المشهد الأول: فترت ووهنت العلاجيم المعرنكسة المشاكسة المترادفة كقطعان الماشية حينما تتسابق إلى حظائرها، وخفت وهمد عركها، بعد أن كانت هوجاء في الصباح مرغدة مزبدة، اضطرب لها الطغم بالهيجان والخفقان، وحرمت العروك من الصيد للظفر بالحيتان، انقلبت الأمواج إلى مويجات ضعيفة، ذات فقاقيع وغران ويعاليل صغيرة ناصعة ناطعة مفترة، تفنى في الرمال الناعمة، تنساب وتتخلل بين الصدف الملساء، تترك وراءها حسيسا موسيقيا سرمديا، يسحر القلب والعقل والنفس، ويرقص الروح، أتيه مع هذا العالم الهادئ الوديع الجميل، فأصاب بالوسن أو الكرى وأنسى ما حولي وهمومي وزماني ومكاني، كأنني ثمل أو حالم، أو شاعر رومانسي يهيم في عالمه، منتظرا جن عبقر، ثم أصحو للتمعن في هذا المشهد الفسيح، أو المنظر العظيم، أبدو أمامه كبعوضة أو ناموس أو أقل منهما، أو كنقطة من اليم الذي أحدق فيه، وألغف نظري متأملا، أرنو إلى سطحه المتغير من شدة الزرقة في الصباح والزوال، إلى الاحمرار في الأصيل، والبياض في الليالي المقمرة الغراء، والمتحرك من فتور إلى هيجان، ومن مد إلى جزر، كل ما خلقه الله فيه فن وعلم وانتفاع وقوة وعظمة، الصيادون ينتظرون هدوءه للصيد، والمهاجرون للإبحار إلى ديارهم بالغربة، وآخرون يريدون الإبحار سباحة إلى الضفف الأخرى كما ولدتهم أمهاتهم تقريبا، أو سرا في قوارب الهجرة، والتجار للتجارة، والسياح للسياحة. بجل، فترت الأمواج وجرى ذهب الأصيل الذي غطى أديم اللافظة، شكل لوحة فنية جذابة، فيها حركة الطيور من نوارس وقرلى وقوار وغيرها، الكل يبحث عن عشه، أما الإنسان فيظل مستمتعا بمشهد الغروب إلى منتصف الليل، أو أكثر، لأنه أمام مشهدين: غروب الشمس وهي كبيرة شديدة الاحمرار/ وطلوع القمر بنور أبيض غر، بز وشاب سواد الظلام، فأصبح الليل نهارا، لوحة أخرى واسعة مياهها تلمع وتتلألأ وتترقرق صافية كاللجين، تكضلك إلى التأمل والتفكير بالعقل والنظر والتحدق بالعين، والاستماع إلى هميس الأمواج بالأذن وشم رائحة البحر بالأنف ومس مائه باليد، وتذوقه باللسان، هذه اللوحة الرائعة تشارك في رؤيتها جميع الحواس بدون استثناء، لذلك فالإنسان يقترب منها إما واقفا، أو مترجلا أو جالسا حيث يجد ذاته في ذلك السكون، وربما تلهمه، فتخطر بخلده خواطر شعرية أو نثرية… إلا أنه في بعض الأحيان يلوث هذا الفضاء الذي هو علاج للأعصاب، بسلوك غير أخلاقي… ترفضه حتى تلك اللوحة الطبيعية الرائعة التي تسعد الإنسان، بينما هو يقتلها بسلوكه المشين السمج. المشهد الثاني: طوحت بي رجلاي إلى إحدى المقاهي القريبة بالمحطة البحرية بعد أن مشيت كثيرا، لأستريح ولانسلخ من الروتين الساكن في أحشائي، والذي لم يزدني إلا حزنا وغما، وكي أرى مشاهد ووجوها جديدة أو أصدقاء بعد غياب طويل وربما سنوات كثيرة، وفعلا يحدث ذلك أحيانا وصدفة… جلست كباقي الجالسين، أنظر إلى حركة المسافرين من قادم وآيب، وعلى وجهوهم علامات العناء من السفر، ولكن صوت كوكب الشرق المنبعث من الأسطوانات، يبعث فيهم الحركة والنشاط والحنين إلى الماضي، زمن الفن الخالد الأصيل، وكل ما هو أصيل يتصف بالاستمرار، وبدوري أحس وإخالني كأنني أعيش على ضفة النيل، أو جالس في إحدى مقاهي نجيب محفوظ، أو غيره من الأدباء رواد المقاهي،… على الموائد جرائد للقراءة تقدم للزبناء، تصفحت بعضها، وألفيت الحديث الكثير عن اتحاد كتاب المغرب، وما يلاقيه من عراقيل فكرية