تقديم كتاب الصحراء المغربية أرض النور والمستقبل بدوسلدورف ألمانيا    من المسؤول عن تعطيل عملية تسليم الشقق للمنخرطين في مشروع القدس 1 المنتهية أشغاله بودادية النجاح للسكن بأكادير    المنتخب المغربي يصل إلى فرانسفيل    السياحة المستدامة والتحول الرقمي محور الدورة الثالثة لملتقى المقاولة بالحسيمة    "الفعل الاجتماعي" في المغرب .. مسؤولية الحكومة وانتظارات المواطن    المغرب والسعودية يتفقان على تسهيل عملية ترحيل المحكوم عليهم بين البلدين    مسؤول برئاسة النيابة العامة يوضح النطاق المحمي بمقتضى قانون الصحافة وموجبات تطبيق القانون الجنائي    الولايات المتحدة.. ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    جهة الداخلة تعزز الشراكة مع إسبانيا    هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة غدا الخميس بعدد من أقاليم المملكة    باليراريا" تنقل فرق مغربية ومعدات شفط المياه لدعم جهود الطوارئ في فالنسيا            رقم قياسي.. المغرب استقبل 14.6 مليون سائح حتى متم أكتوبر الماضي    أمن العيون يطيح بشبكة إجرامية تنشط في سرقة الأسلاك الكهربائية    تقرير: 16% فقط من المغاربة يعيشون حياة "مزدهرة" و69% يفكرون في تغيير وظائفهم    جمعية ثاويزا آيث شيشار تكتشف و ترصد دولمن مدفني بجماعة بني شيكر يعود لألاف السنين    لجنة المالية تصادق على مركزية الأجور والمناصب المالية وصفة موظف عمومي لمهنيي الصحة        المغرب يستقبل أكثر من 14 مليون سائح في 10 أشهر    في لقاء إعلامي قبل التوجه إلى الغابون : الركراكي يؤكد أن المنتخب الوطني يشهد تنافسية كبيرة وزياش يغيب بسبب ضعف الجاهزية    شاحنات مغربية تصل إلى إسبانيا للمساهمة في إزالة مخلفات "دانا" بفالنسيا    المغاربة يواصلون الاحتجاج ضد الإبادة في غزة ومطالب بتوضيح حكومي حول سفينة متجهة لإسرائيل    لأول مرة.. "حزب الله" يعلن استهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب    تقديم 21 شخصا أمام وكيل الملك بتارودانت على خلفية أحداث شغب مباراة هوارة وأمل تزنيت    المغرب يحتضن المرحلة الأولى من الدوري الإفريقي لكرة السلة    أخنوش يبرز تجربة المغرب في "كوب29"    فيضانات جديدة تجتاح جنوب وشرق إسبانيا    هذا ما قرره وكيل الملك بتارودانت في حق المتورطين في أحداث شغب ملعب هوارة    بعد قطع عملية الإعدام الأولى .. إعدام رجل شنقا "للمرة الثانية"    "ذي غارديان" تتوقف عن نشر محتوياتها على "اكس"    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (الجزء2 فيديو)    بمناسبة اليوم العالمي لداء السكري…كيف نقي أنفسنا من داء السكري؟ غزلان لحرش تجيب عبر "رسالة24"    الركراكي يستدعي رضا بلحيان لتعويض أمير ريشاردسون المُصاب        ملف الطالب بدر يعود للمحكمة وهذه تفاصيل أولى الجلسات    صندوق النقد الدولي يشيد ب"التقدم المطرد" الذي يحققه المغرب    الدوري السعودي يضم 7 لاعبين بين أعلى الأفارقة أجرا عالميا ب 2.9 مليون إسترليني أسبوعيا    وليد الركراكي: لن نبكي على أحد.. من يريد تمثيل المغرب عليه بالصبر    حميد زيان ينهي تصوير الشريط التلفزيوني "بنت العم"    فيلم "مورا يوشكاد".. يجوب قاعات السينما المغربية ويكشف مآساة الاستغلال القسري للعمال المغاربة بفرنسا    واقعة الصفعة تحيل الفنان عمرو دياب إلى محكمة الجنح    احتفاء بالمنتخب الوطني للملاكمة بعد احرازه بطولة إفريقيا بكنشاسا    فوز البريطانية سامانثا هارفي بجائزة بوكر الأدبية العريقة للعام 2024    اختبار أول شبكة اتصالات تجمع الذكاء الاصطناعي وتقنية الجيل الخامس    إفريقيا تعتمد اختبار "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    أسعار صرف العملات العالمية مقابل الدرهم .. التحليل الكامل    كابوس النظام الجزائري ماركو روبيو.. المرشح الأبرز لمنصب وزير للخارجية الأمريكية في إدارة ترامب    "أجيال" ينقل الجمهور إلى قطاع غزة    حملة توعية بضرورة الكشف المبكر عن سرطان الرئة    تقارير.. المغرب من أكبر مستوردي الأدوية الروسية في إفريقيا    دراسة: تناول الدهون الصحية يقلل من احتمالات الإصابة بالسرطان    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل مقاربة قرائنية لديوان” غنج المجاز” لجمال أزراغيد
نشر في أريفينو يوم 19 - 06 - 2011


توطئة:
تهدف المقاربة القرائنية أو التلفظية (L'approche déictique) إلى دراسة الخطاب الشعري في ضوء المعينات الإشارية ، أو قراءتها من خلال القرائن اللغوية، أومقاربتها عبر المؤشرات التلفظية التي تحدد سياق الملفوظ اللغوي واللساني. وهذه المعينات هي ضمائر الشخوص، وأسماء الإشارة، وظروف المكان والزمان، وصيغ القرابة، والتعابير الانفعالية الذاتية. ومن ثم، تنبني المقاربة القرائنية أو المقاربة “التلفظية” على دراسة سياق التلفظ وأطراف التواصل اللغوي، وذلك من خلال التركيز على ثلاثة مبادئ منهجية، وهي: البنية ، والدلالة، والوظيفة. ومن المعلوم أيضا أن هذه المقاربة القرائنية أو الإشارية أو التلفظية تمتح آلياتها من اللسانيات الخارجية ذات البعد المرجعي ، مع الانفتاح بشكل من الأشكال على التداوليات والسيميوطيقا النصية والخطابية. إذاً، ماهي المعينات الإشارية؟ وماهي أقسامها؟ وماعلاقتها بثنائية الذاتية والموضوعية، وثنائية الاندماج واللااندماج ؟ وما هي آليات المقاربة القرائنية أو ما يسمى أيضا بالمقاربة التلفظية؟ وكيف يمكن تشغيلها في الخطاب الشعري؟ تلكم هي الأسئلة التي سوف نحاول رصدها في موضوعها هذا.
