بوريطة: الكرة في ملعب الإتحاد الأوربي للدفاع عن الشراكة مع المغرب ضد الابتزاز (+فيديو)        انعقاد مجلس للحكومة يوم الخميس المقبل        "الاتحاد المغربي للشغل" يقدم للحكومة ملاحظاته على مشروع قانون الإضراب ويرفض تقييد وتجريم هذا الحق الدستوري    بعد رفض المحامين الدفاع عنه.. تأجيل محاكمة "ولد الشينوية"    نظام الجزائر يرفع منسوب العداء ضد المغرب بعد الفشل في ملف الصحراء    البنك الدولي: المغرب يتصدر مغاربيا في مؤشرات الحكامة مع استمرار تحديات الاستقرار السياسي    الاتحاد الإفريقي يعتمد الوساطة المغربية مرجعًا لحل الأزمة الليبية    وسط صمت رسمي.. أحزاب مغربية تواصل الترحيب بقرار المحكمة الجنائية وتجدد المطالبة بإسقاط التطبيع    انتخاب عمدة طنجة، منير ليموري، رئيسا لمجلس مجموعة الجماعات الترابية "طنجة تطوان الحسيمة للتوزيع"    برنامج الجولة الخامسة من دوري أبطال أوروبا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    الشرطة توقف مسؤولة مزورة بوزارة العدل نصبت على ضحايا بالناظور    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    جماعة أكادير تكرم موظفيها المحالين على التقاعد    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز 'بوينغ 787-9 دريملاينر'    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء        تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    تيزنيت: شبان يتحدون قساوة الطبيعة وسط جبال « تالوست» و الطريق غير المعبدة تخلق المعاناة للمشروع ( فيديو )    لماذا تحرموننا من متعة الديربي؟!    النفط يستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين بدعم من توترات جيوسياسية    إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام        استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    رياض مزور يترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي        انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القدس العربي : الحسيمة المغربية مدينة الزرقة والزلازل والخزامى
نشر في أريفينو يوم 16 - 07 - 2018

غيرت اسمها عبر التاريخ واحتفظت بذاكرة ليست كرائحة «الخزامى» ولا كعبق الهواء الممزوج بملح المتوسط وشيء من غابات الصنوبر. تغيرت العهود والوعود وبقي دفتر التاريخ المفتوح بها تفوح منه رائحة الألم وتزاحم عطر الخزامى. دفتر مفتوح على من يضيف به سطورا. هي مدينة هادئة، لكن هدوئها لا يعني المهادنة. مدينة يغلب عليها الأزرق والأبيض وتذوب ألوان البحر والسماء على خدود جدران ديارها، لكن سلام ألوان الجدران لا يعني استكانة ساكنيها، مدينة بشواطئ فاتنة لكنها تصحو وتنام على حكايات الجمر الحارقة. إنها مدينة الخزامى أو «الحسيمة» هادئة تقف واثقة على أرض زلزالية.
هي القلب النابض للريف، تقع شمالي شرقي المغرب، عيونها على البحر الأبيض المتوسط، محاطة بسلسة جبال سميت جبال الريف، كانت عنوان أغاني عديدة عن الملاحم والمقاومة والصمود وعن الألم والأمل. أغان جعلت من الجبل موضوع إبداع وهو يحتل جزءا مهما في التراث الريفي الذي تتغنى به الحسيمة، وليس فقط الحسيمة، فكلما قال أحد في المغرب جبال الريف صدح في أذنه غناء سعيدة فكري «يا جبال الريف، علاش تكذبي وتباني قدامي فرحانة» بمعنى يا جبال الريف لماذا تكذبين وتتظاهرين أمامي بالفرح؟
قصص خلف الاسم
تأسست مدينة الحسيمة على يد الاستعمار الاسباني سنة 1927 عقب توقف حرب التحرير التي كانت بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي. يقول علي الإدريسي المؤرخ أنه أطلق على المدينة في البداية اسم «بيا سان خورخو» تكريما للجنرال الاسباني اسان خورخو الذي نجح في إنزال قواته البحرية على شاطئ الموقع.
وسميت الحسيمة في بداية الاستقلال ب»بيا الحوسيماس» والحوسيماس اسم اسباني لجزيرة النكور، المستعمرة من اسبانيا منذ عهد السلطان المولى إسماعيل سنة 1673. وهي تقع قرب قرية أجدير، مسقط رأس الخطابي البعيدة 8 كيلومترات إلى الجنوب الشرقي للحسيمة. ويقول الإدريسي مضيفا، أنه في سنة 1957 أطلق المغرب المستقل على المدينة اسم «الحسيمة» ورسمها عاصمة لإقليم منطقة الريف الأوسط ولا تزال.