وسياسية، وحول من يتولى رئاسته، تذكرت بعض الرؤساء، كعبد الكريم غلاب، قيدوم الكتاب صاحب “لمعلم علي” وأساتذتنا كمحمد عزيز لحبابي صاحب “الشخصانية”، واليابوري بدراساته النقدية ومحمد برادة صاحب “لعبة النسيان” وصديقنا في الدراسة عبد الحميد عقار أيضا بدراساته النقدية في الرواية والقصة وغيرهم من الرؤساء من الجيل الجديد، فقد عرف الاتحاد انشقاقا في عهد حسن نجمي قاده أحمد لمديني، ومحمد عز الدين التازي وسعيد يقطن من خلال تأسيس رابطة أدباء المغرب، وخلال هذا المؤتمر الثامن عشر شتنبر 2012 من أجل انتخاب رئيس جديد، أسست بعض النساء رابطة كاتبات المغرب… وقالت ليلى الشافعي: “اتحاد كتاب المغرب لا زال منظمة ذكورية” هناك انشقاقات، وهناك من أهل القلم من يريد الاستغناء عن هذا الاتحاد لأسباب شخصية… وثمة “بفتح الثاء” من كتب: “تفرق كتاب المغرب”. كما قرأت مقالة لصديقنا في الكتابة صدوق نور الدين بعنوان: الرباط: كأنها المدينة…؟ يتحدث عنها خلال أيام مؤتمر اتحاد كتاب المغرب…ومقالة لمحمد بودويك بعنوان “الريح والسفينة ” في حلقتين ،متحدثا عن وضعية اتحاد كتاب المغرب ، وكثر الحديث أيضا: عن الدخول المدرسي، والثقافي والسياسي والإعلامي والاجتماعي والرياضي والسينمائي والهدر السياسي والمدرسي، والتعليم الخصوصي…والحديث عن التدخلات والوساطات والإفراجات والإعفاءات ….. ولا نرى الخروج بنتيجة إيجابية، كلما حل شهر شتنبر نكرر عين الكلمة: الدخول… الدخول…والتدخل ….. عجعجة ولا نرى طحنا، ولكن ضجيج المقهى جعلني أتوقف عن القراءة، من كثرة التنابث عن الأسرار، والتباحث عن الأخبار، بل غادرت المقهى متجها إلى السوق لابتياع لوازم المطبخ للبحث عن غذاء للمعدة، قبل التفلسف، بعد الغذاء العقلي، أحيانا أن تطلق ساقيك للريح من كثرة الضيق والزحام والازدحام، والسلوك المنبوذ الصادر عن الأوغاد، والكلام السوقي النبيث الخبيث الصادر عن الأوغام. المشهد الثالث: الحديقة المريضة اليتيمة اليهماء البراح، أضحت مرتعا للمتسكعين ومربضا للحيوانات، وفضاء للجلوس فوق أعشابها لبعض رواد المقاهي الذين يغتالون اخضرارها، ويلوثون فضاءها والمارين والجيرة، بدخان الشيشة المضرة، لو بعث بطه حسين لظن الحديقة الجامع الأزهر، بدون سقف وأعمدة وأسوار، نظرا للجالسين على شكل حلقات يختلفون إلى نفس المكان للنهل من حياض العلوم، والنيل من معارف شتى، بينما هم يتناولون كل ما هو مضر، يحضرون النرجيلة “كلمة فارسية” أو “أركيلة” كما تقول عامة الناس، كأنهم سيعقدون مؤتمرا، يضعونها فوق المائدة تبدو كالكأس الدوري، لا كالكوكب الدري، أو كأس إفريقيا أو العالم، وآخرون يضعونها أسفل المائدة، تعن كمحول السرعة، وهم يبدون كأنهم في قطار يتحرك بالدخان ولكنه واقف، ويسافرون مع الدخان المتصاعد من أفواههم، وهم جالسون حالمون خاملون، إنها موضة عابرة زائلة، من الشعر الطويل إلى المقزع والعنصية والزغبات، من السروال الطويل العريض الفضفاض، إلى القصير الضيق… أين الهيبية والبونكية والبوهيمية ومن تناول ال،س،د إلى الماريخوانا ومن الهيرويين إلى الكوكايين، ومن الشمة إلى ريفوتريل، وركوب ريفولي، ومن الشيشة إلى…؟؟