أ- القسم النظري: مكونات المقاربة القرائنية
1- مصطلح المعينات:
تطلق عدة مصطلحات ومفاهيم على المعينات (déictiques) في الدراسات الغربية ، ومن بينها : القرائن المدجمة أو الواصلة (Embrayeurs) كما عند رومان جاكبسونRoman Jakobson ، أو الوحدة الإشارية (Index)عند شارل بيرسPeirce ، أو التعبير الإشاري كما لدى بار هيليل Bar- Hillel، أو المؤشر (indicateur)، أو دليل التلفظ (indice de l'énonciation)، أو القرائن الإشارية (schifters) باللغة الإنجليزية…
ويلاحظ أن غالبا ما يستعمل مصطلح المعينات(déictiques) مرادفا لمصطلح الواصل (Embrayeurs) ، على الرغم من كون المعينات مصطلحا عاما له دلالات خاصة ومتميزة عن مصطلح الواصل المرتبط بالسياق فقط؛ لأن مصطلح المعينات يشمل أطراف التلفظ، والسياق التواصلي للمتكلمين. كما يرتبط بالاستعمال الشفوي والتلفظي للخطاب، مع تشغيل الحركات والإشارات وإيماءات التعيين، وتوظيف وحدات التأشير الدالة على التعيين المكاني والزماني.
ومن المعلوم أن كلمة المعينات (déictiques) جمع لكلمة مفردة هي المعين الإشاري(déixis). وبالتالي، لا تأخذ هذه المعينات والقرائن الإشارية بما فيها: الضمائر، وأسماء الإشارة، وظروف الزمان والمكان، والصيغ الانفعالية، وأسماء القرابة… معناها إلا داخل سياق التلفظ،والتواصل، وفعل القول.
2- مفهوم المعينات:
يراد بالمعينات (déictiques) – لغة – الإشارة والتحديد والتعيين والعرض والتمثيل والتبيان والتأشير، وهو مشتق من كلمة “ديكتيكوس/ deiktikos ” اليونانية. ويراد بها – اصطلاحا- مجموعة من المرجعيات الإحالية المبنية على شروط التلفظ الخاصة وظروفه، كهوية المتكلم، ومكان التلفظ وزمانه(أنا- الآن-هنا). ويعني هذا أن كل ملفوظ يتكون من مرسل ومستقبل ومكان التلفظ وزمانه، وهذه المؤشرات السياقية هي التي تسمى بالمعينات أو القرائن السياقية. وبتعبير آخر، فالمعينات هي مجموعة من العناصر اللسانية التي تحيل على السياق المكاني والزماني لعملية التلفظ الجارية بين المتكلمين أو المتحدثين أو المتلفظين.
إذاًً، يقصد بالمعينات أو القرائن الإشارية تلك الكلمات أو التعابير أو الروابط أو الوحدات اللغوية التي ترد في ملفوظ كتابي أو شفوي تحدد الظروف الخاصة للتلفظ، وتبين الشروط المميزة لفعل القول، وذلك ضمن سياق تواصلي معين. ومن ثم، لا يتحدد مرجع هذه القرائن والمعينات الإشارية دلاليا وإحاليا إلا بوجود المتكلمين في وضعية التلفظ والتواصل المتبادل.
هذا، وتحيل المعينات على أطراف التواصل من: متكلم ومستقبل، ومرسل ومرسل إليه، بالإضافة إلى الضمائر المنفصلة والمتصلة(أنا-أنت- نحن-أنتم،ت، ها،…)، وأدوات التملك المتعلقة بضمير المتكلم وضمير المخاطب(كتابي، كتابك، كتابنا، كتابكم…)، وأسماء الإشارة(هذا-هذه- ذلك- تلك…)، وظروف الزمان والمكان(هنا-هناك-اليوم- الآن- البارحة- في يومين، هذا الصباح، إلخ…)، بله عن كل المؤشرات اللغوية التي تعين الشخوص والأشياء من قبل المتكلم.
ومن هنا، فالمعينات هي وحدات التلفظ ومؤشراته، تساهم في تحيين فعل التلفظ إنجازا وقولا وفعلا، وذلك عن طريق الضمائر، وأسماء الإشارة، وظروف المكان والزمان. وبالتالي، فالمعينات هي التي تعنى بتحديد مرجع الوحدات اللغوية أثناء عملية التلفظ والتواصل. ويحيل هذا المرجع على واقعية لسانية خارجية تسيج علاقة الدال بالمدلول. ومن ثم، فإبراز معنى الشيء أو تعيين هويته لا يمكن أن يتحقق إلا بمعرفة ظروف التواصل وشروطه المميزة. وإذا أخذنا على سبيل المثال هذا الملفوظ اللغوي:” سأذهب لأنام”، فإذا كنا نعرف بأن أحمد هو الذي قال هذه الجملة، فضمير المتكلم يعود عليه إحالة وسياقا ومقاما.أي: إن ضمير المتكلم هو أحمد. وإذا لم نكن نعرف متلفظ هذه الجملة، فلن نعرف بتاتا على من يعود ضمير المتكلم. وهكذا، يتبين لنا، بأن الضمائر تتحدد وتتبين دلالة وإحالة ومرجعا بوجود أطراف التلفظ والتواصل.
