تمهيد: في إطار اللقاءات التشاورية حول مستقبل المدرسة المغربية التي أطلقتها مؤخرا وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني التي انطلقت على نطاق واسع، همت جميع الفاعلين في حقل التربية و التعليم من جهة؛ من أساتذة و مديرين و مفتشين و تقنيين و نقابات تعليمية و جمعيات آباء و أولياء التلاميذ و جمعيات مدنية ... و كذا القطاعات الأخرى من جهة ثانية؛ بحكم أن إصلاح منظومة التربية و التعليم ورش مجتمعي يستلزم التعاون و تظافر المجهودات بين جميع مكونات المجتمع. و في هذا الصدد أطلقت الوزارة الوصية مشاورات مع جميع المهتمين، كما خصصت منتديات في موقعها الإلكتروني لكافة المواطنين للتفاعل و التواصل و إبداء الآراء و المقترحات. (في هذا الإطار) نود أن ندلي بدلونا حول المدرسة المغربية، و بالضبط حول المدرسة الجماعاتية التي جاءت كبديل تربوي لتجاوز تشتت الفرعيات في العالم القروي. لأنه من المعروف أن القرى المغربية تتواجد بها مجموعات مدرسية تتكون من مدرسة مركزية و فرعيات مدرسية، عكس المدن التي تضم مدارس مستقلة دون هذه الفرعيات المدرسية. حول المصطلح: كلمة « الجماعاتية » في الاسم الذي أطلق على هذا النوع من المدارس، يحتمل أكثر من معنى بسبب غياب أي إطار قانوني لهذا النوع من المدارس، باستثناء إشارات بسيطة في بعض المراجع كالمخطط الاستعجالي ... فقد تعني تجميع الفرعيات المدرسية المشتتة في الدواوير المجاورة في مدرسة واحدة، و قد تعني أيضا توفرها على مجموعة من العناصر و المكونات فيما يشبه مركب تربوي كالتعليم الأولي و التربية غير النظامية و القسم الداخلي ...، كما قد تعني مدرسة الجميع أو « مدرسة المجتمع » (لْمَدْرَسَا نْ جْمَاعَثْ) كما عبر أحد المواطنين من إجطي ذات يوم في إحدى المظاهرات الشعبية، و لعله أصاب التعريف الصحيح مادامت المدرسة شأن الجميع. المدرسة الجماعاتية ضمن البرنامج الاستعجالي: من المعلوم أن البرنامج الاستعجالي يعتبر آخر ما جربته الدولة المغربية في مجال التعليم و الذي انتهت مدته سنة 2012، حيث انطلق سنة 2009 لإسراع وتيرة إصلاح منظومة التربية و التكوين عندما أشرف الميثاق الوطني للتربية و التكوين على الانتهاء و المعد من طرف لجنة خاصة مكونة من مختلف شرائح المجتمع في عهد الحسن الثاني، و بعد التقييم الجريئ للمجلس الأعلى للتعليم سنة 2008 الذي عرج و لأول مرة في تاريخ المغرب على اختلالات المنظومة التربوية. و يضم هذا البرنامج إجراءات و تدابير عملية و مشاريع (Projets) طموحة في أربعة مجالات (Espaces) أساسية و هي : المجال 1: التحقيق الفعلي لإلزامية التعليم إلى غاية 15 سنة، و المجال 2: حفز روح المبادرة و التميز في الثانوية التأهيلية و في الجامعة، و المجال 3: مواجهة الإشكالات الأفقية للمنظومة التربوية، و المجال 4: توفير وسائل النجاح. و في كل مجال من هذه المجالات الأربعة عدد من المشاريع المهمة و في كل مشروع عدد من التدابير. من بين هذه التدابير؛ المدارس الجماعاتية، التي جاءت ضمن تدابير المشروع الثاني E1P2 المتعلق بتوسيع عرض التمدرس الإلزامي في المجال الأول. (انظر المخطط الاستعجالي). أهداف المشروع: إن الهدف الأساسي من هذا المشروع الطموح نظريا هو تحقيق الجودة التربوية من خلال القضاء تدريجيا على الأقسام المتعددة المستويات الموجودة بالفرعيات المدرسية و التي تستنزف مجهود الأستاذ و الدولة دون نتيجة تذكر، عبر تجميع هذه الفرعيات المشتتة و بالتالي محاربة الهدر المدرسي، بالإضافة إلى ترشيد النفقات و تدبير الموارد البشرية، ناهيك عن تسهيل عمل الإدارة ... المشروع » من الخيمة خرج مايل » يتعلق الأمر بمشروع وزاري ما على النيابات التعليمية إلا تنفيذه و صرف ميزانيته مع قليل من المجهود الذهني و الاستراتيجي، هذا ما تم فعله كذلك على مستوى نيابة الدريوش مع أول مدرسة جماعاتية بالإقليم، حيث تم اختيار جماعة بودينار لما تتوفر عليها من المعطيات المطلوبة حسب المسؤولين، و بشكل ارتجالي تم وضع المشروع بإجطي، بالرغم من غياب أدنى شروط الحياة و هو توفر شبكة الماء الصالح للشرب، ناهيك عن غياب المركز الصحي ... في فترة وجيزة