعرف من أنا ومن أكون؟، هل تعرف من استوقفت الآن؟ والدركي في دهشة ينتظر ليقول الله رحمه الله: أنا معلم!!! هل تعرف معنى معلم ومن هو المعلم؟؟؟ فانقلبت دهشة الدركي إلى ابتسامة بل ضحكة وتحولت اللحظة إلى ضحك وتقدير للسيد المعلم. هكذا كان رحمة الله عليه يقدر مهمة المعلم والواعظ والداعية. لعلي لم ألتق ب سي الهواري منذ مدة تفوق عقدين من الزمن وأسأل الله تعالى الذي جمعنا معه في هذه الدنيا على القرأن وعلى حلق العلم وعلى مجالس الذكر أن يجمعنا به في الآخرة على حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم نغرف جميعا من كفه شربة لا نظمأ بعدها أبدا. نسأل الله تعالى أن يتداركه برحمته وبعفوه وأن يضاعف له حسناته وأن يتجاوز عن كل سيئاته. وأن يكرمه بأعلى درجات الجنة. وإنا لله وإنا إليه راجعون. د. أوس رمّال.