بينما كان ” جام بول ” المواطن الكاميروني البالغ من العمر 24 سنة ، يقيم رفقة مجموعة من المهاجرين الأفارقة بفيلاج بوعرفة القريب من الحي الجامعي التابع لجامعة محمد الأول بوجدة ، اتصل به احد أبناء جلدته الذي يشتغل كوسيط لدى إحدى مافيات الهجرة السرية الناشطة بنواحي إقليمالناظور... ...فرحة ” جام ” لم يكن لها حدود بعد ان تم انتقاؤه هو وأخيه من أبناء جنسيتة ليهاجر إلى الضفة التي قطعوا من اجلها ألاف الكيلومترات انطلاقا من مدينة ” دوالا” العاصمة الاقتصادية للكاميرون ، ليحقق أماله الطافح في الهجرة إلى أوربا ، في مغامرة بالغة الخطورة على متن زورق مطاطي دفع من اجل ركوبه 1300 اورو بالعملة الصعبة، قال أنها أرسلت له من طرف عائلته بالكاميرون بعدما أن باعت جزء من القطعة الأرضية التي كانت تمارس عليها الفلاحة. ركوب الزودياك عبارة عن لعبة ، لعبة الحياة والموت ” يقول ” جام ” في حديثه إلى ” الجريدة الأولى ” وهو يستعرض شريط مأساة ليلة 28 ابريل من السنة الجارية التي عاش أطوارها في ساحل البحر الأبيض المتوسط بين الناظور والحسيمة ، ويردف قائلا وعيناه مغرورقتان بالدموع ” لقد حاولت العبور على متن الزودياك أنا و أخي الذي مات في عمق البحر واتخذ لنفسه قبرا هناك إلى جانب 47 ضحية كان من بينهم 4 أطفال لا تتعدى أعمارهم 3 سنوات بالإضافة إلى 11 امرأة كانت معنا على متن القارب المطاطي ” . ليلة 28 ابريل من السنة الجارية جعلت موضوع الهجرة السرية يتجدد ويظل الملف مفتوحا ايقاضا للذاكرة و هزيمة لنسيان محتمل .. مهاجرون من دول جنوب الصحراء سقطوا في غياهب البحر .. ماتوا في عمق اليم الصاخب ومعها سقطت أحلام الفردوس الأوربي .. ماتوا بالمجان في قوارب الموت بحثا عن رغيف العيش وهروبا من واقع إفريقي لا يزداد إلا ترديا . لم يتذكر ” جام ” اليوم الذي انطلق فيه من وجدة إلى سواحل الناظور ..ولم يبقى في الذاكرة إلا رائحة البحر وأخ يطلب إنقاذه ولم يجد إليه سبيلا لعدم اتقانه فن السباحة . يقول جام ” انتقلنا من وجدة إلى إحدى غابات إقليمالناظور بالقرب من مدينة ازغنغان على متن سيارة صغيرة ونحن 15 إفريقيا ّ مكدسين بداخلها على شاكلة علب السردين “. ويضيف المصدر ذاته ” من الغابة تم نقلنا على متن سيارة فوركونيت كبيرة الحجم نحو المنزل المتواجد بإحدى الغابات المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط بعد قطعنا لحوالي ساعتين على متن السيارة وساعتين أخرى مشيا على الأقدام لصعوبة المسالك الطرقية وكان يتم توجيهنا من طرف احد المغاربة “. دفع المال لمنظم الهجرة السرية لا يعني نهاية التواجد فوق الأراضي المغربية، بل تطلب الأمر من ” جام” الانتظار بالمنزل الخاص بإيواء المرشحين للهجرة السرية أزيد من أسبوعين ،”بعد أن كنا قد ممللنا الانتظار ومن ممارسة الابتزاز التي يمارسها الحراكة في حق المرشحين للهجرة السرية إذ كانوا يطلبون منا كل يوم تأدية مبالغ مالية عن الأكل الذي يقدم لنا ..” يقول المواطن الكاميروني وهو يستعرض شريط المأساة. حل اليوم الموعود وطلب من المرشحين لامتطاء الزودياك الاستعداد ” في حدود الساعة الثالثة صباحا تمت المناداة علينا..كنت أنا وأخي من بين المرشحين ليمخروا عباب البحر ..كان عدد المهاجرين يزيد عن 150 مهاجرا كلهم من دول جنوب الصحراء باستثناء السائق الذي كان ينحدر من أصل مغربي ..” يضيف ” جام قائلا ” بعد أن تفرقنا إلى مجموعتين كل واحدة على متن زودياك بلاستيكي ،امتطينا الزودياك كنت رفقة أخي البالغ من العمر حوالي 21 سنة وكان عدد المهاجرين السريين 78 شخصا ، كلهم كانوا يغنون وفرحون حالمين باللحظة التي ستطأ فيها أقدامهم اليابسة الاسبانية التي من اجلها قطعوا ألاف الكيلومترات مشيا على الأقدام ..” . بعد حوالي ساعة من الإبحار بدأ المهاجرون السريون يسمعون محرك باخرة تابعة للبحرية الملكية وهي تطلق صفارة الإنذار وتطلب من سائق الزودياك التوقف إلا أن هذا الأخير رفض ذك وواصل المسير ، وبعد الإنذار الثالث قام عناصر البحرية الملكية بإغراق الزودياك عن