الخوف من الحرية سياسة يروجها المستبد لا مسؤولية بدون حرية متى يستغني المواطن المغربي عن عصا المستبد؟ الحاجة إلى الطرح الإسلامي الحقيقي للتعددية التعددية ثقافة تحتاج إلى ترسيخ الدولة الحديثة في التصور الإسلامي يحكمها النظام وليس الأفراد أفول التعددية في الغرب بحث عن ميلاد جديد خلاصة الطائفية تخدم الإستبداد وتسوّغ مشروعية بقائه، ليظل المواطن في حاجة إلى عصاه باستمرار.هذا إذا ظل شعباً لا يتقن الحوار ليستوعب مفهوم التعدد الثقافي، والديني، واللاديني، والسياسي، ليقبل بعضه كما هو. وتلك أحد أهم أسس النظام الديمقراطي. فالتغيير مرهون باللحظة التي يتوصل فيها الشعب المغربي إلى استيعاب مفهوم المواطنة بدلاً من مفهوم القبيلة (الطائفة) التي صانها الإستبداد إلى ما بعد الحداثة، ليصفوا له الجو طالما ظل الشعب ممزقاً لا يتقن لغة الحوار. الخوف من الحرية سيا سة يروجها المستبد يتخوف فريق من المثقفين فضلا عن عامة الناس من مستقبلٍ تغيب فيه العصا الغليظة، لكون المجتع المغربي ينبق من أنسجة مختلفة، لم تتعلم تلك الأنسجة بعدُ الإنسياق مع بعضها لتشق طريقها نحو التوافق الديمقراطي والوعي التعددي. تصوّر لحظة يغيب فيها الأمن مثل ما حصل أثناء الزلزال الأليم بمنطقة الحسيمة قبل تسع سنوات حيث استُغلت اللحظة التي غابت فيها العصا الغليظة للنهب، ليس لإغاثة ملهوف أومساعدة منكوب. يستطيع المتخوف استحضار الكثير من الأمثلة مما يثبت أننا أمام تحد من هذا النوع يكاد يستحيل أن يسودنا النظام الديمقراطي الذي يتحمل فيه الفرد مسؤوليته، كمواطن يحسن الإختيار إذا أتيحت له فرصة الإختيار. منهم من يوعز هذه الأزمة إلى الأمية التي جعلت النضج السياسي منحصراً في النخبة. بينما يتخوف البعض الآخر من جحيم الطائفية النائمة. ثم الإسلاميين المختلفة توجهاتهم، من متصوفين ومعتدلين وسلفيين، وتحت كل توجه من هذه تندرج توجهات أخرى متعددة القناعات. ثم اللائيكيين الذين لا يريدون على الإطلاق مساهمة الدين في صناعة السياسة. على هذا الأساس يرى المتشائم أنه لا تصلح لنا إلا قوة الحديد والنار كما هو الحال، على غرار قول المتنبي: لاتشتري العبد إلا والعصا معه * إن العبيد لأنجاس مناكيد. لكن إلى أي مدى يُعد هذا التصور صحيّاً ومعقولاً؟ لكونه تصور يتضمن كثيراً من الإهانة للمواطن المغربي؟ المجتمع المتحضر لا يحتاج فيه الناس أن ينظمهم أحد في كثير من المواقف بالعِصيّ. حيث يحترم الجار جاره وتترك فيه البيوت مفتوحة على مدى أربع وعشرين ساعة، والسيارات أمام البيوت مفتوحة أيضاً لا تحتاج لحراسة. نعم لا توجد دولة ليست فيها شبكات الإجرام التي تلعب بالأمن، لكن بلادنا لها وضع خاص فيما يتعلق بالأمن والفساد السياسي والإداري وهكذا. فالموظف الذي يختلس من وقت وجوده في الإدارة، لا يختلف عن ذلك الناهب للبيوت أثناء الزلزال، أو أثناء وضع سياسي تغيب فيه الشفافية، فوجه الشبه بينهما هو استغلال كل منهما غيابَ العصا الغليظة. فالموظف الغير الأمين يفتقر إلى وعي المواطنة والشعور القوي بالمسؤولية تجاه وظيفته، تماماً مثل ذلك الناهب للبيوت عندما تغيب العصا. تصور كيف تصبح مدينة