اعتبر الشيخ مولاي علي الريسوني، رئيس جميعة الدعوة الإسلامية بشفشاون، وباسم المسلمين الإسبان في الأندلس، أن فقدان الدكتور الخطيب رحمه الله، هو فقدان لقائد من قادة الصحوة الإسلامية المعاصرة، عرف بمنافحته القوية عن عقيدة الإسلام وشريعته، وكافح من أجل ذلك على واجهتان، في المغرب حيث يعرف الناس جهوده الدعوية، وواجهة أخرى لا يكان يعرفها إلا القليل، وتتعلق بنصرة الدعوة الإسلامية في الأندلس.وكشف الشيخ الريسوني أن الراحل هو الذي جلب لأول مرة ممثلين عن المسلمين الإسبان، لمقابلة الملك محمد السادس في طنجة، حيث أكد أن ذلك كان بواسطتي، وكان الخطيب هو توسط لهم مع وزارة الأوسمة والتشريفات، حيث تم الاستقبال التاريخي المذكور بمدينة طنجة، وكان معهم الدكتور علي الكتاني رحمه الله، بينما بقيت أنا في الفندق أنتظرهم، ولم أحبذ الحضور حتى لا يظن الظانّون شيئا. واعتبر الريسوني أن اللقاء كان فاتحة عهد جديد في الثقة التي أولتها الدوائر الرسمية تجاه العمل الدعوي في الأندلس. بعدما كانت الظنون والشكوك تساور الأمنيين والسياسيين في ذلك. وأبرز المتحدث في كلمة له انظر الصفحة 3 أن الخطيب رحمه الله بذل جهدا عظيما في دعم العمل الإسلامي بالأندلس مع المرحوم علي الكتاني، كما دعم الموريسكيين، وكذا حركة إعادة طبع ونشر التراث الأندلسي، كما كان يدعو إلى إعادة كتابة تاريخ الأندلس لإحياء الروح الأندلسية.وتقدم الشيخ الريسوني بتعازيه الحارة في الفقيد، وقال باسمي الشخصي وباسم جمعية الدعوة الإسلامية في شفشاون، وباسم المسلمين الإسبان في الأندلس الذين يعرفون قدره ومكانته، أتقدم لأسرة الفقيد الصغيرة، وللحركة الإسلامية في المغرب، وللأمة الإسلامية جمعاء بأحر التعازي في وفاة المجاهد الكبير الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله تعالى. وفيما يلي نص المقال: الشيخ مولاي علي الريسوني يكشف خفايا في حياة الدكتور الخطيب رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون، باسمي، وباسم جمعية الدعوة الإسلامية في شفشاون، وباسم المسلمين الإسبان في الأندلس الذين يعرفون قدره ومكانته، أتقدم لأسرة الفقيد الصغيرة، وللحركة الإسلامية في المغرب، وللأمة الإسلامية جمعاء بأحر التعازي في وفاة الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله تعالى، لقد عرفت الراحل الفقيد المجاهد الداعية إلى الله تعالى الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله، منذ حوالي ربع قرن، أي منذ 25 سنة، لقد عرفته في نطاق الدعوة، وبقيت علاقتي به طيبة جيدة قوية، تسودها أجواء المحبة في الله، والإخاء في الله، إلى أن نزل علي نبأ انتقاله إلى دار الآخرة، نزل النبأ بالأسى والأسف والحزن، ذلك أني فقدت، وفقد المغرب كله، والمسلمين قاطبة، رجلا منافحا بحق عن عقيدة الإسلام وشريعته. فلم يكن رحمه الله يدافع عن قضية إسلامية معينة في بقعة مخصوصة أو فئة مخصوصة، بل كان قلبه يتسع لكل المسلمين داخل المغرب وفي كل البلاد الإسلامية. هكذا عرفت الرجل فما بدّل وما غيّر، وكلما لاقيته إلا وفتح قلبه فسمع واستمعت إليه، وكان بيننا تجاوب