طريق تفريغة من الهواء من خلال إحداث ثقوب بالزورق المطاطي بواسطة أسهم حديدية كبيرة الحجم . يؤكد ” جام ” تورط البحرية الملكية في إحداث ثقوب بالزورق الذي كانوا على متنه ويصرح ” بالرغم من الثقوب الأولى التي أصيب بها الزودياك تابع السائق السير رافضا الامتثال لأوامر عناصر البحرية الملكية وقامت هذه الأخيرة باستعمال زودياك صغير كانوا يتوفرون عليه وقاموا بمحاصرة القارب المطاطي الذين كان يقلنا وشرعوا في ثقبه مرة أخرى الأمر الذي جعل الزودياك تنقلب و جثث 48 مهاجر إفريقي تطفو فوق سطح الماء” . ارتفع صراخ المهاجرين السريين، وتوالت استعطافاتهم لعناصر البحرية الملكية للتدخل لإنقاذهم إلا أنهم رفضوا وامتنعوا عن ذلك ، ليبدأ معه غرق ضحايا الهجرة السرية ويتخذوا لأنفسهم قبورا في الماء. ضاع الحلم وخارت قوى المهاجرين الأفارقة وبقي البحث عن المنقذ من الموت إلى أن ” حضرت فرقة من الدرك البحري والتي قامت بإنقاذ حوالي 30 مهاجرا في حين توفي 48 إفريقيا من جنسيات مختلفة ،والشيء الذي ساعدني على البقاء هو إدراكي النسبي للسباحة حيث استطعت أن أحافظ على توازني فوق الماء”لحظات لا زالت عالقة بذاكرة ” جام ” الذي قال بأنه فقد كل شيء ، فقد أخيه وفقد المال الذي أرسل له من طرف عائلته بالكاميرون بواسطة الويسترن يونين والتي تسلمها احد المغاربة من وجدة الذي اخذ نسبة 10 في المائة من المبلغ المرسل مقابل خدمة التسلم . ترحيل وضرب من بعد عملية الإنقاذ تم تسليم المرشحين للهجرة السرية إلى البحرية الملكية ومن بعدها إلى الدرك الملكي بالحسيمة أين أخذت لهم صور فوتوغرافية و أنجزت لهم محاضر في الموضوع مع اخذ بصمات جميع الأفارقة الناجين . لم تقف معاناة المهاجرين الأفارقة عما عاشوه في البحر ، بل امتدت إلى معاملة قاسية من طرف عناصر الدرك الملكي الذين كانوا يوجهوا اللكمات لكل من حاول الاحتجاج على ما اقترفته عناصر البحرية الملكية في حق الضحايا الذين ماتوا في عمق البحر ، ويقول ” جام ” أن رجال الدرك الملكي كانوا يضربوننا كلما احتججنا على ما وقع خصوصا وان صور الضحايا وهم يغرقون كانت عالقة بأذهاننا ، إلا أن رجال الدرك الملكي كانوا يعمدون إلى تسرب الخبر و لا يصل إلى المارة بممرات القيادة الجهوية للدرك الملكي بالحسيمة والغرض هو طي الموضوع “. و يشير المصدر ذاته ، انه من اجل تحقيق الدرك الملكي لغايتهم” تم ترحيلنا إلى الحدود المغربية الجزائرية جهة مطار وجدة أنجاد ، وتمت عملية الترحيل على متن شاحنة خاصة بالدرك الملكي وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ترحيلنا إلى الحدود من طرف الدرك حيث انه في جميع المرات التي تم إيقافي فيها من طرف السلطات المغربية والتي لم اعد أتذكر عددها لكثرتها كان رجال الأمن الوطني هم من يتولون عملية الترحيل إلى الحدود” . حلم لا ينضب رغم المأساة وفاجعة 28 ابريل 2008 التي لم تنضب ، يبقى ” جام ” متشبثا بحقه في الحلم ، في الوصول إلى الضفة الأخرى بأي طريقة كانت ولو استدعى الأمر ركوب قوارب الموت مرة أخرى بالرغم من الكارثة التي عاشها وفقد خلالها أخ له يصغره سنا ، ويقول ” في هذه الفترة لا أتوفر على المال الذي يسمح لي بتأدية مصاريف الهجرة السرية ، وسأكتفي بتجريب حظي في الدخول إلى مدينة مليلية مندسا في إحدى شاحنات نقل الرمال التي تنطلق من الناظور بعد أن أصبح قفز السياج الحديدي امرأ مستحيلا ” . وبالرغم من الحادث المأسوي يبقى العديد من المهاجرين الأفارقة يفكرون دائما في العبور إلى جنة الفردوس الأوربي عبر الزوارق المطاطية التي لا تسع حلمهم الجميل ، ويقول ” جام” بفرنسية ركيكة ” اشجعهم على تحقيق حلمهم في الوصول إلى اسبانيا ، وألا يقف ما عشته حائلا دون ذلك لان الموت دائما موجود ، أن لم تمت في البحر يمكن أن تقتلك سيارة في الشارع “ ويستطرد قائلا ” أطلب من المهاجرين الأفارقة في حالة ركوبهم للزودياك ألا يتجاهلوا شيئا واحد ،وهو أن يكونوا دائما متوفرين على الصدريات المائية لإنقاذهم في حالة غرق القارب أو انقلابه بفعل تلاطم الأمواج” .