إنها قصة منطقة انتصرت في الحرب على الفقر لكنها فشلت في معركة إدماج المهاجرين. فبعد ثماني سنوات من الأحداث العنصرية التي حصلت في المنطقة عام 2000 لم يتم أي شيء لتقريب الشقة بين مختلف المجموعات البشرية، إذ الكثيرون يخشون انفجار الوضع مجددا. في بداية الستينات من القرن الماضي لم يكن مزارعو منطقة ألميرية، الذين يؤدون أدوارا ثانوية في أفلام رعاة البقر الأمريكية، بحاجة إلى إخفاء هويتهم على الشاشة وهم يؤدون أدوار سكان الغرب المتوحشين. لقد كانت ألميرية في آخر السلم بين الأقاليم الإسبانية من حيث الدخل الفردي، وكانت أيضا الأقل بين جميع المناطق من حيث عدد السكان، مثل صحراء على هامش أوروبا، شديدة الجفاف ومعرضة لضربات الرياح ولسعات الشمس الحارقة، وكانت الدراجات النارية والحمير هي وسائل النقل لدى السكان الذين كانوا يعيشون على تربية المواشي وزراعة البطاطس، وكان الحل الوحيد أمام الساكنة هو الهجرة. وخلال تلك الفترة كان عدد سكان المنطقة أقل بكثير مما كان عليه عام 1900. لذا كان يجب إعمارها، فبدأ الجنرال فرانكو يعمل على هذا الهدف، حيث قام «المركز الوطني للإعمار» بتوزيع الأراضي والمساكن على مئات العائلات المستعدة للإقامة في ألميرية، فجاءت الغالبية من منطقة الأندلس الجافة، حيث لم يكن لديهم الكثير مما يخسرونه برحيلهم، وأخذ النظام يعطيهم دروسا في كيفية استغلال الأراضي، فأصبح كل نجاح تحققه الفلاحة يطير سريعا بين المستوطنين مثل الغبار. لقد كان مجتمعا مندفعا كالتيار، متفرقا ومتضامنا، جعل من تضحيته رمزا لهويته. جميع أفراد العائلة كانوا يشتغلون، خلال النهار يزرعون وفي الليل يقومون بأعمال الري، الزوجة والجدة والأبناء، فالقليلون من أطفال المنطقة كانوا يذهبون إلى المدارس. وعندما بدأت المنطقة تزدهر ظهرت الشاحنات الصغيرة التي تنقل الناس القادمين من مختلف الاتجاهات، وفي السبعينات جاءت الأغطية البلاستيكية من هولندا. أصيبت المنطقة بضربة حظ حيث أصبح الفلاح يجني مردودية عالية، مجازفة كبيرة مقابل فائدة كبيرة. كان المستوطنون يراهنون بشكل كبير ولم يكونوا يثقون في صناديق التوفير، وبدأوا يعرفون رائحة المال، فقد انتقلت المنطقة من الفقر إلى حوالي 3000 مليون أورو في السنة، إذ في العام الواحد يمكن للهكتار أن يدر أكثر من 140 ألف أورو. وظهرت الآلاف من مناصب الشغل الفارغة، وبدأ الأطفال يذهبون إلى المدرسة، ولم تعد النسوة يعملن تحت الأغطية البلاستيكية، وبدأ كبار السن أخيرا يقرأون، وعاد المهاجرون من أبناء المنطقة الذين كانوا قد تركوها من قبل. في منتصف الثمانينات بدأ إقليم ألمرية يطلب بإلحاح اليد العاملة المهاجرة، فقد كانت المنطقة في حاجة إلى تنشيط الفلاحة أكثر، وإلى مزيد من الإنتاج، لكن الإسبان لم يريدوا العمل كمياومين. وفي عقدين فقط تحولت المنطقة، التي كانت من قبل الأكثر تصديرا للمهاجرين، إلى أكثر المناطق احتياجا إليهم. فبدأ المهاجرون من الجانب الآخر لمضيق جبل طارق يأتون، شباب صغير السن وأمي، من جنس آخر وديانة أخرى، لا يتحدث الإسبانية وفي وضعية غير قانونية، ومستعد لكي يكون وديعا ويهتم بعمله فقط وينام مثل