ما في المغرب نقية عندما يعلن الملك عن زيارتها وكيف يحضر الموظفون إلى مكاتبهم في الوقت المحدد كانك في دولة متحضرة، إنها العصا الغليظة التي يحتاج إليها كبار المسؤولين فضلا عن صغارهم. بل متاهات لاحد لبداية خطها ولا أين ينتهي، إلا إذا قطع رأس الفساد واستأصل من جذوره. وهو أمر لم يبدأ فيه النقاش الصريح بعد على الساحة. وهذا هو طبع من يعيش تحت ضلال الإستبداد. الإنتقال من ثقافة الإستبداد إلى ثقافة التعددية يمثل فيما يبدو تحدياً للمجتمعات التي فتحت عيونها على الإستبداد ورضعت ألبانه. وهذا يجعلنا في حاجة أكثر فأكثر لحوارات اجتماعية، حول المسكوت عنه حتى وإن كانت تلك الحوارات مرطونية. ” كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض1 “. الهدف أن يسفر الحوار الإجتماعي عن ما ينفع الناس وليس عن ما ينفع الإسلاميين أو العلمانيين او البوذيين. الهدف في هذا السياق هي أن نرسخ في وعينا فضاء تعددياً كافياً يشكل صمام الأمان للجميع. فمن خلال دفاعي عن حريتك أضمن بذلك حريتي. لا مسؤولية بدون حرية الإرث الثقيل الذي نتحمله هو: أن الحرية (التي تنبثق عنها المسؤولية) لم تكن يوماً عنصراً حاضراً في التربية ولا في التعليم عندنا، بل كانت ولا تزال هناك العصا الغليظة بكل أشكالها هي الحاضرة. لوكانت الحرية منذ البداية تشكل العنصر المركزي في تربيتنا سواء في البيت أم في الشارع أم في المدرسة ما تخوفنا اليوم من غياب الإستبداد الذي لا نرى في غيره الأمن والأمان و به نحتمي. إذ تم ربط الأمن بالإستبداد حيث لايمكن فصل الواحد عن الآخر. حيث يضعنا اليوم الإستبداد أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الإستبداد وإما إن يذيق بعضكم بأس بعض. فمن طبائع الإستبداد عند عبد الرحمن الكواكبي أن يفتعل الحروب الأهلية والنعرات الطائفية يغذيها ويوظفها عند الحاجة ليظل الشعب باستمرار في حاجة إلى عصا المستبد، حيث لا يستقر الأمن إلا في ظلاله. والمستبَد به إنسان خانع خاضع لا يصلح لشيء لخموله وكسله، ينتظر الأوامر الفوقية دون أن يأخذ المبادرة ليبدع. لأنه تربى على الإصطياد في الماء العكر، فهو لا يصلح للحرية ولا تصلح له، فإذا ما وجد فجوة من الحرية أساء استعمالها وسقط للتو في الرذيلة والإختلاس. هنا يحلو للمستبد أن يثبت للرأي العام أن الجرذان لا تصلح لهم إلا العصا الغليظة، إنهم مفسدون في الأرض، ليسوا بتلك الأمة المتحضرة الراقية، بذلك يسوِّغ سحق كل من سولته نفسه أن يتحدث عن الحرية، بل يقر المستبَد بهم (الضحية) أنفسهم أننا لسنا في مستوى الحرية وبالتالي لا نحسن تحمل المسؤولية ولا الإختيار. وهذا وعي خطير يجب أن يتغير في وعي المواطن المغربي، لأن الحرية هي الأصل في الإنسان وليس الإستبداد. فالإنسان استعبد بعد ما ولد حراً كما تعلمنا من قول عمر. حتى صرنا نخاف من الحرية والتعددية، ونرى التعددية طائفية، والمناظرة السياسية فوضى، والتقاليد البائدة ديناً، والخنوع تواضعاً، والفقر والتهميش قدراً مقدوراً. بعدما شاهدنا فضائل الحرية عند بقية العالمين، ومطمورة في ثراثنا أدركنا أن فضيلة الحرية هي الطريق إلى الإبتكار والإبداع والإحساس بالمسؤولية الفردية والجماعية. ليست هناك حرية دون الوعي الكامل بالتعددية، وأن أكون مقتنعاً بحرية الآخر الذي يخالفني على طول الخط. وأن أقتنع أن الذي يخالفني في القناعة السياسية والدينية له من الكرامة مثلي. لأن مساحة الحرية التي تتحرك فيه أنت حي ذاتها التي سيتحرك فيها اللاديني فدافع عنها ودافع عن لادينيته. متى يستغني المواطن المغربي عن عصا المستبد؟ نحتاج لبعض الوقت بالفعل في الوطن العربي على العموم – بعد سقوط الإستبداد وحكم الفرد – لنتدرب أكثر على الحوار وقبول الآخر، لنجعل مكان سقوط الأرواح كلمات. فالحوار إذا لم يحصل بالكلمات سيحصل بالقنابل والتفجيرات، والمدرعات. وهو نوع من الحوار الذي يجري في أغلب الأحيان وفي هذه الأيام، يتم بهذا الشكل عندما يعجز الناس أن يتحاوروا بالكلمات. إذ كثيراً ما يحدث الحوار بين الأفراد عندنا باللكمات مكان الكلمات. لهذا علينا أن نختار بين الطريقتين في الحوار. نكون في حاجة إلى الحوار عندما نختلف في الرأي أو المعتقد وطرق التفكير وضوابط التكفير. فريق يريد الحكم بما أنزل الله، وهو يرى في ذلك أن الله لايأمر إلا بحماية معتقد واحد وهو المعتقد الإسلامي. وفريق آخر قد يكون من أقصى اليسار يرى أن أولئك الملتحين وتلك النساء المحجبات والمنقبات مشكلة ينبغي التخلص منها لكونه مظهراً يتناقض مع أصل العلمانية التي هي شرط للديمقراطية في فهم البعض. لكن عندما يعترف هذا بوجود ذاك، ويقبله على ماهو عليه نكون قد استغنينا عن عصا الإستبداد وتكون مهمة المستبد قد انتهت، ليأخذ جحيمه ويرحل أنى يريد الرحيل. الحاجة إلى التصور الإسلامي الحقيقي للتعددية أزعُم أن الإسلام – في سياق الحفاظ على الدين في إطار مقاصد الشريعة – يحمى الديانات والمعتقدات والقناعات غير الإسلامية ويختلف معها في الوقت نفسه في أشياء. لكن يخولها الحرية الكاملة ليس فقط ليكون لها حق الوجود بل لتبدع، والإبداع لا يتم إلا تحت ظلال الحرية. هناك أسماء لامعة من يهود الأندلس لاتزال أعمالهم مرجعيات أساسية في اللاهوت اليهودي. هناك أطر يهودية ممن حدثتهم يتحسرون عن زمن الأندلس المعطاء مثل ما يتحسر المسلمون عن الفردوس المفقود لم يكن أولئك سادة الأندلس بل كانوا مواطنين أثناء الوجود العربي. فعندما يتشكل المجتمع بهذا التنوع العقدي والفكري واللاديني نحتاج آنذاك إلى خلق مسطرة كآلية نضبط من خلالها ما نريد الإتفاق حوله لنضمن من خلالها نقاطاً معينة، محددة غير فضفاضة، نجعلها سارية المفعول داخل مجتمعنا الذي نتعايش فيه. لتستمر المناظرة السياسية على مدار الزمن كثقافة يحتضنها التعليم الإبتدائي والتربية في البيوت، فضلا عن الإعدادي والثانوي والجامعي. على أساس أن تظل الفرصة سانحة لمن يقدم أحسن برنامج سياسي ينصف شرائح المجتمع بأطيافها المتعددة حيث لارئاسة للفرد الواحد والحزب الواحد مدى الحياة كما جاء على لسان الرئيس عندما أدركه الغرق. لكن لا نريدها أثناء الغرق بل نريدها ثقافة متجذرة في التربية والتعليم نتنفسها مثل الهواء. آنذاك سنكتشف قوة ثراء الثقافة المغربية، وسر التعددية والتنوع في الخلق. إن التراث لم تُستخرج بعدُ كنوزه وتبلور في دستور يعكس التعددية والحريات العامة التي يكفلها الإسلام للمواطن الإنسان، ليؤمن من شاء أن يؤمن، ويكفر من شاء أن يكفر. فالكرامة، وحق المواطنة، والتعليم والتمريض، لايتم تقسيمها على أساس العقيدة أو اللون أو الجنس أو اللغة، أو المكانة الإجتماعية لفلان وفلان، إنما الأساس في التكريم هو إنسانية الإنسان. التعددية ثقافة تحتاج إلى ترسيخ قد يرى البعض أن التعددية نتاج غربي لا ينتمي إلى ثقافتنا. الواقع أن لدينا شريحة ليست بالصغيرة لا تقبل الآخر الذي يخالفنا في العقيدة أو الإنتماء الحزبي والقناعة الفكرية، وهذا ليس خدمة للإسلام بقدر ما هو ضرب في صميم الإسلام الذي يجعل حماية الإنسان من مقاصده الغائية. لهذا يحتاج منا مفهوم التعددية إلى تأصيل في الثقافة العربية والتراث الإسلامي، تأصيل يجعل التعددية والتنوع في الكون والإنسان أمر من اختيار الخالق، من يرفضه إنما يرفض قواعد حتمية يتوقف عنها إستمرارية الحياة. لوأراد الله أن يخلق الكون على شكل واحد والإنسان على طبيعة واحدة والديانات على نمط واحد لفعل حيث لا يسأل عما يفعل. لكنه خلق الوجود على أساس تنوعي، فالتنوع البيولوجي ضرورة لاستمرار البقاء على هذا الكوكب. فالواحد هو الله وحده، وما عدا الذات الإلهية يقتضي منطق العقيدة الإسلامية أن يكون تعددياً لأن صفة الوحدانية خاصة بالله الخالق. لهذا تعتبر التعددية اصلا من أصول المعتقد الإسلامي وجوهره، حيث لا يمكن تصور عقيدة إسلامية لا ترى الحياة متعددة الألوان في كل مناحي الحياة. فالتنوع سنة إلهية لا محيد عنها. هذا في العقيدة التي يقوم عليها أصل الدين، ثم يأتي التشريع الذي يعد الإنسان هو النقطة المركزية في هذا الوجود من أجله قامت السموات والأرض وأرسلت الرسل. لكن قراءة التراث بالشكل الذي يبلور الحريات العامة لم تنطلق بعد إلا نادراً. لم تكن التعددية وحدها هي المنطقة المهمشة في الإستنباط الفقهي، إنما هي أزمة طالت الخريطة السياسية في الإسلام والإقتصادية والتعليمية، وأحياناً الأخلاقية. وخصوصاً مسألة تداول السلطة التي لم يهمشها الشرع وهمشها الفقهاء، غير مساهمات محدودة لأفراد تم تهميشها على مدار التاريخ لأنها لا تتمشى وسياسة الإستبداد الذي ارتبط بالدين فسهل تصنيف التيار المعارض في المروق عن الدين واحتوى مؤسسة الفتوى. لكن الزمن بدأ يكشف عن أوراق في عمق التراث العربي تبين الثقافة المعشعشة في العقل العربي. يوم أن يدرك المواطن هويته ويفهم ذاته لا يحتاج وقتئذ لمن يقوده مثل نعجة باسم الإسلام، ولا لمستبد يثبت له أن أمنه واستقراره مرتبطان باستبداده. التعددية لوحة فنية تتوفر على جميع الألوان التي تعطى للحياة معنىً متجدداً باستمرار. الدولة الحديثة في الوعي الإسلامي يحكمها النظام وليس الأفراد قد يستغرب البعض أن يصعد في مصر لفترة رئاسية رئيساً مصرياً مسيحياً يحكم مصر لفترة رئاسية. لأن حماية الإسلام أو المسيحية سوف لا تحصل من رئيس الحكومة أو رئيس الدولة كفرد، مسيحياً كان أو مسلماً، رغم كونه على رأس السلطة التنفيذية إنما الدستور هو الضامن، والقانون يتكفل بتوفير الحريات العامة على أرض الواقع