يقول الإمام وحجة الإسلام أبو حامد الغزالي:”(من لم يحركه الربيع وأزهاره ،والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج ليس له علاج”). رحل فصل الشتاء بأمطاره المدرارة المجدية ، والرياح الجربياء اللواقح النافعة ، وأحيانا تكون ضارة ، تساهم في التعرية ،حينما تكون عاصفية قوية ، والبرد القارس الذي به تصطك الأسنان ، وتضطرب الأهداب والأجفان ،وترتعش الأنفس والأبدان ،وترتعد الأرجل والسيقان ، والدم يكف عن الجريان ،وبعد الجمود طوال فصل الشتاء ،يحل فصل الربيع ،فصل الحركة والنشاط ، لاعتدال جوه ،يكون جميلا بتفتح الورود ،وازهرار النبات والأشجار التي تضفي مسحة جمالية على أديم البسيطة المزركش البشوش البسيط الوجه ،فيه يحتفى بالشعر والغابة والأرض ،وكل ما له صلة بالإنسان . الربيع يذكرنا بالشباب لأن فيه تتفتح تباريج النبات ، وتتوهج تباريح الشوق ، وتجري الدماء بتدفق في العروق ، فهو فصل الحركة ،لا يقبل السكون والجمود ،لأن من لا يتحرك مصيره ومآله الشلل والموت ،والربيع عند أهل السياسة يذكرهم بالربيع العربي ،والربيع العراقي ،وربيع براغ ، وعند المسرحيين المسرح الأسود التشيكوسلوفاكي ،مسرح براغ ، وعند أهل الغناء يذكرهم برائعة فريد الاطرش ” ادي الربيع عد من تاني ،والبدر هلت انواره ” وعند أهل الأدب والشعر يذكرهم بقصيدة أبي تمام ، وقصيدة البحتري ، وأمير الشعراء أحمد شوقي يقول فيه : آذار أقبل قم بنا ياصاح …حي الربيع حديقة الأرواح وأبو تمام : ياصاحبي تقصيا نظريكما …تريا وجوه الأرض كيف تصور والبحتري : أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا . .من الحسن حتي كاد أن يتكلما كما يذكرنا من حيث التقويم الهجري ، بربيع الأول وربيع الثاني لوقوع الشهرين أثناء التسمية في ذلك العهد في فصل الربيع ، وجغرافية ، بنهر أم الربيع وهو كنية ،والربيع اسم ولد تفاؤلا بجمال الربيع ، وقيل : إن أم الربيع بالأمازيغية يتكون من :أم = صاحبة = مو. / وأربيع =جماعة = أرباعة ويتكون من أربعين عينا بين مالحة وعذبة ..ااا وفي الأسطورة قيل: إن الوادي أقسم على أن يقتل أربعين خلال الفيضانات والله أعلم . وقيل قديما :”مصر هبة النيل وأزمور هبة أم الربيع “، وتاريخيا ، بيوم الربيع من أيام حروب الأوس والخزرج في الجاهلية ، ولغة : أبو الربيع كنية أيضا أطلق على الهدهد ….. بحلوله وإقباله ودخوله تحل العطلة الربيعية ،تتعطل المدارس لتستريح من العمل المضني ، يعود الأطفال إلى اللعب في الحديقة ، ولا يدورن أنهم يكلمون ويقتلون النباتات وهم يلعبون الكرة ،لغياب أماكن الترفيه ، تعود الشيه والمعيز والبغال والحمير لترعى الأعشاب ، بعضها استناخت وأرنفت آذانها من شدة التعب والنصب ، ، ،فيتحول ما هو مخضر إلى مصفر كالتبن ، إلى وارس الحمرة ، ومن تراب نقي إلى روث وسرجين ، تساهم فيهما الحيوانات ،وبراز يساهم فيه الإنسان الغني جهلا ،والفقير عقلا وإيمانا وحياء ،لغياب المراقبة من طرف المسؤولين ، وضعف الإيمان في قلوب الكسابين الذين يقتلون الطبيعة ، بسبب طمعهم وجشعهم وإهمالهم للماشية ، وتعود الكلاب إلى عادتها للتهارش والمرش والطفر في أماكنها المعتادة ، ومن الشرفة في إحدى صباحيات الربيع الجميلة ،رأيت أجرية ضالة ، تمشي مترادفة فرادا ،تبحث بالقرب من حاويات الكناسة عن شيء تأكله ،لأنها لا تستطيع أن تصل إلى أعلاها لعلو القمامات ، تتبع المارين كأنها تستجدي ، لأنها جائعة ، جوع كلبك يتبعك ،ولكن لا يعبأون بها ، هي يتيمة مشردة ولا أحد يريد أن يحتضنها ، لو كانت في أماكن أخرى ، لقامت الجمعيات الحاضنة الخاصة بالرفق بالحيوان ، بإيوائها واحتوائها للحفاظ على نوعها ، لأنها فعلا جميلة بقدها وفروها بالإضافة إلى براءتها كالطفولة البريئة . أما الفراشات لانعدام فرش النبات فغائبة ،وكذا الشث لا وجود له في هذه الحديقة غير البشة التي طالها الإهمال حتى في وقت الربيع ، وكأنها اليوم في فصل الخريف ، فلا طيب ولا رائحة ذكية ولا رحيق ،ولا عبق ولا حبق ، ولا ماء في النافورات ، فلا نرى سقيا وريا يوميا إلا لماما ، وهلم جرا وسهوا ونسيانا ،إن الذي نراه هو الناموس والذبان ، فالنبات والزهور والأشجار لا تنمو إلا بالرعاية اليومية من ري وشذب وتهذيب وصيانة ومحافظة ومراقبة مستمرة . أما أطفالنا فلا فضاء لهم للترويح في هذه الحديقة ، إن مدينة الحسيمة في هذه السنة ، فتحت مخيما ربيعيا في وجه الأطفال الصغار ، لكسب خبرات ، وحفظ أناشيد ، والقيام بنشاطات فنية وترفيهية بالمشاركة والاعتماد على النفس ، والتعرف على أطفال من جميع الأقاليم المغربية ،لأجل التعارف ، والحفاظ على الوقت الثالث ، وتجزيته فيما يفيد ، بدلا من تصريفه فيما لا يجدي ،أما نحن فقد فتحنا معرضا للعب في فصل الشتاء ،لا يناسب لا زمانا ولا مكانا ولا جوا ، ولا للصغار ولا للكبار ، لأن الطفل يكون منكبا على الدراسة في الروض أو المدرسة ،فما نوع هذه المفارقات ،لأنها لا تخدم الجانب التربوي والترفيهي للطفل ،وإن كان الطفل يتعلم وهو يلعب .؟؟؟ لا فكر ولا ثقافة ولا فن ولا مسرح ولا غناء ولا ترفيه ولا رياضة ولا أخلاق ولا ربيع ..،،،فهل نحن في مدينة ضالة جاهلة نائمة حالمة غير واعية ،أم أننا لا وجود لنا بتاتا ، بنينا على حذف النون ،ونصبنا على نزع الخافض ،أم حدث لنا التعذر والاستثقال ،أم أننا في وضعية لغة من ينتظر ، ولغة من لا ينتظر ،أم أصابنا الإعلال والقلب والإدغام والإبدال ، ونقل الحركة والمقابلة والعوض والتعويض و….. لا ندري.اا؟؟