الحيوانات مقابل ضمان مستقبله. وهكذا أصبحت منطقة ألميرية هي قبلة المهاجر القادم حديثا إلى أوروبا، والخطوة الأولى له. لكن لا أحد من سكان المنطقة كان على استعداد لاستقبال عدد كبير من المهاجرين، لقد كان المستوطنون الذين جابهوا الفقر بشجاعة يعاملون المهاجرين كمجرد يد عاملة رخيصة فقط، فكانوا يفرضون عليهم أن يعيشوا مختفين في الظل ويعاملونهم بعنصرية، والآن جاء الوقت بالنسبة إلى المهاجرين لكي يواجهوا هذا الواقع. بدأوا يأتون بالآلاف، وفي منتصف التسعينات بدأوا يظهرون في الحياة العامة، حيث أنشأوا دورا للعبادة وأخذوا يطالبون ببعض الحقوق مثل المساكن التي تضمن لهم الحياة الكريمة، وحق التجمع العائلي، وبدأت المدارس العمومية تمتلئ بأطفالهم، ويتذكر مدير إحدى المدارس هناك المغاربة الأوائل الذين دخلوا المدرسة عام 1990، أما اليوم فإن ثلث التلاميذ هم من الأجانب. لكن إيل إيخيدو مجرد رمز فقط، رمز لأسطورة الجنة الأرضية: وكالة بنكية لكل ألف مواطن، سيارة لكل اثنين. يبلغ عدد السكان حوالي 80 ألف نسمة، ثلثهم مهاجرون ينحدرون من مائة بلد، 15 ألفا من المغاربة، ولا أحد يعرف كم عدد المهاجرين الذين لا يتوفرون على وثائق إقامة. وما يزال السكان لا يثقون في المهاجرين المغاربيين، وهم يتحدثون عن «انعدام الأمن المدني»، ومستعدون لإنشاء دوريات لمراقبة العاملين في المزارع المغطاة والحيلولة دون «تزايد وتيرة السرقات». وإذا كانت إيل إيخيدو رمزا فهي أيضا عاصمة المزارع المغطاة التي انفجرت فيها الحوادث العنصرية يوم 5 فبراير 2000، بعد أن أقدم لبصير فاهيم، أحد المهاجرين المغاربة البالغ من العمر 22 عاما، على قتل شابة إسبانية في ذلك اليوم، مما سبب ردود فعل عنيفة وسط السكان تجاه المهاجرين، وهي أحداث لا يريد أحد اليوم استعادتها. لا أحد من المهاجرين السريين هنا يتوفر على أوراق إقامة، والقليلون يتوفرون على عمل، يعيشون بدون كهرباء ولا ماء، ويضمنون معيشتهم عن طريق التضامن في ما بينهم، وكل واحد منهم لديه قصة أكثر بؤسا مما كان من قبل، وغالبيتهم أنفق ما بين 2000 إلى 8000 أورو(2 إلى 8 ملايين سنتيم)، وهم اليوم في مأزق. ففي إيل إيخيدو هناك الاستغلال البشع للمهاجرين المغاربيين والأفارقة، وكثير من هؤلاء عاش مأساة حقيقية حتى قبل أن يصل إلى هناك، مثل تلك الفتاة النيجيرية التي أرادت أن تصل إلى أوروبا قبل خمس سنوات برفقة زوجها ورضيعها، وفي الطريق برمال الصحراء مات الرضيع وهجرها زوجها نحو وجهة مجهولة، بينما فضلت هي مواصلة الطريق خلال الصحراء، ووصلت إلى المغرب وهي حامل بتوأمين، حيث اشتغلت بمدينة طنجة شمال المغرب لكي تجمع ثمن الرحلة على متن قارب إلى إسبانيا، غير أن الظروف لم تكن كما كانت تحلم، إذ غرق القارب قريبا من الساحل واضطرت للسباحة لكي تخرج إلى الشاطئ، مخلفة طفليها وراءها في البحر، في طنجة عادت لتعمل مجددا لكي تجمع ثمن رحلة ثانية، وعندما نجحت في أن تجد لها مكانا في أحد قوارب الهجرة السرية كان الموت بانتظارها، إذ غرق القارب وماتت رفقة ثلاثين مهاجرا سريا، دون أن تحقق حلمها في الوصول إلى الحلم الأوروبي. عن إيلباييس الاسبانية»