بقلم : عزالدين شملال : باحث في الدراسات الدستورية و السياسية وضعت الانتخابات الجماعية والجهوية أوزارها بالمغرب، ورجع كل حزب إلى قواعده يُحْصي ما حصده من مقاعد، ليعيد حساباته وترتيباته، ويُلَمْلِمَ جِرَاحَاتِه وأحزانه، ويبحث في حرب لا تقل شراسة عن التي خرج منها عن تحالفات تُمَكِّنُهُ من الظَّفَر بإحدى الجماعات أو الجهات، وذلك كله في تنافس محموم لانتزاع أكبر نصيب ممكن من كعكة هذا الوطن الصامد رغم كثرة مِحَنِه وضياع شبابه. كشفت وزارة الداخلية على أرقامها بعد مُضَيِّ سِتِّ ساعات كاملة بعد الانتهاء من عملية التصويت، فلقد كانت جِدُّ منشغلة بهندسة التوازنات واختيار أنسب الشخصيات لتسيير البلديات والجهات تسييرٌ يضع مصلحة النظام السياسي فوق كل مصلحة وفوق كل اعتبار لقد اعتبر جل الفاعلين والباحثين السياسيين المشتغلين في مكاتب الدراسات والبحوث السياسية على أن نسبة 52,67 % المعلن عنها من قبل وزارة الداخلية رقمٌ بعيد كل البعد عن الحقيقة ولا يعبر عن الواقع، فنسبة المشاركة الحقيقية حسب هذه المكاتب لم تتعد 30 % وبذلك يمكن الجزم بأن الشعب المغربي مازال مقاطعا صناديق الاقتراع، ويعتبرها صناديق لا تحمل أيَّ تغيير في ظل حكم فردي يُزَكِّي الفساد ويحمي المفسدين، ويرى في الأحزاب السياسية مجرد أبواقٍ تُضْفِي المزيد من الشرعية للاستبداد، وآلياتٍ لخِدْمَة تجار الفساد وناهبي المال العام وأباطرة العقار ، لذلك نجد أغلبهم قد فَقدوا ثقتهم بها نهائيا ولا يعيرونها أي اهتمام. أما الثُّلُثُ الذين شاركوا في العملية الانتخابية وأَدْلَواْ بأصواتهم على أمل إحداث التغيير المنشود، فإنهم لا يزالون يعيشون أجواء الانتخابات ويتابعون مسرحيات التحالفات الهجينة التي لا تُراعي إلا مصالح قياديي الأحزاب ووكلاء اللوائح الانتخابية، تحالفات بعيدة كل البعد عن منطق التقارب الفكري والعقيدة السياسية والإيديولوجية الحزبية، فحتى البيان الذي خرج به أحزاب الائتلاف الحكومي بضرورة تحالف أحزابها على مستوى البلديات والجهات لم يُحْتَرم، فنجد تحالف العدالة والتنمية مع الأصالة والمعاصرة للإطاحة بالتجمع الوطني للأحرار في جهة طنجةتطوانالحسيمة، وتحالف العدالة والتنمية مع الاتحاد الاشتراكي للإطاحة بالحركة الشعبية في عدد من البلديات والجماعات، وغيرها من التحالفات التي تَحَدَّى فيها وكلاء اللوائح الانتخابية أوامر المكاتب الوطنية لأحزابهم، إنه قمة العبث السياسي الذي يُفْرِغُ العملية الانتخابية من محتواها ويجعلها مجرد وسيلة لتقاسم الأدوار والمناصب السياسية في تمثيليةٍ مُمِلَّةٍ عنوانُها الدائم استغفال المواطن المغربي و"استحماره". فأمناء الأحزاب السياسية في خطاباتهم المُنَمَّقَة يُصَرِّحُون بأنهم يحاربون الفساد، ويتهمون الأحزاب المنافسة لهم بتشجيع الفساد ومباركة المفسدين، غير أنه في الواقع نرى الحزب الفاسد يتحالف مع الحزب الفاسد ليعطي لنا (مجلس بلدي أو جهوي فاسد)2 " أُسْ اثنان " بلغة الرياضيات، وحتى حزب العدالة والتنمية ذو" المرجعية الإسلامية " والذي يتبجح أعضاءه بأنهم يُشكِّلون استثناءً في الوقوف ضد الفساد والمفسدين، يتحالفون مع حزب الجَرَّار الذي يصفه قياديوهم بحزب المفسدين وتجار المخدرات والمستفيدين من الريع المخزني في عدد من البلديات والجهات، وذلك ضدا على إرادة الثُّلُثِ المشاركة في هذه الانتخابات والذين وضعوا ثقتهم في مرشحي الحزب، وكانوا ينتظرون منهم أن يكونوا في مستوى المرحلة الحَسَّاسَة التي يعيشها المغرب، ويُفَعِّلوا التوجيهات الملكية التي جاء بها خطاب ثورة الملك والشعب الأخير بانتشال البَادِيَةِ المغربية من بَرَاثِنِ التهميش والفقر والبؤس، والبحث عن وسائل مادية لتنميتها والقفز بها إلى باديةٍ تتوفر على أبسط شروط الحياة، وانتشال المدن والحواضر من عبثية التسيير والفوضى والمحسوبية حتى أصبحت بعض المدن لا تتوفر على أبسط مقومات المدينة رغم أنها تُدِرُّ مداخيل مهمة ترفع بها الناتج الخام الوطني، كمدينة الناظور التي أعيش فيها، فرغم أنها تُصَنَّفُ ضمن المدن التي تساهم في الحفاظ على التوازن الاقتصادي للمغرب إلا أنها تعيش واقعا كارثيا بامتياز، وخَرَاباً عُمْرَانِياً غريبا ساهم فيه سوء التسيير الذي رَهَنَ المدينة لتجار الفساد ولوبيات العقار وناهبي المال العام، وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه تشكيل مجلس المدينة من أُطُرٍ كُفْأَةٍ لها من الغيرة ما يجعلها تبذل المستحيل لتصحيح الوضع ووضع المدينة على سكة الإصلاح، ونسيان الصورة القاتمة التي ساهم فيها المجلس السابق إلى حد بعيد، حيث أغرق المدينة في الفوضى وحَرَمَ أَهْلَهَا من أبسط شروط التنمية والرفاهية، نتفاجأ بتحالف هجين بين حزب المصباح وحزب الجَرَّار سيُعيد مدينة الناظور إلى الحضيض من جديد، حيث سيؤول تسيير المدينة إلى أعضاء من المجلس السابق فشلوا خلال ولاية كاملة في إخراج المدينة من حالها المأساوي وكانوا سببا في تحويلها إلى مدينة يُشار إليها كلما ذُكِر الفساد والتهريب والتخلف، بل أصبح مُشَاعاً بين أبناء الناظور أن رئيس المجلس البلدي السابق أقسم بأغلظ أيمانه أنه سَيُسَيِّرُ المجلس الجديد ب " التيليكوموند " لأنه سهر على تثبيت نوابه في المجلس الجديد وضمِنَ لهم تحالفاً مريحاً يُكمِلون من خلاله خطتهم في الإجهاز على مدينة الناظور وأبنائها. " لا يخرج المستعمِرُ حتى يترك أَذْنَابَه " إنها ثقافة المُسْتَعْمِر تتجلى في مجلس بلدية الناظور الجديد، فهل من محرر ؟ !!!!!!!