أيام الصيف طويلة، صعبة ومملة في هذه المدينة التي تفتقر إلى ادنى المرافق الترفيهية والثقافية، خصوصا من لديهم أطفال.. خرجت أنا وابني، وكانت الوجهة هي الكرونيش... عفوا أقصد الكورنيش التي تعج بالناس في هذه الفترة من السنة. فهل هناك مكان آخر أفضل؟ طلب مني ابني أن نركب في (الباركو) ونقوم بجولة بحرية حتى ولو كانت على بعد أمتار قليلة من الكورنيش. كان لا بد أن ألبي جميع طلباته بعد سنة دراسية شاقة، وهذا بغض النظر عن النقط، العلامات والنتيجة التي حصل عليها. فقلب الأمهات كبير ويتسامح بسرعة في مثل هذه الأمور. ركبنا في أول _ باطوموش صادفنا، ولبيت طلب صاحبه الذي طلب منا أنسّّارا. لم يكن الباطوموش مليئا، فكان علينا الانتظار قليلا... بدأ يتمرجح يمنة ويسرة وكدت أن أتقيأ الثماني كويرات من الأيس كريم التي أكلتها، مع بعض حبات زريعة القرع. كلما رايت شخصا ينظر إلى الباطوموش أتمنى أن يأخذ قرارا ويركبه. لا رغبة مني في أن يستمتع بنزهة شاطئية جميلة. فانا لست طيبة لهذا الحد. بل لكي يكتمل النصاب وننطلق أخيرا، لأني مللت من الانتظار. حمدت ربي لاني لست من مستعملي الطاكسيات البيضاء ولست مضطرة يوميا لأخذها وانتظار من يأتي أو من لا يأتي لكي أذهب إلى وجهتي... وأخيرا انطلق الباطوموش، وكم يختلف عن ذاك الذي ركبته في مدينة أمستردام زمااان. الفرق شاسع بين الباطوموشين. والفرق شاسع بين ما رأيته هناك، وبين ما رأيته هنا. لما ابتعدنا قليلا عن الشط ووسط بحيرة مارتشيكا، بدأت أجوب بناظري إلى مدينةالناظور. تغيرت شيئا ما. زادت الأضواء، علت بعض البنايات، اكتمل البعض الآخر... لكنك لا تحس بأي جمالية ولا بأي جاذبية. التفتت إلى الوراء ورأيت جبل طالايون، والجبال المحيطة، وبوقانا.. وتخيلت البحيرة كيف ستصبح بعد سنوات... هنا ملعب غولف، هنا فيلات فخمة ومركبات سياحية، هناك فندق ستة نجوم ونصف، في هذه الجهة طريقان يشقان البحر من بوقانا للناظور، في ذاك المكان مطعم مكدونالدز... تمنيت لو أن المشاريع انطلقت غدا لكي أراها قريبا. تمنيت أن أظل موجودة وأعيش لغاية ذاك اليوم، وأركب باطوموش أجمل وأنقى وأحدث ومن الطراز الرفيع، بدل تلك الارجوحة التي خفت أن تتركنا وسط البحيرة. أتمنى حينها ألا يرفض أحفادي مساعدتي، ويشدوا على يدي وأنا أضع رجلي المرتجفتين في المركبة، وأشاهد المارتشيكا الجديدة التي أحلم بها بأم عيني، بدل أن أراها فقط في الملصقات والمجسمات.