الاحتفال برأس السنة الأمازيغية.. حدث كبير يجسد العناية الملكية السامية بالثقافة والتراث الأمازيغيين    نقابة "البيجيدي" تتراجع عن إضرابها الوطني بعد إلتزام السكوري باستمرار الحوار    بنكيران يهاجم أصحاب "تازة قبل غزة" ويصفهم ب"الخونة" (فيديو)    السعودية تطلق مشروع مدينة للثروة الحيوانية بقيمة 2.4 مليار دولار    الذهب يتراجع متأثرا بتقرير عن الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية    بشرى سارة للمرضى.. تخفيضات جديدة على 190 دواء في المغرب    زلزال بقوة 5 درجات يضرب جنوب بابوا غينيا الجديدة    أجل العرب مع قضاياهم أغراب ؟؟؟    شي يشدد على كسب معركة حاسمة ومستمرة وشاملة ضد الفساد    على أنقاض البيئة.. إسرائيل توسع مستوطناتها على حساب الغطاء النباتي الأخضر    العصبة تعلن عن برنامج الجولة ال19 من البطولة الاحترافية    نور الدين أمرابط على رادار الوداد.. هل نشهد انتقاله في الميركاتو الشتوي؟    المغربي العواني يعزز دفاع التعاون الليبي    توقيف قائد بإقليم ميدلت على خلفية فتح بحث قضائي يتعلق بالاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد (وزارة الداخلية)    اختفاء شحنة سلع تستنفر أمن تطوان    فن اللغا والسجية.. الظاهرة الغيوانية بنات الغيوان/ احميدة الباهري رحلة نغم/ حلم المنتخب الغيواني (فيديو)    راديو الناس.. هل هناك قانون يؤطر أصحاب القنوات على مواقع التواصل الاجتماعي (ج1)؟    الدولار يرتفع مدعوما بالتقرير القوي عن سوق العمل    بورصة الدار البيضاء تبدأ تداولات الأسبوع بارتفاع طفيف    بعد ‬فشل ‬المحاولة ‬الأولى.. أوساط ‬إسبانية تضغط ‬للإسراع ‬بفتح ‬معبري ‬سبتة ‬ومليلية ‬المحتلتين    نزار بركة يعترف بتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المغرب وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة    من بينهم نهضة بركان.. هذه هي الفرق المتأهلة لربع نهائي كأس الكونفدرالية    أخنوش : الحكومة ملتزمة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية    النفط يسجل أعلى مستوى في أكثر من 3 أشهر مع تأثر صادرات روسيا بالعقوبات    برشلونة بعشرة لاعبين يقسو على ريال 5-2 بنهائي كأس السوبر الإسبانية    بعد خسارة ريال مدريد.. انشيلوتي: "برشلونة يستحق التتويج لأنه كان الأفضل"    أطباء مغاربة يطالبون بالإفراج عن الدكتور أبو صفية المعتقل في إسرائيل    المزيد من التوتر بين البلدين.. وزير العدل الفرنسي يدعو ل"إلغاء" اتفاقية تتيح للنخبة الجزائرية السفر إلى فرنسا بدون تأشيرة    للتعبير عن انخراطهم في حملة "مرانيش راضي".. احتجاجات شعبية في ولاية البويرة الجزائرية (فيديوهات)    اعتقال مغربي في هولندا بتهمة قتل شابة فرنسية    كيوسك الإثنين | "الباطرونا": الحق في الإضراب لا يعني إقصاء حقوق غير المضربين    نشرة إنذارية بشأن موجة برد مرتقبة انطلاقا من يوم غد الثلاثاء    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بالمصالح المركزية للأمن الوطني    أخيرا..الحكومة تحيل مشروع المسطرة الجنائية على مجلس النواب بعد مرور أزيد من 4 أشهر على المصادقة عليه    الحكومة تبقي على منع الجمعيات وتقييد النيابة العامة في قضايا دعاوى الفساد المالي (مشروع المسطرة الجنائية)    اخنوش يحتفل بحلول رأس السنة الأمازيغية ويتناول "العصيدة" رفقة امزازي بأكادير اوفلا (فيديو)    تحذيرات خطيرة من كاتب سيرة إيلون ماسك    توقعات أحوال الطقس ليوم الاثنين    دراسة: ثلث سواحل العالم الرملية أصبحت "صلبة"    الوداد ينتصر على تواركة بصعوبة    رياض يسعد مدرب كريستال بالاس    الحسيمة تستقبل السنة الأمازيغية الجديدة باحتفالات بهيجة    بولعوالي يستعرض علاقة مستشرقين بالعوالم المظلمة للقرصنة والجاسوسية    أخنوش: الحكومة ملتزمة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية    سعر صرف الدرهم يرتفع مقابل الأورو والدولار    أخنوش: الحكومة ملتزمة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية    بعد تحقيقه لملايين المشاهدات.. حذف فيلم 'نايضة' لسعيد الناصري من يوتيوب يثير الجدل    تحرك وزارة الصحة للحد من انتشار "بوحمرون" يصطدم بإضراب الأطباء    خمسة أعداء للبنكرياس .. كيف تضر العادات اليومية بصحتك؟    