، أصبح البعض، يبتاعون ما هو رخيص من هذه المضرات السامة التي تسبب أمراضا مزمنة فتاكة، بسب قلة الدراهم، فهم في أزمات مادية نفسية عقلية صحية دوما، ابتدعوها بسلوكهم وتسببوا في خلقها بدون حل ومخرج… فالأنهار ليست دائمة الجريان والسيلان، لأنها تتعرض للنضاضة بعلة القحط والجدب. ومن المشاهد الخطيرة التي تنعكس على الأطفال سلبا نفسيا واجتماعيا.. اصطحاب بعض الأمهات!! أطفالهن الصغار لا تتجاوز أعمارهم ثلاث أو أربع سنوات إلى فضاء الحديقة، الأمهات يجلسن بجانب الرجال إلى وقت متأخر من الليل الذين يدخنون ويلعبون الورق والأطفال بدورهم يتفرجون، فما نوع هذه الأمومة..؟؟ إن الشيشة والشاي عبقت برائحتهما الحديقة المغلوبة على أمرها، المحتقرة من لدن منعدمي الضمير الذين لا يعرفون قيمة الاخضرار، ويفتقرون إلى الثقافة الجمالية والتربية على المواطنة، وسلوك الاحترام، وربما هناك أكثر من الشيشة والشاي والقهوة…؟؟ فمتى سيستيقظ ذلك الطفل ليذهب إلى الروض كباقي الأطفال..؟ ومتى ستستيقظ الساكنة لمحاربة هذا الداء القاتل كالسيدا أو السرطان. رغم المقالات التي كتبت في هذا الشأن، من طرف الغيورين، ولكن أهل الشأن غافلون ويتغافلون ويتجاهلون، لا يهمهم السكان ولا المدينة، لأنهم يفكرون في الرحيل والانتقال و..؟ ومما يبعث على الدهشة والاستغراب مكوث البعض ليل نهار في المقهى، كالقاضي الزميت عبد الله بن سوار…الذي تحدث عنه الجاحظ، أو كالنطار الذي ينصبه الفلاح للحراسة… وهم يبحثون عن استراتيجيات خاصة بهم وحدهم… إلى أن يأتي النادل أو النادلة للإعلان عن نهاية الرواية أو المسرحية روميوجوليتية أو جميل بثينية أو قيس ليلية أو ديوثية أو دون جوانية أو دون كيشوطية… لرفع الكراسي وإسدال الستار، وهم مصابون بالخمول والكسل ومرض الجلوس، أو كأن الكراسي فيها جاذبية أو مغناطيس لا يقدرون على النهوض والقيام… إن السعادة ليست في الشيشة المتجاوزة وغيرها من المضرات، وإنما السعادة يشعر بها الإنسان عندما يقوم بواجبه وعمله على أحسن وجه، بدون غش وتماطل وتسويف، يشعر بالسعادة عندما يؤدي واجباته الدينية من صلاة وصوم وزكاة وغيرها من الشعائر الدينية. والإنسان البستاني، بناء على المثل الصيني، يعيش في سعادة، لأنه في سعادة أبدية مع بستانه: من سقي وتهذيب وتشذيب ونقش وحفر وبذر وزرع وبزر ونقح ولقح، كل هذه الأعمال تجعله ينسى المشاكل ومكانه وزمانه، فلا يبرح البستان إلى أن يحين الغروب، يأكل وهو سعيد نشيط، وينام وهو مطمئن البال، مرتاح الضمير. فهلا يفكر الآباء في تربية وتهذيب ورعاية أولادهم، كما يرعى البستاني رياضه، والفلاح أرضه…!! إن أمطار الخير قادمة بحول الله، نرجو من الله أن تكون نافعة مجدية مع الدخول الفلاحي، لتنتعش الأرض بعد استراحة طبيعية، ولتبرض الأعشاب من جديد، لتجد الحيوانات الماء والكلأ، فهي لا تستطيع البحث والتنقيب عن الماء كالإنسان، لذلك تحتاج إلى الأمطار ومياه الأنهار، والنباتات أكثر احتياجا إليها، لأنها لا تتحرك، والأنهار لها دور مهم في إيصال الماء إلى البحار، ولولاها لحدث الطوفان كلما هطلت الأمطار بغزارة، وبني انصار المدينة تخترقها عدة أودية تفتقر إلى صيانة مجاريها، وأرى بعض قنواتها مليئة بالأحجار والأزبال والأتربة، فهلا يفكر المسؤولون في هذه الأودية التي ستشكل خطرا على الساكنة القريبة منها إذا ما حدث فيضان…!! ومن رخص للبناء في مجرى الأودية…؟ أين سعة وعرض إغزار أنووشير، وبوزيزة، ونينيو وغيرها؟