أصبح مفهوم التعدد الثقافي واللغوي من المفاهيم الأكثر إثارة داخل الحقل العلمي والأكاديمي، وذلك لاعتبارات متعددة أملتها طبيعة التطورات السياسية والثقافية التي شهدها العالم في العقود الأخيرة. p dir="rtl" ;="" unicode-bidi:="" embed;="" text-align:="" justify;="" * السياق: يمكن القول إن النقاش الدائر حاليا حول هذا الموضوع بالمغرب، قد سبق إثارته في البداية داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية وخصوصا في عقد الستينات من القرن الماضي من لدن بعض الحركات الاجتماعية ذات الطابع الاحتجاجي، حيث طرحت مطالب تتعلق بالأصول الثقافية والهوياتية وكذا الخصوصيات المختلفة سواء كانت مرتبطة باللون أو الجنس أو الدين أوالعرق.. وسرعان ما انتقل هذا النقاش إلى فرنسا صاحبة شعار”حرية، مساواة، إخاء”، حيث أنتجت الطبقة السياسية والفكرية هناك ركاما من الأفكار والآراء حول موضوع التعدد اللغوي والتنوع الثقافي على اعتبار أن مجتمع “الثورة الفرنسية” يتميز بتركيبته التعددية من خلال وجود مهاجرين من أصول إفريقية، عربية وأوربية. لينتقل هذا النقاش في ما بعد في اتجاه بعض البلدان المكونة لتجمع الفرنكفونية الذي تقوده فرنسا. كما أن هناك بعض الدراسات تقول بأن مصطلح التعددية دخل إلى حقل الدراسات الاثنية والسياسية لأول مرة عقب الحرب العالمية الثانية من قبل فيرنفال وذلك بناء على دراساته حول دول جنوب شرق آسيا، حيث لاحظ وجود مجموعة من الجماعات الوافدة من الهند والصين وبعض البلدان الأوربية، إذ أن لكل جماعة خصوصياتها سواء الثقافية أو الدينية أو اللغوية المرتبطة بها. وهذا الوضع يصبح في نظر فيرنفال ذي أهمية عندما يكون مصحوبا بالتمايزات الاجتماعية والاقتصادية..، حيث يدفع كل جماعة إلى الاهتمام بمطالبها، مما ينعكس سلبا على تحقيق أي إرادة جماعية لأنه سوف يمنح حسب فيرنفال كلا من هذه الجماعات هيأة البنى الاجتماعية المستقلة. وبمعنى أكثر وضوحا، فإن هذه التعددية ستنعكس على استقرار ووحدة الجماعة خاصة إذا اقترن الأمر بالوضع الاجتماعي، أي حينما يكون تقسيم العمل قائما على اعتبارات إثنية وليس على أساس الكفاءة أو غيرها من المعايير الموضوعية. ومن هذا المنطلق يمكن القول إن طبيعة المناخ الدولي يساعد على تطوير هذا المفهوم، وهو المناخ الذي يتسم بخصائص متعددة نسوق منها ما يلي: أولا: أن القضايا التي كانت تحسب في دائرة الشأن الداخلي كقضايا حقوق الأقليات الثقافية والدينية.. أصبحت خارجية من صميم اهتمام الخارج. ثانيا: أن قضايا عالمية كالتنمية وحركة رؤوس الأموال تحولت إلى قضايا تهم الشأن المحلي لكونها مرتبطة ارتباطا كبيرا بالأمن الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. ثالثا: لم تعد السيادة مرتبطة بالقرار السياسي الداخلي، إذ أصبحت تتحكم فيها عوامل خارج الحدود الوطنية ضمن نظام عالمي له قوانين خاصة به. رابعا: سيادة ديمقراطية تعدد الثقافات وإصرار مجموعة من المؤسسات الدولية على دفع الدولة إلى احترامها وإيجاد الآليات القانونية والمؤسساتية لذلك.. ومن هنا يظهر أن المغرب معني