هي مهن تتطلب مجهودا بدنيا كبيرا و طاقة مضاعفة ، مشقة و تعب في سبيل البحث عن لقمة عيش حلال بعرق الجبين ، يعانون الأمرين بسبب قساوة ظروف العمل و مع ذلك تجد البسمة مرسومة على محياهم في نهاية اليوم حتى و لو كان مقابل أجرتهم لا يرقى لمستوى التطلعات. عمال البناء من بين أكثر الأشخاص الذين يستحقون التحية و التقدير في هذا الشهر الكريم ، يستيقظون باكرا كالعادة ، يلبسون ثيابا بالية بأحجام مختلفة ، يحملون العدة و العتاد و يشرعون في عملهم رغم كل المخاطر و الصعوبات. يشتغلون كخلية نحل في فريق عمل يقوده "الطاشرون" ، يكمل أحدهم الآخر في جو يسوده التفاهم و التجانس رغم اختلاف أعمارهم مادام هدفهم واحد في نهاية المطاف و هو تلك الأجرة الهزيلة التي لا تسمن و لا تغني من جوع غير أنها تسد رمق العيال الجياع و تقضي جزءا من الأساسيات في هاته الحياة. لرمضان عند عمال البناء طعم خاص ، بعضهم يحبذ الخلود للراحة في هاته الفترة من السنة غير أن غالبيتهم يفرض عليهم قسرا الاشتغال في هذا الشهر لضمان قوت الحياة و تدبير مصاريف و تكاليف العيش. أيام رمضان عند هاته الفئة التي تؤمن بمقولة "العمل عبادة" ليس كأيام باقي الفئات ، مجهود مضاعف طيلة اليوم و عرق يتصبب على طول ، وجوه شاحبة و أعناق مشرئبة و عيون تترقب مغرب الشمس و آذان تتطلع لصوت المؤذن إيذانا بحلول وقت الإفطار. سحورهم في الغالب مجرد وجبة تتكون من بقايا الفطور ، خبز و كأس شاي و بيض و بضع قطع من "الدلاح" أو ما شابه و قنينة ماء ، أما فطورهم فهو ذاته مع اسثتناءات قليلة عبارة عن "زلافة" حريرة لمن وجد في جيران الورشة قلبا رحيما يرأف و يحن. رمضان هذا العام يأتي تزامنا مع موجة حر شديدة مما يضاعف محنة عمال البناء إسوة بعديد العمال في مجالات و قطاعات أخرى ، "طرف الخبز" الحلال يجعلهم يكابدون الهموم و يتحدون كل المصائب و المطبات في انتظار ليلة ما قبل العيد لشد الرحال نحو قراهم و مداشرهم و مدنهم البعيدة للاستمتاع بدفء العائلة و حلاوة اللمة مع الأحباب و تشاطر عبارة "مبروك العواشر" مع كل من يلتقونه في الطريق و لو لأيام معدودات …