ويرى إميل بنيفنست(Emile Benveniste) في كتابه:” قضايا اللسانيات العامة” بأن المعينات تحدد اللحظة المكانية والزمانية الآنية أثناء لحظة التلفظ بضمير التكلم . وإذا تأملنا مرة أخرى هذه الجملة على سبيل المثال: ” قالت أسماء: سأسافر هناك غدا”، فأسماء مكون اسمي علمي يحيل على المتكلم، ولكنه ليس معينا؛ لأن المكون الاسمي لايشكل معينا إشاريا،في حين أن ضمير المتكلم يحيل على المتكلم”أسماء”، وتحيل كلمة ” هناك” على سياق تواصلي مكاني، بينما تحيل كلمة” غدا” على سياق تواصلي زماني. ومن هنا، لابد من استحضار السياق المكاني والزماني والشخوصي لتحديد المعينات والمؤشرات اللغوية. وبالتالي، يستلزم الحديث عن المعينات وجود أطراف التواصل، وفعل التلفظ، والمعينات، ووجود السياق.
3- الدراسات التي اهتمت بالمعينات:
ثمة مجموعة من الدارسين الغربيين الذين اهتموا بالمعينات والقرائن الإشارية على ضوء مقاربات متنوعة: نفسية، واجتماعية، وأنتروبولوجية، وبلاغية، وأسلوبية، ولسانية، وسيميائية،وتداولية…، منهم: إميل بنيفنست في كتابه:” قضايا اللسانيات العامة” ، وكاترين كيربرا أوريكشيوني في كتابها:”ملفوظ الذاتية في اللغة” ، وكريماص في كتابه:” موباسان: سيميوطيقا النص:تمارين تطبيقية” ، وفيليب هامون في كتابه:”سيميولوجية الشخصيات” ،وتزيتيفان تودوروف في كتابه:”الشعرية” ، إلى جانب بول ريكور Paul Ricoeur ، و رومان جاكبسون ، وييسبيرسين Jespersen، وكلود ليفي شتراوس ، وفينريش Weinrich ،وجان بياجيJean Piajet ، وشارل بالي Bally، وشارل فيلمورFillmore ، وفونديرليش Wunderlish ، وآخرين…
ومن الدارسين العرب الذين اهتموا بالمعينات الإشارية، لابد من ذكر محمد مفتاح في كتابيه:” في سيمياء الشعر القديم” و” تحليل الخطاب الشعري” ، وعبد المجيد نوسي في كتابه:”التحليل السيميائي للخطاب الروائي” ،…
4- آليات المعينات أو التعبيرات الإشارية.
يقصد بالمعينات أسماء الإشارة، والضمائر المتصلة والمنفصلة، وظروف الزمان والمكان. وبتعبير آخر، ما يشكل صيغة: أنا، الآن، هنا. كما يمكن الحديث أيضا عن ألفاظ القرابة (أبي، وأمي، وخالي…)،وصيغ الانفعال والتعجب، وصيغ الحكم والتقويم الذاتي.
ويمكن الحديث بصفة عامة عن معينات المتكلم أو المتلفظ، ومعينات المستقبل أو المخاطب أو المرسل إليه أو المتلفظ إليه. فمن المعروف أن ضمير المتكلم يحدد هوية المتكلم، ويعين حضوره ووجوده سياقيا ومرجعيا أثناء عملية التلفظ والتواصل. ويتحدد ضمير المتكلم في صيغة المفرد ” أنا”، أو صيغة الجمع “نحن” اتصالا وانفصالا. كما يمكن الحديث عن معينات الفضاء التلفظي، وذلك عبر تشغيل ظروف الزمان والمكان. ويمكن أن نضيف إليها المعينات التعبيرية سواء أكانت صيغا للتعجب أوالتأثر أوالانفعال، أم صيغا للحكم والتقويم سلبا أو إيجابا.
5- أنواع المعينات وأقسامها:
يمكن الحديث عن نوعين من المعينات والقرائن الإشارية، فمنها ما يتعلق بالعوامل أو أطراف التلفظ والقول(actants)، و هناك ما يتعلق بظروف التواصل والتلفظ والقول والكلام (circonstants). فمن ثم،تحيل معينات العوامل على المرسل والمرسل إليه، أو المتكلم والمستقبل، وتسمى بالمعينات الذاتية (embrayeurs subjectifs)، أو تسمى كذلك بالمعينات الشخوصية أو الضمائرية (embrayeurs personnels). أما المعينات الثانية، فتحيل على ظروف التلفظ وسياقه التواصلي الخارجي، ويمكن تقسيم هذه المعينات السياقية بدورها إلى معينات مكانية (embrayeurs locatifs) ، والتي تسمى كذلك بالمعينات الفضائية (embrayeurs spatiaux)، ومعينات زمانية (embrayeurs temporels).
ب- القسم التطبيقي: القرائن الإشارية في ديوان”غنج المجاز”:
من يتأمل ديوان “غنج المجاز” للشاعر المغربي جمال أزراغيد، فإنه سيخرج بانطباع أولي يتمثل في أن هذا الديوان الشعري يطفح كثيرا بالقرائن الإشارية التي تدل على حضور الشاعر في الزمان والمكان. ويؤكد هذا مدى اندماج الشاعر وتجذيره سيميائيا في الفضاء التواصلي مقالا ومقاما وسياقا، وحتى القصائد التي تضعف فيها الأنا والذات، فتتوارى وراء ضمير الغائب والضمير اللاشخصي (ضمير الغياب)، سرعان ما تنتهي بحضور الذات كما في قصيدة” أريج الثناء”، والتي استعمل فيها الشاعر ضمير المخاطب من بداية القصيدة حتى نهايتها، إلا أنه طعمها بالتلفظ الذاتي التواصلي (أنت في مقابل أنا) ، والصيغ الانفعالية (ياحامل الحرف، ما أسعدك!)، وصيغ التحية والشكر (السلام عليك). ويعني هذا أن الشاعر ، في قصيدة:”أريج الثناء”، يستعمل ضمير المخاطب مشيدا برجل التعليم في عيده السنوي، وفي ذلك إحالة واضحة على حضور الشاعر المرسل، وذلك باعتباره ذاتا وأنا حاضرة .