التطعيم ضد الإنفلونزا في يناير وفبراير .. هل فات الأوان؟    نيويورك.. مشاركة متميزة للمغرب في معرض الفن والدبلوماسية    أخطاء كنجهلوها.. أهم النصائح لتحقيق رؤية سليمة أثناء القيادة (فيديو)    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذ محمد المهدي علوش يكتب عن اتحادية قلعية: الحلقة الثانية..طبيعة كيان قلعية الإثنية 2 /3
نشر في أريفينو يوم 10 - 07 - 2019

كتب ذ محمد المهدي علوش/ بوسطن 9 يوليوز 2019
ينشر باتفاق خاص بين اريفينو و الكاتب
دراسة حول اتحادية قلعية
لو سألت مغربيا من الجيل الحالي عن قبيلته وأصول أجداده لما عرف كيف يجيب عن سؤالك. حاول أن تطرح السؤال على أبنائك وأقربائك وجيرانك ومعارفك وسوف تستغرب لعجزهم عن الرد. قد يحسب البعض السؤال متخلفا وتافها، ومجرد محاولة الرد عليه ضرب من العبث ومضيعة للوقت. هذا صحيح إذا كان القصد هو الانتصار للروح القبلية والتشيع للعشيرة على حساب قيم المواطنة والمساواة التي يجب ان تسود المجتمعات الحديثة وتعلو فوق كل الاعتبارات الفئوية والعشائرية. لكن إذا كانت القضية تخص معرفة الجذور والأصول من أجل إثبات الذات والاعتزاز بالانتماء والدفاع عن الهوية فإن الأمر يختلف. لأنك هنا تتعرف على نفسك من خلال أصولك القبلية ولا أقول العرقية، فتاريخك هو تاريخ أجدادك، وأجدادك هم قبيلتك وتاريخهم تاريخها، فإن جهلت قبيلتك جهلت تاريخ أجدادك وبالتالي ما عدت تعرف من أنت ولا من أين أتيت. ثم إن هناك علم يسمى الأنتروبولوجيا موضوعه بالضبط معرفة الإنسان في مختلف أبعاده الاجتماعية والثقافية والقبلية وغيرها. فإذا كنت زاهدا في معرفة أصولك القبلية فلتتعرف عليها من باب العلم بالشيء وتوسيع المدارك.
أباؤنا الذين لم يعرفوا مدرسة ولا تلقوا تعليما كانوا يعرفون أسماء قبائلهم والقبائل المجاورة لهم وحتى البعيدة عنهم بمئات الكيلومترات، ليس لانهم كانوا متخصصين في المادة، ولكن لأن الانتماء القبلي كان هو الوسيلة الوحيدة لتعريف الأشخاص وتحديد هويتهم. ففي غياب أوراق هوية كان الناس يتعرفون على بعضهم بالانتساب إلى المدشر والفخذة والقبيلة. ثم إن طبيعة المجتمع القبلي كانت تفرض حضور القبيلة دائما في أفعال الناس وأقوالهم يوم كانت الدولة-المخزن كيانا افتراضيا لا يتخيله إلا قلة من المتعلمين في القرويين. ومع استقلال المغرب وظهور الدولة الحديثة بأجهزتها وسلطاتها وجماعاتها ومؤسساتها ومدارسها ووثائقها من أوراق تعريف وحالة مدنية وغيرها، تقلص دور القبيلة في حياة الناس ولم يعد ذكرها يتردد على ألسنتهم. وزاد في اختفاء الإحالة على القبيلة وغيابها من التداول بين الناس الهجرة المكثفة إلى المدن واتساع حركة العمران وانتقال المجتمع المغربي تدريجيا من مجتمع قروي إلى مجتمع غالبية سكانه من الحضر. وبهذا لم تعد هناك ضرورة إلى استحضار القبيلة في التعامل بين الناس وأصبح هؤلاء ينتسبون إلى الجماعة وإلى الحي والمدينة. ومن هنا اختفت القبيلة من الخطاب ولم تعد هناك ضرورة إليها لأن معرفتها لم تعد ذات جدوى. بل أصبح من المرغوب فيه نسيانها وتفادي أية إحالة على القبيلة لما في ذلك من تخلف وتجاهل لقيم العصر التي هي قيم المواطنة والانتساب للشعب والدولة بدلا من القبيلة والعشيرة والسلالة.
