أسامة بن لادن إسم سيبقى راسخا بلا شك في الذاكرة الشعبية الأمريكية إلى الأبد ،كواحد من ألذ أعداء أمريكا على الإطلاق …الرجل الذي قضى نحبه برصاص الجيش الأمريكي مؤخرا بعد سنوات من المطاردة والملاحقة جندت لها القوة العاتية في العالم كل قواها العسكرية والإستخباراتية ،حتى أضحى لغزا محيرا وهدفا إستراتيجيا للإدارة الأمريكية …موت الرجل سينهي الحكاية المرعبة بالتأكيد لكن حكاية الرجل بالذات وليست تنظيم القاعدة …لقد فقدو بن لادن دوره الريادي منذ مدة عندما تحول إلى رمز بين أتباعه ورفاقه وبقاءه الجسدي على قيد الحياة ما كان ليشكل إضافة نوعية للتنطيم الذي أصبح مدرسة وأيديولوجيا تزرع أقكارها في عقول الملايين من البشر …القاعدة بحضور بن لادن أو بغيابه ستستمر لكن ستفقد دور الخصم الإستراتيجي لواشنطن في ظل التحول البطيء لميزان القوى الجيو _إستراتيجي لصالح العملاق الاسيوي :الصين وأمريكا لن تكون بالتاكيد اللاعب الاقوى الذي يقرر مصير السياسة الدولية . مهما عارضنا بن لادن واستعدينا أفكاره التي سببت ماسي للكثير من الشعوب وذهب ضحيتها أبرياء ،وساهم في تسميم وتلغيم العلاقات بين الإسلام والغرب وساهم بقوة بافكاره المتطرفة في تشويه صورة الإسلام عند الشعوب الأخرى فلا مناص من الإعتراف بكونه دخل التاريخ من بابه الواسع بل تحول إلى أسطورة شأنه في ذالك شأن الأسطورة الخالدة تشي غيفارا … بن لادن وتشي غيفارا ما يفرقهما أكثر مما يجمعهما … لكن الأهم أن ما يجمعهما هو بالتأكيد ما صنع منهما أسطورة… إن عقد مقارنة بينهما قد لا يجعلنا نفلح في ذكر كل أوجه الشبه والإختلاف بينهما …بن لادن إبن الأمير الذي ترعرع في الحرير وامتلك المال الوفير وألف حياة القصور ما كانت حياة الترف والبذخ هذه لتمنعه من التضحية بكل شيء من أجل ما يؤمن به من أفكار ، قصد أفغانستان التي عشقها وعشقته فجعلها المأوى الأخير بعدما حوصر وضغط عليه في عدة بلدان …هناك بارز وحارب عدوه اللذوذ ..أمريكا .ولم تستطع الأخيرة حسم النزاع ولا كسب الحرب رغم التفوق الكاسح في موازين القوى ،بل أبان ورفاقه وحلفاؤه في حركة طالبان عن إرادة لا تقهر وعزم لا يلين ،لدرجة أن أوباما كاد أن يعود بخفي حنين بعدما خطط لسحب القوات الامريكية من أفغانستان …وتبقى الفاجعة الكبرى والصفعة الموجعة على الإطلاق التي وجهها بن لادن لعدوه أمريكا تتمثل في هجمات 11 شتنبر ،الحادث الذي صدم العالم بأسره خلق زلزالا في السياسة الدولية وجعل أمريكا تعيد النظر في عقيدتها الايديولوجية وفي سياساتها الخارجية ،وتأكد لبوش أن التاريخ لم ينته كما تنبأ بذلك فوكوياما بل إن العالم يعيش صداما حضاريا وثقافيا عنيفا وما لم يفهمه بوش بالتأكيد أن بن لادن هو وليد الإستكبار والغطرسة الامريكية واحتقار الثقافات الاخرى والجور في إدارة دفة العلاقات الدولية …بعد الحادث الأليم عبأت أمريكا جهود كل دول العالم تقريبا لمحاربة هذا التنظيم ولإستئصال هذا الفكر ،خير بوش الجميع :إما معنا أو ضدنا،فأرغم بذالك دول العالم على إبراز نواياها الحقيقية والتخندق في خندقين لا ثالث لهما:خندق الغرب وأصدقاءه وخندق الإرهاب …مع تغيير في الأسماء وفي مرجعية التصنيف لم يكن بن لادن يرى بدوره العالم خارج هذا المنظور ،فالعالم وفق عقيدته السلفية مسلمون وكفار ….وأولى الكفار بالمحاربة الذين يحاربون المسلمين وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل…لقد تحول بن لادن والقاعدة إلى قطب للصراع على المستوى الدولي واستطاع ملء الفراغ الناتج عن انهيار القطب الشرقي وقيادة أمريكا إلى حرب مختلفة في طبيعتها وتكتيكاتها ووسائلها وأرغم الغرب على العيش في خوف دائم أو فيما يعرف بالإسلاموفوبيا .. .لم يكن تشي غيفارا أقل كرها لأمريكا من بن لادن فقد قاد المناضل الثوري المنحدر من أسرة برجوازية حربا ضروسا ضد أمريكا وسياساتها الإمبريالية …عكس بن لادن الإسلامي حد التطرف كان تشي يساريا ماركسيا لينينيا ،لم تكن يهمه التصنيف والتفريق بين البشر بقدرما تهمه أمور العدالة والمساواة بينهم ومحاربة الإستعباد والنضال من أجل قوة الحق بدل حق القوة… إستطاع تشي جعل الثورة تعبر الحدود ونزع الصبغة الوطنية عنها فهي متواجدة حيثما وجد الإستعمار والظلم ، لقد جعل الثورة بلا وطن أو أن العالم كله وطنها …فكانت إفريقيا وهي البعيدة عن موطنه واحدة من أبرز البؤر التي تحفظ لتشي اثار عظمته… لا نختلف إذا قلنا أن بن لادن وتشي عدوان لأمريكا من العيار الثقيل لكن من الجائر أن نضعهما في نفس الدرجة من الخطورة لدى أمريكا …لعل الظرفية التاريخية المختلفة أحد الأسباب التي تجعل تشي والحركات الثورية منافسا ثانويا في إطار الحرب الباردة …لأن العدو الرئيسي انذاك كان جليا وهو الإتحاد السوفيتي،عكس بن لادن الذي برز إلى السطح حين انفردت أمريكا بالسلطة والهيمنة وإثر زوال كل الأخطار المحدقة بها ،إضافة إلى كون بن لادن في المنظور الامريكي ليس سوى امتدادا وتجليا لعدو تاريخي وحضاري للغرب وهو الإسلام والشرق بشكل عام … أما خاتمة الرجلين فقد كانت متشابهة جدا تشي قتله الجيش البيروفي بالتعاون مع المخابرات الأمريكية وبن لادن قتلته الأخيرة أيضا لكن بعد قصة طويلة لقنا خلالها أمريكا دروسا مؤلمة … أخيرا أتساءل:ماذا لو بقي تشي حيا وعاصر بن لادن ؟هل يمكن أن تنشأ بينهما نوعا من العلاقة الودية رغم التباين الشديد في أطرهما الفكرية ؟الإجابة صعبة لكن تخميني يوحي لي أن العلاقة لن تكون أقل حميمية من العلاقة الموجودة حاليا بين أحمدي نجاد والرئيس الفنيزويلي هوجو تشافيز ….فرغم الإختلاف فعدو العدو من الممكن جدا أن يكون صديقا…