و سنحاول – الآن- مقاربة قصيدة شعرية من ديوان” غنج المجاز” ألا وهي قصيدة” مقاطع في الحرب” ، وذلك بغية اختبار المقاربة القرائنية تصورا وممارسة من جهة، وبنية ودلالة ووظيفة من جهة أخرى.
1- المعينات التواصلية الذاتية:
تنقسم المعينات التواصلية الذاتية إلى معينات الذات أو المرسل ومعينات المخاطب أو المرسل إليه. ويعني هذا أن ثمة قرائن إشارية دالة على حضور المتكلم وحضور المخاطب على حد سواء.
 قرائن الذات أو المرسل:
تتكون قصيدة ” مقاطع في الحرب” من عشرين مقطعا شعريا مرقما، ويعني هذا أن هذه القصيدة الشعرية مقطعية من حيث الفضاء النصي والبصري. ويتضح لنا من خلال العنوان أن القصيدة مبنية على تشاكل سيميولوجي يتمثل في ثنائية السلام والحرب أو ثنائية الحب والكراهية . ومن ثم، ترتبط هذه القصيدة الشعرية الطويلة بالذات الشاعرة المرسلة والمتكلمة حضورا واندماجا وتجذيرا في الزمان والمكان. ويتمثل حضور الشاعر في هذه القصيدة عبر مجموعة من القرائن التعبيرية والوسائط اللغوية التلفظية، والتي يمكن حصرها في القرائن الإشارية التالية:
 الضمائر المتصلة: يستعمل الشاعر مجموعة من الضمائر المتصلة الدالة على حضور الشاعر، وذلك باعتباره متكلما ومبدعا ومرسلا، كاستعماله للتاء المتحركة (التقيت- صمت- همست- كدت-…)، وياء المتكلم (حدثتني- ضدي- عني- يتجرعني- تكفيني-…)، ونا الدالة على الفاعل الجمعي(جنينا- استرحنا- …)، أو نا المجرورة الدالة على الاسم الجمعي (لنا- منا-… ).
 الضمائر المنفصلة: يستخدم الشاعر أيضا الضمائر المنفصلة الدالة على الحضور الكلي للشاعر مقالا ومقاما، وذلك على مستوى السياق التواصلي الذي يستوجب حضور كلا من المتكلم والمخاطب. ومن بين هذه الضمائر المنفصلة التي يستعملها الشاعر نستحضر: الضمير الجمعي (نحن الشعراء-…).
 أفعال المضارعة: تؤشر الأفعال المضارعة الدالة على زمن الحاضر، والمقترنة بضمير التكلم، سواء أكان ذلك تفريدا أم جمعا ، على حضور المتكلم المرسل داخل السياق التواصلي لعملية التلفظ الشعري، كما يبدو لنا ذلك واضحا عبر هذه الأفعال المضارعة التالية: (ألبس- نتقاسمها- أتنحى- أقتل-…).
 صيغ القرابة: تقوم صيغ القرابة على تأكيد حضور الشاعر باعتباره مرسلا ومتكلما، ومن أمثلته في القصيدة:( أمي- جارتي- صديقي- عدوي…).
 صيغ التملك: تعمل صيغ التملك على تثبيت حضور الشاعر والمبدع في السياق الفضائي والتواصلي، والاستدلال على ذاتيته الإبداعية، وإثبات إنيته وكينونته الوجودية ، وذلك باعتباره مرسلا ومتكلما وذاتا حاضرة على مستوى التلفظ والتواصل ، كما في الأمثلة التالية: ( هويتي- قلبي- غاويتي- موتي- صوتي- نومي- شباكي- صمتي- رايتي- علتي- جسدي.)
 الموجهات أو أفعال الجهة: تساهم أفعال الجهات (Verbes modaux) أو الأفعال الوسائطية الدالة على الشك واليقين والافتراض والقدرة والوجوب والإرادة والعلم على تأكيد حضور الشاعر مقاما وسياقا، وذلك باعتباره متكلما ومرسلا وذاتا حاضرة في عملية التلفظ ، كما في الأمثلة التالية: ( ما أظن هذه الأوطان إلا من جسدي-…).
 صيغ التقويم والحكم: تحضر الذات المتكلمة عبر صيغ التقويم والحكم سواء أكان ذلك الحكم محايدا أم إيجابيا أم سلبيا، ومن الأمثلة التي يمكن استحضارها في هذا النطاق الأحكام المحايدة: (العالم قرية صغيرة)، والأحكام السلبية (الحرب كبيرة قد تستغرق بعض الخيانة- الأرض ملغمة بالحروب- البلاد حرب وحدود- لأن الحرب بمنامتها الرخيصة- كل الحروب ملعونة ولو في صميم الجنة- ما الحرب إلا شهقة الغباء على نجوم الكبرياء- حقيقة الحرب: كؤوس شظايا وأقواس احتمال…)، والأحكام الإيجابية (الجنة مملوءة بالشهداء- الحرب نظيفة بلغة عدوي-…).
 الصيغ الانفعالية والتعبيرية: تعبر صيغ الانفعال والتعجب والتأثر على حضور المتكلم المرسل تجذيرا واندماجا داخل عملية التلفظ الإبداعي. ومن الأدلة على ذلك الصيغ التعبيرية التالية: (ما أقسى الحرب في زمن الخمر!- ما أدمى سكرها في لسعة الوميض!…).
