“omar m'a tuer” هذه العبارة المتضمنة لخطأ إملائي واضح والتي يعتقد أن الضحية الفرنسية جيزلين مارشال خطتها بدمها قبل أن تلفظ أنفاسها في بداية التسعينيات ببيتها في بلدة موجان بضواحي مدينة كان هي التي ستتسبب للبستاني الريفي ابن ميضار عمر الرداد في الاعتقال وحكم ب18 سنة، قبل أن يحصل على عفو رئاسي جزئي في أواسط التسعينيات. “تيل كيل” تكشف هنا عن جانب من هذه القضية قليلون من يعرفونه، وهو الصراع الذي دار بين الحسن الثاني وابن أخيه الأمير مولاي هشام حول الدفاع عن الرداد، وكيف تمكن الملك الراحل من نزع العفو الرئاسي عن البستاني الريفي مقابل إصداره لعفو ملكي على أحد المدانين في قضية الحاج ثابت. في الثاني من فبراير 1994، أصدرت إحدى المحاكم الفرنسية حكمها القاسي في حق المهاجر المغربي عمر الرداد، وقضت بسجن هذا البستاني لمدة 18 عام بتهمة قتله لمشغلته الغنية جيزلين مارشال. بعد صدور ذلك الحكم قال المحامي الفرنسي الشهير جاك فرجيس الذي تولى الدفاع عن الرداد قبل مائة عام تم إدانة ضابط شاب لأنه كان يهوديا (في إشارة إلى قضية دريفوس)، واليوم يدينون بستانيا فقط لأنه مغاربي. فبعد أن رافع عبثا من أجل براءة موكله، اختار المحامي اللامع مهاجمة العدالة ورفع شبهة العنصرية في وجهها. لم يكن غريبا أن يصدر هذا الموقف من صاحب نظرية دفاع القطيعة، وهي استراتيجية تقوم على تحويل المُتَّهمَ إلى مُتَّهِم. ووظفها هذا المحامي الشهير ببراعة في محاكمات تاريخية مثل قضية المقاومة الجزائرية جميلة بوحيدر أو مجرم الحرب الألماني كلاوس باربي. ولكن هل كان من الحكمة اللجوء إلى هذه الاستراتيجية في قضية الرداد الذي كان يتشبث ببراءته؟ بالنسبة إلى الأمير مولاي هشام الجواب واضح: لا.كنت دائما أعتبر أن عمر الرداد، سواء كان بريئا أو مذنبا، لم يحظ بمحاكمة عادلة. وارتأيت أنه لم يكن على فرجيس، وإن كان محاميا كبيرا، اللجوء إلى استراتيجية دفاع القطيعة لأن الأمور كانت واضحة.. لم يكن في حاجة إلى التلويح بشبهة العنصرية حتى لا يثير حفيظة المحامين والقضاة على حد سواء، خاصة وأن استطلاع للرأي نشر غداة النطق بالحكم كشف أن 64% من الفرنسيين كانوا يؤيدون إعادة النظر في المحاكمة. وبالتالي كان تغيير المحامي أمرا يكتسي صبغة الاستعجال بالنسبة إلى مولاي هشام. بعد يومين، اتصل الأمير ببول لومبار، المحامي الذي يتولى قضاياه وقضايا والدته لمياء الصلح: يجب إنقاذ هذا الشاب” قال له بالحرف، ولكن محامي مارسيليا الكبير أكد على ضرورة الحصول على توكيل من عمر الرداد. “اتصلت به عبر والده وزوجته، ووقع على التوكيل” يقول الأمير الذي كلف كذلك جيرار بودو، أحد المحامين الأوائل للرداد، بالعودة إلى الدفاع عنه. هل هذا يعني سحب التوكيل من فرجيس؟ لا. ليس بهذه السرعة. إذ في 10 مارس من 1994 دائما، بثت دوزيم لقاء استضافت فيه الصحافية سميرة سطايل جاك فرجيس ولطيفة، زوجة الرداد. وفي اليوم الموالي، وكان من أيام رمضان، استقبل الحسن الثاني هذا الثنائي بالقصر الملكي. إنها محاكمة القرن، وكان من العادي أن تستضيف دوزيم المحامي فرجيس يقول مصدر من القناة الذي أضاف أن مولاي هشام وكل محاميا بناء على طلب من أحد أفراد عائلة الرداد كان يشتغل في ضيعة يملكها الأمير، ولكن مولاي هشام ينفي هذا الأمر ويقول: لم يكن يشتغل عندي أي فرد من عائلة عمر الرداد. وأول تدخل لي في القضية كان بعد صدور الحكم”. ويتابع المصدر ذاته، المطلع جيدا على تطورات القضية في 1994، أن الحجم الذي أخذته القضية في فرنسا دفع بالقصر