تم تدشين المدرسة و هذه نقطة إيجابية تسجل للنيابة. كان المسؤولون يعولون على انتقال التلاميذ و التلميذات من الفرعيات المجاورة لإجطي، لكنهم فشلوا في إقناع آباء و أولياء أمور التلاميذ بإرسال أبنائهم و بناتهم للمدرسة رغم توفر القسم الداخلي بالمؤسسة خاصة بفرعية « تيزى » الذين امتنعوا نهائيا عن الالتحاق بالمدرسة الجماعاتية، و كذلك فرعية ايت تيار حيث امتنعت البنات عن الالتحاق، أما فرعية بومعاذ و الحاج ابراهيم فقد تم نقل المستوى الخامس و السادس على أساس ضم المستويات الأخرى مستقبلا. و بالنسبة لفرعية اتهاميا المنتمية لتراب إجطي فقد أضيف حتى المستويين الثالث و الرابع ابتدائي. عدم مراعاة الخصائص الثقافية للمنطقة و قلة الحملات التوعوية للمسؤولين و عدم انخراط الجماعة القروية و المجتمع المدني في هذا المشروع و عدم التعريف به إعلاميا و غياب الرغبة و العزيمة في إنجاحه ... سيعجل بفشله الذريع مستقبلا إن لم نقل جزء منه فشل منذ الوهلة الأولى بسبب غياب الرؤية الشاملة و الدراسة الدقيقة و الإحاطة من جميع الزوايا و الجوانب. حينما نتحدث عن الفشل نقارن بين الأهداف المنتظرة و النتائج المحققة، فإذا كانت أهم أهداف المشروع تتمثل في محاربة الهدر المدرسي، و بالنظر إلى النتائج المحققة لحد الآن فسنلاحظ أنه ساهم في الهدر المدرسي بشكل ذريع عكس ما كان منتظرا. فالتلاميذ الذين التحقوا لحد الآن أقل بكثير من التلاميذ الذين لم يلتحقوا (هذا ما حدث بتيزى، مما أدى بالمسؤولين بتجميع كل مستويين تعليميين في قسم مشترك، و هذا هدر مدرسي من نوع آخر. فعوض أن يحقق المشروع أهدافه و يتم محاربة الأقسام المشتركة تم تحقيق نتائج عكسية حيث تم تفريخ أقسام مشتركة أخرى بتيزى بعدما كانت تحتوي هذه الفرعية على أقسامها كاملة) أو الذين انقطعوا (خاصة الفتيات). و لإنقاذ ما يمكن إنقاذه سارع المسؤولون إلى إدماج السلك الإعدادي بالمدرسة الجماعاتية خاصة مع احتجاجات الساكنة التي طالبت في ملفها المطلبي بخلق إعدادية بإجطي. عناصر مهمة في المشروع لازالت غائبة: المدرسة الجماعاتية بشكل عام مشروع متكامل إذا وجد طريقه الصحيح و الأرضية الخصبة لما يضمه من مكونات و عناصر النجاح. بإجطي لازالت بعض العناصر غائبة في المشروع، و يتعلق الأمر بغياب المكتبة أو تجهيزها إضافة إلى القاعة متعددة الوسائط، حيث ضم دفتر التحملات للمشروع هذه العناصر لكنها لم تر النور بعد، و ربما هذا راجع بالأساس إلى نفاذ الميزانية في البنية التحتية الصلبة للمشروع. هذا ناهيك عن عدم تفعيل الأندية التربوية بالشكل المطلوب بسبب عدم اهتمام جل المدرسين في ظل الإكراهات الحالية و اقتصار الإدارة على البرتوكولات الورقية. هذا دون الحديث عن عدم تعيين بعض الأطر الإدارية و بعض المستخدمين بشكل رسمي و قانوني، الشيء الذي يزيد من وقع المشاكل و الإكراهات التي تعرفها المؤسسة. خاتمة : أي مشروع كيفما كان يحتمل الفشل كما يحتمل النجاح، و كل تخطيط لا يراعي الخطر أو الإخفاق فهو تخطيط فاشل و بالتالي مشروع فاشل، و أي مشروع دون تتبع و تقييم فهو أيضا مشروع فاشل. إن مشروع المدرسة الجماعاتية إجطي الطموح قد يحقق أهدافه و تصلح أخطاؤه إذا ما تم إعادة النظر في مجموعة من الجوانب، فتغيير بسيط قد يحدث الفرق و المفاجأة. و نقترح في هذا الصدد حتى نضمن ولوج التلاميذ و التلميذات إلى هذه المدرسة استبدال القسم الداخلي بالنقل المدرسي. يكفي تخصيص ميزانية التغذية و التنظيف و الطبخ ... في وقود و سياقة سيارات النقل المدرسي بعد اقتناءها في إطار مشاريع مشتركة مع الجهات المعنية من عمالة و جماعة قروية و مجتمع مدني ... هذا إذا أردنا حقيقة ضمان التعليم لكل الأطفال و الطفلات، أما إذا أردنا أن نكتفي بالعدد الحالي غير المشرف بالسلك الابتدائي، فيجب على الأقل تعيين هيئة تدريس كفأة و إدارة مسؤولة، و تفعيل دور التأطير التربوي و التتبع و المراقبة ... و الله أعلم. و قبل أن يتم افتتاح المدرسة الجماعاتية بحلولة (كرونة) و تشييد أية مدرسة أخرى من هذا النوع بالإقليم وجب أخذ العبرة و التجربة من المدرسة الحالية بإجطي حتى لا يتم تكرار نفس الأخطاء. تعليق