بعد هذا التقديم عن النظام القبلي نقتحم صلب الموضوع الذي سنبحث فيه طبيعة البنية الاجتماعية لقلعية لتأكيد طابعها الاتحادي خلافا لما يردده البعض من اعتبار قلعية قبيلة واحدة مقسمة إلى أخماس. جيل الخمسينات من القرن العشرين من أبناء قلعية – الذي أنتمي إليه- يعرفون أسماء قبائلهم بالفطرة بحكم ترديدها في أوساطهم العائلية من طرف الآباء والأجداد والأعمام والأخوال وكل فرد في القرية أو المدشر، ولا يتصورون ان تكون مزوجة أو آيت سيدال أو آيت بويفرور مثلا فرقا أو أخماسا أجزاء من قبيلة، لأنهم لم يسمعوا في حياتهم هذا الكلام. وعندما يأتي أحد منا ويجزم أن قلعية هي القبيلة الأم وأن قبائلنا مجرد فرق أو فخذات أو أخماس، فإنه إما عالم بما يجهله كل الناس أو لم يتعامل مع الموضوع بالجدية المطلوبة. ونريد بهذا المقال أن نفند هذا الكلام ونثبت أن قلعية ليست قبيلة وإنما هي تجمع عدة قبائل تستوطن منطقة معينه في شرق الريف تتميز بطابعها الجبلي الغالب على تضاريسها، ومن ثم جاء اسمها من القلوع أو القلاع أي المرتفعات الجبلية. ولبيان كل ذلك سنقسم بحثنا هذا إلى اجزاء ثلاثة :
الحلقة الثانية
طبيعة كيان قلعية الإتنية:
تعتبر قلعية على مستوى الريف كله الجماعة الإتنية الوحيدة التي تضم تجمعا من خمس قبائل هي: إمزوجن (مزوجة) وياث سيذار(بني سيدال) وياث بويفرور (بني بويفرو) وياث شيشار (بني شيكر) وأخيرا ياث بويافار( بني بوغافر)(12). ذلك أن مصطلح قلعية يعبر عن تكتل قبلي في شكل كيان اتحادي يعرف عند علماء الأنتروبولوجية الحديثة باتحادية قبائل confédération de tribus. ولم تكن قلعية في يوم من الأيام تتميز بخاصيات القبيلة البسيطة(13) كوحدة سلالية وسياسية واجتماعية. والسبب لا يكمن فقط في شساعة المنطقة وصعوبة تضاريسها المشكلة في الغالب من الجبال، ولكنه يرجع أيضا إلى منشإ هذه المجموعة الذي لا يستند إلى أسلاف مشتركين كما هو عادة حال القبائل الأمازيغية، وإنما يعود إلى تكتل خمس قبائل واتحادها اللاحقين عن نشوئها. ومنذ ظهور مصطلح “إقرعين” في القرن السادس عشر الميلادي وهو يمثل إطارا اتحاديا بين مجموعة من القبائل الجبلية التي فرضت عليها ظروف الغزو الإسباني ضرورة تنظيم مقاومتها ضد العدو. لماذا قلعية وحدها تمتاز بهذه الخاصية؟ لأن القبائل المحيطة بمليلة تعتبر أول من تعرض للغزو الأجنبي في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي. ومنذ ذلك الوقت وهي في صراع ضد الغزاة، مما اضطرها إلى الاتحاد فيما بينها لتنظيم الجهاد ضد المعتدي غاصب مليلة عاصمة قلعية. أما قبل هذا التاريخ فلم يذكر أحد من المؤرخين كلمة قلعية، وكانت التسمية الغالبة عليها هي بنو ورتدين في القرن الحادي عشر الميلادي (البكري)، ثم بطوية في القرنين الثالث عشر والسادس عشر الميلاديين على لسان كل من ابن خلدون والحسن الوزان كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
ولتأكيد الطابع الاتحادي لقلعية نسوق بعض الشهادات الصادرة عن مؤرخين مغاربة وأخصائيين أجانب في علم الأنتروبولوجيا تؤكد كلها على الطبيعة الكنفدرالية لمجموعة قبائل قلعية، وذلك خلافا لما ذهب إليه بعض مؤرخينا المرموقين من اعتبار قلعية قبيلة واحدة. ولا ننكر هنا أن حرصنا على إثبات الطابع الاتحادي لقلعية تغذيه خلفية الرد على أستاذنا الكبير الحسن الفيكيكي الذي اعتبر قلعية قبيلة بسيطة مثل قبائل الريف الأخرى وذلك ضدا على التاريخ والواقع والمنطق.
