السوق فضاء مفتوح للجميع، من يملك ما يكفي يساير تقلبات الأسعار لسد الرمق، ويعيش بالتالي ما تبقى من عمره بين التقشف وعسر التنفس المشنوق، يتجرع غصصا في الحلق، ليظهر للغير على أنه في أتم التناسق… نفاق في نفاق لمسايرة تداخل الموضة مع فوضى السوق… فضاء اقتصاد السوق موبوء بالأزمات الخانقة، انخرامات وثقوب حاصلة في هذا النطاق، السيولة بمنسوبها العالي والأرصدة المتداولة جمعت بالمرة.. ، مجمل القول: المال محصور بين اليد العليا للأثرياء وما تبقى في اليد السفلى للفقراء… المعادلة إذن محسومة منذ البداية، معادلة بمجهول واحد يتناسل بسرعة تفوق سرعة تداول النقود، وهي تندلق كالبرق من الصندوق…. عبر المجاهل المتعددة عاشت قطاعات واسعة من المجتمعات وهي تسعى الى الإنعتاق؛ بين الإختناق والإنسياق ظهرت حركات احتجاجية تروم وضع الحد لعصر الرق، إنه الرق بعينيه، كيف لا، والسواد الأعظم من الإنسانية لا يجد ولو لقمة واحدة سائغة ممرغة بشيء من المرق… المجتمعات في الوقت الراهن تعيش الحيرة الى أقصى حدود المطلق… من ياترى يتحكم في هذا السباق؟ الرأسمالية عبر مسلسلات الإخفاق، أنتجت جملة من المزالق… من يجرؤ على كبح الإنزلاق؟ بالأمس اطمئن الإنسان وهو مشبع بالخٌلق الصادق، رغم ما به من المخمصة المتساكنة مع قلة القلي والسلق، استنشق نسيم العدل والحق، كان يرعى النوق ويمشي في الأسواق… أما الآن، بعد أن ضٌربت المقايضة عبر الحائط وعجزت عن النطق، والجهر بالحق… انخرط إنسان هذا العصر في دوامة من النفاق… ظهر اقتصاد السوق، بعد أن استحكم في شد الطوق، بدأ يقتطع الثروات الظاهرية والباطنية وهو يملك مفاتيح خارطة الطريق… مفرط في شرهه الغامق، جر الجميع الى الإنفاق، مستدرجا إياه الى الأنفاق، ما بين الأنفاق والنفاق عاش- اقتصاد السوق- ردحا من الزمن يتلهى في لو الأعناق، بين أزمة وأزمة يطلب التسليم من الغرق، وهو بالكاد يلملم أشتات مبادئه الممزقة بالتدقيق، مع الإتقان التام للعبة تأويل مفهوم المخالفة للسياق، والمحافظة على حكم المنطوق… كلما اشتد به الخناق، هرول مسرعا لجمع ما أمكن جمعه من جميع الصناديق، يطلب النجدة والعطف مع شيء من الإشفاق… إلى متى سوف تدوم جرعات الإصلاح المسبوق بجميع أنواع اللصق، وجسم الإقتصاد المعلول ممدد على حافة آخر الرمق؟ هيهات من إقلاع جديد في هذا السياق!!!… متى تعلن الإنسانية القطع النهائي مع أخطبوط تفنن في العبث بالأرزاق؟ قديما قيل: قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق. هل من بديل لهذا التنين الأزرق؟ نظام اعتلى عرش الثروة وهو يطل على الجياع من العلو السامق.. يزمزم شفتيه مستنشقا نسيم المرتفع الشاهق… أم يبقى الجميع يقتفي أثر الاسترزاق؟هل تصدقون ما قاله ماركس في حق المجتمع المبني طبق على طبق؟ أم أنكم تسعون الى إعلاء ما قاله الصادق المصدوق؟ على الجميع فك اللغز المحير بين القول بالإستغلال الطبقي، والقول “بفضلنا بعضكم على بعض في الرزق”… هل هو محق؟ أم أنك ما زلت تنط بين الزيف والصدق؟…. نظام السوق، هذا، محال أن يدوم بالمطلق، على الأمم المتحضرة أن تراجع منظومة الاقتصاد السابق، وتستعين بكل الخبراء والكفاءات لتصحيح مسار منحرف ظل يكابد من كدمات الصواعق، وتعلن من هذا المنطلق، عن تأسيس أرضية صالحة للإتفاق، ونحت نظام يتغيى العدالة في العمق…. وفي حالة استعصاء بناء المشروع الحقيقي، تكون الإنسانية قد جنت على نفسها كل شرور وويلات اقتصاد تبناه العالم ظلما كما يٌتبنى الولد اللقيط… بين أحضان اللقيط المولع بالعقوق، أصبحت البشرية قاب قوسين من السحق والمحق… الآن، هل حصحص الحق؟ وزهق نظام السوق حتى ولو تمسك بشتى المساحيق، وسخر جميع الأبواق، وتستر بالهندام الأنيق… إنه غارق، لا محالة، في بحر الفسوق…