في البدئ كانت الفكرة ... للحديث عن مشروع تهيئة ضفتي مارتشيكا يتوجب العودة أولا للزيارات الاولى للملك محمد السادس للناظور، زيارات مكنته من الإطلاع شخصيا على الإمكانيات الطبيعية الهائلة التي يتمتع بها الإقليم والتي كانت نسيا منسيا في عهد والده، وزيارات مكنته أيضا من التعرف عن قرب على مختلف المشاكل البنيوية التي تعرفها المنطقة... لذا فإن هناك من يجزم أن الملك ترجل من سيارته في إحدى الزيارات و إستعمل المنظار ليشاهد الزودياكات راسية ببحيرة مارتشيكا و بعدها بشهور جاءت الحملة الأمنية الاولى الشهيرة التي جمعت من البحيرة أكثر من 120 قاربا نفاثا و رمت بمن يود الإستمرار في هذه التجارة لمناطق أبعد و خاصة في بني شيكر و الريف و الجواب الذي كان يتهامس به الجميع آنذاك على سؤال لماذا الآن؟ هو التخطيط لتحويل مارتشيكا لمنطقة سياحية و هذا المخطط يستحيل أن ينجز أو يسوق بحضور الزودياكات غادية و رائحة و كأنها في ميناء ترفيهي لليخوت...على العموم، في البدء كانت الفكرة و تطورت بعد ذلك و هناك من تحدث عن تكليف القصر مكتبا إستشاريا أوروبيا لدراسة إمكانيات البحيرة و أمسك المستشار الملكي مزيان بلفقيه بالملف، إذ هو مهندس البلاط و كذا عارف بالمنطقة كيف لا و هو إبن تاوريرت و متزوج من سيدة ناظورية و هي أخت صيدلاني معروف بالناظور... و لان الفكرة كانت طموحة فقد تم ربطها بسرعة بنية سابقة في تأهيل الإقليم و مداواة جروحه العمرانية و وقع الإختيار على عبد الوافي لفتيت الذي لقب إبان مقامه القصير كعامل على الفحص أنجرة بطنجة ب”الهدام” نسبة ربما لإحترافيته في مجال الحلول التعميرية و هو إضافة إلى ذلك إبن المنطقة و والداه لا يزالان يقيمان بقرية تفرسيت... و بعد شد و جذب و دراسات متتالية كادت أن تقبر مشروع التأهيل الحضري في مهده نظرا لتعقيدات الوضع العمراني بالمدينة و بعد أن تم التفكير جديا في إغلاق ملف المدينة و البحث عن بناء مدينة جديدة جاءت المغامرة المحفوفة بالمخاطر و التي دفعت بالدولة لدخول المدينة و محاولة تهيئتها مع إعطاء صلاحيات إضافية لعاملها لكي لا يتعرض لما تعرض له عدد من سابقيه ... ثم جاءت الملايير... و هكذا كان و دخل مشروع التأهيل ب 54 مليارا حيز التنفيذ و معه تم الإعلان عن مشروع مارتشيكا قبل سنتين و بالتوازي إستمرت مشاريع التهيئة الكبرى من ربط سككي و حظيرة صناعية و تسويق للواجهة البحرية عبر مشاريع سياحية ضخمة كمشروع صندوق الإيداع و التدبير على طول الحدود مع مليلية من باريوتشينو و لغاية بني شيكر و إستمرت الدولة في سعيها لبلورة مشروع مارتشيكا الذي يعتبر زبدة كل المشاريع الأخرى فأسست شركة مارتشيكا ميد لتسييره برأسمال مشترك بين وزارتي المالية و التجهيز و جيئ بسعيد زارو إبن دار الكبداني الذي كان يشغل منصب نائب مدير شركة تهيئة أبي رقراق ليتولى تسيير دواليبها... و إستمرت الأشهر تمضي في دراسات متتالية و منحت صفقة عروض الأفكار و التصورات حول تهيئة ضفتي مارتشيكا للشركة الإسبانية THR التي أكدت بلاغ صحفي نشرته صحف مليلية يوم 19 أبريل الماضي ان الشركة فازت بالصفقة بعد منافسة مع عشر شركات أخرى و انها ستتلقى تعويضات تقدر ب 500 ألف اورو مقابل مدة إشتغال تدوم 5 أشهر تقوم فيها بدراسات ماكروإقتصادية للمشروع.. ..المفترض أن يضم 7 محطات سياحية على طول البحيرة.. و اكدت الشركة أنها تنوي ان تصنع من مارتشيكا محطة سياحية و ترفيهية مشابهة لمحطة خليج مدينة مورسيا الإسبانية.. حيث من المنتظر ان توفر مارتشيكا عند نهاية تهيئتها 100 ألف سرير سياحي أي ما يوازي عدد أسرة العاصمة الإسبانية مدريد... و لكن هذا المخطط وجد في طريقه عراقيل كثيرة اهمها في التمويل فإضطرت الدولة لإعادة جدولة المخطط الزمني لمحطات مارتشيكا خاصة مع ظهور الازمة المالية العالمية و بدل الحديث عن إنطلاق الأشغال بالمحطات السبع دفعة واحدة بدأ الحديث عن أولويات و العمل التدريجي و هذا ما ظهر مع تدشين الملك لمشروعي اطاليون و