هو الآخر بهذا النقاش سيما أن التاريخ والجغرافيا.. جعلت منه بلدا للتعدد اللغوي والتنوع الثقافي بامتياز. فالتعددية هي ظاهرة إنسانية تاريخية تعرفها كل المجتمعات بسبب اختلاف طبيعة ومصالح البشر، وهذه التعددية لها وجهان: الأول، إيجابي حيث تصبح التعددية عامل قوة وتعمق التطور السياسي والاجتماعي، وبهذا المعنى يكون فهم التعددية في الدول المتقدمة. والثاني، سلبي، حيث تصبح التعددية خطرا يهدد الدولة الوطنية والتماسك الاجتماعي، وتفتح الباب أمام الأطماع الخارجية، وهذا هو التوجه السائد للتعددية في كثير من دول العالم الثالث التي تواجه مشكلات الاستقلال ومحاولات الاختراق الخارجي. ومن هنا يمكن أن تكون التعددية عامل قوة كما يمكن أن تكون عامل ضعف وذلك حسب الصيغة السياسية المطروحة. لقد اختلفت تفسيرات التعددية، ذلك أن جورج قرم يرى “أن المجتمع التعددي هو ذاك الذي تتعايش فيه، ضمن كيان سياسي واحد، جماعتان أو أكثر، متباينة الانتماء طائفيا، ولها وزنها عدديا”. أما سعد الدين إبراهيم، فيرى أن المجتمع التعددي هو ذلك المجتمع الذي تزيد فيه نسبة الأقليات على 52 بالمائة. أما دينكن ميتشل فيرى أن التعددية تطلق على المجتمعات التي تتألف من جماعات مختلفة، لها أديانها ولغاتها وتاريخها وتقاليدها وعاداتها الخاصة بها. ويستخلص من هذه التعاريف أن المجتمع التعددي هو الذي يتكون من جماعات إثنية، وتسوده مجموعة من الثقافات الفرعية والثقافة الوطنية الشاملة، ويتميز بوجود اتفاق حد أدنى أو تنسيق بين مجمل مكوناته... p dir="rtl" ;="" unicode-bidi:="" embed;="" text-align:="" justify;=""* التحول: بدون شك لقد انخرط المغرب منذ سنوات في البحث عن حلول مرضية لمعالجة مشكلة التعدد اللغوي والثقافي، وهكذا شهدت بداية الألفية الجديدة اتخاذ إجراءات وتدابير تسير في هذا الاتجاه، فإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية واختيار الأبجدية الرسمية لكتابة اللغة الأمازيغية والشروع في تدريسها بالأقسام الابتدائية من التعليم الأساسي، فضلا عن تخصيص برامج تلفزية تعنى بالتعريف والنهوض بالثقافة الأمازيغية..إلخ. فهذه الإجراءات وغيرها تصب في اتجاه تسطير استراتيجية متكاملة لتدبير مسألة التعددية الثقافية واللغوية التي أضحت إحدى المحاور الأساسية التي تحملها أجندة التحول الديمقراطي بالمغرب. لقد تم الاعتراف الجزئي بالأمازيغية على اعتبار أن المدخل الحقيقي لذلك يبقى هو التنصيص عليها في دستور المملكة، فهذا الاعتراف جاء بناء على أربعة عوامل: أولها ما يرتبط بالحركة الديمقراطية العالمية التي ساندت طوال العقدين الأخيرين المطالب الأمازيغية بدول شمال إفريقيا، ثانيها المناخ الدولي المتسم بسيادة الموجة الجديدة للحقوق الثقافية واللغوية، ذلك أن العديد من المنظمات الدولية تطالب الدول باحترام التعدد اللغوي والتنوع الثقافي وإيجاد الآليات القانونية والمؤسساتية لذلك..، ثالثها نضالات الحركة الأمازيغية التي لجأت إلى أشكال تنظيمية متعددة للتعريف بمطالبها داخل المغرب وخارجه واشتغلت كلوبي هدفه الضغط على المجتمع السياسي للاستجابة لمطالبها..