د: أحمد جازولي أتيحت لي الفرصة لقراءة بعض البرامج الإنتخابية التي قدمتها أحزاب لكسب ثقة المواطنات والمواطنين والتصويت لصالحها في انتخابات 25 فباير. ومن المؤسف، ليس هناك ما يثبت أن البرامج الإنتخابية يمكن أن تكون مؤثرة على الخيارات الإنتخابية لأغلبية المصوتين، لكن البرنامج يؤكد مستوى النخب الحزبية التي وضعته، وبدرجة أقل مستوى القيادات التي تبنته وبمستوى أضعف الجماهير الحزبية التي ستهتف به خلال الحملة الإنتخابية. بداية، يجب إثارة انتباه القراء الكرام أن هناك برامج تشبه قبعة الساحر التي يخرج منها العجب العجاب مما يريده الجمهور. وهناك أحزاب، دون تخصيص، بدلت مجهودات كبيرة على مستوى اقتراح سياسات عامة قابلة للتنفيذ خلال الخمس سنوات القادمة، لكن كل الأحزاب ركزت على ما ستنفذه من خلال الحكومة وتجاهلت كيفية أدائها للمهمة البرلمانية، وكأن الإنتخابات ستؤدي رأسا إلى مقاعد في الحكومة دون أي مرور عبر مقاعد في البرلمان. السؤال في الإنتخابات البرلمانية ينقسم إلى شقين: أولا، ماذا ستفعلون بسلطة تمثيل الناخبين إذا انتخبوكم إلى مجلس النواب؟ وثانيا، لو حصلتم على الأغلبية، ما هي السياسة الحكومية التي ستطبقونها؟ هذان السؤالان الأوليان (وهما إثنان كما تدل على هذا اللغة العربية الغنية بالمثنى)، لا نجد لهما جوابا في البرامج الإنتخابية، وخصوصا بهذا الترتيب: الأول أولا، والثاني ثانيا. وأعتبر أن الجواب عن السؤال الأول هو الأساس، لأن الحزب في جميع الحالات قد يصبح ممثلا في البرلمان وليس بالضرورة في الحكومة. إذن ما هي العلاقة التي يتصورها برلمانيو المستقبل القريب مع سكان الدوائر الإنتخابية؟ كيف سينظمون علاقتهم مع الناخبين، بما يحافظ على جدية التمثيل الإنتخابي ويعطيه مصداقية مفقودة في الواقع؟ متى سيعودون للدوائر الإنتخابية ومتى سيعملون في مؤسسة البرلمان بالرباط؟ هذه قضايا مهمة بالنسبة للمواطن الذي لا يجد أمامه البرلماني إلا خلال أيام الحملة الإنتخابية. وبعدما يصوت عليه، يقضي سنوات الولاية الإنتخابية وهو يبحث عن الرجل الذي انتخبه ولا يترك لا أسواق الإقليم ولا شوارع الرباط، دون أن يجده. وخلافا لما قد يعتقده الكثيرون، المسألة لا تهم "البرلمانيين الراشين والناخبين المرتشين" فقط، بل كثيرا ما تكون لمواطنين قضايا جدية يتصورون أن البرلماني يستطيع مساعدتهم على حلها. لكن أغلب البرلمانيين في التجارب السابقة، دون تعميم مجانب للصواب، كانوا يتحاشون لقاء المواطنين، ولو لمصارحتهم بحقيقة "أن لا سلطة ولا قوة لهم" أو أن حل مشكلهم يوجد بالجهة الفلانية، ولو من باب الإرشاد. إذن البرامج التي لم تجب عن هذا الإشكال أخطأت الهدف الأول. وبالنسبة للمقترحات المتعلقة بالسياسات الحكومية التي سيتم تطبيقها إذا فاز الحزب بقوة في الإنتخابات، وإذا شارك في الحكومة، فأغلبها تركز حول عدد مناصب الشغل التي سيتم إحداثها. طبعا، هذا الإختيار ليس خاطئا، لكنني شخصيا أختلف معه. وأتصور أن أهم شيئ يمكن التركيز عليه أولا هو التعليم والتكوين المهني والتكوين المستمر. ولو أنني