واختلف المؤرخون والباحثون حول اشتقاق الاسم الحالي، الحسيمة، فقد يكون مشتقا من الحسم الذي يعرف به أهل الإقليم، بل كل الريف، حسب الإدريسي وقد يكون مشتقا من نبتة الخزامى التي تشتهر بها المنطقة، وهناك من يقول أن «الحسيمة» هي تحريف لكلمة «المزمة» وهي مدينة ريفية ساحلية قديمة كانت تقع بالقرب من موقع الحسيمة الحالي، ويعزز ذوو هذا الافتراض فرضيتهم بكون بعض الكتابات الأجنبية، خاصة الاسبانية حينما تتحدث عن مدينة النكور المقابلة لمدينة المزمة وسمتها بينو دالحسيماس.
معنى آخر للريف
لا يحمل اسم الريف في المغرب الدلالة نفسها في الشرق التي تحيل على القرى الجانبية للحواضر. الريف في المغرب منطقة في شماله معروفة بسلسة جبال وعرة وقمم شاهقة وغطاء نباتي كثيف، وهو موطن جزء هام من المغاربة الأمازيغ الذين يسمون «ريافة» ولسانهم هو الريفية وهي أحد مكونات اللغة الأمازيغية التي أقرها دستور سنة 2011 لغة رسمية للبلاد إلى جانب العربية. ويمتد الريف جغرافيا بين مضيق جبل طارق ومدينة طنجة غربا إلى حدود الجزائر شرقا مع محاذاة البحر الأبيض المتوسط وجنوبا تتداخل المنطقة مع سهول الغرب ثم سايس وصولا إلى مناطق المغرب الشرقية. وتعد الحسيمة من أهم حواضر الريف إلى جانب تطوان والناظور، وطنجة يختلف الباحثون في نسبتها للريف.
تعد الحسيمة قلب الريف الأوسط وهو مفتوح على الواجهة المتوسطية ويبلغ عدد سكان المدينة وحدها حوالي 55 ألف نسمة، وإقليم الحسيمة ككل حسب معطيات إحصاء 2014 يصل عدد ساكنته إلى 399654 نسمة وهو ما يمثل 11،2 في المئة من السكان على الصعيد الوطني. ويتوزع السكان بشكل غير متوازن بين المجالين الحضري والقروي وبلغت نسبة التمدن في الريف 34،4 في المئة مقارنة 59،9 في المئة على المستوى الجهوي و 60،4 في المئة على المستوى الوطني.
مدينة الهدوء
قدر المدينة الهادئة أن تقع جيولوجيا فوق أرض تعرف نشاطا زلزاليا متواصلا، وآخر زلزال كبير كان سنة 2004 وتسبب في مأساة إنسانية كبيرة، إذ خلف آلاف القتلى والجرحى. وسياسيا أن تعيش على سلم مضطرب مع السلطة المركزية ودرجات التوتر قد تعرف انخفاضا لكنها لم تختف لأن الماضي عالق في الذاكرة وما زال يخط جزءا من فصول الحاضر، فصول اتسمت بهزات اجتماعية وسياسية مستمرة.
«ارتبط اسم الحسيمة ومناطق الريف عموما باعتزازهم الكبير بمقاومة الاستعمار منذ 1909 إلى 1912 مع الشريف محمد أمزيان، ومع الخطابي بين 1920 و1926، وانبعاث جيش التحرير مجددا في جبال الريف سنة 1955 لدحر الاستعمار. مما أرغم فرنسا على إعادة السلطان محمد الخامس إلى عرشه، بعد أن كانت قد عزلته ونفته إلى مدغشقر»، يقول المؤرخ والباحث علي الإدريسي ويضيف أن «وجود الريف في صدارة منهجية التحرير أقلق أعوان الاستعمار وورثته في دولة وسلطات المغرب المستقل، فهمش وأقصي من كل ما له علاقة بمزايا دولة الاستقلال».
