هل سبق لكم أن جربتم الإمعان جيدا في هذا السؤال:ماذا لو نجح انقلاب من الانقلابات التي عاشتها مملكة الحسن الثاني؟ لو… لعاشت البلاد مسارات مغايرة، حيث «مجالس الثورة» التي صنعت في السر بسياقاتها وتشكيلتها المثيرة، والبداية بمجلس 71 الذي كان سيمسك البلاد بيد من حديد بعد مجزرة الصخيرات، وقد كان كل أعضائه عسكريون ونواته الصلبة المذبوح والإخوة اعبابو بالإضافة إلى جنرالات كبار، ثم مجلس 72 الذي كان يضم كبار الضباط وفي مقدمتهم أوفقير، بالإضافة إلى كبار القادة السياسيين، قبل أن يأتي الدور على الدليمي في بداية العقد الثامن من القرن الماضي، ليجرب التنسيق الخفي بين «الضباط الإحرار» الذي تأسس مباشرة بعد فشل انقلاب الطائرة! وبعض الساسة المعارضين. تابعوا. إنهما واحد! درجات الاختلاف التي تفرقهما هي نفسها التي تجمعهما!! لا داعي للاستعجال، فكلاهما جربا الانقلاب على الحسن الثاني فخسرا حياتهما، الأول في بدايات العقد السابع من القرن الماضي، والثاني عقدا بعده تقريبا، والمثير في حكايتهما ليس الانقلابات التي خططها لها في السر، ولكن الذي كان سيحدث بعدها. هل سبق لكم أن جربتم الإمعان جيدا في هذا السؤال:» ماذا لو نجح انقلاب من الانقلابات التي عاشتها مملكة الحسن الثاني؟! أمعنوا في السؤال جيدا وأعيدوه مرات ومرات، وستجدون الرعب يتسلل إلى أعماقكم بسرعة شديدة، وإذا أضفنا إلى هذا السؤال المخيف، سؤالا آخر يطرد النوم والهدوء والراحة والسكينة وكل معاني الاستقرار الناعم، فستجدون أنفسكم أمام زلزال من الاضطراب:»لو حدث ونجح انقلاب من الانقلابات التي عاشتها مملكة الحسن الثاني، فمن هم الذين كانوا سيحكموننا؟» إنهما أوفقير والدليمي، لا فرق بين الأول والثاني إلا في أن الدليمي كان يعشق المال أكثر، ولذلك صاح صاخبا حينما اغتيل الشهيد المهدي بنبركة «أنا أغنى رجل في المغرب»، أما الثاني فقد كان المال لديه وسيلة للتحكم والسيطرة، وكلاهما ليسا إلا الأداة الدموية التي كانت ستبسط يدها على المغرب، كيف؟ وبأي طريقة؟ تابعوا. لم يكن أوفقير والدليمي بعيدين عن الانقلاب الأول الذي جرى في الصخيرات، والقليل من الروايات والأخيار الشحيحة تشير إلى أن أوفقير، على الأقل، قضى ليلة الانقلاب مع المخططين له، لكن دعونا نساير الرواية المعروفة التي تبدأ بالدور الأمني الذي قام به أوفقير في حراسة الملك في قصر الصخيرات، وتنتهي بالتفويض المطلق الذي منحه إياه الحسن الثاني لممارسة كل الصلاحيات السياسية والعسكرية والأمنية لإعادة الهدوء إلى المملكة، ولنتفق على أن كل شيء لدى أوفقير والدليمي بدأ في العاشر من يوليوز 1971 حينما هاجم المذبوح والشقيقان اعبابو قصر الملك بالصخيرات، وهي المحطة البارزة التي سيكتشف فيها أوفقير خطة الانقلاب الفاشل وتفاصيله الدقيقة، ومن ضمنها المجلس المثير الذي سمي ب»مجلس الثورة»، ولذلك سيحاول تجريب نفس الخطة في السنة الموالية، وسيشكل بدوره «مجلسا للثورة» مرعبا في شكله وأعضائه وسياقه وتفاصيله كما سترون بعد قليل، والدليمي نفسه سيحاول بدوره الاستفادة من أخطاء أوفقير في انقلاب طائرة «البوينغ» الفاشل، بعد التحقيقات التي أشرف عليها بدقة وقوة أيضا، وسيشكل بدوره مجلس «الضباط الأحرار»!!! من هم؟ تابعوا حينما كان الجينرال المذبوح والكولونيل اعبابو يعدان لانقلاب الصخيرات، كانا يرسمان الصورة التي ستكون عليها البلاد والأشخاص الذين سيقودونها، وفي الطريق إلى القصر، سيكشف اعبابو نصف أوراقه للجنود والضباط الذين حملهم إلى الصخيرات من الساعة الرابعة صباح يوم العاشر من يوليوز 1971، وسيتعرف رفاق الرايس حينها على أعضاء القيادة العليا التي ستقود الهجوم على القصر، دون أن يكشف لهم أن الأمر يتعلق بانقلاب، وأن تلك القيادة الحقيقية هي التي كانت ستمسك البلاد بالقوة، فلنستمع للرايس:»… عندما عبرنا ممر «زاغوطا» كانت الشمس فوق رؤوسنا قد زادت حرارتها .. وحينما وصلت القافلة إلى بوقنادل توقفت غير بعيد عن القاعدة الأمريكية للاتصالات اللاسلكية على بعد 15 كلم شمال الرباط، وجدنا الكولونيل مرتديا لباسا صيفيا مزينا بالورود وسروالا رماديا يرافقه أخوه الأكبر والقيادة العامة المتقدمة وكلهم بلباس مدني»، يقول الرايس في كتابه «من الصخيرات إلى تازممارت تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم» ثم يضيف وهو يكشف القيادة التي خططت جميعها للانقلاب وكادت أن تمسك بزمام الأمور لو لم يطلق اعبابو النار على جينراله المذبوح:» القيادة العامة مكونة من الكولونيل عبد الله القادري الذي سيصبح بعدها برلمانيا وعضوا بارزا في الحزب الوطني الديمقراطي، والكومندان البريغي المنور، مليس ومالطي ثم ضابط شرطة فتوحي، وحضر أيضا الشقيق الأصغر لقائدنا السارجان شاف عبد العزيز اعبابو المحاسب بالقيادة العامة وأحد أقاربه الذي كان يقود سيارة «دي إي 21» للكولونيل اعبابو، والضابط مريزك صهر الجينرال المذبوح وابن القائد مريزك قائد أجدير، وأمرونا بالنزول للاستراحة وتناول الوجبة، بعدها تم استدعاء قادة الفرق من طرف الكولونيل نفسه الذي دعا أيضا أطر الفرقة الخاصة». ولاحظوا أن القيادة العامة لهذا الانقلاب تربطها علاقات أسرية قوية، وكأن أسرتي المذبوح واعبابو اللتين خططتا للانقلاب على الحسن الثاني، تشكلان النواة الرئيسية ل»مجلس الثورة» الذي كان سيحكم البلاد، قبل أن يضيف إليها الكولونيل اعبابو، وفي لحظات حاسمة في قصر الصخيرات، أسماء أخرى، لكن لنستمع قبل ذلك إلى شهادة المرزوقي في كتابه المميز «الزنزانة 10»، والتي تؤكد بدورها أن اعبابو هو الذي كان سيقود البلاد بعد تصفية الحسن الثاني :» وقف المدير امحمد اعبابو ينتظرنا وهو يرتدي لباسا كان يعتبر قمة الموضة الصيفية آنذاك، قميص ملون برسوم أزهار براقة، وسروال رمادي فضفاض الأكمام «أرجل الفيل» بصحبة أخيه الليوتنان كولونيل محمد وبضعة أشخاص كانوا لابسين اللباس نفسه تقريبا، وقد عرفنا في ما بعد أنهم الكولونيل عبد الله القادري، والكومندارات المنور ومليس والمالطي والبريكي