تساءل كثير من الفعاليات المدنية بالناظور و الريف خلال المرجلة الماضية عن نوعية الادوار التي يلعبها رشيد نيني في لعبة إعادة هيكلة المشهد السياسي بمنطقتنا، خاصة و ان نيني شرح و ملح جسد الوزير السابق مصطفى المنصوري و لم يترك فرصة إلا و غمز و لمز كل ريفي في السلطة… و غنتهى الامر برشيد نيني في عمودين خاصين لامس الثلاثاء و اول أمس الغثنين لتوجيه إتهامات خطيرة و مباشرة لوكلاء عامين ينحدرون من الناظور هم العوفي و البوزياني و فيصل، دون ان نعرف من اين يستمد تلك التفاصيل الدقيقة و لا الغرض من تشرها بهذه الطريقة بغض النظر عن صحتها من عدمه… على العموم فإن أريفينو تعيد نشر الاعمدة التي يطلق فيها رشيد نيني النار على الأطر الريفية و نترك للقارء حرية إستنتاج ما يحدث… أولاد لفشوش ابنة مسؤول قضائي كبير في الرباط هذه المرة، تورطت في ملف الموثقين الذين يوجد بعضهم في سجن الزاكي بسلا، لكن عوض أن تكون الموثقة في السجن إلى جانب «زملائها» وشركائها، تم استدعاؤها إلى المحكمة لكي تحضر كشاهدة في الملف وليس كمتهمة. وحتى كشاهدة، لم تكلف الموثقة نفسها عناء الحضور للإدلاء بشهادتها. وربما كانت في تلك الأثناء منشغلة بالإعداد لعرس أخيها، وإرسال دعوة الحضور لوزير العدل عبد الواحد الراضي، والذي لم يتخلف عن حضور عرس ابن سعادة الوكيل العام للملك بالرباط، حسن العوفي. وهكذا، ففي الوقت الذي قضت فيه المحكمة بمتابعة الموثقين وشركائهم في حالة اعتقال، كانت صونيا العوفي، ابنة الوكيل العام للملك، تحضر عرس أخيها إلى جانب وزير العدل. أما شريكها البوخاري -الذي توسط بينها وبين الشركة الفرنسية الإيطالية التي تم النصب عليها في مبلغ مليار سنتيم كتسبيق مقابل أرض مساحتها 5000 هكتار بنواحي بولمان، بعد أن وعد البوخاري مسؤوليها بإتمام بيعها عند الموثقة- فقد كان في تلك الأثناء «يبرد» عظامه في سجن الزاكي بسلا. وطبعا، فالبوخاري -الذي يوجد رهن الاعتقال، ليس ملاكا، فهو كان يعرف أن أحد مدراء الموارد البشرية في أحد البنوك البيضاوية متزوج من وريثة تملك 30 في المائة من الأرض- وقع وعدا بالبيع مع منعش عقاري لبيع الخمسة آلاف هكتار. وعندما فطن المنعش العقاري إلى أن البوخاري بصدد بيع الأرض وراء ظهره لشركة فرنسية إيطالية في مكتب الموثقة صونيا العوفي، بدون أن يتوفر على إذن بذلك من الورثة، وضع شكاية ضده أمام القضاء، فكان طبيعيا أن تتم متابعته واعتقاله. ما ليس طبيعيا في هذه القصة هو عدول الوكيل العام للملك بالرباط عن متابعة ابنته الموثقة صونيا العوفي التي أنجزت عقد البيع، رغم عدم توفرها على الوثائق القانونية الكاملة لإنجاز البيع. لكي نجيب عن هذا السؤال يجب أن نحكي القصة من أولها. عندما وصلت رائحة طبخة المليار سنتيم التي أعدتها الموثقة صونيا العوفي إلى خياشيم والدها الوكيل العام للملك، فهم أن الطبخة ستحترق إذا لم يسارع إلى إضافة الكثير من الماء إليها. وهكذا أمر الوكيل العام ابنته الموثقة بإعادة مبلغ مليار سنتيم إلى البنك، والخروج من الملف كما تخرج الشعرة من العجين. هذا في الوقت الذي ذهب فيه شريكها إلى السجن حيث يهدد بخوض إضراب عن الطعام. والسؤال، الذي يطرحه قضاة وموثقون ومحامون في الرباط اليوم، هو لماذا يسري القانون على الموثقين الذين ليست لهم جداتهم في العرس فيتابعون في حالة اعتقال أمام المحكمة، بينما تتعطل لغة القضاء عندما يتعلق الأمر بموثق أو موثقة تربطها علاقة قرابة مع سعادة الوكيل العام للملك بالرباط؟ والواقع أن صونيا العوفي وجدت نفسها في عالم التوثيق بسبب الصدفة لا غير. فبعد أن «سقطت» ثلاث سنوات متتالية في السنة الأولى من شعبة البيولوجيا، «طاحت» عليها فكرة اقتحام مهنة التوثيق. وبعد قضائها لفترة قصيرة كمتدربة عند واحد من أكبر مكاتب التوثيق في العاصمة، اجتازت مباراة الدخول أمام لجنة تحكيم يوجد على رأسها، ويا للمصادفة العجيبة، والدها حسن العوفي. وبعد ابتسامات وإطراءات قصيرة، خرجت صونيا بدبلوم «موثقة» تحت ذراعيها. وهو الدبلوم الذي «يتشحطط» المئات من أبناء الشعب ما بين عشر وخمس عشرة سنة وراءه قبل الحصول عليه. هذا إذا سمحت لهم العائلات العشر التي تحتكر هذه المهنة منذ الاستقلال بالدخول إلى ناديها محكم الإغلاق. وحتى قبل أن تفتح الموثقة صونيا العوفي مكتبها الفخم بأكدال، سبقتها بطاقات زيارتها حيث اسمُها ورقمُ هاتفها إلى مقاهي العاصمة والناظور، مسقط رأس عائلتها. وكان موزع البطاقات يقول لكل من يسلمه واحدة منها إن الموثقة صونيا هي ابنة الوكيل العام للرباط، وإن أي مشكلة تعرض عليها تستطيع أن تجد لها الحل. ثلاث سنوات بعد فتح مكتبها بحي أكدال، استطاعت صونيا أن تبني فيلا فخمة في منطقة بير قاسم. ومن أجل تصميم ديكورها، لجأت إلى خدمات مصمم متخصص. أما الأثاث فقد جلبته كله من الخارج، خصوصا من «مالغا» بإسبانيا التي عود حسن العوفي أبناءه على قضاء عطلهم في شاليهات «ماربيا» حيث يتردد باستمرار. وهكذا، اشتهر اسم الموثقة صونيا العوفي بسرعة في كل أنحاء المملكة، وأصبح كل من يريد أن ينجز وثائق وعقود البيع والشراء يأتي إلى مكتبها، كما أصبح عنوانها مقصدا لكل من لديه مشاكل قضائية عالقة ينتظر حلها. وسارت الأمور بشكل جيد بالنسبة إلى الموثقة صونيا إلى أن انفجرت قضية الموثقين الذين ينصبون على عقارات الدولة، وطارت رؤوس بعضهم وتلطخت ثياب البعض الآخر بالدماء. ويبدو أن «الشلة» فهمت أن القضية «حامضة» هذه المرة، خصوصا بعد صدور تعليمات مشددة بتطبيق القانون إثر اكتشاف الأمن لاستعمال أحد المتورطين خواتمَ تحمل رموز المملكة. ورغم كل الصرامة والتشدد اللذين أحيط بهما الملف، ورغم تضامن جمعية الموثقين مع زملائهم المعتقلين وتهديدهم بالوقفات الاحتجاجية أمام المحكمة ووزارة العدل، فإن الوكيل العام للملك بالرباط استطاع أن يخلص ابنته من براثن المتابعة القضائية، وأن يخرجها من الملف ويحولها إلى مجرد شاهدة بعد أن كانت هي الموثقة التي حررت عقد البيع المطعون في صحته. فمن أين يستمد حسن العوفي، الوكيل العام للملك، قوته الغامضة هذه؟ وما هي قصته بالتحديد؟ وكيف استطاع أن يتحول من مجرد قاض في الشاون إلى وكيل عام للملك بعاصمة المملكة؟ بيت الداء لكي نفهم حكاية «لصوق» بعض الوكلاء العامين للملك في أماكنهم لأكثر من 16 سنة دون تغيير، كما هو الحال مع الوكيل العام للملك حسن العوفي بالرباط والوكيل العام للملك المستاري في مراكش والوكيل العام للملك البوزياني في فاس، ضدا على القرار الذي صدر على عهد الراحل الحسن الثاني والقاضي ببقاء المسؤولين القضائيين في مدنهم لأربع سنوات فقط، يجب أن نفهم أولا شبكة العلاقات التي ينسجونها في ما بينهم، من جهة، ومع ممثلي السلطات المحلية، من جهة ثانية. ولعل المتأمل في لائحة التنقيلات والترقيات الواسعة التي باشرها المجلس الأعلى للقضاء، سيلاحظ خلوها من أسماء هؤلاء الوكلاء العامين الخالدين في مدنهم منذ عشرات السنين. وبالنسبة إلى الوكيل العام للملك بالرباط حسن العوفي، الذي شرحنا بالأمس كيف أخرج ابنته الموثقة صونيا من ملف تزوير ونصب وحولها من مشاركة إلى مجرد شاهدة، فمساره كقاض بدأ في اليوم الذي عين فيه بوجدة كنائب لوكيل الملك بمحكمتها، قبل أن يذهب إلى بركان كوكيل للملك، ثم إلى مكناس كوكيل عام للملك، ومنها سيأتي إلى الرباط كوكيل عام للملك لدى محكمة الاستئناف ويصادف دخول قانون الإرهاب حيز التنفيذ، ويتكفل ويسهر على تنفيذ خطة الجنرال العنيكري، الذي كان آنذاك مديرا عاما للأمن الوطني والذي اعتقل أكثر من ثلاثة آلاف متهم على خلفية التفجيرات التي شهدها المغرب. بعد ذلك، ستعترف الدولة بتجاوزاتها الأمنية ومبالغاتها القضائية في تدبير هذا الملف. وفي الوقت الذي أشارت فيه جميع أصابع الاتهام إلى الجنرال العنيكري ورجاله، لم يلتفت أحد إلى الوكيل العام للملك حسن العوفي الذي بدونه «تعاونه» القضائي لم تكن تلك التجاوزات لتحدث. ومخطئ من يعتقد أن العلاقات الواسعة التي استطاع حسن العوفي أن ينسجها، مع عالم السياسيين ورجال المال والأعمال والجنرالات النافذين، كانت بفضل مجهوده الشخصي، بل إن الفضل الكبير في فتح أبواب هذا العالم الرباطي أمام القاضي الريفي، القادم من قبيلة «بني سعيد» بالناظور، يعود إلى زوج أخته عبد الرحمان الإدريسي، الملياردير الذي استطاع، منذ ثمانينيات القرن الماضي، أن يربط علاقات قوية بكل وزراء العدل، ورؤساء البرلمان والغرفة الثانية وجنرالات نافذين، كالمنصوري بنعلي، أخ مصطفى المنصوري، المكلف بمهمة في الديوان الملكي، والذي ينحدر من نفس منطقته. ومنذ الوفاة المبكرة لوالد حسن العوفي، قاضي قبيلة «تافرسيت»، سنة 1959، احتضن عبد الرحمان الإدريسي، أخ زوجته، وسهر على تعليمه وتربيته. فوالد حسن العوفي لم يترك لأبنائه من إرث آخر سوى أرض زراعية في قبيلة «بني سعيد» تكلف باستغلالها أخواه، قبل أن يتوفى أحدهما ويسهر الآخر على تدبير أمور الفلاحة العائلية. ورغم أن حسن العوفي انسجم مع عوالم صالونات الرباط المخملية، فإن سعادة الوكيل العام للملك لم يفقد حسه الفلاحي، فبدأ يكتري الأراضي من الدولة بنواحي العرائش ويزرعها بشتى أنواع الفواكه النادرة والخضروات المعدة للتصدير. وتحت الرئاسة المباشرة لأبنائه، يشتغل مهندسون كثيرون بأدوات زراعية حديثة تستعمل