هاجم أحمد عصيد، الناشط الأمازيغي والفاعل الحقوقي، بشدة، نهج المقاربة الأمنية التي واجهت بها السلطة احتجاجات حراك الريف، معتبرا أن الدولة اختارت الوسيلة الخطأ، عندما أقدمت على اعتقال الشباب الذين كانوا يقودون الاحتجاجات السلمية، مطالبين بتحسين شروط العيش الكريم، وتسريع إنجاز المشاريع التنموية بالمنطقة، وبذلك ارتكبت الدولة خطأ فادحا، حسب وصف المتحدث الذي كان يتحدث في لقاء افتتاحي لمهرجان "تويزا"، بطنجة، مساء أول أمس الخميس. وذكر أحمد عصيد بدور المثقفين المغاربة في أزمة الريف، قائلا إنه منذ بداية الاحتجاجات ساهم مجموعة من المثقفين في مبادرتين مدنيتين، الأولى هي "المبادرة الوطنية من أجل الريف"، أحدثت لجنة وقامت بزيارة ميدانية لمدينة الحسيمة، وأعدت تقريرا وقدمت توصياتها للسلطة، وتدخلت لكي تنفذ التوصيات، أما المبادرة الثانية فكانت في إطار "الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان"، والتي شكلت لجنة مستقلة قامت هي الأخرى بزيارة استطلاعية لعدة أيام لعاصمة الريف، وقدمت تقريرا قويا دافعت فيه عن حقوق السكان ضد غلو السلطة، وطالبت بسحب القوات العمومية من الشارع، وإطلاق سراح المعتقلين، واستكمال جميع المشاريع التنموية بالمناطق المهمشة. وفي موضوع اللقاء المفتوح الذي كان عنوانه، "أي دور للمثقف في ظل التحولات الراهنة"، عاب أحمد عصيد على السلطة في المغرب احتكار المعرفة، مشيرا في هذا الصدد إلى تجربة وزير الداخلية الأسبق، إدريس البصري، الذي كان يجمع المثقفين الخبراء في دواوين الوزارة لكي يقوموا بإنجاز دراسات وأبحاث من العيار الجيد، لكنها لم تكن توجه إلى العموم، وإنما يتم الاحتفاظ بها لدى السلطة بدعوى أنها سر من أسرار الدولة، وبالتالي يخلص عصيد إلى أنه لا يمكن في ظل هذه الظروف أن يخرج المجتمع من التخلف ويعرج نحو التقدم الديمقراطي. وفي حديثه عن الأسباب الكبرى لتراجع دور المثقفين، اعتبر عصيد أن المثقف تعرض للانتكاسة، بعدما أصبح يؤدي دراسات لفائدة مراكز متخصصة، ويتهرب من النقاش العمومي بدعوى أنه خاص بالسياسيين، فما حاجة المجتمع للمثقف إذن؟ يتساءل المتحدث، إذا لم يقم بأدواره في الانحياز للحق والعدل ولم يساهم في الرقي بالوعي الحقوقي والديمقراطي والإنساني؟. كما تأسف الناشط الأمازيغي والفاعل الحقوقي على أفول نجم المثقفين السياسيين، مثل الذين كانوا في طليعة حزبي الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي، في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة. من جهة أخرى، اعتبر الكاتب الفلسطيني، مدير نشر صحيفة رأي اليوم، عبد الباري عطوان، أن المثقف هو الذي يتواصل مع مجتمعه ويقف إلى جانب شعبه، ويعبر عن معاناته وينحاز لقضايا أمته، أما من يتحدث باسم السلطة ويدافع عن اختياراتها، فيجب أن يسحب منه توصيف المثقف، حسب قوله، لأن شرط المثقف هو الإبداع وهذا لا يتحقق في موقف الحياد، ولا في الانحياز لمواقف السلطة، يقول عبد الباري عطوان. وانتقد الكاتب الفلسطيني المال النفطي الذي طغى على العقول العربية واشترى مثقفيها، فأصبحوا إما منحازين لهذا الطرف أو ذاك، لكن ورغم ذلك فإن المثقف أحيانا قد يقول ما لا ينال إعجاب مجتمعه، وقد يتعرض لهجوم شديد، لكنه يجب أن يتمسك بآرائه التي يرى فيها مصلحة شعبه، وإن كانت مواقفه تشعرهم بالضجر والنفور، ويتسلح بالصبر على سهام النقد. ولم يخرج عطوان في مداخلته بنفس اللقاء، عن دفاعه عن نظرية المؤامرة الخارجية في الأحداث المتسارعة، التي عرفها الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ 2011 وإلى الآن، معتبرا أن مساراتها ومآلاتها المأساوية كانت بفعل التدخل الأجنبي، مثل ما حدث في ليبيا وسوريا، وعلى ضوء ذلك، حذر المتحدث المغاربة من الانجرار لبواعث الفتنة، دون أن يحدد بالضبط وجهة قصده، لكنه في المقابل شدد على ضرورة تمتين اللحمة الوطنية وتعزيز أواصر الوحدة الثقافية والإثنية، التي يتميز بها المغرب رغم تعدد روافده اللغوية والثقافية وتركيبته الإيديولوجية.