العملي. ومؤسسات الدولة المدنية تمارس انشطتها على ضوء الدستور الذي ينبثق من التعددية. بدأ الإسلام مبكراً يعلم المسلمين هذه النظرية. تأمل معي هذا السيناريو: في غزوة أحد بعد ما شاع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل، فاختلطت الأمور على بعضهم وكفر من كفر، لأنهم لم يكادوا يستوعبون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكن أن يموت، فاستغل المناوؤون الفرصة وقال المنافقون لو كان نبياً ما مات وحدثت داخل المسلين ضجة فتبين لاحقاً عدم موت النبي لكنه جرح وكسرت رباعيته فنزل ضمن ما نزل في هذا الشأن: ” وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإيْن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم2 “. رغم ما في الهزيمة من إخفاق، فإن هذه الهزيمة ضمَّنها الله من الحِكم الكثير والكثير جداً ومن الأحكام التي ترتبت عن تلك الهزيمة التي ماكان لها أن تمر دون تقييم وتشريع. فكان من دروس هذ الإنكسار أن شخص محمد صلى الله عليه وسلم ليس من الضروري أن يظل بين المسلمين يقودهم إلى أبد الدهر إنما جاء ليبلغ رسالة ثم يموت كما يموت الناس. ” إنك ميت وإنهم ميتون” 3، أهم ما في الأمر أن تستوعب المسلمون ما جاء به كنظام وعقيدة. الأهم هو النظام والتعاليم التي جاء بها، وليس الشخص الذي أتى بها رغم ما له من مكانة عند الله الذي اختاره للمهمة الجليلة. لأن الأشخاص تأتي وتمضي، تحضر وتغيب، تصح وتمرض ثم تموت. فالمدير الفاشل هوالذي يربط كل أنشطة المؤسسة بشخصه، عندما يموت يموت معه النشاط والإنتاج وأخيراً تموت معه المؤسسة. فهو فاشل بكل المقاييس رغم الكثير مما يكون قد حققه لتلك المؤسسه. لكن المؤسسة الحديثة تربط النشاط بالنظام المعتمد وليس بفرد بهذا تستمر المؤسسة في العطاء بعد رحيل المدير. وهذا ما تلفت إليه النظر هذه الآية التي تؤسس لدولة (لمؤسسة) حديثة لا لدولة تظل تحت رحمة فرد أو أفراد يتحكمون في مصيرها ثم يتوارثونها أباً عن جد. ليس في الإسلام ذلك القائد الملهم الذي يخضع له كل شيء ويفصل في كل معضلة. إقامة العدل هو المقصد الأعلى لأن الأمور بمقاصدها، طالما ظل الخليفة – الفرد – دون مسطرة تحاسبه أو تعزله إذا جار. ولم تزل مشكلة تداول السلطة محل نقاش لم يفصل فيها الفقهاء، بل لم تطرح للنقاش أصلا في التراث العربي إلا على استحياء. إذ عدم الفصل بين السلط كان وراء كل بلاء. ومهما يكن من أمر فإن الخليفة فرد طالما استبد بالحكم، باستثناء الراشدين. رأي الجماعة لا تشقى البلاد به * رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها (حافظ إبراهيم). يبقى النظام الديمقراطي كآلية هو الطريق الوحيد والرهان الذي يجب أن تسعى إليه شرائح المجتمع بكل أطيافها. إذ هو النظام الذي يحرر السلطة من حكم الأفراد واستبدادهم. أفول التعددية في الغرب يبحث عن ميلاد جديد طالما كانت التعددية في الغرب مثالية لنا، ولا تزال، لكنها تمر اليوم بأزمة خانقة. وهي نقطة القوة التي يتحدث بها الغربيون في المحافل الدولية وورقات ضغط تستعمل عندما يحتاج لاستعمالها. لكنه حديث يصبح يوماً بعد يوم فارغاً من المضمون. سوف