1- قلعية في المصادر المغربية والأجنبية:
وحتى تكون هناك شهادات موضوعية من أطراف محايدة حول الطبيعة الاتحادية لقلعية، نسوق فيما يلي بعض الأدلة الصادرة عن جهات مطلعة على الموضوع باعتبارها تعاطت لتاريخ المنطقة أو عاشت في قلعية والريف بمناسبة إنجاز دراسات أنتروبولجية حول قبائل قلعية والريف. ونبدأ بالمصادر المغربية التي وصفت قلعية بالقبائل وعلى رأسها المؤرخ الناصري في كتاب الاستقصا حيث كان يذكر قلعية إما منفردة أو مسبوقة بصيغة الجمع على شكل “قبائل قلعية” (ج8، ص. 127 و128). ثم عبد الوهاب بنمنصور في كتابه “قبائل المغرب” ذكر اسم قلعية كقبائل في ثلاث مواقع (ص.65، 70 و307) ولم يصفها ولو مرة واحدة بقبيلة. كذلك فعل صاحب موسوعة “قبائل المغرب” الذي سمى قلعية صراحة باتحادية قبائل قلعية.
القاضي والعالم الجليل الحاج العربي الورياشي، مؤلف كتاب الكشف والبيان عن “بطل الريف الأول سيدي محمد أمزيان”، وهو ابن البلد، استعمل عبارة “قبائل قلعية” باعتبارها كيانا اتحاديا يضم خمسة قبائل في الصفحات 31،49، 50، 53، 56 وغيرها من صفحات الكتاب. وأسوق هنا فقرة من كتاب المؤلف تخص الهجوم على الجيش الإسباني عندما انتهك حرمة ضريح الولي سيدي ورياش وحاول ضمه إلى الأرض المحتلة: “وفي يوم الإثنين ثاني أكتوبر سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة وألف اجتمعت قبائل قلعية بسوق الاثنين الذي كان مقره قريبا من ضريح سيدي ورياش، ومن هناك هاجمت قبائل قلعية الجيش الإسباني هجوما عنيفا وأحاطوا به وخالطوه مخالطة من لا يهاب الموت…” ( ص.53).
وبالنسبة للمصادر الأجنبية لا نجد أفضل ولا أعلم من المصادر الإسبانية، وهي تعبر عن رأي الدولة الإسبانية التي عايشت نشوء قبائل قلعية وتطورها منذ احتلال عاصمتها مليلة من أكثر من خمسة قرون. السلطات الإسبانية لم تعتبر قلعية أبدا قبيلة واحدة، بل كانت تسميها بأسمائها وتطلق عليها بالجمع قبائل قلعية Tribus de Kelaia أو الريف الشرقي El Rif oriental. ويستحيل بالطبع ذكر هذه المصادر التي تعد بالآلاف بين النشرات الإدارية والتقارير الصحفية والبيانات العسكرية والمؤلفات التاريخية وغيرها من المنشورات التي لا تشير إلى قلعية إلا تحت اسم الجمع، أي قبائل قلعية. ونكتفي هنا بشهادة روسا ماريا ذي ماذارياغا التي عاشت مدة طويلة في الريف تحضر أطروحتها “إسبانيا والريف”. الباحثة الإسبانية المتخصصة في تاريخ المنطقة ذكرت مصطلح قبائل قلعية في عدد كبير من الصفحات دون أن تسمي مرة واحدة قلعية بالقبيلة. فقد ذكرتها في حديثها عن حرب سيدي ورياش سنة 1893م (الصفحات 84، 94، 95، 201، 202، 204، 277،318، 319). وذكرتها كذلك بمناسبة تناول مقاومة سيدي محمد امزيان(1909-1912) لبداية التغلغل الإسباني في أراضي قلعية عند الشروع في مد خط السكة الحديدية لاستغلال مناجم وكسان.(327، 328، 329). واستعملت المؤرخة الإسبانية عبارات “قبائل قلعية” أو “منطقة قلعية” أو “قلعية” بمفردها، لكنها لم تصفها أبدا بالقبيلة. ونكتفي بجملة واحدة من تركيبها تخص معارك سيدي ورياش في أكتوبر 1893: “شاركت فيها قبائل قلعية الخمس وهي بني شيكار ، بني بوغافر، مزوجة، بني سيدال وبني بويفرور..”(ص. 95).
