الصورة من اليمين لليسار: رئيس امن الناظور، أميمة ضحية وحش الكورنيش و الوكيل العام بالناظور أثارت، عملية اختطاف و اغتصاب تلميذة ثانوية الفطواكي قبل أيام بالناظور، أميمة.م، ما اثارت من زوبعة بين عائلتها و جيرانها بل و كل ساكنة المنطقة، التي أحست ان بناتها و أطفالها ليسوا بعيدين عن الخطر في أي وقت و في أي مكان.. و بعد هذه الايام التي مرت بما لها و ما عليها، و الآن حيث ذهبت الفورة، يجب ان تأتي الفكرة، لنحاول ان نفكر مع بعض كيف نجيب على السؤال الاهم.. ماذا نفعل حتى لا يتكرر هذا؟؟ المفتاح الاول، في الواقعة: قبل ان نمضي، لما بعد الحادثة، دعونا نقل اولا، ان المصالح الأمنية بالناظور قد نجحت في تطويق هذه الحادثة بأسرع وقت مما مكن من تفادي تطورات اخطر، فالقاء القبض على الجاني بعد 8 ساعات فقط من ارتكاب الجريمة "من 7 و النصف الى الثالثة و النصف"، لم يأت عبثا و لا ضربة حظ بل لأن قرارات مهمة قد اتخذت بسرعة و في ظرفية ملائمة 1- لأن مسؤول امن الناظور قرر تعبئة كل الموارد الشرطية المتوفرة في محيط موقع الحادث ثم في التحريات عن الجاني. 2- لأن شباب حي شعالة وفروا الحاضنة الشعبية لعمليات البحث عبر مشاركتهم فيها بقوة. و في الحقيقة هذه ظروف مثالية للقبض على مجرم، و هذه الظروف تم خلقها بقرارات أمنية صائبة و سريعة، فالتعبئة الامنية اغلقت منطقة الجريمة امام الجاني و التحريات حصرت منطقة البحث و تواجد الامن الميداني هو من شجع شباب المنطقة على المضي قدما و المشاركة بفاعلية... و سترون أن هذه العملية بتفاصيلها هذه ستدرس لطلبة كلية الشرطة بالمغرب مستقبلا كنموذج يحتذى به في سرعة حل ألغاز الجرائم. المفتاح الثاني، في المسؤولية الفردية و الجماعية: لنسأل السؤال الصعب، هل "ديكو" وحش الكورنيش هو المسؤول الوحيد عما وقع؟؟ إن "ديكو" في هذه الحادثة يمثل في نظرنا مفهومين متلازمين، المسؤولية الفردية، و في هذه الحالة فالمجرم يمثل تلك النسبة الضرورية للانحراف داخل أي مجتمع و التي لا يمكن إلغائها أو التنبأ بتصرفاتها و هي ظاهرة "عرضانية" تهم كل المجتمعات في كل العالم.. phénomène transversal. ثم المسؤولية الجماعية، و هي الاهم لأنه يمكن التحكم بها و تعني مسؤولية المؤسسات في حصر هذا الانحراف و تحجيمه، و في حالة "ديكو"، تلك الأحكام القضائية التي نفذها في جرائمه المماثلة السابقة و كيفية قضائه تلك الاحكام داخل سجن الناظور. و هنا، فإن الامر يتعلق بالقوانين التي تضبط احكام القضاة على حالات الاغتصاب و الاعتداء الجنسي، و هي قوانين تثير التساؤل حول مدى زجريتها، ثم في السياسة الجنائية لدى محاكم الناظور، و هي السياسة التي ترسم عادة مدى قوة الأحكام في كل نوع من الجرائم على حدة، و هاته السياسة يقول المراقبون المحليون انها تفتقر للملامح و تخضع لمرجعية و نمط تفكير كل قاض على حدة. ثم بعد ذلك مراكمة "المتهم" للمزيد من الحقد على مجتمعه داخل السجن، حيث تتوفر كل مسببات هذا الحقد. المفتاح الثالث، في الحل و حتى لا يتكرر هذا؟ *- الأمن: عززت شرطة الناظور، في الاشهر الاخيرة آليات الامن الوقائي، و ذلك عبر تنشيط الشرطة المدرسية و تعزيز التواجد امام المؤسسات و القاء القبض على عدد من المنحرفين، و لكن هذه السياسة تفتقر الى عنصرين مهمين: 1- الاستدامة: فرئيس أمن الناظور الحالي واع بأهمية هذه المقاربة و يخصص لها كل ما توفر من جهد و موارد بشرية، و هو ما كان الامر عليه ايضا ابان ولاية محمد الدخيسي، حيث يظهر ان مدرسة الرجلين في التفكير واحدة و لا عجب فالاول اشتغل مع الثاني مدة بولاية العيون. و لكن ما قبل و ما بعد الرجلين، حديث آخر، فقد كانت الشرطة المدرسية موجودة دائما، و لكن موقعها في سلم الاولويات الامنية كان يخضع لمنطق رد الفعل و الاستجابة للشكاوى... و هذا الترتيب كان يؤثر على