إن الحالة المزرية التي آلت إليها الرياضة المغربية بكل مكوناتها جعلتنا نُحس بغُصة في الحلق كلما فتحنا جهاز التلفاز على مختلف القنوات الرياضية، حيث نلاحظ دولا كانت إلى عهد قريب غير مذكورة في أي نوع من أنواع الرياضات، استطاعت في وقت وجيز بفضل حسن تسيير مسؤوليها، وإرادتهم في تغيير الأوضاع التي كانت سببا في تخلفهم السياسي والاجتماعي والرياضي، أن تتبوأ الصدارة وأن تخلق لنفسها موقع قدم في مختلف الاستحقاقات الرياضية. في حين عجزت المغرب أن تحافظ على موقعها الريادي في بعض الرياضات التي استطاع أبطالنا المغاربة – رغم حجم الفساد المستشري فيها – أن ينتزعوا فيها الزعامة ويتوجوا على رأسها لسنين. إن أزمة الرياضة في المغرب ليست أزمة مدربين أو رياضيين أو تقنيين، وإنما الأزمة أزمة منظومة بأكملها تشابكت فيها مختلف المصالح الشخصية لتشكل لوبيا يتحكم في مستقبل الرياضة المغربية، فأغلب القطاعات الرياضية يتحكم فيها أشخاص هدفهم الوحيد و الأوحد هو المحافظة على امتيازاتهم الشخصية وعلاقاتهم المشبوهة ولو على حساب أبطال و مدربين وتقنيين كرسوا حياتهم لرفع علم المغرب عاليا في المحافل الدولية . فحين نرجع قليلا إلى الوراء ونستحضر صرخات وصيحات البطل العالمي سعيد عويطة لإصلاح ألعاب القوى المغربية وإنقاذها من مخالب المفسدين الذين عبثوا بالتاريخ الذهبي الذي حققه أبطال كبار من أمثال سعيد عويطة ونوال المتوكل و خالد السكاح ومولاي إبراهيم بوطيب وهشام الكروج ونزهة بديوان… وغيرهم، صيحات ذهبت أدراج الرياح ولم تجد الأذن المصغية، لتصاب ألعاب القوى المغربية بانتكاسة حقيقية، وتصاب بالعقم من جديد نتيجة استهتار المسؤولين الذين يؤثرون مصالحهم الشخصية وأنانيتهم المستعلية وحبهم الشديد لكراسيهم الوثيرة على حساب الرياضة المغربية . ونفس الشيء بالنسبة لكرة القدم المغربية التي عاشت في الأيام الأخيرة أسوأ مراحلها، حيث كانت المثال الصارخ لسوء التدبير والتسيير لمسؤولين دون المستوى تحكموا في مصير الكرة المستديرة ضدا على المنطق واختيار جميع المغاربة . فبدل أن يعين الإطار الوطني الكفء بادو الزاكي الذي أعاد المصداقية لكرة القدم المغربية واستطاع أن يعيد أمجاد المغاربة في السبعينات والثمانينات ويلعب نهاية كأس إفريقيا في تونس 2004، ويشكل فريقا من الأبطال صالوا وجالوا في البطولة الإفريقية وأمتعونا بأهداف مازالت عالقة في أذهان جميع المغاربة، ورغم إجماع جميع الفاعلين الرياضيين وجميع المغاربة على اختلاف توجهاتهم حول أهلية بادو الزاكي لقيادة المنتخب المغربي لخوض اقصائيات كأس إفريقيا وكأس العالم ، يأتي قرار التعيين الأخير للسيد رشيد الطاوسي على رأس المنتخب المغربي ضدا على الإرادة الشعبية، وأٌقصي بادو الزاكي بطريقة تنم عن حقد دفين وحسابات شخصية ضيقة لبعض أعضاء الجامعة المغربية لكرة القدم دون مراعاة المصلحة العامة، وفي غياب تام لأي تدخل من الوزارة الوصية المسؤولة سياسيا أمام البرلمان . إن الإقصاء المٌهين للمنتخب المغربي من إقصائيات كأسي إفريقيا و العالم يجعلنا نكرر كلامنا الدائم، بأن الأزمة ليست أزمة أطر وطاقات وإنما الأزمة أزمة نظام بأكمله وفساد مستشر في جميع الإدارات المغربية وفي جميع المجالات، الرياضية منها والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ومن أجل محاربة هذا الفساد لا يكفي أن تُلصق بعض الملصقات في الإدارات المغربية وعلى بعض اللوحات الاشهارية ، ويُهدد الراشي و المرتشي عبر الإذاعات والقنوات المغربية، بل لابد من هَبة حقيقية ووقفة مسؤولة، ومحاسبة كل المسؤولين الذين كانوا سببا في تردي هذه الأوضاع التي يكون ضحيتها دائما المواطن المغربي المقهور . لابد من تحقيق عدالة اجتماعية يتساوى فيها جميع المغاربة، ولا يحسون معها بأي نقص اتجاه الآخر، عدالة ومساواة وكرامة إنسانية لا امتياز فيها إلا للعامل المجد الذي يغار على وطنه وأبناء بلده. حينما يدرك المسؤولون هذه الحقيقة المهمة، ويربطوا المحاسبة بالمسؤولية، والرجل المناسب في المكان المناسب، نستطيع آنذاك أن نتحدث عن محاربة الفساد والظلم والاستبداد، وأن نقول بالفعل إن المغرب حقق التغيير المنشود واستطاع أن يتحول إلى دولة ديمقراطية تُصان فيها الحقوق ويُحاسب فيها كل من استهتر بالمصالح العامة وبدد ميزانيات مخصصة لمختلف القطاعات الحكومية ومقتطعة من الضرائب التي يدفعها عموم المغاربة. إن زمن التسلط والتحكم من أجل التحكم مضى زمانه وولى عهده، وحان وقت التغيير الحقيقي، فارتفاع نسبة الوعي عند المغاربة، والمتغيرات الدولية المحيطة بالمغرب، جعلت الشعب المغربي يتمسك بجميع حقوقه ويطالبها بشكل يومي عبر خروجه إلى الشارع واحتجاجه على سوء الأوضاع وغلاء المعيشة وغياب الحقوق والحريات، وعلى الدولة والحكومة بصفة خاصة أن تتدخل و تعيد الأمور إلى نصابها وتخفف من حدة القمع والظلم الممارس على مجموعات من المغاربة لا يشاركون من هم في دواليب الحكم في تصورهم للحكم. إن ما وقع للرياضة المغربية هو نتيجة طبيعية لسوء التدبير والتسيير والضغط الممنهج الذي يمارسه من يتحكمون في دواليب مختلف المؤسسات العمومية والهيئات النافذة التي تبقى بعيدة حتى على رقابة نواب الأمة الذين اختارهم الشعب المغربي، ويتصرفون بمزاجية لا متناهية وقراراتهم تعتبر خطا أحمرا حتى على الوزارات الوصية التي يقودها رئيس الحكومة المنتخب السيد عبد الإله بنكيران، وخير دليل على ذلك جامعة كرة القدم وجامعة ألعاب القوى اللتين محتا أمجاد المغاربة بممحاة بعض أعضائها الذين لم يقدروا جيدا خطورة اختياراتهم المزاجية والبعيدة كل البعد عن الدراسة والتخطيط الذين يعتبران أساس نجاح أي عمل أو اختيار، والنتيجة كانت كارثية بكل معنى الكلمة، فالأموال الطائلة التي رُصدت لهذه الاستحقاقات الرياضية والتي خرجت من جيب دافعي الضرائب ذهبت سدىً ولم تُحقق أي نتيجة تنسي المغاربة هذه الكارثة المالية . تُرى ماذا سيكون رد فعل وزير الرياضة في حكومة بنكيران أمام هذا اللعب “الباسل” ؟ وهل سيفي بوعده بإعادة هيكلة جميع المؤسسات الرياضية وتعيين الرجل المناسب في المكان المناسب ؟ وإن نفذ سياسته الإصلاحية فهل سيقتفي أثره باقي الوزراء في قطاعاتهم ومؤسساتهم العمومية ؟، أم أن أي إصلاح مرتقب سيصطدم بعفاريت وتماسيح لا يعلم عددهم وألاعيبهم وقوتهم إلا الماسك بزمام الأمور في كل شيء. ولنا عودة لموضوع الرياضة مع الإقصاء المقبل عند بقاء الحال على ما هو عليه .