، ورابعها ما يتعلق بالملك الجديد، ذلك أن محمد السادس قام بعملية توظيف المسألة الأمازيغية بغية تجديد شرعيته، إذ ضمها إلى مجاله الخاص، نفس الأمر بالنسبة إلى المسألة النسائية التي عرفت في ظله تطورات نوعية توجت بصدور مدونة الأسرة، والمسألة الحقوقية التي شهدت حدوث قفزة هامة من خلال إحداث هيأة الإنصاف والمصالحة والدخول في عملية الطي النهائي لملفات الماضي وإقرار المصالحة الشاملة. وقد شكلت هذه المحاور الثلاثة عنوان الست سنوات الأولى من حكم الملك محمد السادس. p dir="rtl" ;="" unicode-bidi:="" embed;="" text-align:="" justify;=""* المبادرة: مما لاشك فيه أن مبادرة الملك محمد السادس تشكل عامل قوة وضعف في نفس الوقت، لماذا؟ فالمبادرة الملكية قوية من حيث كونها صادرة من طرف الملك أي الفاعل المركزي داخل النسق السياسي المغربي، وضعيفة لأنها لم تأت كنتيجة لحوار وطني واسع داخل المجتمع، وهذا ما يجعل سلوك بعض القوى الحية داخل المجتمع يتسم بالتشكيك والحذر وما شابه ذلك تجاه مطالب الحركة الأمازيغية، وموقف “الحزب العتيد” خير مثال على ما نقول. فالاعتراف الملكي الجزئي بالأمازيغية غير كاف لوحده، ذلك أن الأمر يستدعي فتح نقاش وطني هادف وجاد حولها داخل المجتمع حتى يستوعب هذا الأخير أهميتها ومكانتها في كل تحول ديمقراطي منشود، وتتنقل من قضية ملك إلى قضية مجتمع لأن ما تحقق، اليوم، من مكاسب لفائدة الأمازيغية يمكن أن يتم التراجع عنها غدا، في حالة حدوث نكسة داخل البلاد خاصة إذا ظلت موازين القوى تميل إلى صف القوى المحافظة داخل مؤسسات البلاد، ودروس التاريخ الحافل بالعديد من الأمثلة خير شاهد على ذلك. من المؤكد أن نظام الحكم لا يتوفر اليوم على استراتيجية واضحة لتدبير التعددية الثقافية واللغوية. صحيح، أن مجموعة من المكتسبات المرتبطة في شقها بالأمازيغية قد تحققت، لكنها لم تكن مبنية وفق رؤية مستقبلة واستراتيجية عملية تمتلك الآليات الناجعة لتفعيلها على أرض الواقع هذا بالرغم من كون الأمازيغية قد تم ربطها أخيرا بالتنمية والديمقراطية وإدخالها في إطار المشروع التنموي الحداثي الذي نادى به الملك في خطابي العرش وأجدير سنتين بعد توليه عرش المملكة. لقد أدخل النظام السياسي مسألة التعدد الثقافي واللغوي إلى حقل التجريب، ولا تعرف طبيعة النتائج التي قد تتمخض عنها مستقبلا سيما أن المقاربة المعتمدة من قبل “نظام محمد السادس” قد اتسمت في معالجتها للمسألة الأمازيغية بنوع من الارتجالية والعشوائية..، إذ كان هم الجهات التي تكلفت بهذه العملية الإسراع في اتخاذ قرارات ملموسة قصد تسويقها سياسيا!! مع العلم أن معالجة مسألة تتميز بنوع من الحساسية والأهمية، تتطلب تفكيرا أعمق بكثير مما كان يتصوره الفريق الذي كلف بملف الأمازيغية. ويمكننا في هذا السياق إلقاء نظرة سريعة على التجربة البلجيكية التي يعتبرها المراقبون والمهتمون في الشأن الأمازيغي رائدة في مجال تدبير التعددية الثقافية واللغوية لمعرفة الأشواط التي قطعتها هذه الدولة قبل أن تصل إلى المستوى المتقدم الذي توجد عليه اليوم.