من بين القضايا الملتهبة التي تشهدها الساحة السياسية في المغرب، والتي أصبحت حديث الناس في الشوارع والمقاهي والطرقات والأماكن العامة، قضية الانتخابات التشريعية المقبلة، التي تعد الفيصل بين الحق والباطل وبين النزاهة والاحتيال في العملية الانتخابية. ومن بين الأسئلة البديهية التي تفرض نفسها على كل فرد في المجتمع المغربي المؤهل لعملية الاقتراع، سؤال: ما هو الانتخاب الذي يشكل جوهر الديمقراطية السياسية؟ كما نعلم جميعا أن الانتخاب معناه الاختيار، أن ينتخب الإنسان معناه أن إمكانات عدة توضع أمامه ليختار منها أيا يشاء. ولكن هل في إمكان كل فرد من أفراد الشعب المغربي أن يختار؟ الجواب: لا بالتأكيد، بحيث أننا نراهم يجتمعون… يقررون… يضعون من يريدون وكلاء للوائحهم ” ثلة من المحضوضين والأعيان ” وكأن المغرب ليس فيه إلا هؤلاء الذين قضوا عقودا من الزمان في مختلف المناصب السياسية الكبرى، وما على الشعب إلا التصويت. ليكون الانتخاب انتخابا حقيقيا، يجب أن يبنى على أسس ديمقراطية، أي على أساس المساواة في الإمكانيات والإمكانات والوسائل وإلا فإن الديمقراطية التي تهدف إلى انتخاب الشعب لمن يمثلونه، في ظل أوضاع تفتقر إلى المساواة، لا يمكن أن تسفر إلا عن نواب برلمانيون من فصيلة واحدة، خاصة في ظل التفاوت الهائل بين افرد المجتمع المغربي وهم هؤلاء الذين نراهم على الساحة السياسية الحزبية: حزب ضد حزب… تكتل ضد آخر… أحزاب تهدد وأخرى نتاصر وهلم جر… والجميع يركز على صوت الناخب المسكين، وهو الدور الوحيد اليتيم الذي يعطى له، مع تجريده من حقه الحقيقي في الانتخاب وتحويله إلى مجرد صيد ثمين وإلى طريدة شهية، الكل يسعى إلى اقتناصها والظفر بها. ومن ثم يتم تسريحه إلى حين دعوته مرة أخرى للإدلاء بصوته وعلى نفس الأشخاص، وبذلك يعيد التاريخ نفسه، فيلتقي الأحبة في قبة البرلمان… يرتشفون… يتلذذون… يصفقون… ومنهم من ينام…ومنهم من يدخل محراب الوطن في أقصى حالات السكر… هؤلاء الناس لا يعيشون هموم الشعب… وجوعه… وأميته وحاجته الماسة إلى الحرية والعدالة والمساواة…في الوقت الذي تجد لديهم كل شيء…مناصب رفيعة…أموال طائلة…منازل فخمة…سيارات فارهة… إلخ وعودا على بدء أقول ليختار المرء يجب أن يكون حرا… أي يريد ويعرف ما يريد،،، ويملك القدرة على تحقيق هذا الذي يريد. لكن بالله عليكم كيف يمكن أن يختار الشعب المغربي ونسبة الأمية فيه تقارب النصف، وفقرائه يزيدون على أربعة عشر مليون نسمة، لا يفقهون شيئا، همهم الوحيد الصراع المرير مع القوت اليومي. في ظل هذه الأوضاع التي تتحكم فيها اللامساواة يستحيل أن يكون الفقراء أحرارا في قراراتهم… واختياراتهم… وهم جنبا إلى جنب مع الأغنياء، والأعيان والوجهاء، هؤلاء الذين يسخرون وسائل الأعلام وينفقون عليها أموالا باهضة من أجل حملاتهم الانتخابية، وبالتالي تتحول لديهم الانتخابات إلى مسرح للمواجهات والمناورات والمؤامرات والدسائس. ومما يزيد الطين بلة هو كيف يمكن للجهال والأميون أن يكونوا أحرارا في قراراتهم واختياراتهم وهم جنبا إلى جنب مع من يملكون سلاح العلم والتفكير؟ إن الجائع لا يمكن أن يختار، لأنه ليس باستطاعته أن يريد إلا شيئا واحدا: هو الخبز. والجاهل الأمي لا يمكن أن يختار لأنه لا يعرف بالضبط ما يريد، ولماذا يريد ولا يملك القدرة على تحقيق إرادته. وانطلاقا من هذه المعطيات يتضح جليا أن الانتخابات الديمقراطية إنما هي لعبة الأعيان والأغنياء والطبقات الميسورة في المجتمع، أما أهداف الشعب التي تتلخص في خلق أوضاع يعيش في كنفها في غير قلق ولا بؤس ولا حرمان، لا يمكن أن تتحقق إلا على أنقاض الأوضاع الظالمة التي يرزح تحتها، وهي نفسها الأوضاع التي تيسر لهؤلاء الأعيان والأغنياء العيش الرغيد والحياة الكريمة. وهده الطبقة ” الأعيان… ” تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتحافظ على هذه الأوضاع كما هي عليه إن لم تعمل على تنميتها. من خلال هذه المؤشرات والمعطيات يتضح أن واقع بلادنا ما زال بعيدا عن الانتخابات الديمقراطية الحقيقية، التي ننشدها جميعا، والتي من شأنها أن تقضي على نظام الزبونية والمحسوبية السائد، والفساد الحزبي المستشري، والفوارق الاجتماعية الصادمة، والشطط في استعمال السلطة، والإفلات من العقاب، والتعالي المتعجرف للمسؤولين عن عامة الناس. وختاما أقول أنه يجب علينا جميعا أن ندرك، أن الانتخابات الديمقراطية الحقة، وأن العدالة الاجتماعية، وأن المساواة، أن هذه الأمور لا يمكن تحقيقها إلا بالنضال… النضال الهادف الموجه، وأن على معظم النخب والطليعة الواعية التي تتبوأ الصدارة داخل الهيئات السياسية والمنظمات الجمعوية والمنابر الإعلامية، والمؤسسات الجامعية أن تعمل على توعية الجماهير وتوجيههم الوجهة السليمة، وتعبئتهم ورصهم صفا واحدا من أجل مواجهة الفساد والمفسدين الذين سيجندون كل المنتفعين في بلدنا من الوضع القائم، ليهاجموا الانتخابات التشريعية المقبلة، التي تعد لحظة سياسية دقيقة ومفصلية في تاريخ المغرب المعاصر.