، لأن اليوم نعاين قنوات ضيقة لا تقدر تحمل تدفق الماء إذا كان قويا غزيرا. إذ لا بد للأنهار أن ترجع إلى مجاريها الطبيعية. وفي بداية هذا الفصل فصل الخريف و نهاية شتمبر الحالي حدثت فيضانات في بعض الدول وبالأخص اسبانيا تسببت في خسائر مادية وفلاحية وبشرية ،كما أن الإعلام الإسباني أعطى إحصائيات حول فيضانات وقعت في بداية الخريف في 30 شتمبر في منتصف القرن الخامس عشر وأواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين. ولما يصل فصل الشتاء. إن انسياب الماء بسلامة في القنوات المستحدثة دليل على تمدن وتحضر المدن، فإذا لم يحصل ذلك فإننا ما زلنا نعيش في قرية، انظر إلى بعض الأنهار التي تخترق العواصم والمدن الكبرى في الدول المتقدمة، علاوة على جريان الماء فيها، تمنح منظرا جميلا للمدينة، تدعوك إلى الجلوس على ضفافها، والتمتع بخريرها وصفائها وعذوبتها وحركتها. غياب المشاهد: إن الحزازات المؤلمة الموجعة التي تبقى كما هي ولا تندمل بعوامل نفسية / لا الحزات / والاختلافات غير الائتلافية، والنعرات التي تؤدي إلى الفتن، والعصبيات القبلية المنغلقة والمستغلقة العمياء، والمناحرات المنفرة، أدت بنا إلى غياب المشاهد الثقافية والسياسية والفكرية والفنية، وأهل الشأن المحلي يستفيدون بهذه الثقافات الضغينة، والانفعالات السلبية، يفعلون ما يريدون، هم أنفسهم يسعون إلى هذه النعرات المختلقة ليخلو لهم الجو، فكلما نعر ناعر أو “بلطجي” إلا واتبعوه، بسبب هؤلاء الانتهازيين مات كل شيء، وغابت المشاهد المذكورة آنفا، وسكتت الطبقة المثقفة، رغم مجهوداتها الجبارة التي تتضح في خلق شيء من لا شيء، حرمت حتى من مكان للاجتماع، فهل يعقل أن تنظم نشاطا في مستودع للحافلات تابع لشركة أجنبية إسبانية فرنسية سابقا، ولم يبق حاليا لأنه هدم، اهترأ بنيانه، وبسقفه ثقب، وغيره من الأمكنة التي لا تصلح للجمعيات لتنظيم أنشطتها المتنوعة، إن المثقفين موجودون، والعقول متوفرة، والمواهب حاضرة، تنتظر من يصقلها ويؤطرها، ولكن المكان غائب لذلك غابت المشاهد، ولكن بفضل المواقع الإلكترونية بدون استثناء، وبتحرك جميع الجمعيات المدنية والثقافية والرياضية والخيرية وغيرها، سنصل إلى هدفنا بحول الله، ألا وهو خلق فضاء يجمع جميع الأنشطة، لتحضرها الساكنة وليشارك فيها جميع شباب بني أنصار. والجمعيات والطبقة المثقفة اليوم، تسير في هذا الاتجاه، وقد شرعت بل، راسلت الجهات المختصة حول إنشاء الملعب البلدي لكرة القدم، وبناء دار للشباب، ووصل السؤال والتسآل إلى قبة البرلمان، لأول مرة في تاريخ بني انصار، وسيأتي دور المكتبة والمركب الثقافي، لأجل إنقاذ شبابنا ذكورا وإناثا من بعض المشاهد المشينة المخلة بالآداب والقاتلة والمحدثة أمراضا مزمنة فتاكة. نعم / للقاءات والندوات والأنشطة الرياضية والفنية والثقافية، لا ولا للشيشة والحشيشة والشمة والحبوب المهلوسة… ولا للعادات الدخيلة المنبوذة الممقوتة وغيرها طرا ولما وجميعا وبصعا، حاليا ومستقبلا، علينا جميعا أن نتعظ ونأخذ العبرة مما نشاهده، ونعاينه ونراه ونلاحظه من تصرفات المدمنين، وحالاتهم النفسية والصحية والجسدية التي لا تبشر بخير وبفأل ميمون. “هل نقبل أن يكون المجتمع مريضا”؟ من سيقرأ؟ من سيحرث؟ من سيعمل و…؟ ولا بد من ضمان الشغل للجميع للقضاء على العطالة والبطالة ،ولا بد من إيجاد حلول، والحلول عند أهل الحل والعقد، والأسر ومراكز التربية والمدارس، وأهل الشأن المحلي والإقليمي والجهوي والوطني والجمعيات بجميع أنواعها وأهدافها…فدرء المفاسد أولى من جلب النعم.