في الاهتمام بهموم المؤمنين، وأُشهد الله تعالى، وأعطي شهادة للتاريخ، أن هذا الرجل ما فتح قضية سياسية لمصلحة الهيئة السياسية التي كان يرأسها، والتي أعطى أمانتها فيما بعد إلى إخواننا الدعاة في الحركة الإسلامية، فهو لم يكن يمزج قط بين العمل السياسي الحزبي، وبين العمل الدعوي الإسلامي النقي الطيب الصافي، الذي كان يأخذ من حياته وقتا كبيرا. ولم يثبث عندي في ذلك، ولا رأيت عليه، علامة من علامات السياسي الانتهازي الذي يقتنص الفرص لجلب الأنصار وتجميع المريدين لحزبه أو هيئته، بل إنه رحمه الله كان يفصل تماما بين العمل الحزبي والنقابي الذي كان يتزعمه، وبين العمل الدعوي في إصلاح أحوال المسلمين. وبهذه المناسبة الأليمة، أشهد أنه كان حريصا على ثوابت الأمة، وعلى مبدأ إمارة المؤمنين، وقد حدثني رحمه الله أنه هو الذي أدخل هذا المبدأ إلى أول دستور مغربي سنة .1962 كما حدثني رحمه الله أنه هو من اقترح وطلب بإلحاح أن تتم البيعة للملك محمد السادس، في اليوم الذي انتقل فيه إلى الله الراحل الحسن الثاني. لقد جرت بيننا لقاءات كثيرة، مرات عديدة كانت في بيته بالرباط، وأخرى في عيادته قبل أن يعتزلها، ومرات أخرى جاءنا إلى بيتنا هنا في شفشاون، كانت ذلك في مرات وكرات من أجل أعمال دعوية، ولقاء آخر حدث بيننا في مدينة طنجة، إضافة إلى لقاءات أخرى في اسبانيا، مع لقاء آخر أو أكثر في الدارالبيضاء عندما كان يهيئ لتأسيس جمعية تعنى بإخواننا المسلمين المؤمنين في أفغانستان. إن هذا الرجل كانت أعماله لها واجهتان: واجهة للعمل الدعوي في المغرب يعرفها الناس، وواجهة أخرى للعمل الدعوي في الأندلس لا يعرفها إلا القليل، وعن هذه الواجهة أريد أن أقول شيئا. إن الراحل هو الذي جلب لأول مرة ممثلين عن المسلمين الإسبان، لمقابلة الملك محمد السادس في طنجة، كان ذلك بواسطتي، وكان الخطيب هو من توسط لهم مع وزارة التشريفات والأوسمة، حيث تم الاستقبال التاريخي المذكور بمدينة طنجة، وكان معهم الدكتور علي الكتاني رحمه الله، بينما بقيت أنا في الفندق أنتظرهم، ولم أحبذ الحضور حتى لا يظن الظانّون شيئا. ووفقه الله، وكان ذلك اللقاء فاتحة عهد جديد في الثقة التي أولتها الدوائر الرسمية تجاه العمل الدعوي في الأندلس، إذ كانت قبل ذلك كثير من الظنون والشبهات تساور الأمنيين والمسؤولين، وكم دافع الخطيب رحمه الله عن العمل الإسلامي النظيف، كما دافع عنا نحن الدعاة إلى الله في مدينة شفشاون أيام البصري، عندما كانت آلة التشكيك شغالة بقوة، حيث كانت مقالة وتقرير التشكيك والاتهام والإدانة تسير ضد الأبرياء والمخلصين، وأظن أننا ولله الحمد كنا وسنظل على الإخلاص مثلما كان الدكتور الخطيب، لا يمكن أن نمزج السياسة بالعمل الدعوي الذي هو عمل لله. وأؤكد أن الدكتور الخطيب رحمه الله قدّم للعمل الإسلامي فيالأندلس مع المرحوم علي الكتاني خدمة جليلة وعظيمة، وهو من دعم الموريسكيين، كما دعم حركة إعادة طبع ونشر التراث الأندلسي، وكان يدعو دائما إلى إعادة كتابة تاريخ الأندلس لإحياء الروح الأندلسية، كل ذلك بصفاء وإخلاص كبيرين، هذا الرجل الذي كان يدافع عن إمارة