حميد المهدويالمتأمل للقرارات الإستراتيجية الكبرى المُتَّخَذة من قبل الحكومات المغربية المتعاقبة سيستنتج بسرعة أنها قرارات لا وطنية ولاشعبية، وإن غلفتها الشعارات الرنانة وصاحبتها التعبئة الإعلامية المغرضة. سياسة السدود التي نهجها المغرب مطلع ستينيات القرن الماضي كانت إجابة عن مصالح البرجوازية الريفية، حيث تفيد المصادر الموثوقة أن خمسة في المائة من الملاكين العقاريين سنة 1971، كانوا يملكون 60 في المائة من أجود الأراضي الخصبة، ولو كان الصالح العام هو هاجس الدولة الحقيقي مع مشروع السدود لأنجزت الإصلاح الزراعي بإعتباره أهم حلقة في سلسلة البرنامج الديمقراطي العام المعطل ! سياسة الدولة في مجال النقل بدورها افتقدت لهويتها الوطنية والشعبية، بداية ثمانينيات القرن الماضي، عندما كانت كل تصاميم التهيئة الحضرية، المعدة بدعم من "اليونيسكو"، قد طرحت خيارين اثنين فيما يتعلق بالسياسة العمومية حول النقل الحضري. وكان الاختيار الأول يروم دعم وتعزيز أسطول "النقل الحضري العمومي" ذو السعة الكبيرة ك"الترامواي" و"القطار"، لاعتبارات أهمها أن المغرب بلد في طريق النمو ولا يتوفر على الموارد الطبيعية خاصة البترول، وكذا لعدم قدرة الجماعات الترابية على مسايرة التوسع العمراني وما يتطلب ذلك من تجهيزات و بنيات تحتية، فيما كان الاختيار الثاني يروم التشجيع على استعمال السيارات الخاصة (النقل الفردي) مع ما يتطلبه ذلك من توفير للبنيات التحتية على المدى الطويل (الطرقات..) ومن تكلفة مالية باهظة من أجل إستراد البنزين بالإضافة الى المشاكل البيئة المترتبة عن ذلك. القائمون على تدبير الشأن العام، آنذاك، وكعادتهم دائما ! تملصوا من مسؤولياتهم تجاه المواطن، و اختاروا الحل السهل أي "النقل الفردي" الذي يُوجِب على كل مواطن مغربي تحمل مشكل النقل الخاص به. ورب متسائل يسأل: لماذا فضل المسؤولون المغاربة الإختيار الثاني الذي أثبت فشله اليوم ويريد "السي" بنكيران من المواطن المغربي أن يؤدي ثمنه عبر الزيادة في المحروقات؟ ببساطة شديدة، لأن "رونو" و"ستروين" و"بوجو".. شركات فرنسية وعدد من رجال الأعمال"المحظيين" في المغرب استفادوا من امتياز استراد السيارات فورطوا المواطنين المغاربة في القروض الإستهلاكية لإقتناء تلك السيارات، قبل أن يأتي "السي" بنكيران، ويفرض قرارا لاشعبيا ولاوطنيا بالزيادة في ثمن المحروقات وهو يقول للمغاربة كعادته (بلاحشمة بلاحيا) : "واش بغيتوا تشريوا السيارات أُبغَيْتوني نخلص عليكم المازوت" !