دافيد مونغوميري هارت، أحد كبار أساتذة الأنتروبولوجيا الأمريكيين من الذين اهتموا بدراسة قبائل الريف، وصاحب كتاب ” آيث ورياغر، قبيلة من الريف المغربي “(14)، تطرق في مقدمة كتابه إلى قبائل الريف وقسمها إلى ثلاث مجموعات رئيسية من حيث موقعها الجغرافي: قبائل الريف الأوسط وتقع في غرب الريف كما عرّفه الكاتب وهي قبيلة آيث ورياغر، إبقوين، آيث عمارت، إكزناين، آيث توزين وتمسامان. ومجموعة ثانية سماها هارت قبائل “كرت” لوقوعها في محيط وادي “شارظ”: وهي تافرسيت، آيت وريشك، آيت سعيد، إبظارسن، آيث بويحيي وإكبدانن. ثم قبائل إقرعين الخمس: وهي آيث بويفرور، آيث سيذار، آيث شيكار، إمزوجن وآيث بوكافار..”(15).
ونختم هذه الشهادات بأهمها وأكثرها تخصصا وأعمقها دراسة لقبائل قلعية وهي شهادة أستاذ الأنتروبولوجيا الفرنسي ريموند جاموس. قبل أن يتعاطي للتدريس في جامعات باريس قضى هذا الباحث سنة ونصف السنة في قلعية بين 68 و 1969 يحضر رسالته في الدكتوراة عن النظام الاجتماعي التقليدي بقلعية قبل الاستعمار الاسباني التي مولتها جامعة مينيسوطا الأمريكية. وبعين الباحث الخبير قسم جاموس مجتمع “إقرعين” إلى ستة مستوايات متدرجة من أعلى إلى أسفل، من القمة إلى القاعدة وهي: الاتحادية confédération، القبيلة (ثقبتش) tribu، الفرقة (أربع) fraction، جماعث أو دشار communauté terriroriale، الحي quartier (جماعث أو دشار أو ثارفيقث) ثم أخيرا الدار(رْواشون) maison “،(16) (ص. 31-36). ويلاحظ هنا الخلط الذي وقع فيه الأستاذ في المستوى الثالث الذي سماه بالحي علما بأن المجتمع القروي القلعي والريفي بصفة عامة لا يشتمل على أحياء. استعمل جاموس لفظة الحي لاختزال ما ظنه ثلاث مستويات: جماعث، دشار، تارفيقت. والواقع أن الأمر يتعلق بمستوى واحد، دشار أو جماعة من الدشرات المتقاربة (ثيرفيقين) يختلف اسمه من قبيلة إلى أخرى. أما جماعث فهي الهيئة المكونة من أرباب الأسر المكلفة بالإشراف على المرافق المشتركة بدشار أو الدشرات مثل تسيير المسجد وكتابه واختيار “لفقيه” وترتيب إعاشته وأجره مع أرباب الأسر، وغير ذلك من القضايا التي تهم دشار كأرض المقبرة والممرات والمسالك العامة وغيرها. من عاش مثلنا في الوسط القري في الخمسينات والستينات من القرن الماضي يعرف هذا النظام جيدا.