مع ضابط سام في الشرطة يدغى الفتوحي، هؤلاء الأشخاص إذن كانوا يشكلون القيادة العليا المتقدمة التي حدثنا عنها المدير .. وقد وقف شخصان آخران لم نكن نعرف عنهما أي شيء، وهما السرجان شاف عبد العزيز اعبابو، شقيق المدير الأصغر، المحاسب بالقيادة العليا بالرباط، والأسبيران أحمد امريزك، صهر الجنرال المذبوح «زوج أخته». مازلنا في قصر الصخيرات، والرصاص يرعب المكان، والضحايا يتساقطون، والملك يختفي عن الجميع، ليس برفقته إلا الجينرال أوفقير، أما الدليمي فلا أحد كان يعرف أين كان يتواجد، وكل الروايات التي فصلت في ما جرى في العاشر من يوليوز 10 يوليوز 1971، لم تعثر على أثر للكولونيل الدليمي بقصر الصخيرات، لكن اعبابو الذي أراد أن يحسم الأمر بقوة وبسرعة أيضا، حتى وإن تحول القصر إلى حمام للدم، سيقتل رفيقه في الانقلاب الجينرال المذبوح وستتغير أعمدة الخطة، وسيتغير أيضا شكل «مجلس الثورة»:»كانت مهمة الجنرال بوغرين تقضي بالتحاقه هو أيضا بالمنطقة العسكرية بمكناس، لكنه اعتقل في اللحظة التي هم فيها بركوب «الهيليكوبتر» أما الجينرال «أمهارش» مصطفى فقد مكث في مقر القيادة العامة إلى جانب «المجلس»، وفي المكتب الثالث وضع امحمد اعبابو اللائحة النهائية لأعضاء «مجلس الثورة» وقد ألح اعبابو محمد «الأخ الأكبر» على إضافة أسماء الكولونيل بوعمامة الطيب، والكولونيل محمد عبروق ، كما أُضيف اسم الكولونيل التيجاني مفتش القوات المساعدة، وعندما تم الاتصال به هاتفيا ليلتحق ب»المجلس» كان غائبا، وفي الوقت الذي كان فيه هؤلاء السادة يعقدون جلسة عملهم المغلقة، وقعت أمور كثيرة في الصخيرات دون علمهم». فشل انقلاب الصخيرات، وفشل اعبابو في تشكيل «مجلس الثورة»، وانقض الجينرال أوفقير على الفكرة، وكان الرايس الطريق إليها بعدما استنطقه أوفقير طويلا في بيته، ولعله كان يحاول أن يعرف كل أسماء «مجلس الثورة» وكل تفاصيله وهياكله:»قبل الصخيرات، من هم الذين كانوا يزورونه؟ يسأل أوفقير فيرد الرايس:»كانت شخصيات عديدة تزوره في بيته، لكننا لم نكن نصادفهم لأن المدرسة تتوفر على ثلاثة أبواب، الباب الرئيسي المخصص لاعبابو وعائلته وضيوفه وعشيقاته، وهنا علق أوفقير ساخرا: كنت أعرف أنه زير نساء، لكن أن تكون له أربع عشيقات معناه أنه كازانوفا»، أما الباب الثاني فقد كان مخصصا للعسكريين والثالث كان مخصصا لأسر المتزوجين أو صديقات الطلبة الضباط»، وعلق الجنرال من جديد :»بخصوص هذه النقطة، أعتقد أن اعبابو كان أنانيا أقل من المعتاد» واصلت حديثي قائلا:»بالنسبة للذين كانوا يزورونه دون تورية فهم الجنرالات حمو، مصطفى امهارش، بوغرين، والكولونيل اليوسي، واليوتنان كولونيل أبارودي واليوتنان كولونيل خياري، والكولونيل بوزيدي، وقد كان قائدنا يهيء لهم في كل لقاء المشوي والويسكي والشيخات». كان أوفقير في قلب العاصفة، وكان الدليمي بالقرب منها، وفيما أصر الأول على متابعة الحيثيات الدقيقة لمحاصرة كل المعطيات التي تفيد علاقته بالمحاولة الانقلابية، كان