 قرائن المخاطب أو المرسل إليه:
يستوجب منطق التواصل داخل الإبداع الشعري وجود متكلم مرسل ومتلق مرسل إليه. ويعني هذا أن عملية التلفظ داخل كل قصيدة شعرية يحضر فيها المتكلم والسامع لتحقيق عملية التبليغ، وتفعيل عملية التواصل، وتبادل الإرساليات. ويحضر المرسل إليه أو المخاطب عبر مجموعة من القرائن الإشارية والوسائط اللغوية والتعبيرية، والتي يمكن حصرها بدورها في الوسائل اللغوية التالية:
 الضمائر المتصلة: ثمة كلمات ترتبط بها ضمائر التكلم المتصلة تؤكد وجود المخاطب وحضوره التلفظي داخل سياق القصيدة الشعرية ، مثل: (استرحتم- عليكم- تعليكم- بربك- …)، وتقوم هذه الضمائر كما يرى رومان جاكبسون بالوظيفة التنبيهية والتأثيرية والإبلاغية.
 صيغة الفعل: تدل بنية الأفعال بضمائرها وصيغها الصرفية والمورفيمية على حضور المخاطب السامع ذاتا وشخصا، وتجذيره سياقيا في الزمان والمكان، سواء أكانت تلك الأفعال أفعالا مضارعة مرتبطة بضمير المخاطب (يجيئك)، أم أفعالا أمرية تقترن بدورها بضمائر الخطاب مثل: (ترقبي- تمهل- خففي-….). وتنتقل هذه الصيغة الفعلية من زمن الحاضر مع الفعل المضارع إلى زمن المستقبل مع فعل الأمر.ويعبر هذا عن تأرجح الذات بين حاضر الحرب والألم ومستقبل السلام والحب.
 صيغ التملك: ثمة مجموعة من صيغ التملك التي تشير إلى وجود المخاطب السامع داخل القصيدة الشعرية، وذلك في تفاعل تلفظي وتداولي مع المتكلم المرسل: ( بابك…).
 صيغ النداء: تدل صيغ النداء في اللغة العربية على حضور المخاطب أو المنادى سواء أكان ذلك المنادى المذكور نكرة مقصودة أو علما معرفة أو شبيها بالمضاف أو مضافا إليه، وذلك داخل عملية التلفظ التواصلي، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك: (ياصديقي- أيها العراة- ياجارتي-.أيتها الحرب).
ويلاحظ أن الصيغ الدالة على المخاطب أقل بكثير من الصيغ اللغوية الدالة على حضور المتكلم أمرا وانفعالا وتعبيرا؛ ويعني هذا أن المتكلم يمتلك سلطة تواصلية عليا ، وذلك بالمقارنة مع سلطة المتلقي المخاطب الذي لا يملك سوى سلطة الإنصات والخضوع والتلقي والسماع والانتباه. كما يؤشر هذا على الحضور البارز للذات المتكلمة ، وذلك من خلال التمركز الذاتي، وتضخيم الأنا البؤرية داخل النسيج النصي.
هذا، وتحيل صيغة الخطاب على مجموعة من العوامل الحاضرة داخل عملية التلفظ النصي، والتي يمكن حصرها في: الغاوية، والصديق، والجارة، والحرب، والعراة…
2- المعينات السياقية:
ثمة مجموعة من القرائن الإشارية التي تشكل النسق التواصلي لعملية التلفظ القائمة بين الذات المتكلمة والذات المخاطبة. وتدل هذه القرائن الزمانية والمكانية على حضور المتكلم والمخاطب جنبا إلى جنب استحضارا أو إضمارا. ويمكن تصنيف القرائن السياقية إلى نوعين من القرائن: القرائن الإشارية الزمانية، والقرائن الإشارية المكانية.
 القرائن الزمانية:
تعمل القرائن الإشارية الزمانية على تأطير عملية التواصل داخل نطاقها الزمني، كما تعبر عن اندماج المتكلم والمخاطب معا داخل الزمن النصي والتلفظي والتواصلي. ويكون التأشير الزمني بواسطة الظروف الزمانية (الآن- اليوم- غدا- …)، أو أسماء الزمن (مقتل العمر)، أو الصيغ الزمانية المجردة ( زمن الحرب- ارتعاشة الربيع- زمن الخمر- شرنقة النهار).
 القرائن المكانية:
تحدد القرائن الإشارية المكانية الإطار المكاني الذي تجري فيه عملية التواصل والتلفظ، وتواجد كل من المتكلم والمخاطب ، سواء أكانت تلك المعينات ظروفا للمكان (الكتب سائحة بين الأوطان- اتجاه الشرق )، أم أسماء للمكان (المقهى )، أم أفعالا مكانية (أينما توطنت أسدد موتي )، أم صيغا مكانية مجردة ( العالم قرية – الأرض ملغمة بالحروب- غرفة نومي- وحشة المدن- الوطن- الطريق- الأوطان – ساحة قلبي).
ونستنتج ، مما سبق ذكره، أن الذات المتكلمة والذات المخاطبة حاضرتان داخل النص الشعري في الزمان (الآن – اليوم- زمن الحرب….)، والمكان (الوطن- الشرق- أرض الحرب- وطن الموت- مقهى الغواية-…). ويعني هذا أن الشاعر ومخاطبه حاضران في وطن الحرب ، وذلك في زمن الحرب والخوف والقتل والموت، مستشرفا غد السلام والحب والحرية والأمان والاستقرار. ومن ثم، يحمل النص لسانيا إيديولوجية حب السلام، ونبذ الحرب. وهكذا، فإنه يستحيل في بعض الأحيان – كما تقول كاترين أوريكشيوني-، وهي تتحدث عن القرائن الإشارية :” الوصف المناسب للأداء الكلامي دون الاهتمام بمحيطها غير الكلامي. بشكل عام، لا يمكن دراسة المعنى دون تحديد صلته بالمرجع. ولا يمكن تحليل القدرة اللسانية بتفريغ القدرة الإيديولوجية التي تنتظم عليها، ولا يمكننا وصف الإرسالية دون الاهتمام بالمقام الذي تأسس عليه، والنتائج التي تهدف إليها.”