ويقول الادريسي ل»القدس العربي» في سلسة أحداث وشمت ذاكرة الريف «فبعد أن اتهموا سنة 1958 بعدائهم للملك وبنزوعهم للانفصال، مما نجم عنه هجوم عسكري على الريف بمساعدة فرنسا ترأسه الراحل الحسن الثاني حينما كان وليا للعهد، لم تتوقف الذاكرة النازفة في ذلك التاريخ بل كانت الساكنة سنة 1984 على موعد آخر مع الألم الجماعي بعد التدخل العنيف في حق المظاهرات التي نشبت في مجمل المناطق المغربية، وكان أن نالت ساكنة الريف نصيبا وافرا من التنكيل وصل حد التوصيف القدحي لهم من طرف أعلى سلطة رسمية على شاشات التلفزيون. الملك محمد السادس فتح صفحة جديدة مع الريف منذ صيف 1999 وزار أقاليمه مرات عدة خاصة بعد زلزال الحسيمة سنة 2004. اعتقد المغاربة أن مصالحة حقيقية ستتم بين مكونات الأمة المغربية والمخزن، واعتقدوا أن دولة المؤسسات ستحل محل المخزن، حيث أعطى تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة الأمل القوي في ذلك، خاصة أن رئيسها كان من ضحايا سنوات الجمر والرصاص» يقول الإدريسي مشيرا للاستقبال المنقطع النظير الذي كانت ساكنة الريف تخص به الملك محمد السادس أثناء زياراته «وكان يتجول بحرية بين الرعايا الذين أحسوا معه لأول مرة بأنهم مواطنون» متسائلا عما الذي حدث حتى «انبعث المخزن من تحت رماده على الرغم من دستور2011»؟ مشيرا للأحداث الأخيرة والغليان الذي تعيش على إيقاعه منطقة الريف خاصة بعد الأحكام الأخيرة الصادرة في حق معتقلي الحراك.
شواطئ تنتظر عودة عاشقيها
والواقع لا يرتفع وجمال الطبيعة والشواطئ الأخاذة في الحسيمة لا يغير واقع الحزن الذي يعم المنطقة والذي كان له أثر على واقع السياحة الذي يعد النشاط الأساسي في المنطقة إلى جانب الصيد البحري وعائدات الجالية المقيمة في الخارج. وينتظر السكان هذا الصيف بداية دخول المهاجرين لخلق رواج اقتصادي، فإلى حدود بداية الأسبوع الماضي دخل 1341 مهاجرا عبر ميناء الحسيمة، ويفترض حسب المعهود في المدينة أن يرتفع الرقم تدريجيا، غير أنه حسب إفادات بعض الساكنة فالمهاجرون يسألون ذويهم عن المحاذير من الدخول للحسيمة خاصة بالنسبة لنشطاء الحراك في المهجر.
وتعرف المدينة عادة رواجا اقتصاديا مرتبطا بالسياحة الموسمية في فصل الصيف بفضل عودة المهاجرين. هي سياحة، لكنها تندرج في إطار صلة الرحم وزيارة الأقارب، لأن «السائحين» هم أبناء المنطقة، غير أن زيارتهم لذويهم تعود بالعملة الصعبة على المنطقة. وقبل مقتل بائع السمك محسن فكري في تشرين الأول/اكتوبر 2016 كان هناك أيضا نوع من السياحة الداخلية شجعتها الزيارات الملكية للمدينة، تراجعت منذ اندلاع الحراك والملك لم يزر المدينة.
ما يغري بالسياحة الداخلية في الحسيمة شواطئها التي تعد من أفضل الشواطئ في المغرب: شاطئ كيمادو وكنابوليتا والصفيحة وتلايوسف وشاطئ بوسكور الذي يزوره الملك، والسواني وأيسري. في حين ما زال الاشتغال على متحف الريف ساريا وهو من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ويتابعه المجلس الوطني لحقوق الإنسان ويعود تأخر إنجازه، حسب مصدر من المجلس، لأسباب مرتبطة بالسيولة المالية وعدم التزام شركاء الجهة والمجلس الإقليمي ووزارة الثقافة.
ويعد السردين المشوي الطبق الأكثر طلبا في الحسيمة، فهو في هذه المدينة من أجود ما تجود به واجهتا المغرب البحريتان من أسماك، وكانت وزارة الصيد البحري تقيم مهرجان السردين في الحسيمة غير أنها توقفت عنه خلال السنتين الأخيرتين.
المهرجانات الفنية هي الأخرى عرفت تراجعا، ومنها مهرجان جمعية «الريف للتنمية والتضامن» وآخر مهرجان تم تنظيمه كان قبل اندلاع الحراك. ويروج حديث عن رغبة اتصالات المغرب في تنظيم مهرجان فني في المدينة غير أن حالة الترقب بعد الأحكام تجعله في عداد اللايقين. وحالة الترقب هاته سمة عامة تحيا على وقعها شواطئ المدينة ومهرجاناتها المؤجلة وكل الساكنة التي ترقب بعيون الأمل عما إذا كانت الأيام المقبلة ستلوح بأفق تنفرج فيه الأحزان، وتعود المدينة إلى سابق عهدها المفعم بالحيوية في الصيف، فهل تحمل رياح بحر الحسيمة عطر خزامى أم رائحة زلزال جديد؟
سعيدة الكامل/ القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.