يعتبر جل المهتمين بالمجال السياسي بأن مشروع القومية العربية , ولد فاشلا من أساسه , على اعتبار أنها عقيدة اقصائية , و شوفينية باطلة , و كل ما بني على خطأ فهو خطأ . و السؤال المطروح دائما و هو إلى ما كان يسعى إليه هؤلاء القوم بتبنيهم لهذه العقيدة ؟ بالرجوع إلى البداية التاريخية للقومية العربية , فالقوميون العرب – أو العروبيون – يؤمنون بالعروبة كعقيدة ناتجة عن تراث مشترك , من اللغة و الثقافة و التاريخ إضافة إلى مبدأ حرية الأديان , و تشكل هذا الفكر بعد حملة محمد علي باشا , وإبان ظهور بوادر انهيار الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر . و يعتبر أهم رواد هذا التوجه , ميشيل غفلق – عبدا لرحمان الكواكبي- أنطوان سعادة- قسطنطين ريزق… و غيرهم. و تتأسس هذه العقيدة على ما يسمى بالأمة المنشودة التي يتسع مداها لتشمل كل الناطقين بالعربية من الشرق إلى الغرب, و التقهقر الذي شهدته مؤخرا في الوطن العربي, ما هو إلا نتيجة إلى الإسلام السياسي عير العربي . و هنا ظهر الخلاف بين التيارات القومية حول التاريخ الفعلي لظهور بوادر القومية العربية , فالبعض يعيده إلى الفترة الأموية – مع خلافة بني أمية – و البعض الأخر يؤكد أن الفكر القومي تشكل إبان الاحتلال التركي للشرق العربي , و نتيجة لذلك ظهرت تيارات و أحزاب قومية تدعو إلى إحياء الخلافة العربية – الخلافة لأهل قريش – مستبعدين أي نقاش حول حقوق القوميات الأخرى , التي تواجدت في المنطقة قبل وجود العرب أنفسهم , و ظهرت محاولات لتعريبهم , و إن أقتضى الأمر استعمال القوة لمنعهم من التحدث بلغتهم , و تعتبر الأحزاب البعثية و التيارات الناصرية قاطرة الفكر القومي خصوصا في الشرق الأوسط , سوريا و العراق و في مصر في عهد جمال عبد الناصر … واسمحوا لي أن أبدي برأي المتواضع حول الفكر القومي العربي عموما. بداية , هذه العقيدة التي تبناها مفكرين مشارقه اغلبهم مسيحيين , ولدت و هي في حالة احتضار , و هي أشبه بالسباحة ضد التيار , بل تذكرنا هذه المدارس القومية بالحركة النازية في بداياتها , بدليل أن كل ألنظم ألتي علا صوتها بالقومية العربية لبست ثوب الشمولية و الاستبداد وحكم الفرد وإنكار الحقوق على القوميات الأخرى التي لا تربطها صلة بالعروبة ,و اعتبارهم من الدرجة الثانية , أما هم فالشعب المختار, و لا ينبغي مجارتهم في المطالبة بنفس الحقوق و المطالب أو تتهم بالعمالة لبعض الدوائر السياسية و الثقافية في الغرب – حلال عليهم حرام علينا – ,هذه هي القاعدة التي يؤمن بها أصحاب التيار القومي ,حتى وإن كان فكرهم مجرد كومة من الإخفاقات, منذ عهد جمال عبد الناصر إلى يوما هذا , فمصر عانت الاستبداد و الهزائم – في عهد سيطر فيه الفكر القومي – ما لم تشهده عبر تاريخها العظيم , وأما العراق فقد دمر التيار ألبعثي البلاد و أصبحت ألان مهددة بالتقسيم إلى دويلات صغيرة , و أما سوريا فالحراك الديمقراطي داخل البلاد قويا وظهور المقاومة المسلحة ضد نظام بشار الأسد و المجال لذكرها. و السؤال الذي يراودني دائما و أنا أقرأ لهؤلاء القوم وهو ما عساهم سيكون رد فعلهم إن قام الامازيغ في شمال إفريقيا –مثلا – أو إحدى القوميات المنتشرة في الشرق الأوسط ( كالأكراد – أو التركمان …) بالمطالبة بنفس الحقوق التي يطالب بها القوميين العرب ؟ الجواب يعرفه الجميع, لتعرضوا للتخوين و اعتبروهم أعداء الوطن و أعداء الإسلام, و هذا ما يحدث دائما, كلما ظهرت في الأفق حركات منافية للقومية العربية, تدعوا إلى رد الاعتبار للهوية المحلية حتى و لو كانت سلمية. و لكن مهما يكن فإن أفول نجم العروبيون وشيك , حتى وإن حاولوا جاهدين إلصاق مكاسب الحركات الاحتجاجية التي اجتاحت شمال إفريقيا على أساس أنها إحياء للقومية العربية من جديد مع أنهم يعرفون حق المعرفة أن هذه الانتفاضات قامت ضد الاستبداد و التهميش الذي مارسه أسياد القومية العربية ضد شعوبهم على اختلاف ثقافاتهم و أجناسهم ,و عاشت الشعوب حرة والله المعين