ومن هنا، يتضح لنا بأن هذه القصيدة الشعرية المقطعية مرثية للوطن المسبي، وتعبير صارخ عن رفض الشاعر للحرب الملعونة التي تزرع الموت والخراب والدمار في زمان الموت والرعب والخوف والارتعاش، وذلك داخل الأوطان المحاصرة بالكراهية والعدوان ولغة القتل والنبذ.
3- المقاطع الذاتية والمقاطع الموضوعية:
نعني بالمقاطع الذاتية داخل القصيدة الشعرية تلك المقاطع التي تحضر فيها الذات المتكلمة أو الذات المخاطبة ، وذلك عبر الصيغ اللغوية والقرائن والمؤشرات والمعينات الدالة على الحضور والاندماج والتجذير في الزمان والمكان. في حين، أن المقاطع الموضوعية هي التي يغيب فيها ضمير المتكلم أو تغيب فيها الذات المتكلمة والذات المخاطبة، حيث يتحول ضمير التكلم في المقطع الشعري إلى ضمير الغياب أو ما يسمى بالضمير اللاشخصي. لأن ضمير المتكلم يدل على حضور الشخص في الزمان والمكان ضمن عملية التلفظ التواصلي ، بينما ضمير الغياب يدل على غياب الشخص في الزمان والمكان، ويعبر أيضا عن اللااندماجه داخل القصيدة الشعرية.
هذا، ويلاحظ أن المقاطع الذاتية أكثر بكثير من المقاطع الموضوعية، حيث نجد أن هناك خمسة عشر (15) مقطعا شعريا ذاتيا (1- 2- 5- 6 – 9-10-11-12-13 – 14- 15- 16- 18- 19- 20)، وذلك في مقابل أربعة (4) مقاطع ذاتية (3- 4- 8-17). ويؤشر كل هذا على ضمور ضمير الغياب اللاشخصي أمام اكتساح ضمائر التكلم لمعظم مقاطع القصيدة الشعرية، والتي تعبر عن الاندماج والتجذير والتواجد داخل عملية التلفظ التواصلي.
4- البنية العاملية والسياق التواصلي:
مادمنا نتحدث عن السياق التواصلي للبنية التلفظية، فلا ضير من الحديث عن البنية العاملية داخل هذه القصيدة الشعرية المقطعية، وذلك من خلال استحضار الضمائر والأزمنة والأمكنة. وبالتالي، يمكن لنا الحديث عن ذاتين متقابلتين: ذات متكلمة مرسلة وذات مخاطبة مستمعة ومتلقية (المرسل إليه) . فالذات الأولى هي ذات الشاعر التي تتوارى وراء ضمائر التكلم، وصيغ التملك، وصيغ القرابة، وأفعال المضارعة والحضور، والصيغ الانفعالية، وأفعال الجهات، وصيغ التقويم. أما عن الموضوع المرغوب فيه، فهو الاحتكام إلى الحب في زمن الحرب والجنون والغواية والمجون والخمر والقتل والموت والعبث:
كلما
التقيت غاويتي بالمقهى
حدثتني عن مغزى الحب في زمن الحرب
صمت صمت الورد ووسع الرماد
همست لها : قريبا؛ ترقبي قلبي
قد يجيئك
برصاصة
في مقتل العمر.
بيد أن ثمة مجموعة من المعيقات التي تقف في وجه الذات العاشقة البطلة (الشاعر)، وذلك في سعيها لامتلاك موضوعها الأثير لديها (حب الوطن)، كما يتجلى ذلك واضحا في هذين المقطعين الشعريين اللذين يحيلان على حب الوطن:
- 16 -
ما صحة الوطن
حين تحفره الحرب بإزميل الردى
في رمشة ضوء؟
حين يتجرعني بحر الرصاص
في أوج الندى؟
هل تكفيني قهوة أمي
-هويتي-
كي أرمم الطريق إلى علتي؟
- 19-
بربك؛ أيتها الحرب خففي قعقعة الخراب
ما اظن هذه الأوطان
إلا من جسدي…
وتتمثل هذه المعيقات المعاكسة في الحرب بكل مفرداتها المشينة: (الغواية- القتل- الموت- أزيز الرصاص- -العسكر- القنابل- الحرب كبيرة- القسوة- زمن الخمر- الحدود- العراة- الضحايا- الكبرياء- شظايا الموت- الحريق- لسعة الوميض- الذبح- القوة- النار- الكتب المدججة بالقنابل- الخيانة- أرض ملغمة بالحروب- المذياع- الغباء- الظمأ- النياشين- الشرنقة- إزميل الردى- قعقعة الخراب-…). في حين ، تتمثل العوامل المساعدة للذات في المفردات التالية: (العالم قرية صغيرة- يمام- صديقي- جنة الشهداء- هديل حمام يطير- الشعراء- الشمس…). أما الذات المعاكسة داخل القصيدة الشعرية ، فتؤشر عليها مجموعة من الدوال اللغوية ( غاويتي- التتار- العسكر- الجند- عناكب النار والتتار- عدوي- موزع النياشين…).
بيد أن المرسل الحقيقي الذي يتحكم في هذا التركيب العاملي يتمثل في السلام، في حين يتمثل المستفيد في الشعراء، والمتواصلين، والأصدقاء، وأبناء الوطن، كما يدل على ذلك مجموعة من المقاطع النصية التالية:
-2-
الآن…
ماذا جنينا
من أسرار الحرب
وخطوات العسكر في ارتعاشة الربيع
إلا كلاما على أسرة تخجل من عريها…
- 6-
الحرب
تدق
بابك…يا صديقي
تمهل، ربما
عيون العالم تفيض يماما.
