لا يخفى على أحد منا كيف تتصارع شركات الاتصالات ببلادنا من أجل الظفر بأكبر عدد من الزبائن والمشتركين.. ولا يخفى على أحد أيضا كيف أنها تبدع وتتفنن في اختيار العبارات واقتراح الخدمات التي تمكنها من تحقيق مكاسب مالية طائلة. وإذا كان هذا الأمر منطقيا ومتعارفا عليه، فإنه من البديهي أيضا أن يشمل هذا التنافس مجال دعم مختلف الأنشطة الثقافية والرياضية والفنية والاجتماعية حتى تعبر هذه الشركات عن مدى وفائها لزبنائها، وعن مدى انخراطها في بلوغ تنمية شاملة ومستدامة. والحال في مدينتنا أيها الأحبة أن هذه الشركات لا نجد لها أثرا في أي إسهام للنهوض بالمجالات المذكورة سالفا بقدر ما نجدها تتنافس على نصب العديد من اللواقط الهوائية الخاصة بتجويد إشاراتها... وهي اللواقط التي يكثر الحديث عن مدى إضرارها بالصحة العامة سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد. وفي هذا الصدد أيها الأحبة، فقد بلغ إلى علمي أن إحدى شركات الاتصالات هاته تريد نصب أحد لواقطها بالحديقة المحاذية لثانوية محمد عبد الكريم الخطابي.. كما بلغ إلى علمي كذلك أن ساكنة الحي أبدت رفضها القاطع لهذا الأمر متوجسة من أي انعكاسات صحية قد تؤدي بهم إلى ما لا يحمد عقباه. وهنا وجب القول الفاصل بضرورة منع هذا اللاقط خصوصا وأننا نملك العديد من الأحكام القضائية الصادرة عن محاكم المملكة، والتي تقف إلى جانب الساكنة في تخوفهم على أنفسهم وعلى أبنائهم. ويكفي هنا أن أسرد عليكم التعليل الوارد في إحدى هذه الأحكام حيث جاء فيها: "الضرر المستقبلي أو الاحتمالي قد لا يمكن اعتماده في بعض المواضيع المادية الصرفة، أما إذا تعلق الأمر بالصحة العامة البدنية للشخص، وخاصة صحة الأطفال، فإنه يتعين أخذها في الاعتبار، لأن الصحة البدنية لا يمكن إرجاعها إلى حالتها الأولى إذا ما أصابها ضرر ما، خاصة إذا كان سببه الإشعاع المغناطيسي الذي يجرؤ العلماء في هذا المجال على كشفه لتصادم ذلك مع القوة الاقتصادية للشركات المشتغلة في هذا الميدان، وذلك على حساب صحة الإنسان، وعليه فإن الضرر من هذا النوع يجب وضع حد له في أي مرحلة تم فيها تحديد سببه، ولو كان مستقبليا أو احتماليا". وتأسيسا على ذلك، فإنه لا يجدر بهاته الشركة بتاتا نصب لاقطها الهوائي في مكان يغص بتلاميذ المؤسسات التعليمية وبحي يعرف كثافة سكانية مرتفعة.. بل إننا ندعوها إلى اختيار البدائل الملائمة بعيدا عن أي تهديد لسلامة المواطنين وصحة الأطفال. ومرة أخرى أعود للتساؤل: لماذا لا تبادر هاته الشركات بكل إمكانياتها الكبيرة وأرباحها الخيالية إلى دعم مختلف الأنشطة والتظاهرات الرياضية والثقافية وغيرها؟؟.. لماذا لا تبادر لتكون مستشهرة لفرقنا الرياضية ومساهمة في مؤسساتنا الاجتماعية والفنية؟؟.. لماذا لا تعبر عن امتنانها وتقديرها لزبنائها عبر الانخراط والمساعدة في كل ما هو مفيد؟؟.. لماذا تفضل أن يكون المواطنون مجرد أرقام مالية بدل أن يكونوا شركاء تجمعهم الثقة المتبادلة؟؟... هكذا أرى الأمر أيها الأحبة.. فلا خير في لاقط يعمل على تجويد إشارة الهاتف، ولا يعمل على تجويد أحوال المواطن.