لا نكون نحن المسلمين الخاسر الأول في هذا الأفول. نعم نفقد في الغرب رويداً رويداً مساحة الحرية الدينية، لكن الخاسر الأكبر على المدى البعيد هو الغرب نفسه، الذي سيفقد هذه المصداقية. صعود اليمين المتطرف يجري في المجتمع الغربي جريان النار في الهشيم، يركب عليه المغرضون مسخرين الأحداث التي يقدمها لهم من يقومون بالتفجيرات مثل الذي قصم ظهورنا في مراكش مؤخراً. لأن مثل هذه الأعمال تعتبر في الغرب هدايا باهظة تقدم لليمين المتطرف في أوروبا على طبق من ذهب وهو المستفيد الأول والأخير منها. وهذا تحد لنا ولأوروبا التي يضعها هذا الأمر أمام خيارين هما: إلغاء التعددية بالغاء الحرية الدينية، (الإسلامية) باسم الدفاع عن الأصول العلمانية. الخيار الثاني: إعمال العقل وليس العاطفة في الفصل بين الإسلام والتفجيرات لحماية الحرية الدينية التي هي نقطة القوة في الدولة الحديثة وليس غيرها. فالتعددية هي قوة إنطلاق الدفع الحضاري لولاها ما كانت الثورة الصناعية، ولا النهضة الأوروبية قبلها ولا خرجت أوروبا من عهد الظلام إلى عهد الإبداع. ربيع الثورة العربية تجاوب مع روح الطبيعة الكونية التي تحدث عنها ابن خلدون. فإذا أفلت شمس التعددية في الغرب، ولا أخالها إلا آفلة، فإن المخاض قائم لتلد في الوطن العربي، كاملة غير منقوصة ولا عرجاء. “وتلك الأيام نداولها بين الناس4″. خلاصة يجب أن نطورثقافة التعددية من خلال تطويرنا لثقافة الحوار وقنواته، والمناظرة السياسية، فهي الآليات التي طالما أنتجت السياسة في الدولة الحديثة. فالرسول ألزمه الله سبحانه إلزاماً بأن يستشير مع أصحابه رغم تلقيه للوحي. يرى البعض أن الدولة الإسلامية لا رجوع فيها إلى الشعب – إلى الأمة، ناسياً أن الشعب هو أحد أهم مرجعيات التشريع. فالحكم على الوضع فرع عن تصوره، إننا لا نكاد نصور الوضع بشكل دقيق إلا عن طريق الحوار الإجتماعي مع الأفراد والمؤسسات. ولا يتم ذلك إلا بمشاركة جميع الأطياف في صناعة السياسة. عندما تقرأ الحاضر المغربي فإنك تلاحظ بالفعل ضيق الأفق لدى الكثير من الذين يريد كل منهم أن يفرض نموذجه الذي اقتنع به. هذا لا يخص الإسلاميين وحدهم، إنما حتى من اللبيراليين الحداثيين الذين يهاجمون الإسلاميين بعنف، وهذا سيشكل أزمة إذا غابت العصا الغليظة قبل أن تترسخ فينا ثقافة التعددية، فالمجتمعات الديمقراطية التي تربى فيها الفرد على الحرية يتحمل مسؤوليته دون أن تنزل فوق رأسه تلك العصا التي إن غابت غابت معها المسؤولية والإنضباط. والتصور الإسلامي في مقاصده العليا ليس له إشكال مع التعددية، لأن التعددية من منطلقات العقيدة. وسوف نخصص لاحقاً مقالا خاصاً لحماية الإسلام للتعددية. يبقى السؤال متى يثبت المواطن الواعي للمستبد، أن بإمكانه أن يرحل بعصاه الغليظة؟، وقد شب عمرو عن الطوق. إذ أضحى مواطناً في طريق النضج السياسي والإجتماعي والوعي التعددي. لأن التنوع الثقافي والديني واللغوي في المغرب ثراء يستحق أن نفخر به بعد سقوط الإستبداد. وهي نقطة قوة تحيا بالحرية وتموت بالإستبداد. والله ولي التوفيق سعيد أبجطيط 3 يونيو 2011 المملكة الهولاندية. [email protected]