2- وثيقة نسب قلعية:
خلافا لكل هذه الأبحاث والدراسات والشهادات التي أكدت واقعا معروفا لدى جميع أهل الريف، يذهب الأستاذ الحسن الفيكيكي مذهبا مغايرا باعتبارة قلعية قبيلة واحدة مقسمة إلى خمسة أخماس وليست مجموعة قبائل. لقد اعتمد أستاذنا في هذا الكلام على وثيقة مجهولة المؤلف من القرن السادس عشر الميلادي، إذ يقول : ” سنعتمد اعتمادا شبه كلي لتوزيع ساكنة قلعية القرن العاشر الهجري (16م) على وثيقة نسب قبيلة قلعية المجهولة المؤلف والمؤرخة بسنة 939/1533 …”(17). . ونحن نرى مع الباحثين السابقين خلاف ذلك أي أن قلعية كانت منذ نشأتها اتحادية قبائل ولم تكن قبيلة أبدا. وهذه حجتنا:
لقد تبنّى أستاذنا منطق المؤلف العتيق في باعتبار قبائل قلعية أخماسا، وذلك على حساب العلوم الإنسانية وما حققته الدراسات الأنتروبولوجية الحديثة من تقدم في ميدان تحليل البنيات القبلية الأمازيغية بالمغرب. فاعتبر الأستاذ بلاد القلوع كلها من بني بويحيي إلى البحر المتوسط إلى كبدانة في الأصل قبيلة واحدة تم تقسيمها بعد ذلك إلى خمسة أقسام دون أن يقيم دليلا واحدا على هذه الأطروحة. إن “وثيقة نسب قلعية” ظهرت في القرن السادس عشر بعد احتلال مليلة. وفي هذه الفترة، يقول أستاذنا “… تم توزيع المجال الحيوي الجغرافي للسكان منذ استقرار الوفود المهاجرة بها، فكان مما ترتب عنه إحداث تقسيمات خمسة عُدّ كل قسم منها تارة بمثابة قبيلة مستقلة، وأدخلت جميع الأقسام تارة أخرى في قبيلة واحدة” (ص. 121).
في هذا الكلام يفترض أستاذنا أن قلعية كانت قد تشكلت في فترة سابقة عن القرن السادس عشر ثم قسّمت إلى أخماس، وهذا غير ممكن علميا لان القبيلة تحتاج إلى عدة عقود بل قرون حتى تتكون وتترسخ بنياتها ويتعارف الناس على تسميتها. فإذا أخذنا الحسن الوزان كمرجع لتحديد تاريخ ظهور مصطلح قلعية نجد أن هذا الأخير ولد في 1494م وأسر في 1518م. وهذا يعني أن قلعية لم تكن موجودة قبل سنة 1518، وإلا لما تردد الحسن الوزان في ذكرها بل ذكر “بطوية” بدلها. وبالنظر إلى تاريخ وثيقة نسب قلعية في سنة 1533م وتاريخ أسر الوزان سنة 1418م نجد أن الفارق الزمني المتمثل في 15 سنة لا يكفي بتاتا لبناء قبيلة وانتشار اسمها بين الناس، وانقسامها إلى أخماس كما أكد ذلك أستاذنا. وهذا يعني أنه كانت هناك قبائل مستقلة ثم توحدت تدريجيا بعد احتلال مليلة تحت مسمى قلعية. ونحن نعرف أن اتحاد القبائل ينتج عن قرار يتخذه كبار (إمغارن) هذه القبائل ولا يتطلب وقتا طويلا، بينما القبيلة مسلسل سوسيولوجي طويل وتحول اجتماعي إتني تلقائي طويل لا ينتج عن إرادة الناس. فاعتبار آيت بويفرور وآيت سيدال ومزوجة وبني شيكر وبني بوغافر أخماسا أي فرقا تابعة لقبيلة واحدة لا يستقيم مع علم الأنتروبولوجيا ولم يسمع به أحد أبدا لا من الأسلاف ولا من المعاصرين.
