سؤال: ما هي حالة طقس سلوكنا المدني، و هل ستكون سلوكات نخبنا السياسية أحسن حال إبان المعركة الانتخابية الخاصة باقتراع يونيو 2009؟ حتى لا نستبق الأحداث و نصدر أحكام قيمة على شاكلة كليشيهات المقاهي و الشارع، نود بادئ ذي بدئ تذكير قرائنا الكرام ببعض الأبجذيات التي تعرف و بشكل جد موجز ماهية السلوك عامة و السلوك المدني بشكل خاص: ... يقصد بالسلوك كلما يرتبط بالسيرة، و المذهب، و الاتجاه، و التعامل مع الذات، و التعايش مع الآخرين. قد يكون حسنا، و قد يكون سيئا... ما معنى أن يكون السلوك مدنيا؟ المدني من التمدن، أي من التحضر، و السلوك الحضاري هو نقيض التصرفات الهمجية التي تعني الفوضى و العنف و التطرف... هو نتيجة تربية على القيم السامية التي تجعل من المغربي: مواطنا صالحا و متخلقا، حرا و ديموقراطيا و مسؤولا، متفتحا و متسامحا، ماهرا و طموحا... و يتجلى المفهوم المدني أساسا في احترام الفرد لمبادئ و مقومات و ثوابت مجتمعه و وطنه و هويته و أرضه و بيئته... و يتجلى كذلك في إدراك الفرد لوجوده كعضو داخل الجماعة يعي استحضار الوازع الأخلاقي، و الالتزام بالواجبات و احترام الحقوق، كما يعي اعتماد مبادئ العدالة و الديموقراطية و الإنتاجية و التضامن، و ممارسة الحرية في إطار المسؤولية، واحترام الأفراد و الجماعة لمبادئ و حقوق الإنسان، و المشاركة في الحياة العامة و الاهتمام بالشأن العام... ما هي حالة طقس سلوكنا المدني؟ إن اعتمدنا نتائج “بارومتر السلوك المدني” الذي عممته جمعية عبد الرحيم هاروشي “آفاق” يوم 19 مارس 2009 على وسائل الإعلام الوطنية، فسنعمم بدورنا شعور بخيبة الأمل، و الإحباط، و الخجل... فبعدما قامت الجمعية المشهورة باستعمال وصلات تحسيسية و تربوية عبر قنوات الراديو باستقراء آراء 980 شخص ينتمون إلى 14 مدينة مغربية مختلفة حول موضوع السلوك المدني بالمغرب، خلصت إلى نتائج سوداء قاتمة أهمها: * 66 في المائة تقر بتدهور متزايد للوسط البيئي، * 72 في المائة ركزت على إشكالية انعدام الأمن، * 53 في المائة قلقة بتصاعد نسبة عدم التسامح و التشدد أو التزمت... و رغم أننا لا نثق كثيرا في آليات استقراء الرأي المعتمدة في بلادنا حتى الساعة، إلا أننا لدينا أعين لنرى و آذان لنسمع... و ما نراه و نسمعه و نقرأه عن سلوكاتنا وتعاملاتنا اليومية قد لا يبشر بالخير في الآتي القريب من الأيام... و قد تكون لبعض النخب السياسية و الإدارية التي انتخبت أو عينت لتسيير الشأن العام المحلي في اعوجاج السلوك المدني للمواطن العادي: لا يمكن للموطن العادي على، سبيل المثال لا الحصر، مد الأتاوات و الرشاوي دون وجود مرتش، سواء كان هذا الأخير رجل أمن، أو رئيس مصلحة، أو مستشارا جماعيا الخ... كما لا يمكن لهذا المواطن أن يساهم في اتساخ مدينته أو حيه لو كان الجميع ( مواطنون، سلطات، منتخبون، مجتمع مدني..) يتحملون مسؤولياتهم على أحسن وجه... الغريب في الأمر، وانتخابات المجالس المحلية على الأبواب، أن نفس النخب أو الوجوه التي ساهمت، عبر مجالس محلية متعاقبة، بشكل فعلي أو غير مباشر في تردي الأوضاع، هي نفسها التي ستعرض “خدماتها” على المواطنين في الآتي من المجالس المنتخبة، بينما سيبقى الحاملون لمشعل فلسفة العهد الجديد في لائحة الانتظار حتى يستفيق أهل الكهف، أقصد أهل البلد الأبرار النيام... لأن نومهم، أي عدم اكتراثهم و لا مبالاتهم، هي حصان السبق الذي يركبه أعداء التغيير الذين يحبذون الحفاظ على الوضع كما هو عليه حتى لا تمس مصالحهم الشخصية... و الأدهى من ذلك لجوء بعضهم إلى لغة خشبية جديدة من قبيل “تخليق الحياة العامة” و “الحكامة الجيدة”. و ضحك على الذقون كهذا الذي يتكرر كل مرة دون أية مراعاة لمشاعر المواطنين و لا للمصلحة العليا للوطن هو الذي ينمي اليأس و اعوجاجات السلوك المدني... و هي نفس الأحاسيس و السلوكات التي أفرزت ظاهرة العزوف التي وشمت انتخابات شتنبر 2007، فهل من متعظ؟ , لنا عودة...