-7-
السفن تمخر في اتجاه الشرق
وخيول القصب
تغرق
في الرمل
ما أقسى الحرب في زمن الخمر!
بل إن المستفيد أو المرسل إليه هو العالم قاطبة الذي تحول اليوم إلى قرية صغيرة:
- 4 -
العالم قرية صغيرة
لكن الحرب كبيرة
قد
تستغرق بعض الخيانة
ويمكن تشخيص هذه البنية العاملية في الخطاطة التالية:
المرسل(السلام) الموضوع(الوطن) المرسل إليه (أبناء الوطن)

المساعد (الحب ) الذات (الشاعر)المعاكس (الحرب والعدوان)
ويتبين لنا من خلال استقرائنا لدلالات النص بأن الحقول المعجمية والدلالية التي تزخر بها القصيدة الشعرية تنحصر في حقل الذات، وحقل الحب، وحقل الحرب، وحقل الطبيعة، وحقل السلام، وحقل المكان، وحقل الزمان، وحقل القيم…ويمكن إجمالها في تشاكل دلالي وسيميائي يتمثل في ثنائية الحرب والسلام أو ثنائية الحب والكراهية. ويعني هذا أن الحرب عداوة وكراهية. بينما السلام حب وأمان. ومن ثم، فالبنية الدلالية العميقة المولدة للقصيدة على مستوى السطح والظاهر تتجلى في ثنائية الحرب والسلام. ويعني هذا أن القصيدة الشعرية تتأرجح بين واقع الحرب وأمل السلام. وبتعبير آخر، تتردد بين حاضر الحرب والكراهية وغد السلام والحب.
لذا، سيكون المربع السيميائي لهذه القصيدة الشعرية مبنيا على العلاقات المنطقية التالية:
1- علاقات التضاد: الحرب والسلام
2- علاقات شبه التضاد: اللاحرب واللاسلام ؛
3- علاقات التناقض: الحرب واللاحرب ، والسلام واللاسلام ؛
4- علاقات التضمن: الحرب واللاسلام، والسلام واللاحرب.

تركيب استناجي:
نستنتج، مما سبق ذكره، بأن المقاربة القرائنية هي التي تدرس الخطاب الشعري، وذلك في ضوء المعينات التلفظية، والقرائن الإشارية، والسياقات الزمانية والمكانية. ويعني هذا أن القصيدة لا يمكن فهم معناها، وتمثل سياقها الخارجي والتداولي، إلا بالتركيز على عمليات التلفظ القائمة على أطراف التواصل والسياق الفضائي. و قد تبين لنا بكل وضوح بأن هذه المقاربة القرائنية واللغوية تسعفنا كثيرا في تحديد نظام التواصل، ومعرفة سياقه التداولي الخارجي، بالإضافة إلى التمييز بين ماهو ذاتي وماهو موضوعي، ومعرفة خاصية الاندماج واللااندماج على المستوى السيميائي، وتبيان مختلف العوامل التركيبية التي تتحكم في تشكيل البنية الدلالية الخطابية، مع استخلاص البنية التوليدية المنطقية التي تكون سببا في توليد النص الشعري إن تفكيكا وتركيب، وإن سطحا وعمقا.
القسم الثالث: الملاحق الشعرية
 نص الملحق الأول: (قصيدة”أريج الثناء”)
ياحامل الحرف
تأبط ورد عيدك الأممي
وأوقد شموع القلب والفرح
في موسم، سنابله مثقلة
بأريج الثناء
اسرع الخطو نحو البهاء
فالفلذات تبتغي
عطفا
وجهدا
من يدك اليمنى
الواقفة شارة جلال
تخط عددا
أو حرفا تتلبسه شمس
تنفض أشعتها على مهل
تجيز للبلاغة أن تترجل بين الصفوف
وأن تفسح فصاحتها
للراغبين في الذهاب إلى المدى.
ياحامل الحرف
اسرج حروفك البهية
للسعي عاليا
راضيا
عافيا
نحو فصل يهيج نورا
لما استوقده من مصابيح
تحمد ربها
الذي
أوقد إليها رسولا
فاصدع بما لقنت من معارف وعلوم.
أنت وحدك، تعود
بمنتهى الخطى
كل مساء
محياك منبت الأفراح
خطاك كلمات ترن نغما
وصحبك ملائكة
تترجاك فكرا
وقوفا وتبجيلا.
ياحامل الحرف، ما أسعدك!
القمر يأتيك، وأنت مازلت
تنقب في بياض الورق
وأسرار الكتب
عن لغات
تتنامى
رفقة أقلام تبتني منائر
تضيء السبيل على الأبرياء بكرة وأصيلا.
يا حامل الحرف
السلام عليك
إذا فاض العلم من يديك
وانتثر ألوان قوس قزح على اللوح
المرصع بعقود الفلق
فكنت القائد الأنيق
الأليق
في مجمع العيون المشرئبة إلى النجاح
فاكهة النجبة
على الريق
كنت السفين الذي يشق عباب الضلال
بأبجدية
تنثال على مرأى القرى والمدن
علامة
تحد المنتهى.