الدليمي يتابع كل تطورات التحقيق، بأمر من أوفقير شخصيا:»لقد التفت إلى الدليمي، يقول الرايس في نفس المرجع:»أحمد، ابتداء من الآن سيتولى رجال الأمن الاستنطاقات، تولى الأمر شخصيا وسأفصل في التعليمات في ما بعد»… يقول الرايس ثم يضيف أنه يوم السبت 17 يوليوز، أسبوعا عن مجزرة الصخيرات، بدأ التحقيق القضائي الذي قام به عمداء ممتازون:» ويوم 18 يوليوز استدعيت للإدارة، حيث كان الدليمي في انتتظاري صحبة ثلاثة أشخاص مهندمين بذوق راق، وفيما الدليمي يطرح الأسئلة، كان الضيوف الملغزون ينصتون باهتمام …»، فهل هي البداية للتفكير في الانقلاب على الملك؟ فشل الانقلاب، واعتقل رفاق الرايس، ومرت أجواء المحاكمة، ثم صدرت الأحكام، وبدل أن يقضوها في الزنازن الباردة، عاشوها بتازممارت، وفيما كانت الشهور الأولى تمر، وزملاء الرايس يحسبون من واحد إلى الألف كي يغمضوا عيونهم من شدة التفكير والبرد والجوع، كان أوفقير يضع الحجرات الأساس للانقلاب الثاني، والعهدة هنا على أمقران، الضابط الذي أعيد تسليمه من الحكومة البريطانية بعد فشل انقلاب الطائرة، ليضع كل حقائق ما حدث أمام العدالة، ومنها أسرار الترتيبات الأولية للانقلاب الثاني، والتي بدأت منذ فشل الانقلاب الأول، فلنستمع لأمقران جيدا:»بعد مرور عدة أيام، اتصل بي أوفقير هاتفيا، وتقابلت معه .. وقد أبدى تعاطفه نحوي قائلا لقد سالت دماء غزيرة .. وأنا لا أُريد ضحايا جددا.. لذلك لن أمسك بسوء … ثم عانقني وأعلن أنه يعتمد علي في المستقبل»، يقول أمقران في اعترافاته أمام المحكمة العسكرية، ثم يضيف:» في 15 نونبر 1971، أي ثلاثة أشهر بعد انقلاب الصخيرات، دعيت إلى حفل حضره عدد كبير من الضباط، وكانت الغاية منه وضع الترتيبات الأخيرة للاستعراض، ومن بينها الشخصيات المدنية التي يجب استدعاؤها، وبعد ذهاب أغلب الحاضرين .. أحذني أوفقير جانبا وبدأ يحدثني عن وضعية البلاد، وكانت الساعة الواحدة صباحا. وفي 25 نونبر تقابلنا ثانية، وجرى الحديث عن الحالة العامة في المغرب، وقال أوفقير:»إن العلاج الوحيد هو تصفية الملك جسديا، وأنت ترى أن الوضع السياسي العام يكاد يكون كارثة، ويمكن أن تستولي العناصر الفوضوية على السلطة .. وإن الجيش هو الضامن للاستقرار، وإنه لا بد من التخلص من الملك ..». حدث ذلك في الخامس وعشرين من شهر نونبر 1971، أي ثلاثة أشهر بعد فشل الانقلاب في الصخيرات، لكن بين نونبر 1971 وغشت 1972، جرت الكثير من المياه بين أوفقير وبين الضباط الذين سيشلكون النواة الصلبة لقصف الطائرة الملكية في سماء البلاد، وأيضا مع بعض من السياسيين، والجميع سيصبحون الدعامة الأساسية ل»مجلس الثورة»، ويتقدمهم العقيد الدليمي والجنرال إدريس بنعمر العلمي والجنرال عبد السلام الصفريوي والجنرال عبد السلام عامر والعقيد عبروق والعقيد الدمناتي والعقيد بن عمر السباعي والعقيد البارودي والرائد بوخرطة. هذا ما كشف عنه أمقران في لحظة الصمت المرعب الذي كان يعم قاعة المحكمة، لا يهمه حكم الإعدام