أحدث تقنيات الري والسقي. ولكي يرد جزءا من الجميل إلى ولي نعمته، زوج أخته، اشترى أراضي بنواحي عين عودة بالرباط، وأسند مسؤولية إدارتها إلى أحد أبناء عبد الرحمان الإدريسي. لذلك، فمن يريد أن يفهم السر وراء انفجار فضائح العديد من الموثقين مباشرة بعد تولي وزير العدل الجديد مسؤولية وضع مشروع إصلاح القضاء على السكة، لا بد له، أولا، من أن يفهم السر وراء امتناع العديد من الوكلاء العامين للملك عن فتح التحقيقات في الشكايات التي كانت تصلهم من ضحايا هؤلاء الموثقين. والسر هو أن هؤلاء الموثقين كانوا يعرفون أن ظهورهم محمية، ولذلك كانوا يتصرفون بحرية، وأحيانا بنزق مبالغ فيه. وأكبر مثال على «الحماية» التي ينعم بها بعض هؤلاء الموثقين ما يحدث اليوم في فاس، حيث وضع العديد من المواطنين شكايات بموثقين على الأقل، هما «الحمامصي» و«ابن سليمان»، لكن البوزياني، الوكيل العام للملك بفاس المنحدر بدوره من الريف والذي تجمعه علاقة بحسن العوفي، يرفض تحريك هذه الشكايات، خصوصا تلك المتعلقة بالتزوير والتدليس في أراضي الإصلاح الزراعي. والسبب هو أن الوكيل العام للملك بفاس تجمعه علاقة بوالد الموثق «ابن سليمان»، ممون الحفلات المشهور، والذي تجمعه هو الآخر علاقات متينة بالجنرال القادري. وقد ظهرت متانة هذه الصداقة في اليوم الذي رفض فيه أحد الضباط الكبار في الجيش أداء مستحقات الممون ابن سليمان الذي نظم له، على شرف أحد أبنائه، عرسا فاخرا في «طريق زعير» بالرباط، وعندما طالبه بمستحقاته رفض الضابط الكبير دفع ما بذمته. وهنا سيلجأ الممون إلى صديقه الجنرال القادري الذي تدخل وأجبر الضابط على دفع الفاتورة. أما الموثق «الحمامصي»، فقضيته أفظع، خصوصا عندما نعرف أنه قضي في حقه بستة أشهر حبسا نافذا في ملف له علاقة بالتزوير والتدليس، وفجأة تحول الحكم إلى حبس موقوف التنفيذ. وإلى اليوم، لازال يمارس مهامه رغم ركام الشكايات الموضوعة ضده فوق مكتب الوكيل العام للملك. الضحايا المتضررون من معاملات بعض الموثقين بفاس، والذين يعرفون العلاقات النافذة للموثق ووالده بالشخصيات النافذة في الجيش وبالوكيل العام للملك الذي لازال إلى اليوم يقبل يد إدريس الضحاك، يعرفون أن شكاياتهم لن تتحرك مادامت رياح التغيير لم تهب بعد على محكمة الاستئناف التي يجلس على رأسها الوكيل العام البوزياني، والمحكمة الابتدائية التي يجلس على رأسها وكيل الملك فيصل، الريفي الذي حط في فاس قادما إليها من وجدة، والذي يترأس غرفة المشورة، يا حسرة، المخول لها قانونيا التشطيب على الموثقين المتورطين في التزوير. لقد استبشر كثيرون خيرا عندما رأوا كيف أحال المجلس الأعلى للقضاء وكيل الملك بمحكمة القطب الجنحي بعين السبع، رشيد بناني، وزوجته سلوى الفاسي الفهري، رئيسة المحكمة الإدارية، على إحدى غرف المجلس الأعلى. لكن كثيرين تساءلوا لماذا لم يقترب المجلس الأعلى من الوكيل العام للملك عبد الإله المستاري وزوجته «الصفار»، القاضية بالمحكمة التجارية بنفس المدينة، واللذين عمرا في منصبيهما لسنوات طويلة. السبب الحقيقي لخلود بعض الوكلاء