المؤمنين، والذي دافع عن الوحدة الترابية، ويدعو إلى السلم وينبذ العنف، ويأخذ الأشياء من الوسط، سواء في موقفه من الريف، إذ هو متصاهر مع الريف مع عائلة بوجيبار التي كان لها حظوة خلال جهاد أهل الريف، أو غيرها من المواقف الكبيرة. وأتذكر هنا أن أسرتي تعرفه منذ حوالي 60 سنة، إذ بنت خالي الشريفة لالة زبيدة بنت أحمد بنت مولاي الصادق الريسوني أرملة المرحوم أحمد بن البشير الهسكوري، الذي كان مدير لديوان الخليفة السلطاني الحسن بن المهدي بتطوان، هذه السيدة استقبلته عدة مرات ببيتها في تطوان، عندما كان هناك للإعداد لحركة المقاومة وجيش التحرير، وكان المرحوم الهسكوري يستقبله في منزله أحيانا، وأحيانا أخرى بمكان لبيع النفط قرب رياض العشاق، وكانت بنت خالي هذه شاهدة على ذلك، إذ كانت تحضر اللقاءات، رغم مراقبة العملاء الإسبان لبيت المرحوم أحمد بن البشير، الذي كان يموه عليهم إذا أراد لقاء الخطيب، باصطحاب زوجته، وكان المراقبون يحترمون الرجل إذا اصطحب زوجته، فينطلقون إلى حال سبيلهم، وكان يصطحب زوجته لالة زبيدة إلى لقاءاته الخاصة مع المرحوم الدكتور الخطيب. وأريد أن أقول شهادة مهمة فيما أظن، وهي أنني ربما أكون أول من فاتح المرحوم الخطيب في انضمام جماعة عبد الإله بنكيران، قبل أن ينضم إليهم أحمد الريسوني، إلى حزبه الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، كنت أول من فاتحته في ذلك واقترحت عليه هذا الأمر، وكان ذلك بحضور الدكتور عبد السلام منصور الايسكوريري، الذي كان له اتصال بالدكتور الخطيب، وعبد السلام منصور هذا كان رأس المسلمين في اسبانيا، وكنا نزور الخطيب أيام أراد فتح عيادة للطب البديل في طنجة في الثمانينات، وقد اقترحت عليه ذلك عدة مرات، كنت أريد أن ينضموا إليه وألا يخوضوا لجاج البحر لوحدهم، وذلك من أجل تقوية العمل الإسلامي، ومن أجل بعث الروح الإسلامية الطاهرة، وكان يقول لي دائما رحمه الله لا حرج عندي، وسأفرح بهم إن أتوا، وأنا مستعد للتعاون معهم، وكنت أفرح بذلك. وأذكر في هذا الصدد قضية مهمة، حدثت بيني والدكتور المهدي بنعبود، وكان رجلا صالحا متعلقا بالآخرة، وربانيا مخلصا، إذ أذكر أنني جلبته مرة من الرباط إلى شفشاون حيث ألقى محاضرته، وذلك في بداية السبعينات، حيث فاتحته في أمور، وأهم سؤال ألححت عليه فيه، هو: من في نظره حينها يصلح ليقود الحركة الإسلامية في المغرب؟ ويكون مدافعا ومنافحا عنها؟، وسألته يومها عن الدكتور الخطيب بالتخصيص، وقلت له: هل تدين الدكتور الخطيب تدين سياسي انتهازي، يميل إلى التظاهر والرياء والسمعة، أم أن تدينه خالص نقي بعيد عن الشبهة والسمعة والرياء؟، وقد ألححت عليه في ذلك، لأن الدكتور الخطيب كان مؤهلا لقيادة العمل الإسلامي في نظري، وأشهد أن بنعبود رحمه الله أكد لي أن الدكتور الخطيب مؤمن مخلص، لا يتطرق الشك إلى سيرته، ولا يمكن أن يرتاب أحد في سيرته وإخلاصه، وقد اطمأن قلبي يومها تماما، ومنذئذ وأنا أرى في الدكتور الخطيب علم من أعلام المسلمين والدعوة، وقائد من قادة الصحوة الإسلامية، والحمد لله رب العالمين على تلك المحبة الراسخة التي أثمرت تعاونا مثمرا