تشكل هجرة الأدمغة موضوع نقاش واسع، في الأوساط الثقافية والإعلامية والدوائر الرسمية. حيث يأتي المغرب، حسب دراسات حديثة، في المرتبة الثانية لأعلى نسب هجرة الأدمغة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، رغم الجهود المبذولة لوقف "هروب" الأدمغة إلى خارج أرض الوطن. وأوردت مجلة "Arab weekly" ، أن المغرب يبذل مساع كبيرة من أجل التصدي للظاهرة منذ سنة 2007 ، عبر مجموعة من المبادرات الحكومية، التي يعد المنتدى الدولي للكفاءات المغربية المقيمة بالخارج (FINCOME) أبرزها، حيث يسعى المنتدى لجذب المهنيين والأكاديميين المغاربة الشباب الذين يعملون بالخارج إلى المغرب وإدماجهم في قطاعات التعليم العالي والبحث العلمي وقطاع الأعمال . وقال وزير التعليم الوطني والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، سعيد أمزازي، إن برنامج FINCOME ، استراتيجية تم إنجازها من قبل الوزارة بتشارك مع القطاعات المعنية والجمعية المغربية للبحث التنموي "Association R&D Maroc"، وذلك بمساعدة برنامج الأممالمتحدة للتنمية PNUD. ويروم برنامج هذه الاستراتيجية حسب الوزير إلى دعم البحث التنموي والتكوين ونقل التكنولوجيا والخبرات وتقديم المساعدة والخبرة لإعداد الاستراتيجيات القطاعية للتنمية وتقييم برامج ومشاريع البحث وجذب الاستثمار وشراكة الأعمال وخلق التآزر بين الكفاءات المحلية والكفاءات المغربية المقيمة بالخارج، لاسيما من خلال شبكات البحث و المساهمة في تعزيز التعاون الثنائي. واعتبر أمزازي أهم المنجزات في هذه الاستراتيجية يمكن تلخيصها في دعم البرنامج لحوالي 370 خبير من الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج خلال الفترة الممتدة ما بين سنتي 2012 و 2017 ، ويخص هذا الدعم قيام هؤلاء الخبراء بدورات تكوينية وبأنشطة تتعلق بالبحث العلمي، بالإضافة إلى مشاركتهم في الملتقيات الوطنية. وكشفت دراسة لجامعة الدول العربية العام الماضي، أن هناك حوالي 50000 طالب مغربي يدرسون في الخارج وحوالي 200000 خبير مغربي في مجالات مختلفة، اختاروا العمل خارج بلدهم. كما أوردت دراسة أجراها موقع Recruit على الإنترنت، وهي شركة توظيف رائدة ، أن 91٪ من الخريجين المغاربة يحلمون بمغادرة البلاد وإيجاد فرص عمل في الخارج لأنهم يعتقدون أن الهجرة من المغرب ستساعدهم على التقدم وتطوير حياتهم المهنية. وفي خطابه بمناسبة ثورة الملك والشعب، نبه جلالة الملك بدوره إلى هذه المسألة كاشفا أن "العديد من الشباب، خاصة من حاملي الشهادات العليا العلمية والتقنية، يفكرون في الهجرة إلى الخارج، ليس فقط بسبب التحفيزات المغرية هناك، وإنما أيضا لأنهم لا يجدون في بلدهم المناخ والشروط الملائمة للاشتغال، والترقي المهني، والابتكار والبحث العلمي. وهي عموما نفس الأسباب التي تدفع عددا من الطلبة المغاربة بالخارج لعدم العودة للعمل في بلدهم بعد استكمال دراستهم". في هذا الصدد، قال هشام متحد، الأستاذ والباحث في العلوم السياسية والإستراتيجية في كندا في تصريحة لمجلة "Arab Weekly" ، إن "الحكومة المغربية لم تأخذ قضية هجرة الأدمغة على محمل الجد، خاصة عندما يكون على المغرب، الآن أكثر من أي وقت مضى، حريصًا على الاحتفاظ بالأشخاص المؤهلين ومنحهم المكانة التي يستحقون من خلال تهيئة الظروف المهنية والاجتماعية المناسبة". ودعا متحد، في التصريح ذاته، الحكومة المغربية إلى التعامل بمسؤولية "لوقف هجرة الأدمغة". قائلا: "عليها أن تعمل بجدية لاستعادة الخبراء والكفاءات المغربية المقيمة بالخارج وإدماجهم من أجل المساهمة في تسريع تنمية البلاد". وأضاف الأستاذ الجامعي "إن رأس المال البشري هو أساس التنمية الاجتماعية والاقتصادية في كل بلد وخزان للذاكرة الجماعية التي هي أساس أي ازدهار وطني". وفي السياق ذاته قال أمزازي، في تصريحات سابقة خلال جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، "إن هجرة الكفاءات تشكل انشغالا تعاني منه العديد من البلدان من بينها المغرب، وذلك نتيجة حركية الكفاءات اتجاه بلدان أخرى بالنظر للامتيازات التي تقدمها بلدان الاستقبال، ولاسيما من حيث التعويضات المادية وظروف العمل، كما ترتبط هذه الظاهرة بما يعرفه العالم من تحولات تكنولوجية وتشجيع لحرية التنقل وحركية رؤوس الأموال والكفاءات".