الذي كان يتراقص بين عينيه، لكن ما جاء في اعترافات أمقران التي لا تعني بالريفية إلا الكبير، ليس إلا نصف الكأس المملوء، وأمقران الذي كان حلقة ضمن سلسلة اتفاقات عميقة وكبيرة وسرية، لم يستطع الاطلاع على كل ما جرى، والنصف الآخر يكشف عنه محمد لومة في كتابه «المشروع الانقلابي المغربي بين الساسة والعسكر»، ويقول:» … لم تكن هناك هيكلة تنظيمية لقيادة الانقلاب حسب ما هو متعارف عليه مثلا في مصر وسورية والعراق … فلا وجود هنا لهيئة «الضباط الأحرار» أو «مجلس قيادة الثورة» والذي يجتمع دوريا لضبط المهام والمخططات وتوزيع الأدوار … لقد رفض الجنرال إرساء هذه الهيكلة لأن نواياه الحقيقية منذ البداية كانت في قمة السوء تجاه شركائه، حيث استمات في سبيل ألا تتعدى العلاقات معه شخصي أمقران وكويرة على الأكثر، فقد كان مصمما على تصفيتهما الجسدية سواء في حال النجاح أو الفشل على غرار ما فعل تجاه رفاقه الضباط الذين أعدمهم بسرعة وبدون محاكمة بعد أحداث الصخيرات»، يقول لومة ثم يضيف تفصيلة مهمة»وقد تأكد أن الجنرال أوفقير سهر معهم حتى الساعات الأولى من صباح يوم الانقلاب .. غير أنه يمكن الحديث عن هيكلة مفككة في بداية مراحلها الأولى». ويرسم لومة في إطار مرفق بالملف التفاصيل الدقيقة للمهام المحددة للعسكر وللسياسيين في الانقلاب إياه، ولعله يعيد تفصيل ما جاء في رسالة الراحل الفقيه البصري الشهيرة التي كشف فيها عن الكثير من الحيثيات التي تتقاطع مع شهادة أمقران:»ففي أوائل سنة 1972 أو أواخر 1971، قدم لي الأخ عبد الرحيم بوعبيد ليعرض علينا نحن الثلاثة: عبد الرحمان، والمهدي العلوي، أنا، مشروعا لاستلام الحكم، اتفق عليه هو والجنرال أوفقير وإدريس السلاوي، على أساس مساهمة الحزب بالسادة، عبد الرحيم، وعبد الرحمان، وحسن الأعرج، في تشكيل سلطة جديدة بعد الإطاحة بالحكم، وسيحرص على أن يلعب فيه عبد الرحيم الدور الرئيسي، وإن ظهر أن الجنرال أوفقير ربما يتخوف من ذلك، فستسند المهمة الأساسية لإدريس السلاوي .. بينما كانت اتصالاتي مع الضباط الصغار على أساس أن لدينا تنظيمات تنقصها الأسلحة…» والبقية في الإطار في نفس الملف. ولد أوفقير في تافيلالت سنة 1920، وولد الدليمي بسيدي قاسم سنة 1937، وعلى الرغم من أن الفرق بينهما ليس بالهين، والسبع عشرة سنة يكبر بها أوفقير الدليمي في الحياة وفي الجيش، والأول خاض الكثير من الحروب كما يتضح من البورتريه الخاص بهما في الصفحات المرفقة، إلا أن الدليمي شرب من كأس السلطة لأستاذه أوفقير، ولعلها نفس الجينات التي سرت في جسم أوفقير هي التي كانت تحرك الدليمي إلى برك الدم، ولذلك حينما رحل الأستاذ في السادس عشر من غشت 1972، أصبحت الطريق معبدة للتلميذ ليصبح رقم 2 في البلاد. بنفس الأسلوب، وعلى نفس الخطى، سيرتب الدليمي رجالاته، وفي نفس «المجلس» إياه سيتحرك الدليمي للانقضاض على البلاد، وعلينا هنا أن نصدق أحمد رامي الذي كان مرافقا لأوفقير والدليمي في ما بعد، وهو نفسه الذي يقول عنه»جيل