داهمتني مؤخرا تجربة يجدر بي أن أخجل لها، إلا أنها متميزة لدرجة أني لا أريد أن أحرمكم منها.حصلت هذه الواقعة في مكان بعيد عنكم، في مدينة الناضور، الواقعة في منطقة الريف بشمال المغرب. كان الليل قد حط بجناحيه وكنت ما أزال أتسكع في أزقة المدينة، إلى أن رأيت فجأة في ساحة سوق عربة تُباع عليها حبوب التمر. كانت ثمرات التمر سميكة ولامعة أثارت فيّ شهية أكل قوية. اخترت أكبر ثمرة منها وحشوت بها فمي. ألقيت بعشرة دراهم إلى صاحب التمر وصرت أمضغ وعيناي مغلقتان من المتعة، في انتظار أن يرد لي ما تبقى من النقود، وطالما انتظرت. لما أشرت إليه أن حبة التمر كانت لذيذة جدا، إلا أن 10 دراهم للحبة ثمن غال جدا، أجابني: “أية 10 دراهم؟ أنا لم أر أية نقود.” كانت نظرته تتلظى من الغضب. “هيا” قلت له بهدوء، “فأنت قد رأيت وسمعت بدون شك أنني قد ألقيت بعشر دراهم في وعائك.” لمعرفتكم الخاصة، فإن الإنسان قد يفوته الكثير، لكن صدقوني، فإن التاجر المغربي لا تخفى عنه حتى يد الشيطان. “لم أر شيئا. زد على ذلك أن ثمن هذا التمر 50 درهما للحبة. ففي كل الأحوال ما زالت لي في ذمتك 40 درهما.” فكرت لهنيهة أن الأمر لا يعدو أن يكون مزاحا، لكن سرعان ما فقهت الأمر. فهذا التاجر كان في أسوإ أحواله. فهو لم يبع خلال النهار كله أي ثمار، ثم جئت أنا، المغربي الأوربي المتعجرف، لآخذ أجمل ثمرة لديه وأن أحشو فمي بها بكل بساطة. فهذا أمر لن يدفعه إلى البهجة والفرح. “حسنا”، قلت له، “أنت تعرف كما أعرف أنا تماما أن الدراهم العشرة، والتي رأيتها كما تُرى الشمس في النهار الصحو، تعطيني الحق ليس في ثمرة تمر واحدة بل في كيس كامل من التمر. لكن أتدري ماذا، فلتحتفظ أنت بالباقي”. حشوت فمي بثمرة سمينة أخرى وهممت بالذهاب. وبالضبط في الوقت الذي انقلبت فيه إلى الجهة الأخرى شعرت بشخص قفز عليّ فطارت حبة التمر من فمي ووقعت طريحا على الأرض. شعرت بركلة حادة في معدتي وضرب شديد بعصا على ظهري. ألمّ الألم بسائر جسمي وبدأت ساحة السوق تدور من حولي كدوّار الأطفال في مدينة ألعاب. ذقت طعم الدم المالح في فمي. إلا أن شيئا غريبا حدث آنذاك. احتشدت قوى لا مثيل لها في جسمي كما لو أنها اجتمعت بفعل عصا سحرية؛ قوى رفعتني ووضعتني على قدميّ، قوى جعلت قبضات كفي تتكور. لكمت بائع التمر لكمة في وجهه وقع على إثرها مستقيما إلى الوراء. ثم نشب ثمة عراك عنيف لم أعد أتذكر منه الكثير، سوى أننا استلقينا بعد وقت قصير منهكين على الأرض. بنطلون ممزق، قمصان مهشمة، أنوف دامية، وخدوش على الوجه. نظر كل منا إلى الآخر. ثم سأل: هل لديك سيجارة؟ انهمرت بعد ذلك بقليل في سريري بالفندق، مرهقا لكن: ما أحلاه من إرهاق. لقد شعرت ببالغ الرضى. جسدي متنمل على آخره، وروحي منفتحة على مصراعيها. كل حواسي كانت في أقصى درجات اليقظة. قد يبدو أمرا مثيرا للشفقة ولكني غُمِرت فعلا بما يشبه “السعادة”. وأدركت شيئا: عليّ في هولندا أيضا أن أخوض شجارات أكثر. محمد بنزاكور، مجلة هومانيست (الإنساني) إستعمل حساب الفايسبوك للتعليق على الموضوع