كنت رئيس حزب، لطرحت موضوع التعليم كأولوية، ولقلت للأعضاء، نحن سنطلب من المواطنين التعاقد معنا لولايتين متتابعتين أي 10 سنوات، وليس فقط 5 سنوات، لأن أي إصلاح للتعليم لا يمكن أن ينفذ في أقل من عقد من الزمان. والتعاقد في الخمس سنوات ما بعد القادمة سيكون بناء على النتائج. لكن يجب أن يكون الإصلاح إصلاحا، وليس فقط التقاطا لكلمات رنانة للتسويق الفارغ وتصورات منقولة بالحرف من تجارب أجنبية، وأن يتم الإشراك الواسع في إعداده وتنفيذه، وخصوصا إشراك الأسر باعتبارها تدفع تكاليف التعليم وتحصد النتائج، مع إشراك القطاع الخاص باعتباره الزبون الأول للتعليم وعلى أن يكونون عند الإعداد مستمعين جيدين لا محاضرين مبرزين، لأن لحظة إعداد الإصلاح تتطلب من مهنيي التعليم الإستماع أكثر من الكلام وبخبرتهم يمكنهم ترجمة انتظارات الناس إلى خطط عمل، لا أن يفرضوا "الفهامات" على المجتمع مثل ما حدث مع رفض تعريب المواد العلمية في التعليم العالي بحجة أن الأستاذة لا يتقنون التدريس بالعربية، وكأن الجمعات وضعت لخدمة الأساتذة، لا خدمة الطلبة والمجتمع، فكانت خسارات مذهلة، وضياع شامل لآلاف المتفوقين، دون أن يفتح أي تحقيق لغاية اليوم في ما حدث، ولماذا حدث (؟). الهدف من إصلاح التعليم، هو أن يكون لدينا تعليم يطور المهارات وليس تعليما يكدس المعلومات، تعليم مستقبلي يعي أن متعلم اليوم لن يخرج لسوق العمل إلا بعد سنوات، أي بعدما ستكون حاجيات سوق العمل قد تجاوزت ما يتم التكوين عليه. هذا إذا ما كان التعليم مسايرا للتطور الجاري في المجتمع. ولهذا يجب تعليم التعلم، ليكون المتخرج قادرا على تطوير قدراته ومهاراته بشكل ذاتي في محيط مساعد. وسأقترح تقوية اللغات وإتقان فهم واستعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة، وتعليما بدون محفظات، تعليما بيو إس بي (USB) يوضع في الجيب، وكتابا مدرسيا إلكترونيا، يصل إلى عشرات الآلاف بمجرد إخراج نسخة واحدة. وأول نتيجة ستكون تخفيض تكاليف إنفاق العائلات على التمدرس، حتى لو تم شراء حاسوب لكل أسرة تشترك فيه عائلة بكل أفرادها، ولا يمكن أن نتصور التطورات المرافقة التي ستحدث. وطبعا، هذا المشروع يحتاج إلى الكثير من الفرح من أجل تنفيذه، وليس إلى "عبس وتولى" وصرامة المقدمين والشيوخ أو رؤساء جماعات محلية جهلة مع هيئة . قد يقول قائل إن هذا المشروع مكلف. بالعكس، هناك نظرية شائعة تقول بالقدر الذي نصرف أكثر بطريقة أفضل وبمنهجية أنجع بالقدر الذي نربح أكثر. وهذا أحسن مقارنة باستمرار وضع مأزوم كما هو عليه، حيث تكون الخسارة فادحة ومتواصلة دون أفق ونتائجها تطال كل المجتمع ومستقبله. وبالتالي، فاحتساب الخسارة يتم أيضا انطلاقا من احتساب الفرص الضائعة، ولهذا فتقييم النجاح يتم أيضا باحتساب الأثر الإيجابي لأي مشروع. وبالمناسبة، لم يتحدث أي برنامج عن الكيفية التي سنحاسب بها المنتخبين بعدما نضع ثقتنا فيهم ! لم يقل أحد "هكذا ستحاسبوننا كل سنة". هل يطلبون ثقة على بياض؟ دققوا جيدا قبل أن تختاروا.. لا أحد يعرض طريقة للمحاسبة قبل خمس سنوات !!