كثيرا ما نتحدث أو نسمع عن فساد أجهزة الدولة المغربية من شرطة ودرك وجمارك…الخ، حيث تنتعش الرشوة والتزوير إلى درجة لا يتناطح عنزان بكون هذا الجهاز أو ذاك غارق حتى الأذنين في كل مظاهر الفساد، واطلاع قصير على ما تنشره الصحافة من حين لآخر يعطينا فكرة معينة عن حجم هذا الفساد، وما خفي أعظم بطبيعة الحال. لكن، ما يتغاضى عنه الجميع هو أن هذه الظواهر مرتبطة إلى حد بعيد بطبيعة التربية والتكوين التي يتلقاها عناصر هذه الأجهزة في فترة إعدادهم في المعاهد المختصة (مركز التكوين الجمركي، المعهد الملكي للشرطة، المدرسة الملكية للدرك …)، حيث يتم تدريبهم على التعامل مع الآخرين بمنطق عدائي عنيف يُعطي الإحساس للمنتمين لهذه الأجهزة بكونهم فوق الجميع، ويُمكنهم الاعتداء على الآخرين وسرقة ممتلكاتهم بلا حسيب ولا رقيب، وإذا ما تجرأ أحدهم على الكلام فسيكون مصيره الطحن كما تُطحن الأزبال، ولنا في قضية الشهيد محسن فكري خير مثال. أما الرشوة والسرقة فهي ممارسات يومية أصبحت بديهية من كثرة تكرارها إلى درجة يعتبرها عناصر هذه الأجهزة طقس يومي لا يُمكن الاستغناء عنه حتى في فترات العطلة أو لحظات الاستمتاع مع الأصدقاء والأقارب كما حدث، على سبيل المثال لا الحصر، مع جمركي مغربي زار ألمانيا في الآونة الأخيرة كسائح بعدما حصل على تأشيرة شنغن مفتوحة لمدة سنتين، وطيلة مدة إقامته فوق أراضي نيتشه كان في ضيافة شخص ريفي تعرف عليه عن طريق أحدهم من عائلة مضيفه ! يا لسخرية الأقدار ومكر الزمان، يركب الريفي قوارب الموت في حين يأتي عناصر الأجهزة القمعية كسيُاح بتأشيرات مفتوحة وطيلة إقامتهم في هذه البلاد يكونون في ضيافة الذين غامروا بحياتهم من أجل الوصول إلى هنا !!! منذ وصول الجمركي إلى ألمانيا، وجد الريفي في انتظاره ليضيفه في بيته حيث مكث عدة أيام زار خلالها أماكن متفرقة من البلد – مع مضيفه الريفي طبعا الذي عمل كمضيف ودليل سياحي دون مقابل-، مرة مقهى ومرة مطعم ومرات عدة يتسكعون في شوارع وازقة دوسلدوف، وفي إحدى الليالي التي أمضاها الاثنان صاخبة وماجنة في علبة ليلية اتصل الريفي بسيارة الأجرة للعودة إلى المنزل، وعند وصول السائق إلى زبنائه، نزل وفتح لهما الباب بكل لباقة احتراما وتقديرا للزبائن. ركب الاثنين وحينما هم السائق بالعودة إلى مكان القيادة من أجل إيصالهم إلى وجهتهم وخلال المدة القصيرة جدا التي تفصله قام الجمركي بفعل شنيع لا يستطيع شخص سوي القيام به، حيث تمكن من سرقة هاتف السائق وإخفائه في مكان ما… مباشرة بعد ركوبه فطن السائق لهاتفه في البداية ظن أن الأمر مجرد مزحة، لكن بعد ثواني معدودة اكتشف ان الامر جدي وانه كان ضحية لص محترف امتهن مهنة السرقة والابتزاز لسنوات عدة، ويُتقن أساليب الخداع والمناورة والكذب التي تعلمها في إحدى مراكز التدريب المذكورة أعلاه. حاول السائق بكل السبل أن يقنع اللص بالعدول عن أمره ويُعيد له الهاتف، لكن الجمركي نفى الأمر وتظاهر بعدم معرفته…دقائق قليلة قصد السائق الشرطة ووقف أمامهم ليخبرهم بالأمر، فما كان على صاحب الفعلة إلا أن أصيب بدوار وتصبب عرقا وأخرج الهاتف من جيبه على أساس أنه يمزح وان الأمر لا يعدو أن يكون ضحكة مع "ولد لبلاد"… بعد نهاية هذه القصة المحرجة للسائق طبعا كان على هذا الاخير أن يشرح ويوضح ما الذي حصل لسيدة ألمانية كانت هي الأخرى داخل سيارة الأجرة، وبعد أن حكى لها فعلة هذا الذي كان من المقرر أن يحمي أعراض الناس ويضمن أمنهم وسلامتهم، أُصيبت بصدمة، لكن الصدمة تضاعفت عندما أخبرها السائق بأن مُرتكب هذا الفعل المُدان أخلاقيا وقانونيا واجتماعيا هو رجل يحرس الحدود في دولة أمير المؤمنين! قد تبدو هذه قصة عادية جدا مرتبطة بسلوك فردي، لكن الأمر عكس ذلك تماما، فهي صورة جد مصغرة تعكس تربية وتكوين عناصر هذه الأجهزة وتضع على المحك المراكز الملكية للتكوين والتدريب التي يتخرج منها أمثال هؤلاء الذين حولوا ساحات مدننا وأزقتها إلى مسارح لاستعراض العضلات للاعتداء على المواطنين، وحولوا طرقاتنا إلى مراكز الابتزاز ومصدر الاغتناء السريع، متبعين بذلك التعليمات التي تلقوها في المراكز الملكية للتدريب والتكوين… وهناك قصص أكثر مأساوية تبين كلها قيمة وحقيقة خدام الدولة الشريفة، فهل يُعقل أن يكون هؤلاء مصدر أمن وسلام ؟ ومتى سيستفيق الإنسان الريفي من سباته العميق ويكف عن خدمته المجانية لمثل هذه القمامات البشرية