إلى التكلف بالملف وضمان دفاع أقوى لعمر الرداد. معركة التحري المهم أن الحسن الثاني ثبت جاك فرجيس محاميا للرداد، وأبلغ مولاي هشام انزعاجه الشديد من تحركه. ويحكي الأمير: استدعاني الحسن الثاني في إحدى أمسيات رمضان ليقول لي: “عمر الرداد مواطن مغربي، ومهمة الدفاع عنه تقع على عاتق أب الأمة.. أي على عاتقي أنا”. فهم ابن أخ الحسن الثاني رسالة عمه، وانسحب من القضية، ولكن في الظاهر فقط، لأن الأمير واصل الاهتمام بالملف عن طريق التحري الخاص. كان هذا، في 1995، أي بعد بضعة أشهر فقط على صدور الحكم، عرف الملف تطورا مثيرا للغاية: فقد تم اكتشاف وجود عمرآخر في محيط الضحية جيزلين مارشال، على يد التحري الخاص برنار نرانجو، الذي كلفه أحد محامي مولاي هشام بالبحث في القضية، ولكن سرعان ما تبين للمحققين أن هذا المسار الجديد لم يفض إلى شيء يذكر. ثم حدث تطور آخر: سجين سابق يؤكد أنه يعرف جيدا هوية القاتل الحقيقي، وأضاف أن الأمر يتعلق بزميل سابق في السجن اعترف له بالجريمة. هذا المسار أيضا لم يفض إلى أي نتيجة. من جهته، استعان جاك فرجيس بخدمات التحري الخاص روجي-مارك مورو، الذي ركز على خادمة البيت التي استفادت بشكل غامض من عطلة لمدة يومين وكذبت بخصوص ما فعلته في هذين اليومين. ولكن كل هذا لم يؤت أكله. ماذا بقي إذن للمحامين وكل المدافعين عن براءة عمر الرداد؟ لم يبق لهم سوى العفو الرئاسي. بريء مقابل بريء؟ في 6 ماي 1996، أي عاما كاملا بعد انتخاب جاك شيراك رئيسا، قام الحسن الثاني بزيارة دولة إلى فرنسا حيث ألقى خطابا أمام النواب الفرنسيين بالجمعية العمومية (مجلس النواب الفرنسي). بعد أربعة أيام خص الرئيس الفرنسي البستانيَ المغربي بعفو رئاسي جزئي يخفف من الحكم الصادر عليه دون أن يبرئه تماما. ويتذكر محمد برادة، سفير المغرب بباريس آنذاك، ما جرى في تلك الفترة ويقول: “أحسست بأن الجميع كانوا محرجين بسبب هذه القضية”. فهنا كالعدالة التي كانت تتبع مجراها. ولم يكن بإمكاني التدخل في القضاء الفرنسي، ولكن كان لدينا أناس يحبون المغرب مثل إليزابيث غيغو، التي كانت وزيرة للعدل آنذاك، وبطبيعة الحال الرئيس شيراك. كانا منزعجين من هذه القضية. وعمل الجميع على إيجاد سبيل للإفراج عنه. وقبل وقت قصير من صدور العفو، اتصل بي وزير ليخبرني بأن عمر الرداد سينال حريته. ولكن هذا العفو الجزئي الذي جاء بعد معركة طويلة، كان له مقابل: إطلاق سراح رجل أعمال فرنسي-مغربي، فضل الطرفان المغربي والفرنسي عدم الكشف عنه. ويتعلق بعبد الأحد مريني، الذي حكم عليه في 1993 بعشر سنوات سجنا نافذا بتهمة تورطه في قضية الحاج ثابت، المدير القوي الأسبق للاستعلامات العامة بالدار البيضاء. ولكن لماذا أصر جاك شيراك على إصدار عفو ملكي على معتقل مدان بالتورط في أكبر فضيحة في تاريخ المغرب الحديث؟ يرد عبد الرحيم برادة، المحامي المغربي الشهير الذي كان يدافع عن عبد الاحد مريني بالقول: كان جاك شيراك قد تدخل لصالح طبيب النساء ادريس لحلو (الذي أدين بدوره في قضية ثابت وحصل على العفو). وبما أن ادريس لحلو كان صديقا حميما لموكلي منذ الطفولة، اتصل بعض الناس بالرئيس الفرنسي للتدخل لصالح مريني وقالوا له: إنكم ستتدخلون لصالح الدكتور لحلو، نرجوكم أن توسعوا كرمكم ليشمل عبد الاحد مريني.. وهكذا حصل على العفو. ثم حرص برادة على إبراء ذمة موكله قائلا : لم يشارك مريني في قضية ثابت، بل تم إقحامه فيها، فأدانه القضاء المغربي وكلنا نعرف كيف هو هذا القضاء. فهل يتعلق الأمر حقا بمبادلة بريء ببريء؟