حجم الموارد المخصصة لها و بالتالي على فاعليتها. لذا فإن التفكير، يجب ان ينصب خلال المرحلة المقبلة، على تأسيس مقاربة مستديمة للأمن الوقائي امام المؤسسات التعليمية بالناظور و التي تلجها آلاف الفتيات و الأطفال يوميا و تعتبر "أمنيا" موقعا محفوفا بالمخاطر حيث الطفل و الفتاة موجودان في الشارع بعيدا عن أعين و حماية الأسرة. و هذه المقاربة، يجب ان تخصص لها ميزانية مستقلة و أطر محترفة و تعزز بالمعلومات و التحريات الامنية المستمرة، بتنسيق مع مؤسسات و نيابة التعليم. بل و أن الجماعات و البلديات مطالبة بالمساهمة في هذه المقاربة، عبر التمويل و الدعم. 2- الموارد البشرية: إن ضعف تعداد العناصر الشرطية بالمنطقة الامنية للناظور، يعرقل أي مخطط وقائي، و الاستعانة كما يحدث الآن بعناصر الدوائر و الصقور، لحظة غير مرشحة للاستمرار، فهاته العناصر تراكم مسؤوليات اخرى و لا يمكن التحكم في وقتها و دفعها لتقسيم نفسها على مهام متعددة قد يؤدي الى فشلها في القيام بأي منها على الشكل الصحيح. لذا فإن العمود الفقري لأي سياسة وقائية صحيحة هو توفير العنصر البشري.. و في الحقيقة لا نعرف لماذا يتهم إهدار موارد القوات المساعدة في هذا الشأن، حيث يمكنها ان تساهم بفعالية في تجسيد مفهوم القرب و الحضور الامني أمام المؤسسات. و هذا الامر يحتاج قرارات شجاعة من مسؤولي الاجهزة و عامل الناظور رئيس اللجنة الامنية المصغرة التي تعالج مشاكلنا كل اثنين و خميس في اجتماعات سرية بمقر العمالة. 2- السجن: يضع نزلاء سجن الناظور الذين لا يقل عددهم عن 1000 نزيل في كل وقت، "يضعون" المتهمين في قضايا الشذوذ و الاغتصاب، في ادنى مرتبة داخل الزنازين... و هم عادة يتلقون بشكل يومي، كل صنوف الاهانة و الضرب، و حين فكرت ادارة السجن في حل لهذه الاشكالية مع ارتفاع اعداد النزلاء المتهمين بالشذوذ و الاغتصاب، قامت بجمعهم في زنزانة واحدة، فتحولت تلك الزنزانة الى ماخور حقيقي، فأعادت توزيعهم على العنابر فتحولوا الى مراحيض متنقلة لبعض النزلاء الآخرين، و فشلت كل المقاربات امام الاكتظاظ و قلة المساحة المخصصة لكل سجين. كما ان هؤلاء النزلاء، لا يخضعون لأي تتبع نفسي و لا أي مساعدة اجتماعية و يتركون يواجهون مصيرهم المحتوم بالتحول الى ضحايا كل ليلة... لذا فإن نسبة كبيرة من متهمي الشذوذ و الاغتصاب بسجن الناظور، يعودون لارتكاب جرائم مماثلة مباشرة بعد خروجهم من السجن، فيما يبدو تعبيرا عن حقدهم و انتقاما من واقع عاشوه، في الوقت الذي كان يمكن تحجيم نسبة العود و حصرها في المنحرفين الذين لا يمكن اعادتهم لحضن المجتمع لأسباب نفسية مستعصية او حتى بيولوجية. و لأن الناظور مقبل على بناء سجن جديد بمواصفات عالية في الاسابيع القليلة المقبلة، فإن الفرصة قد حانت لاصلاح كل ما يمكن اصلاحه... حيث يجب وضع مقاربات جديدة للتعامل مع النزلاء، و ترجيح الفعل الاجتماعي و النفسي على العقابي، و استغلال المساحات الجديدة في السجن الجديد لتطبيق هذه السياسة الجديدة، و أرقام العود التي تصل 80 في المائة حاليا ستكون بيننا... كما يجب الا نفوت موعدنا مع هذا التاريخ و على اللجنة الاقليمية للسجون التي يرئسها عامل الناظور تحمل مسؤوليتها في هذا. 3- القضاء: لنكون منصفين، لقد تغيرت دينامية القضاء بالناظور الى الأبد، بفضل كل من الوكيل العام لمحكمة الاستئناف ذ.عبد الحكيم العوفي ثم بدعم و مؤازرة وزير العدل ذ.مصطفى الرميد. هل هذا التغيير قضى على الفساد في محاكمنا؟ لا، هل حجمه؟ نعم. هل قضى على المحسوبية و الظلم في محاكمنا؟ لا هل حجمه؟ نعم، هل الفوضى التي كان يزرعها أولو المال و النفوذ في محاكمنا بقيت كما كانت؟ لا، هل قضينا عليها؟ لا هل الامور أصبحت افضل مما مضى؟ نعم. الحل: المزيد من الشجاعة و الجرأة في اتخاذ القرار، و المزيد من الأشخاص المناسبين في الاماكن المناسبة. و لكن كيف يمكننا فهم علاقة القضاء بحادثة اميمة، و كيف يمكنه المساهمة في الاجابة على السؤال الاهم حتى لا يتكرر هذا؟؟ إن الوكيل العام و معه مسؤولو القضاء بالناظور، يعرفون أن محاكمنا على عكس مدن اخرى "كالحسيمة مثلا"، تفتقر لسياسة جنائية واضحة، إذ يمكنك معاينة أحكام مختلفة بين التخفيف و التشديد في نوع واحد من القضايا، و يعيد الوكيل العام هذا الأمر حسب بعض مقربيه لاختلاف مرجعيات و مشارب و ثقافة كل قاض على حدة، ثم صعوبة اقناع كل القضاة باتخاذ نمط احكام معين في بعض الظواهر كالاغتصاب مثلا، فلكل قضية حيثياتها... و لكن لماذا تمكنت محاكم مدن أخرى من سن سياسات جنائية واضحة، و نتحدث هنا عن الأقرب الينا في كل شيئ و هي الحسيمة، التي انخفضت فيها أعداد جرائم السرقة و الاغتصاب بشكل كبير بفضل الاحكام الصارمة التي أصدرها قضاتها على مدار السنوات الماضية، حتى تحولت الحسيمة الى قلعة حصينة ضد جرائم السرقة و العنف الجنسي. السر ربما في أمرين: 1- الانتقال المستمر لقضاة محاكم الناظور، بحكم انحدار أغلبهم من مدن اخرى، و بالتالي فإن كل محاولة لسن سياسة جنائية تجد امامها مشكلة التغير المستمر في الاطار البشري و العقليات، و حين نتحدث عن القضاء فإننا نتحدث عن محاولات اقناع لا فرض، تستوجب ان يكون القاضي قد عايش ما يكفي من القضايا ليتأكد ان الناظور حالة خاصة و تستوجب تعاملا استثنائيا. 2- افتقاد الجرأة في اتخاذ القرارات الصعبة، لذا قلنا قبل قليل، اننا نحتاج المزيد من الاشخاص المناسبين في الاماكن المناسبة، و بصراحة، إن أكثر القضاة الذين يمكنهم تفهم الوضع هم القضاة الذين ينحدرون من الناظور و الريف، فبوجودهم بكثافة نضمن استمراريتهم و تفهمهم و حتى صرامتهم، لأن الضحايا المرشحون في شوارعنا هم ابنائهم و عائلاتهم... بالتالي، فإن وزارة العدل، و قبلها أطر الناظور القضائية المنتشرة في كل محاكم المغرب مطالبة بتلبية نداء منطقتهم التي تحتاجهم اليوم أكثر من كل وقت مضى. نحن نعرف أن محاولات جادة قد تمت في الفترة الماضية لاستعادة بعض الاطر القضائية، و فعلا عاد البعض و لكن عددهم لا يزال لا يكفي لمواجهة هذه التحديات التي نراها امامنا. و على العموم، فإن اشكالية التعامل مع قضايا الاغتصاب بالناظور، و هو نموذج يمكن اسقاطه بشكل او بآخر على انماط الجرائم الاخرى بالمنطقة. "إشكالية" تستوجب نقاشا أكثر صراحة، و تحمل كل طرف لمسؤولياته، لتحجيم هذه الظاهرة التي أوصلتنا لحالة غير مسبوقة، حيث أصبحنا نسجل حالة اغتصاب أو تغرير او خطف أو هتك عرض كل يومين بالناظور، حسب احصائيات محكمة الاستئناف لسنة 2014، هذا مع العلم ان الحالات التي تعالج خارج النظام الامني و القضائي أكثر بكثير... على سبيل الختم إننا في الناظور، نوجد حاليا في مفترق طرق، لقد وصلت بنا الامور الى مستوى انحدار اخلاقي خطير، و نحن نعلم ان الحل الامني و القضائي كما بسطناه هو جزء فقط من الحل الاكبر... إن النموذج الاقتصادي للمنطقة هو الذي يجر عليها كل هذه الويلات الاجتماعية، ان اقتصاد الحدود و التهريب و الجريمة المنظمة و المخدرات لن ينتج أبدا غير هكذا ظواهر. و لكن لأن الحل الاقتصادي و الاجتماعي، مسار طويل بدأته الدولة و لا نعرف متى تنتهي منه، فإن المتوفر بين ايدينا الآن هو حل أمني قضائي يستهدف تحجيم هذه الظواهر و نؤكد "تحجيمها" لا القضاء عليها. إن الامر لا يتعلق فقط، بمسؤولية حماية عائلاتنا و ابنائنا اليوم، إن المجهود المطلوب لاصلاح معالجتنا الرسمية لهذه الظواهر، ضروري أيضا للأجيال القادمة، فالقرارات و السياسات على مدار السنوات تتحول شيئا فشيئا الى ثقافة و ضوابط اجتماعية تحمينا اليوم و غدا و الى ان يرث الله الأرض و ما عليها. فليتحمل كل منا مسؤوليته، ف"كلنا راع و كلنا مسؤول عن رعيته".