بوقانا ليكونا جاهزين في 2014 و توزيع المحطات الاخرى لجدولة زمنية مؤجلة لحدود 2025 أي بعد 25 سنة و إن غطتها بمصطلح التخطيط بعيد الامد... على العموم فالغرض من بسط هذه التفاصيل هو التأكيد على أن مشروع تهيئة مارتشيكا لن يكون حاضرا بالثقل المنتظر منه في الرهانات التي ستواجه الناظور قريبا خاصة مع موعد 2012 الذي يعني دخول إتفاقية التبادل الحر بين المغرب و الاتحاد الاوربي حيز التنفيذ نهائيا و بالتالي نهاية التهريب و ما يليه من فرص العمل التي يوفرها... هذا النقص الذي تحاول الدولة مقاربته بطرق أخرى عبر تحويل الناظور لقطب صناعي للتصدير عبر حظيرة سلوان الصناعية الجديدة و المنطقة الحرة ببني انصار و على المدى المتوسط و الطويل بميناء الناظور غرب المتوسط السؤال الصعب؟؟؟ من المهم للناظوريين أينما كانوا أن يروا جمالية مشهد إقليمهم الحضري يتطور خاصة مع برامج تأهيل 12 مدينة دفعة واحدة بأكثر من 220 مليار سنتيم و لكن الاهم بالنسبة للجميع هو التأثير الذي سيكون لكل هذه المشاريع المبرمجة على سوق الشغل بالمنطقة و مدى قدرتها على تغيير الواقع الإقتصادي و الإجتماعي للناظور... و هنا النقطة المفصلية ؟؟؟ فالمتبرمون الجالسون في مقاهينا و الذين لا يعجبهم عادة العجب يملكون كل الحق حين يتحدثون عن مشاريع ضخ أو مدينة للضخ (une ville pompe ) تحتضن المشاريع الكبرى و لا تستفيد منها... فالسياحة رغم كونها نشاطا معروفا بقدرته على خلق فرص الشغل الوفيرة و تكوين الثروات إلا انها تتطلب يدا عاملة مدربة... و في حالة الناظور فإن الفرص الحقيقية ممنوحة بالآلاف ليد عاملة مهنية و مكونة في مجال السياحة و لشركات وساطة و تموين و نظافة و حراسة و إشهار تملأ الفراغ و الناظوريين لن يستفيدوا من كل هذه المشاريع إذا لم يطوروا قدراتهم و يبادروا لتحويل أعمالهم التجارية نحو الأنشطة الموازية و المكملة للعمل السياحي و إلا فإن هذه الفرص ستجد من يستغلها من مناطق أخرى و أعتقد هنا أن الفكرة واضحة... و سنرى حينها كيف سيلعن العديد منا كل المشاريع التي تستغل ثرواتنا و تشغل غيرنا... على العموم فالفرصة لم تفت بعد، و لنا في الدورات الصيفية التي يخضع لها كل سنة المئات من طلبة الجامعات و المعاهد بمليلية في مجال السياحة خير مثال على وجود إمكانيات متوفرة للتغيير، و لكن هذه الفرصة لا تنتظر... إن القراءة الواقعية البعيدة عن العواطف و دوخة الملايير يجب أن تدفعنا للمطالبة من جديد ببرنامج موازي لتأهيل الموارد البشرية للإقليم و لملائمتها مع الواقع الإقتصادي الجديد المنظور في 5 سنوات على الأكثر برنامج موازي يركز على فتح شعب في مهن السياحة بمختلف المعاهد التكنولوجية بالإقليم و لم لا فتح معهد للسياحة كما حدث بالحسيمة و كذا فتح مسالك للسياحة في كلية سلوان التي بدأت هذه السنة في تخريج العاطلين من طلبة الآداب و الحقوق لتكوين أطر متخصصة في الميدان السياحي كما ان على غرفة الصناعة و التجارة أن تتحمل مسؤولياتها في تحسيس النسيج الإقتصادي المحلي بعواقب هذا التغيير المتسارع و تحفيز المستثمرين المحليين على توجيه رؤوس أموالهم نحو الأنشطة السياحية أو الموازية و المكملة (activités d'accompagnement)... إننا سكان هذا الإقليم نعيش مرحلة تاريخية حاسمة يتغير فيها كل شيئ من حولنا و امامنا طريقتان فقط للتعامل مع هذا التغيير، إما ان ننتظر إكتماله ليغيرنا الوضع الجديد أوتوماتيكيا و نكون بالتالي تحت رحمة مستقبل لم نصنعه و لم نساهم فيه ومضطرين للقبول بشروط لعبته و بفتات موائده أو نغير انفسنا بالتوازي مع دوران عجلة الواقع الجديد و نساهم في كل مراحله و نحجز اماكننا مبكرا في الصفوف الأولى... بصراحة أكبر حتى نجلس إلى المائدة لا أن نقف لخدمة الجالسين إليها او إنتظار فتاتها... صور من القناة الثانية عن مشروع تهيئة شبه جزيرة اطاليون بإستثمار يقدر ب 500 مليار سنتيم صور من مشروع تهيئة ممر بوقانا و تحويله لميناء ترفيهي بإستثمار يقدر ب 200 مليار سنتيم