أعادت الأحكام القضائية الثقيلة الصادرة في حق عدد من معتقلي حراك الريف، والتي بلغت 20 عاماً لدى بعضهم، النقاش السياسي والقانوني في المغرب حول إمكانية العفو الملكي على هؤلاء الشباب، بعد انتهاء جميع مراحل التقاضي، بينما أطلق آخرون عرائض إلكترونية تطالب البرلمان بإصدار قانون العفو العام على معتقلي الريف، طبقاً للصلاحيات الدستورية المخولة له. وجاء في العريضة الرقمية، الموضوعة على موقع “آفاز” العالمي، أنه، طبقا للظهير رقم 107.16.1 المؤطر لقانون العرائض، “فإننا كمواطنين مغاربة نطالب البرلمان المغربي بإصدار قانون عفو عام على المواطنين المدانين في قضايا حراك الريف”. وقد أثارا هذه الدعوات والنقاش جدلاً قانونياً ودستورياً حول مسطرة طلب العفو بالمغرب، خصوصا أن هذه المسألة تبقى مجالاً محفوظاً للملك. وسبق للملك محمد السادس أن أصدر، بمناسبة الذكرى ال18 لعيد العرش، عفوه عن مجموعة من المعتقلين “الذين لم يرتكبوا جرائم أو أفعالا جسيمة في الأحداث التي عرفتها منطقة الحسيمة، اعتبارا لظروفهم العائلية والإنسانية”؛ ولكن كان ذلك قبل صدور الأحكام الابتدائية في حقهم. فهل يملك العاهل المغربي صلاحيات العفو قبل انتهاء مراحل التقاضي، أي مرحلتي الاستئناف والنقض؟. مصطفى السحيمي، الخبير في القانون الدستوري، قال إن الفصل ال58 من الدستور المغربي ينص على أن ملك البلاد كشخص يحق له وحده إصدار عفو ملكي عن المعتقلين في أي وقت يشاء؛ أي يُمكن له أن يصدر عفوه من يوم غد أو انتظار مرحلة الاستئناف والنقض أو عدم إصدار أي عفو على هؤلاء الشباب. ومن الناحية السياسية، يرى المحلل السحيمي أن الجو العام في البلاد “لا يُساعد على إصدار عفو ملكي على الزفزافي ورفاقه وطي صفحة ملف الريف”، مضيفاً: “لا أعتقد من وجهة نظري الشخصية وليس القانونية أن يُصدر رئيس الدولة عفواً على المعتقلين بالنظر إلى ثقل الملف وحجم التهم المتابعين بها.. نحن نتحدث عن مئات الضحايا من الشرطة”. وأوضح السحيمي، ضمن تصريح لهسبريس، أن ملف معتقلي حراك الريف “ليس بملف سياسي بسيط، بالرغم من أن المنفذ القانوني والدستوري لطي الملف موجود”، مورداً: “بعد صدور العفو الملكي، هناك من سيتساءل من رجال الشرطة المعطوبين ومن بعض القضاة عن ما جدوى إجراء محاكمة دامت لحوالي سنة؟”، بتعبيره. ويعتقد السحيمي أن العفو الملكي من شأنه أن يُظهر ضعف الدولة في مواجهة حراك الريف، متابعاً: “هناك من سيقول إن حركة معينة انتصرت في نهاية المطاف على السلطة والحكم في البلاد، بالرغم من أن الحكم الصادر فعلاً قاس، ونتمنى إعادة دراسته في الاستئناف حيث يُوجد قضاة مخضرمون يدرسون الملفات على مهل”. أما إمكانية تدخل البرلمان المغربي لإصدار عفو عام على معتقلي حراك الريف، يوضح الباحث في الفقه الدستوري أن “الفصل ال71 من الدستور يُخول فعلاً للبرلمان إصدار مقترح قانون متعلق ب”العفو العام”؛ ولكن بعد انتهاء مراحل التقاضي جميعها، بخلاف الصلاحيات التي تخول للملك العفو عنهم في أي وقت يراه مناسباً”. “أعتقد أنه لا يُمكن للبرلمان أن يصدر قانونا للعفو على معتقلي حراك الريف بدون موافقة الملك على هذه المسطرة بالنظر إلى طبيعة الحكم في المغرب، والتي تمنح أسبقية العفو إلى الملك وبعدها يمكن المرور إلى مرحلة التشريع”، يُضيف السحيمي. وكانت شخصيات سياسية ومدنية قد ناشدت الملك محمدا السادس لإصدار أوامره بالعفو على معتقلي حراك الريف. يُشار إلى أن ناصرا الزفزافي وعددا من رفاقه المعتقلين كانوا قد رفضوا التقدم بطلب للعفو الملكي، بعد زيارة وفد حقوقي حاول إقناعهم بالانخراط في هذه الخطوة حتى يتسنى لهم الاستفادة من العفو الصادر في ذكرى عيد العرش السابق، والذي استفادت منه الناشطة في حراك الريف والفنانة سليمة الزياني، المعروفة ب”سيليا”.