نجيم مزيان / باحث في الدراسات الدستورية والسياسية ساهمت مجموعة من العوامل في انحصار دور الولاياتالمتحدةالأمريكية، مما أفضى إلى بروز قوى أصبحت تنادي بقطبية متعددة بدل النظام الدولي الحالي الذي يكرس الهيمنة الأمريكية، ولعل الإصلاحات الاقتصادية التي نهجتها هاته الدول ساهمت في تجدر هده المطالب. تشكل خطة الإصلاحات الأربعة التي انتهجتها الصين أي الإصلاح الزراعي والصناعة والبحث العلمي والدفاع من طرف الخط البرغماتي الذي جاء عقب وفاة ماوتسي تونغ، والدي انطلق بنظرية الموجات الطويلة التي وضعها العالم السوفياتي نيكولاي كوندراتيف في عشرينات القرن الماضي والتي تؤكد أن النظام الرأسمالي يمر بأزمات دورية لكنه يصلح أزمته باليات في كل مرة تجعله أفضل من المرة السابقة بينما النظام الاشتراكي يمر بأزمات مماثلة لكنه يصلحها باليات تجعله أسوأ من المرة السابقة. ولعل نظرية اقتصاد السوق الاشتراكي التي تبناها الحزب الشيوعي الصيني هي تجسيد لدلك، وقد بدأت المشروعات الاقتصادية الخاصة تتجسد تدريجيا إلى أن أصبحت تسيطر على حوالي 32% من الاقتصاد الصيني، وتشارك مع القطاع العام في قرابة 34% من المشروعات المشتركة إلى حدود سنة 2005، وتبين عمق التحول عام 1993 عندما تم حذف النصوص الدستورية المتعلقة بالكمونات الشعبية التي فشلت ركنا أساسيا في المشروع الاجتماعي الماوي، وحدث دلك بعد تحويل المزارع الجماعية إلى حيازات عائلية وإقرار لامركزية التسيير في المشروعات العامة، إضافة إلى منح المؤسسات الإدارية درجة من الاستقلالية عن بيروقراطية الحزب، وتسهيل القنوات التجارية فضلا عن السعي للانضمام إلى المؤسسات التجارية العالمية وتحويل المشروعات الإنتاجية العامة إلى نوع من الشركات المساهمة، وتبلور هدا النزوع أكثر مع تنامي التوجه لفصل الملكية عن الإنتاج وساهمت مجموعة من العوامل في هدا النجاح الاقتصادي تمثلت أهمها في انخفاض أجور اليد العاملة وتنامي الاستهلاك الداخلي بسبب ارتفاع القدرة الشرائية للمواطن الصيني وزيادة مساهمة الصينيين في الخارج، والدين تقدر ممتلكاتهم ب تريليوني دولار حيث يسيطرون على قطاعات مهمة في العالم، إضافة إلى عامل مهم هو قدرة الصين على استيعاب التدفقات المالية، دلك أنها أصبحت تتأرجح بين المركز الأول والثاني مع الولاياتالمتحدةالأمريكية في الاستثمار الخارجي. أما البرازيل والتي تشكل واحدة من أهم الأقطاب العالمية اقتصاديا، فقد حققت على مدى العقدين الماضيين استقرارا اقتصاديا، تجلت بعض مظاهره في تحقيق نمو اقتصادي مرتفع، وانخفاض نسبة الديون، فضلا عن الحد من التفاوت في الدخل الفردي، وانحسار نسبة الفقر، كما أنها لم تتأثر كثيرا بتداعيات الأزمة المالية العالمية الأخيرة التي تركت أثرا سلبيا على العديد من دول العالم. وتساهم مجموعة من العناصر في النمو الاقتصادي للبرازيل من ضمنها سوق محلي قوي يمثل احد أهم إمكانات النمو الاقتصادي، وقد استمد هدا السوق قوته من الاستقرار الاقتصادي، وسياسات النمو والحد من الفقر، والتي أفرزت حراكا جديدا في السوق المحلي إضافة إلى ما سبق فان 15سنة من الاستقرار الاقتصادي، قد تشجعت الأسر والمؤسسات التجارية لتراهن على المستقبل بشكل أكثر أمنا، بحيث بنت خططها وسياساتها المقبلة على مدى زمني طويل، وتتجلى أهم مظاهر السوق المحلي في القروض للسيارات والمنازل التي أظهرت الدراسات أن لها أثارا ايجابية كبيرة لمستقبل النمو الاقتصادي والتنمية. وأيضا يساهم دخول البرازيل في التصنيع العالمي للتقنية كصناعة الطائرات، ومن تم فان البرازيل خلال سعيها لتحقيق نمو اقتصادي تزاوج بين الإنتاج عالي التقنية والإنتاج القائم على الموارد الخام عير المصنعة ودلك من اجل الاستفادة من مواردها الطبيعية الهائلة ولعل أفضل الأمثلة على هده المزاوجة ما تمثله شركة البترول البرازيلية بيتروبراس وشركة التعدين البرازيلية فال دوريودوس. ويساهم أيضا في قوة الاقتصاد البرازيلي اكتشاف حقول للبترول في المياه العميقة لحوضي كامبوس وسانتوس، مما سيجعل البرازيل واحدة من دول العالم الكبرى في إنتاج وتصدير البترول. إضافة إلى الصين والبرازيل تقدم الهند بشكل مطرد إشارات تدل على أنها قد تلعب في القريب العاجل نفس الدور الذي تلعبه الصين حاليا، لقد نمى الاقتصاد الهندي بمعدل 6%سنويا ما بين 1980و2000، وبنحو8. 6%عام 2000وخلال السنة المالية لعام2007قفز المعدل إلى 9. 4%وتضع هده الأرقام الهند بين أسرع دول العالم نموا خلال الربع الأخير من القرن الماضي، ومع ارتفاع الاستثمار بنسبة تبلغ 30%، توافقا مع ارتفاع إجمالي الناتج المحلي ترسي الهند بدلك قاعدة متينة لنمو اقتصادي يساهم في جعل الهند تعتبر من أهم الأقطاب الاقتصادية في العالم على الرغم من أنها ليست محصنة ضد تداعيات الأزمة المالية العالمية الراهنة لان اندماجها المتزايد في النظام العالمي يجعلها أكثر عرضة للتغييرات الخارجية، ناهيك على أن التحديات التي تواجه التنمية الهندية هائلة في حجمها. لقد مر النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، بعدة فترات متقلبة، فبعد الثنائية القطبية، تميز العالم بسيطرة الولاياتالمتحدةالأمريكية على الساحة الدولية بالنظر لعدة ظروف لكن سرعان ما تراجعت هده الهيمنة، لعدة أسباب منها ما هو مرتبط بأزمة النظام الرأسمالي، ومنها ما هو مرتبط بصعود قوى دولية جديدة، تبحث عن موطأ قدم إلى جانب الولاياتالأمريكية على الساحة الدولية وهو ما يطرح أكثر من علامة من استفهام حول مستقبل النظام الدولي والمشهد العالمي، ولعل أهمها هل ستستمر الهيمنة الأمريكية على العالم؟وهل سيعرف النظام العالمي مستقبلا تعددا في الأقطاب أم ثنائية قطبية أم هيمنة قطب واحد؟