والوكلاء العامين للملك والقضاة في مناصبهم ليس له علاقة بمستواهم المهني العالي أو عدم وجود إمكانية لتعويضهم، وإنما السبب الحقيقي هو ارتباطهم الوثيق بمراكز القرار داخل وزارة العدل نفسها. وهي المراكز التي جعلت أي وزير للعدل، مهما كانت صلاحياته، لا يستطيع المس بشعرة واحدة في رؤوسهم، فبالأحرى أن يمس بصلاحياتهم وجذورهم الممتدة في كل محاكم المملكة. وقد رأينا قوة هذا اللوبي المسيطر داخل وزارة العدل عندما ذهب الوزير الناصري إلى أكادير أياما قليلة بعد تنصيبه، فاستقبله المحامون هناك بالاحتجاج. فقد كانت تلك طريقة «بشر»، المفتش العام لوزارة العدل، في تنبيه الوزير الجديد إلى ضرورة احترام المياه الإقليمية لكل صاحب نفوذ داخل الوزارة التي دخل إليها. فسعادة مدير الشؤون المدنية للوزارة سابقا -والذي اشتهر بإعطائه تعليماته بعقد جلسة ليلية في محكمة فاس في غياب كاتب الضبط، وإصداره لحكم ضد «متهم»، وعندما طلع النهار كان «الضحية» في سجن عين قادوس- يعرف أكثر من غيره كيف يجعل كل وزير عدل جديد يدخل الوزارة يسير فوق البيض ولا يكسره. وإذا كان المفتش العام لوزارة العدل يمتلك القدرة على تحريك أذرعه في جهازي القضاء والدفاع معا، فإن «لديدي»، الذي يستمد قوته داخل وزارة العدل من بقايا إدريس البصري في وزارة الداخلية، خصوصا من رئيس قسم الشؤون العامة السابق مصطفى بنكيران والوالي إبراهيم بوفوس المدير العام للشؤون الداخلية، لازال قادرا على صناعة المطر والصحو، كما يقول الفرنسيون، داخل دواليب وزارة العدل، وأيضا حتى داخل المندوبية العامة لإدارة السجون، والتي استطاع خلال تحمله لمسؤولية إدارتها أن يحصل لصديقه المقاول السلاوي، رجل الأمن السابق، على مشاريع بناء بعض السجون، أبرزها سجن «الزليليك» الذي ظهرت عليه آثار التصدعات بسبب فيضانات السنة الماضية. إن طغيان بعض الموثقين واستخفافهم بالأمانة الملقاة على عاتقهم وهضمهم لحقوق المواطنين، سببهما هو الحماية التي يتمتعون بها من طرف بعض الوكلاء والوكلاء العامين للملك. وطغيان هؤلاء الوكلاء والوكلاء العامين للملك واستخفافهم بالأمانة الملقاة على عاتقهم سببه الحماية التي يوفرها لهم «اللوبي» القوي المتحكم داخل دواليب وزارة العدل منذ عشرات السنين. ولذلك فالمعركة الحقيقية لإصلاح القضاء ليست مع كتاب الضبط والموظفين الصغار بالمحاكم والقضاة الذين لا حول لهم ولا قوة أمام طغيان وتجبر هذا «اللوبي»، وإنما المعركة الحقيقية لإصلاح القضاء تبدأ بتخليص الوزارة من السرطان الذي ينهشها من الداخل. إن علاج السرطان لا يكون بالمسكنات، أي صباغة مقرات المحاكم وتزيينها والرفع من رواتب الموظفين والقضاة، وإنما بجلسات مكثفة للعلاج الكيماوي لاقتلاع المرض من جذوره. وبدون حصص مكثفة من جلسات «الشيميوتيرابي»، فإن جسد القضاء سيظل يبدو ظاهريا معافى، لكن داخليا يبقى معرضا لخطر انتشار المرض الخبيث في كل أطرافه. لذلك، فإنه من الحكمة معالجة الداء في مواطنه الحقيقية، أي داخل وزارة العدل، وليس الاكتفاء بعلاج أعراضه التي تظهر على محاكم المملكة.