بيرو» في كتابه «صديقنا الملك» الذي صدر في بدايات العقد التاسع من القرن الماضي، أن أحمد رامي يعرف كثيرا من الأشياء، لكنه يقطر الحقيقة عبر مصفاة شخصية جدا:»لم يترك في السابق صفة قبيحة إلا وسم بها الدليمي، أقلها أنه خادم شيطاني للملك، اتهمه بأنه عذب شخصيا جنرالات الصخيرات، وأنه قاد حملة قمع رهيبة بعد الهجوم على طائرة البوينغ الملكية، وهو رامي بالذات، لم ينج من مصيدته إلا بحظ استثنائي لكنه يقول حاليا:»أريد أن أبين حاليا أن الدليمي، هذا الرجل الذي تميز بالكبرياء والاستقامة، عمل باستمرار لإسقاط الحسن الثاني»، هذا الدليمي الجديد كليا كان ينتمي إلى المؤامرة منذ العام 1971، بل إنه سمح لرامي بمغادرة المغرب بوضعه طائرة تحت تصرفه. عرضيا كان الدليمي على متن طائرة البوينغ، التي هاجمها طيارو أمقران، لكن رامي نسي دون شك هذه التفاصيل، فلو أن الدليمي مشارك مع المتآمرين منذ العام المذكور لكانت تضحيته فائقة أن يفدي بروحه قضية زملائه». دعونا من هذه التفاصيل وإن كانت مهمة، ولنستمع إلى رامي الذي عاش إلى جانب الدليمي لسنوات، وهما معا رتبا لانقلاب في مملكة الحسن الثاني في بدايات العقد الثامن. فوفقا لرامي، فإن الدليمي انتمى إلى «مجموعة الضباط الأحرار»!! ذوي الميول الناصرية التي أطلقت على نفسها اسم حركة 16 غشت، ولعلكم تتذكرون أن في هذا اليوم من سنة 1972 تم الهجوم على الطائرة الملكية البوينغ!! وإذا صدقنا رامي دائما، فإن فكرة الانقلاب على الملك لم تفارق الدليمي منذ فشل انقلاب الطائرة، ومنذ 1972 إلى السنة الثالثة من العقد الثامن كان الدليمي يعد العدة سياقا وعتادا لتصفية الملك. ألم نقل إنهما واحد، والمسافات التي تفرقهما في شخوصهما هي نفسها التي تجمعهما في الجيش والانقلاب، ولأن أوفقير استعان بالسياسيين للانقلاب على الحسن الثاني، فقد مشى الدليمي في نفس الطريق، و»الضباط الأحرار» الذين كان الدليمي أحدهم، ليسوا إلا الدرع العسكري للانقلاب، وقد يكون هناك درع سياسي، فلنستمع جيدا ل»جيل بيرو»:»وفقا لرامي، انتمى الدليمي إلى «مجموعة الضباط الأحرار» ذوي الميول الناصرية التي أطلقت على نفسها اسم حركة 16 غشت تاريخ مهاجمة البوينغ، التقى الدليمي ورامي في دجنبر 1982، قبل شهر من موت الجينرال، وفي العاصمة السويدية، كان الدليمي قلقا، إذ تولد لديه انطباع بأن الملك يشك منذ ثلاثة أسابيع بخيانته، فقرر إحداث انقلاب قبل 23 يوليوز، وهو التاريخ الذي توقع أن تحدث فيه سلسلة من التغيرات في قيادة الجيش، لم ينتبه الدليمي أو رامي إلى أن عناصر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية يراقبون ويصورون اجتماعاتهما … وقد تم التأكد حينها أن الدليمي كان يجري اتصالات سرية مع المعارضة المغربية في المنفى، كما ثبت خلال زيارته خفية إلى باريس في دجنبر 1982»، هل كان الدليمي على اتصال مع المعارضة السياسية المغربية في المنفى لترتيب الانقلاب، بنفس الطريقة التي وضع أوفقير يده مع معارضة السبعينيات؟!