كنت المثل
لمن يقرأ الطريق
نحو الأعالي
السلام عليك ياحامل الحرف
ها أنت اليوم ترقى المشتهى
فاغنم من التحايا والهدايا
مايرد الشظايا
إن باغتتك في أوج المنايا…
الناظور/المغرب 2010م
 نص الملحق الثاني: (قصيدة ” مقاطع في الحرب”):
-1-
كلما
التقيت غاويتي بالمقهى
حدثتني عن مغزى الحب في زمن الحرب
صمت صمت الورد وسع الرماد
همست لها: قريبا؛ ترقبي قلبي
قد يجيئك
رصاصة
في مقتل العمر
-2-
الآن…
ماذا جنينا
من أسرار الحرب
وخطوات العسكر في ارتعاشة الربيع
إلا كلاما على أسرة تخجل من عريها…
-3-
الكتب سائحة بين الأوطان
مدججة
بفصول يرقمها أزيز الرصاص
بحروف تقنبل سدة الأوهان
ماجدوى الحرب
إن لم تبتن خريطة للعميان.
- 4 -
العالم قرية صغيرة
لكن الحرب كبيرة
قد
تستغرق بعض الخيانة
-5-
الأرض ملغمة بالحروب
أينما توطنت أسدد موتي
- 6-
الحرب
تدق
بابك…يا صديقي
تمهل، ربما
عيون العالم تفيض يماما.
-7-
السفن تمخر في اتجاه الشرق
وخيول القصب
تغرق
في الرمل
ما أقسى الحرب في زمن الخمر!
-8-
المذياع
يتوقف عن نشر الأخبار
إذا
ماشاع أن الأرض ثابتة
لامحالة
ستهتز لو نفق النور
في عاصفة النار.
-9-
استرحنا
استرحتم…
فيما البلاد حرب وحدود.
-10-
الجنة مملوءة بالشهداء
ماذا تبقى
لنا نحن الشعراء
-11-
ما كدت
ألبس عرف الديك
حتى خار صوتي في ثرثرة القمم
لأن الحرب بمنامتها الرخيصة
خرجت
من غرفة نومي
تصيح: ويحكم أيها العراة.
-12-
ما الحرب
إلا شهقة الغباء على تخوم الكبرياء
فأي منا ضحية..
فأي منا بقية..
-13-
حقيقة الحرب:
كؤوس شظايا وأقواس احتمال
ظمأ
نتقاسمها
في غبش الحريق
ما أدمى سكرها في لسعة الوميض!
-14-
اليوم..
مامر
تحت شباكي المفتوح على جبهة الرحيل
غير ساع يوزع النياشين
على جند
تقدموا قسم الحرب
في زحمة البلد
حيث يذبح شلال صمتي بقوة ضدي
إذا… مالون رايتي ياجارتي؟
-15-
لا خوف عليكم
من عناكب النار والتتار
قد تنمحي
من شرنقة النهار لو شع صوته في وحشة المدن
شارة شمس
تعليكم
حد الخيار
-16-
ما صحة الوطن
حين تحفره الحرب بإزميل الردى
في رمشة ضوء؟
ماقيمته
حين يتجرعه بحر الرصاص
في أوج الندى؟
هل تكفيني قهوة أمي
-هويتي-
كي أرمم الطريق على علتي؟
-17-
كل الحروب ملعونة
ولو في صميم الجنة
-18-
الحرب نظيفة
- بلغة عدوي-
من يصدقها تتسخ نواياه
من يكذبها تتسخ بقاياه
-19-
بربك؛ أيتها الحرب
خففي قعقعة الخراب
ما أظن هذه الأوطان
إلا من جسدي…
-20-
بأي ذنب اتنحى
بأي ذنب أقتل
وساحة قلبي هديل حمام يطير…
(الناظور/المغرب2003م)
الهوامش:
- Emile Benveniste: Problèmes de linguistique générale 1, ED, Gallimard, Paris, 1966, p.253;
2 – Benveniste, E: Problèmes de linguistique générale2, ED, Gallimard, Paris, 1974,
3- C.K.Orecchioni: L'ennonciation de la subjectivité dans le langage, Paris, Armand Colin, 1980;
4 -Greimas: Maupassant ,la sémiotique du texte: exercices pratiques,éditions du Seuil,Paris 1976,p:8-263;
5 – فيليب هامون: سيميولوجية الشخصيات، ترجمة: سعيد بنكراد، دار الكلام، الرباط، الطبعة الأولى سنة 1990م؛
6 – تزفيطان تودوروف: الشعرية، ترجمة: شكري المبخوت ورجاء بن سلامة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1987م؛
7 – Paul Ricoer: La métaphore vive.Seuil, Paris, 1975, p.98,
8 – R.Jakobson: Essais de linguistique générale, Minuit, Paris, 1963;
9 – Levi-Strauss: Antropologie structrale, Plon, Paris, 1958;
10-Weinrich Hharold: Le temps, Seuil, Paris, 1973;
11- Bally :( Les notions grammaticales d'absolu et de relief), In: essais sur le langage, Minuit, Paris, 1969, pp:189-204;
12- Fillmore :( Deictic categories in the semantics of come),Foundations of language 2,1966,pp:219-227;
12- Wunderlish, Dieter: (Pragmatique, situation d'énonciation et deixis), Langages, 26, juin1972, pp: 34-58;
13- د. محمد مفتاح:في سيمياء الشعر القديم، دار الثقافية، الدار البيضاء، الطبعة 1989م؛14
14- د.محمد مفتاح: تحليل الخطاب الشعري، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى سنة 1985م، ص:151؛
15- د. عبد المجيد نوسي: التحليل السيميائي للخطاب الروائي، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2002م؛
16- جمال أزراغيد: غنج المجاز، شركة مطابع الأنوار المغاربية، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2011م؛
17- جمال أزراغيد: غنج المجاز، ص:15-24؛
18- كاترين أوريكشيوني: فعل القول من الذاتية في اللغة، ترجمة: محمد نظيف، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2007م، ص:11؛
19- جمال أزراغيد: غنج المجاز، شركة مطابع الأنوار المغاربية، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2011م، ص:111-115.
شارك
أضف تعليقا
Click here to cancel reply.
الإسم (مطلوب)
البريد الإلكتروني (لن ينشر مع التعليق) (مطلوب)
الموقع الإلكتروني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.