إن تسمية قلعية مأخوذة من القلاع أو القلوع التي عرفت بها المنطقة بإضافتها إلى أكبر بسيط في الريف كله وهو سهل يارث، فكانت تسمى “قلوع جارة” بمعنى “جبال يارث. فقد علمنا ويعلم الجميع، بمن فيهم الأستاذ الفكيكي الذي أكد ذلك بصريح العبارة، أن قلعية ليست لها أية دلالة بشرية أو إتنية بل هو اصطلاح مرتبط بطبيعة تضارس المنطقة الجبلية “ليس له من المدلول البشري أي شيء”(ص. 121). وإذا كان مصطلح قلعية في حد ذاته لا يطرح أي مشكل من حيث أصله الجغرافي، فإن أسماء القبائل الخمس المكونة لها لا نعرف أي شيء عن أصولها إن كانت مرتبطة بأسماء الأسلاف أم بمعالم جغرافية بالمنطقة أو بأساطير شعبية كما هو الشأن في أسماء بعض القبائل والإتنيات. بويفرور، أمزوج، سيدال، بويافر، شيشار، أسماء لا يبدو من بنيتها أنها تعني معالم مادية أو مواقع معروفة في جغرافية المنطقة، فإذا قِسنا عليها أسماء بعض القبائل المجاورة مثل آيت سعيد وآيت بويحيي وآيت توزين يتبين لنا أنها أسماء أشخاص وليست أسماء جبال ولا أنهار، بمعنى أن قبائل قلعية مثل جل القبائل المغربية تنحدر نظريا من الأسلاف، هكذا يظن على الأقل أهالي هذه القبائل وإن كان الواقع ليس دائما بهذه البساطة. بينما لا تتوفر في مصطلح “قلعية” وبصورة قطعية خاصية الانتساب إلى أجداد أو أسلاف مشتركين كما رأينا.
وهناك سمة ثانية تشترك فيها هذه القبائل وتؤيد رأينا وهي وجودها في خط المواجهة مع مدينة مليلة التي كانت دائما تتوجس منها الشر والغدر فضلا عن كونها من قبائل الثغور التي كانت مكلفة رسميا بحراسة الحدود ومراقبة العدو حتى لا يتسرب إلى داخل بلاد المسلمين.وهذا هو بالضبط السبب الذي دفع بهذه القبائل الخمس إلى الاتحاد والتكتل في إطار اتحادي للدفاع عن بلادها.
نستنتج من كل هذا أن هذه الوحدات التي كانت تسمى بالأخماس كانت تشكل في الواقع قبائل مستقلة قائمة الذات، اضطرت لأسباب جغرافية وجهادية إلى لاتحاد بينها من أجل مقاومة النصارى وصدهم عن أراضيهم، وذلك نظرا لقوة العدو وتفوقه عسكريا وتنظيميا. هذه هي قلعية: اتحادية قبائل وليست قبيلة، ولما كانت هذه المؤسسة أو الكيان مؤقت وظرفي يزول بزوال خطر الاعتداء فإن الأمازيغ لم يجهدوا أنفسهم لتسميته كما فعلوا مع القبيلة التي تعتبر نظاما قارا ودائما وحيويا. أما مفهوم الأخماس فهو شيء آخر لا يعني عند قلعية ما يُفهم من ظاهر لفظه أي الجزء الخامس من الشيء.
الهوامش
(12) غمارة وبني يزناسن أيضا اتحاديتان لكنهما لا تنتميان إلى الريف في نظري وحسب المفهوم الهوياتي الاجتماعي لهذه الكلمة.
(13) لفظة “بسيطة” هنا لا تعني متواضعة ولكني استعملتها في مقابل “مركبة” كما هو الشأن في الدولة البسيطة (الوحيدة، الموحدة) والدولة المركبة (الفدرالية، الاتحادية) في القانون الدستوري والعلوم السياسية.
(14) وهو عبارة عن أطروحة جامعية صدرت سنة 1976. وكان الاستاذ هارت قد بدأ في إعداد دراسته في بداية الخمسينيات من القرن العشرين وتطلب إنجازها ما يقارب ثلاثة عقود.
(15) هكذا كتب هارت أسماء القبائل الريفية بالصيغة المتداولة لدى السكان المحليين باستثناء إشبذانن (كبدانة). وقد تعمدت نقلها حرفيا. أما الصيغة المتداولة في كتابة أسماء هذه القبائل فمعروفة بشكلها المعرب، وهي كالتالي: بني ورياغل، بقوية، بني عمارت، كزناية، بني توزين، بني وليشك، بني سعيد، لمطالسة، بني بويحيي و كبدانة. ثم قبائل قلعية وهي بني بويفرور، بني سيدال، بني شيكر،مزوجة وبني بوغافر…
(16) Ramond Jamous, Honneur et Baraka, les structures sociales traditionnelles dans le Rif « Iqar'iyen », Editions de la maison des sciences de l'homme, Paris 1981, P. 31-36
(17) حسن الفكيكي، المقاومة الغربية للوجود الإسباني بمليلة، 1697-1859، ص. 124.
(18) Robert Montagne, les Berbères et le Makhzen dans le sud du Maroc : Essai sur la transformation politique des Berbères sédentaires (groupe Chleuh), Paris 1930, P. 152-159.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.