والجريدة ماثلة للطبع، يتبين من المعلومات بشأن تعيين العمال والولاة الجدد أن امرأة واحدة فقط موجودة على اللائحة ! من المؤكد – إن هذا تحقق - أن المتتبع للشأن العام سيصاب بالدوخة لما سيتأمل لائحة الولاة والعمال، خصوصا لما سيبحث عن اسم مؤنث صعودا وهبوطا في اللائحة مثلما ستنشرها مختلف وسائل الإعلام. والصدمة ستكون أكبر لأولئك الذين اعتقدوا صادقين أن إقرار المناصفة على مستوى الدستور يعني شيئا ما في مجال "تقدم المرأة في احتلال مواقع المسؤولية في مراكز القرار." قبل أيام، قرأت مقالا يحاسب كاتبه فقيها على عدم احترام الدستور في تصريحاته. وما يجهله صاحب المقال أن الدستور يعني المؤسسات وأصحاب القرار، أما عامة الناس، والفقيه منهم، فله أن يقول ما يريد وإذا خالف القانون، فهناك القانون الجنائي والمحاكم لمتابعته، وهذه المحاكم لا تتابع شخصا لكونه خالف الدستور.. أما بالنسبة للمؤسسات، فتلك قصة أخرى.. نص الدستور صراحة على المناصفة، وجاء هذا في الفصل 19 من دستور 2011 والذي عوض الفصل 19 من دستور 1996. وجاء الفصل 19 الجديد ضامنا للحقوق والحريات الأساسية للمواطنات والمواطنين، بعدما كان نفس الفصل في الدساتير السابقة يقر بالسلطات المطلقة للملك. وهذه الإشارة وحدها كان بإمكانها أن تكفي لتعزيز مكانة حقوق الإنسان في حياتنا اليومية، ومنها اعتماد مبدأ المناصفة. جاء في الفصل 19 ما يلي: " تسعى الدولة إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء." ومن خلال لائحة الولاة والعمال، يتضح أن الدولة لم تسع إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء" !! إذن، الدولة قد لا تحترم هذا المقتضى الدستوري، إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن امرأة واحدة قد توجد على لائحة من بين عشرات الرجال في مناصب سامية ضمن مناسبة واحدة. السؤال هو من يمكنه أن يفرض احترام الدستور لما يتعلق الأمر بالقرارات، ومن ضمنها قرارات التعيين في المناصب السامية ؟ وقع هذا في لائحة وزراء حكومة بنكيران وها هو نفس الأمر يقع اليوم ضمن لائحة أول مسؤولين سامين يتم اقتراح تعيينهم من خلال مجلس وزاري. ومن المحتمل أن يستمر الوضع على ما هو عليه في التعيينات المقبلة وما أكثرها. من الحسنات الشكلية للدستور الحالي أنه أعطى صلاحية اقتراح المسؤولين السامين للحكومة ورئيسها، لكن لا يتضح أن هناك حسن استعمال هذه الصلاحية في تنزيل مقتضيات الدستور أولا، وفي الدفع يتطور تمثيلية النساء في مؤسسات الدولة وخصوصا وصولهن إلى مراكز القرار ثانيا. قضية المرأة ليست قضية النساء فقط، بل إنها قضية التنمية الشاملة أيضا. ولهذا، نعتبر أن عدم احترام المناصفة يحرم المغرب من فرصة الإستفادة من خبرات نسائه في تسيير دواليب الإدارة، خصوصا أمام طبيعة الإختصاصات التي تتمتع بها الإدارة العمومية المغربية في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية وغيرها. وعودة إلى دستورية بعض القرارات من عدمه .. هل ستكون للمحكمة الدستورية صلاحيات بمقتضى القانون التنظيمي (الذي لم يصدر بعد) النظر في القرارات، وخصوصا لإسقاط قرار قد يعتبر مخالفا لروح الدستور من قبيل استثناء النساء من المناصب السامية ؟ الوضع يتطلب أكثر من اليقظة، وما تحقق في المغرب من حيث وصول النساء لمراكز القرار في تراجع خطير .. والتراجع قد يزيد إن لم يتحرك المجتمع لإيقاف هذه الكارثة الحقوقية المهينة ليس فقط للنساء بل لكل ما تحقق من مكتسبات في المغرب الحديث.